-A +A
حصة آل فاتن (الرياض) hfn_19990@
نحن أمام عمل يعج بالنجوم، إذ يكفي هنا أن نشير إلى أن نفس المشاركين في هذا العمل هم أنفسهم نجوم المسلسل «هاري بوتر»، لنعرف مقدار الجذب والاحترافية الذي ميز الأداء منذ أول لقطة وتواصل في باقي الحلقات، بل سيزيد يقيننا من القيمة الفنية لهذا العمل عندما نضيف أن التشكيلة التي زينت فيلم «الحب فعلا»، هي نفسها التشكيلة التي رفعت من جودة المسلسل الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا المقال.

طبعا نقصد مسلسل «مناورة الملكة» الذي استطاع أن يتربع على عرش المسلسلات الأكثر جذبا للمتابعين هذه السنة.. جنبا إلى جنب مع مسلسلات ذات قيمة فنية عالية كـ«أشخاص رائعون» و«الملك النمر».


قسوة الواقع ومتعة الخيال

إذا كنت تواقا لغزو عالم المرأة في الستينات من القرن الماضي، فهذا المسلسل يكفيك لتحقق نسبة كبيرة من الانبهار، وذلك في قالب قصصي ممتع يتعمق في حياة لاعبة شطرنج منكوبة تكابد الأمرين مع إدمان الكحول والمخدرات، لتعلن أمام العالم أن معاناتها ليست إلا وقودا تصرفه في سبيل النجاح في التحدي أمام نخبة من لاعبي الشطرنج من كل أنحاء العالم، لتواصل القصة بريقها على امتداد 7 حلقات.

«بوبي فيشر» يعتبر من لاعبي الشطرنج الذي يصح أن نصفه بالمعجزة، وهو حسب خبير الشطرنج «ديلان لوب ماكلين» قد عاش قصة شبيهة لحد كبير بالقصة التي تناولها المسلسل، مع فارق بسيط هو أن البطل في المسلسل كان «أنثى» وهي «هارمون»، التي لعبت دورها النجمة «تايلور جوي».. ولا شك هنا أن هذا الطرح يحيلنا إلى أن القصة لم تكن حقيقية بالمعنى الدقيق، حيث تركت التأويلات مفتوحة للمتخصصين، في حين تركت كثيرا من خيبة الأمل عند الجمهور الذي تأثر بتفاصيل القصة، إلى حد تمنى فيه أن تكون واقعية حتى تتاح له الفرصة للبحث بشغف نادر عن باقي التفاصيل التي تصل به إلى النهاية الأكيدة.

وهنا لا بد أن نشير إلى المقال الذي نشر في صحيفة نيويورك تايمز، الذي نجد فيه هذه الفقرة: «فيشر نفسه كان رافضاً للغاية للاعبات الشطرنج الإناث، حيث قال في مقابلة عام 1963 إنهن «فظيعات» وإن السبب المحتمل هو أنهم ليسوا أذكياء جداً». من خلال هذه الفقرة ذهب المحللون إلى احتمال أن تكون قصة المسلسل تجسيدا لرد تقييمي على «فيشر»، وذلك بتلوين البطل بطابع الأنثى، ولعل ذلك يتأكد من باقي المقال الذي تم فيه الإشارة إلى أن المسلسل مرتبط زمنيا بالفترة بين 1958 و1968، وهي بالتأكيد نفس الفترة التي شهدت نبوغ «فيشر» في لعبة الشطرنج إلى حد ملفت بدأه بالفوز ببطولة الولايات المتحدة عام 1957 وهو في سن الرابعة عشرة.

كما أن «بيث» حسب المسلسل فازت ببطولة الولايات المتحدة عام 1967، وهو نفس العام الذي فاز فيه «فيشر» بلقبه الأمريكي الثامن والأخير، وهو ما يحيلنا من جديد إلى المتاهة بين الواقع والخيال في قصة المسلسل التي زادها هذا الغموض الكثير من المتعة، التي استشعرها المتلقي من خلال القصة التي تلونت بطابع فلسفي معبر.

نجوم المسلسل

طبعا دور البطولة كان من نصيب «تايلور جوي»، التي جسدت الشخصية الرئيسية بعد أدوارها المعروفة في أعمال سابقة، والتي من خلالها بنت نجومية طافحة ازداد نضجها مع «مناورة الملكة».. من هذه الأعمال نذكر: «العرافة»، «انقسام» ومسلسل «المنمنم» وفيلم «إيما».

لا شك أنك ستتعرف على «توماس برودي سانجستر» في دور «بيني واتس». اشتهر اللاعب البالغ من العمر 30 عاماً بدوره في فيلم «الحب فعلا» نعم، هو كان «الطفل»، بالإضافة إلى لعب الشخصيات في «لعبة العروش» و«عداء المتاهة» وفيلم «صبي اللامكان».

يلعب «هاري ميلينج» دور «هاري بيلتيك»، لكنك ستعرف وجهه على الأرجح منذ أن كان ابن عم هاري بوتر المروع، المدعو «دودلي دورسلي». بعد سنوات من الأجزاء الصغيرة والإنتاج المسرحي، عاد إلى الشاشة في فيلمه «موادة المظلمة»، وفيلم «الحارس القديم»، ويُشاع أنه يلعب دور البطولة في النسخة الجديدة القادمة لرواية شكسبير «ماكبيث»، وذلك جنباً إلى جنب مع شريكه في البطولة لمسلسل «مراوغة الملكة»، والممثل «موسى إنجرام»، الذي يلعب دور «جوليني».

ومن بين النجوم الآخرين يوجد «بيل كامب» في دور البواب السيد شيبل (وكل من: بيردمان، وجيسون بورن، وجوكر) و«جاكوب فورتشن لويد» في دور «دي إل تاونز» في لعبة الشطرنج.

تقدير المعجبين والنقاد

الحديث عن تقييمات هذا العمل المدهش يجعلنا نبدأ بنوع من الاعتراف، فهو ضمن الأعمال القليلة التي جلبت تعليقات إيجابية سواء من طرف المعجبين بالمسلسل أو حتى من طرف النقاد الذين لم يستطيعوا إخفاء تقديرهم للقيمة الفنية للعمل رغم مؤاخذاتهم التي لم ترق أن تكون بمستوى الإمتاع الذي أثاره العمل في قلوب المعجبين.

وهذا ما ستؤكده بعض الأرقام المقدمة من طرف الشركة التي عرضت المسلسل أمام الجمهور. ففي 23 نوفمبر، أعلنت شركة نيتفلكس أن مسلسل «مراوغة الملكة» هي أكبر قصة مسلسلة في تاريخ منصات البث، بعد أن تمت مشاهدتها من قبل 62 مليون أسرة في غضون 28 يوماً. ولعل هذه النتيجة أثرت بالإيجاب على صدى الرواية في أسواق الكتب الأمريكية، فرواية «مناورة الملكة» مدرجة الآن في قائمة «نيويورك تايمز» للروايات الأكثر مبيعاً. كما أن طلبات البحث في جوجل عن لعبة الشطرنج ارتفعت إلى عدد قياسي بعد الأسابيع الأولى للعرض.

الرحلة من الرواية إلى الفيلم.. ثم إلى المسلسل

عام 1983، كتب «والتر تيفيس» رواية تحمل نفس الاسم «مناورة الملكة»، لتبقى هذه الرواية حبيسة النسيان دون أن ترقى إلى المستوى المطلوب من الشهرة. واستوحى الكاتب قصة الرواية من حياته الخاصة التي كانت مزيجا من حبه للعبة الشطرنج والإدمان في آن واحد.

ففي مقابلة له مع صحيفة «نيويوك تايمز»، يقول الكاتب: «عندما يتعلق الأمر بالإدمان، عندما كنت صغيراً، تم تشخيص إصابتي بالقلب الروماتيزمي وأخذت جرعات دوائية كبيرة في المستشفى».

ويضيف: «الكتابة عنها كانت أمرا سهلا، كان هناك بعض الألم بعدما حلمت كثيراً أثناء كتابة ذلك الجزء من القصة. لكن من الناحية الفنية، لم أسمح لنفسي بأن أكون متسامحاً». بعدها أفاد موقع Bookreporter أنه في عام 1986، قررت إحدى المنظمات عمل تسلسل للرواية، ودفعت 500 دولار فقط مقابل الحقوق. ليبقى الأمر يراوح مكانه إلى عام 2008، حيث بدأ الممثل والمخرج «هيث ليدجر» يستعد لإخراج فيلم مقتبس عن الرواية. وقالت حينها صحيفة الاندبندنت: «تم اختيار هذا الممثل الأسترالي لإخراج وتمثيل دور البطولة إلى جانب الممثلة المرشحة لجائزة الأوسكار إلين بيج»، لتتوقف هذه المغامرة على الفور بعد وفاة «هيث ليدجر» في نفس السنة تقريبا.

لكن هذا لا يمنعنا من تتبع مراحل نضج الفكرة من الأول.. وذلك مع السيناريست «ألان شياش» أو المعروف بـ«ألان سكوت»، الذي كان مكلفا بكتابة سيناريو الفيلم بعد حصوله على الحقوق عام 1992، والذي قال: «على الرغم من أنني اعتقدت أنه كان رائعاً، إلا أن الكتاب كان أكثر تركيزا حول رحلة الشخصية المركزية لـ «بيث».. كانت الرواية تدور حول الشطرنج أكثر من الشخصيات. أدركت أنه إذا كنت سأدفع بالمشروع إلى الأمام، فسوف أحتاج إلى إيجاد التوازن الصحيح بين هذين العنصرين». ثم يضيف: «كتبت مسودة السيناريو بنفسي. ثم أعرب برناردو بيرتولوتشي عن رغبته القيام بالمهمة. فعملنا عليها لمدة عام. ولكن مرة أخرى فشلنا في إكمال الأمر». هذا الفشل الذي ورد على لسان كاتب السيناريو سيستمر لمدة 16 عاما، أي إلى عام 2008 بعد تلقي دعم «ليدجر»، حيث قاما بإرسال السيناريو للمراجعة بهدف أن يكون لبنة أساسية لفيلم متميز سنة 2008. بعد وفاة «ليدج» شياش لم يتوقف، بل تمكن في عام 2020 من إحداث تعديلات على السيناريو ليكون مناسبا لمسلسل سيلعب فيه دور المنتج التنفيذي إلى جانب الكاتب، وقطعا نقصد مسلسل «مناورة الملكة» الذي يعرض على نيتفلكس.