بنى محمد صبحي عبر سنوات طويلة من الحضور المسرحي والدرامي، صورة «المثقف الفنان»؛ رجل يُفترض أن يحمل مسؤولية ثقافية وأخلاقية تجاه جمهوره والمجتمع. لكن لحظة غضبه العلني على سائقه أمام عدسات الكاميرات والجمهور، تقطع كل صلة بين تلك الصورة وبين هذا الواقع. ما بين «مَن يُعلِّم» و«مَن يَنتفض» تكمن التناقضات.

هو رجلٌ نقدي، يدعو إلى الذوق والاحترام في فنه، ويتحدث عن القيم، ثم يتصدّر «الترند» بغضب طفولي علني. وهو من يُثني على الأخلاق في حواراته وأعماله، لكنه في لحظة ضغط ينزل إلى مستوى الاستعلاء، واحتقار إنسان يعمل معه.

هذا الانسلاخ -بين الكلام العالي والموقف الهابط- ليس زلة عابرة، بل كشف عن ضعف الشخصية تحت ضغط الشهرة والعين الفاحصة. وما زاد من فضيحة الموقف ليس مجرد الانفعال ذاته، بل العيش داخل ذلك العالم الذي هو من صُنعه؛ عدسات، كاميرات، صحفيون، جمهور؛ كلهم تحت سقف «الترند».

فنان يبحث عن مشهد

حين يستفزك الزحام أو الضغط «عذرٌ بشري»، لكن أن تختار أن تُظهر غضبك على أحد موظفيك أمام الناس، فهذا ليس إنسانًا متعبًا، بل «نجم» يظن أن نجوميّته تمنحه امتيازات. المشهد لا يخدم «إنسانًا تعبًا» بل «فنان يبحث عن مشهد»، وكأن صبحي استغل الفرصة ليظهر، ليس كأنيق محترم، بل كسلطة مترفعة، غير مُحاسب.

وهناك فرق كبير بين «التعبير عن ضيق» و«الإذلال العلني». صبحي لم يناقش سائقه في سرّية، بل رفع صوته، استعاد مفتاح السيارة وغادر، كمن يقول: «أنا فوقك، حتى لو أنت خادمي». وكل كلمة كانت توحي بأن العامل ليس إنسانًا يُعامل بالاحترام، بل كأداة تنفيذ. هذا يتنافى تمامًا مع الخطاب «الإنساني» أو «الرسالي» الذي غالبًا ما يتباهى به. وإذا كانت للفن رسالة، فهذه الرسالة تُسقط عندما ينهار احترام الإنسان لدى حاملها. الفضيحة ليست بأن يغضب فنان، بل بأن يغضب ويتصرف بسلطة مفرطة، أمام من هو «أدنى» منه اجتماعيًا أو مهنيًا. والفنان -خصوصًا المثقف- لا يُقاس بعدد الجوائز أو سنوات العطاء، بل بمدى حفاظه على كرامة الإنسان، بغض النظر عن رقمه الوظيفي أو موقعه. وهنا، سقط صبحي في اختبار أخلاقي واضح؛ فقد التوازن بين «شخص يُمثل الفن والإنسانية» و«عامل يملك قوة بريق الشهرة».

لحظة ضعف أخلاقي

لا يُطلب من أحد أن يكون ملاكًا لا يخطئ. لكن المطلوب -طالما نضع نفسنا في خانة «فنِّنا، أخلاقيّاتنا، رؤيتنا للمجتمع»- أن نعرف أين تقف كرامة الإنسان، أين تقف القيم، قبل أن نبحث عن الشهرة أو الانتشار.

وتصرف صبحي في ذلك المشهد ليس زلة ساقطة تحت ضغط، بل كشف لحظة ضعف أخلاقي وانزلاق وراء السلطة. وبمقياس احترام الإنسان، هو خسارة فادحة، لجمهوره، لقيمه، وللفن نفسه.