-A +A
سعد الخشرمي (جدة) salkhashrami@
لم يكن حضور الفنون والثقافة ضمن الوفد المرافق لزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن ترفاً، فقد اصطحب معه أحد مضامين رؤية 2030، إذ أكّد أن «أرضنا عرفت على مر التاريخ بحضارتها العريقة»، والتي اكتسبت «تنوعاً وعمقاً ثقافياً فريداً»، متعهداً في ملف الرؤية أن «نبرزها ونعرِّف بها» كونها «شاهداً حيّاً على إرثنا العريق ودورنا الفاعل وموقعنا البارز على خريطة الحضارات الإنسانية».

ولأن «الفن لا يعكس المرئي، بل يجعله مرئياً» كما يؤكد الفنان السويسري بول كلي، أصبح المجتمع الأمريكي قادراً على قراءة العمق التاريخي والثقافي للسعودية من خلال لغة بصرية توسّدت المعارض الفنية المصاحبة للزيارة الرسمية، إذ قامت مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية «مسك» ووزارة الثقافة والإعلام والهيئة العامة للثقافة بتقديم التحولات الدراماتيكية في المملكة للشعب الأمريكي دون اللجوء إلى ما يسميه اللغويون بـ«خيانة النص» أثناء الترجمة من لغةٍ إلى أخرى. وتهدف المعارض الفنية المصاحبة للزيارة إلى التعريف بالإرث الثقافي السعودي في واشنطن عبر أكثر من 33 فناناً يقدمون أعمالهم الفنية الرئيسية للمجتمع الأمريكي، إضافةً إلى ندوات ثقافية في مراكز ثقافية وفنية أمريكية حتى يندمج الفنانون السعوديون في التعاون مع الفنانين الأمريكيين، ما يعزز الشراكة الثقافية بجانب نظريتها السياسية والدبلوماسية التي تأكدت في لقاء الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب في البيت الأبيض أخيراً.


وجاءت رؤية 2030 التي قدمها الأمير محمد بن سلمان داعمة للثقافة في تجلياتها المختلفة شريكة أساسية في القوة المستقبلية للمملكة عبر اهتمام ولي العهد بعكس الصورة الحقيقية للسعودية، فما أن تجولت الفنون السعودية في زيارته الأخيرة إلى العاصمة البريطانية «لندن» حتى مضت مشاركةً في زيارته إلى العاصمة الأمريكية «واشنطن»، ما يكشف النقاب عن القوة الناعمة التي تحققها المملكة في الخارج كون النخب الثقافية والفنية أحد الأدوات الرئيسية في صناعة الرأي العام، وتشكيل الصورة الذهنية عن البلدان وحضاراتها.

يؤكد الفيلسوف مارتن هايدكر أن «حضور الشيء في المنتج الفنيّ ليس هو ما يمنحه طابعاً إبداعيّاً فنيّاً، بل هو ما يحمله هذا الأثر الفنّي من رموزٍ ودلالات واستحضارٍ للشيء الغائب المراد تجسيده»، فتجسيد السعودية من خلال الفن البصري بشتى مدارسه الفنية يعد تجسيداً للهوية السعودية العريقة، والتي تتمثل في أفكار ورموز بصرية ورسائل واضحة أن المملكة ليست كما يصورها بعض الإعلام الأمريكي، بل تؤكد هذه الفنون أن السعودية حاضرةً بإرثها التاريخي في الزيارة لمخاطبة المجتمع الأمريكي عبر أحد أهم تجليات القوة الناعمة للدول.