صالحة عبيد
صالحة عبيد
-A +A
حاورتها: أروى المهنا
عندما نريد أن ننفتح على الساحة القصصية الشبابية في الإمارات تحديدا في منطقة الشارقة لابد أن نجد اسم القاصة والكاتبة الإماراتية والعضوة برابطة أديبات الإمارات صالحة عبيد في أوائل القائمة، لها الإصدارات «زهايمر، ساعي السعادة، آيباد الحياة على طريقة زوربا»، ومجموعة قصصية أخيرة بعنوان خصلة بيضاء بشكل ضمني، حازت عبيد على المركز الثالث في جائزة التبادل الثقافي الإماراتي ـ الإيطالي، هي مهندسة في حياتها العملية وقاصة في سماء الإبداع تسبر أغوار الحكاية في مخيلتها قبل أن تطبعها بحنكة على الورق وتؤكد عبر حوارها مع «عكاظ» أننا نحتاج إلى نقد حقيقي يقوم النتاج الأدبي ويضعه على الخريطة وإلى نص الحوار:

• بداية من أين استقت صالحة عبيد هذا الزّخم الأدبي والفني؟


•• من القراءة، بكافة أشكالها كما أعتقد، التي تبدأ من الكتب دون أن تنتهي عندها، فهناك تلك الكتب التي تصنع جزءا كبيرا منك، وما كان من الممكن أن أكون لولاها.. فيما يتقاطع مع ما قرأته لإيريك فروم منذ فترة بسيطة تحديدا في إجابة له على سؤال عن علاقته بالكتب، ومنها – أي الكتب – يبدأ العالم، ويبدأ شغف قراءة كل التفاصيل وتحليلها ليتشعب إلى اللون، الموسيقى، وحتى تلك المشاهد اليومية من الحياة.. وإنني أحب في تلك التفاصيل أنها تبقى حاضرة فيَّ بكثافة، كأصدقاء، ومساكن صغيرة للروح موزعة على امتداد العوالم والجغرافيات، أحب «ألبيركامو» مثلا لكأنه صديق أثير وأفتقد نجيب محفوظ لكأنه ذلك الجد السردي الغائب، لسبب ما أجد أنني أشتاق للبصرة التي كتبها الدكتور صلاح نيازي في «غصن مطعم بشجرة غريبة»، وأعبر على النبرة التهكمية القاسية التي صاغها سلفادور دالي عن الحرب الأهلية الإسبانية في لوحته «وجه الحرب» لكأنني أسمع ما يقوله بغضب ونزق وهو يفكر في جدوى هذا التطاحن، كما أشعر بوجه النمساوي «إيغون تشيلي» مألوفا في معظم بورتريهاته لكأنني كنت معه في ذلك الحيز الزمني والمكاني الذي كان يتأمل وجهه فيه ويرسمه، وهكذا.. تتسرب التفاصيل، تمتزج بي وأمتزج بها وتشكلني كهوية راسخة وأحداث وآمال أيضا.

• كيف وجدت نفسك ككاتبة قصصية وماذا قدّمت الكتابة لصالحة عبيد؟

•• أظن أن شغفي بالقصص القصيرة يبدأ من فكرة أنها غالبا ما تترك بوابات الخيال مشرعة، إنها تعطيك اللمحة، نصف المشهد أو ثلاثة أرباعه وتتركك معلقا في الهواء، لتستكمل على حسب وعيك ما تبقى، وهذا ما يجعلني منشدة إلى قالب القصة القصيرة لما أكتب، رغبتي في أن أصنع تلك الألغاز والرسائل المخبأة من الأمور التي قد لا ينتبه إليها أحد، والتي تحتمل من الإسقاطات ما يرتبط بأهم القضايا فيما حولنا، ولعل هذا الارتباط بات أخيرا يأخذ تشكله تلقائيا، من حيث إنه متى ما نبتت في رأسي الفكرة أجدها تفرغ نفسها على هيئة قصة قصيرة.

• حصلت مجموعتك القصصية «خصلة بيضاء بشكل ضمني» على جائزة العويس للإبداع فئة أفضل إبداع قصصي ماهي الأبعاد التي نصبتها لكتابة هذا العمل؟

•• في «خصلة بيضاء بشكل ضمني» كنت أنشد خطوة أكثر استقامة، إن جاز لي القول، أنا الفتاة كثيرة التعثر، ومن هنا فإنني كثفت من استحضاري للتفاصيل التي أحب الكتابة عنها لأجعلها تحتمل ثقلا جديدا من الإسقاطات، فكانت الحقيبة الأرجوانية في «ظل الخائف» وهي افتتاحية المجموعة، هي القفزة الهائلة لذلك الشخص الذي اعتمد على الخوف والعتمة نحو تفرده الخاص والضوء، وكانت الخصلة البيضاء في نص آخر هو نص عنوان المجموعة هي ذلك الثقل التي يعلق عليه شخصان أسئلة المجتمع الذي يحاصرنا بقوالب معينة وأشكال معدة سلفا دون إعارة أي معنى لما تشعر به الأرواح.

• دور المرأة المثقفة كيف له أن يوظف كعنصر حقيقي ومهم في بناء مجتمع واع وواعد؟

•• في ذلك قد أتجه للقول إننا قد نحلل المسألة على اتجاهين، فهناك الثقافة وهناك الفعل الثقافي، الثقافة أولا باعتبارها التي تصنع الفرد المثقف وهي تفاعل حيوي قائم على تجميع المعرفة بكافة الوسائل الممكنة وفي ذلك يتشابه الرجل والمرأة، في مسؤوليتهما تجاه وعيهما الخاص، ثم يأتي الفعل الثقافي ثانيا، الذي قد تؤثر المرأة فيه بجعل حضورها على مستوى الفعل الثقافي مساويا للرجل ومؤثرا في مستوى اللقاءات على الأرض والتأثير بإيصال أفكار ما تطرحه في تعبيرها الإبداعي لأكبر شريحة ممكنة وتوعية المجتمعات على أن المرأة حاضرة بكثافة كعقل وجسد معا في الوسط الثقافي أيا كان، ورفض فكرة الانتقاص والاستهانة بالأمسيات والندوات الثقافية والمحاضرات؛ لأنها تكريس لتلك المسؤولية التي تم ذكرها في البداية وهي جزء من صناعة مجتمع متقبل لجميع أطيافه.

• في التعريف عن ذاتك تقولين «أجيد القلق» ماهي عوالم هذا القلق؟

•• هو «قلق» البحث، الفكرة الغامرة جدا بأن هناك شيئا ما يجب أن يقال، أن يكتب أن يكتشف، قد لا يكون الإنسان توصل إليه بعد منذ حضارته الأولى، وهو قلق الجدوى أيضا، البحث عن المعنى خلف الأشكال والوجوه والأسماء.. وهو ما يربكني دائما ويجعلني أحس بذلك القلق الذي يشبه القلق المعتاد لسبب معين ولا يشبهه لاتساع الأسباب خلفه.

• أمام وفرة النتاج الأدبي والفكري ماهو تقييمك لحركة النقد الأدبي اليوم؟

•• أود دائما لو يتوازى النقد الأدبي مع هذه الكثافة الكمية التي يحفل بها عالم النتاجات، فهناك الوفرة الملقاة بدون رصد خط تحليلي لمعانيها وأبعادها، مما ينسف عنصر التأريخ للأعمال الإبداعية، وما أعنيه هنا بالتأريخ هو رصف خط زمني يحلل أدبيات كل فترة من نواح مختلفة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا أيضا وكيف تضافرت هذه العوامل لتشكل أدبا معنيا بهذا البعد الزمني، وعلى ذات السيرة أجدني كثيرا ما أسأل نفسي كلما أتى الذكر على أنه لم يأتِ أدب في هذا الوقت الراهن المشتعل من محيطنا الشرقي يتوازى مع هذه الاشتعالات ويعبر عنها كما يجب، فهل فعلا لم يأت أدب أم أنه لو يوجد نقد حقيقي يقومها ويضعها على الخريطة كما وضع أدب الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات على الخارطة، ليشير إلى مكامن قوته التي ترتفع بالوعي الجمعي ويقوم مواضع هشاشته جاعلا من المتلقي مدركا لأهمية الاشتغال الإبداعي وما يمر به من مراحل مهمة.

• جذبك في الآونة الأخيرة عالم النّحت؟ لماذا النّحت لا اللوحة؟

•• وإن كان كلاهما يصب في الفن والإبداع يجذبني كل ما ابتدعه الإنسان ليقول من خلاله أنا موجود، أو لقد كنت هنا، أو ما يتركه لك على هيئة ألغاز لتحلها مرتفعا بوعيك درجة بعد أخرى، وفي ذلك النطاق يقع النحت، التجسيدات ثلاثية الأبعاد للفكرة والشعور، والتأريخ الملغز لحوادث متنوعة والتشكيل الإنساني للمتناقضات، وفكرة الخلق العجيبة، أقرأ المنحوتات كما أقرأ كتابا ملهما، وأواجهها بهشاشتي لتنحت هي في داخلي بدورها شيئا ما.. وأظن أن تركيزي الحالي على قراءة النحت والتعرف على هذا العالم يأتي بعد عتبات القراءة الاعتيادية التي ذكرتها في البداية، التي تأتي مع الكتاب لتقودك إلى اللون والموسيقى وحتى النحت، فكلها عوالم مرتبطة وأحدها يقود إلى الآخر، لكن تختلف فترات الكشف وتسليط الاهتمام فقط بالنسبة للمتلقي، وأنا في فترتي الزمنية هذه مأخوذة بتأمل الأعمال المنحوتة كما أظن.