مليشيا حزب الله
مليشيا حزب الله
-A +A
«عكاظ» (باريس) okaz_online@

كشف فيلم وثائقي بعنوان «حزب الله والتحقيق الممنوع»، بثته قناة «فرانس 5» الفرنسية الرسمية أخيرا، فضائح جديدة تدين مليشيا «حزب الله» خصوصا ما يتعلق بتورطه في انفجار مرفأ بيروت. الفيلم الوثائقي الفرنسي الذي أعدته صوفيا عمارة وجيروم فريتيل يكشف تحقيقا أمريكيا أثبت تورط المليشيا اللبنانية في تجارة المخدرات وتبييض الأموال في أمريكا اللاتينية.

ويروي كيف بنى حزب الله دويلة داخل لبنان، وكيف تسلل ضباط أمريكيون من إدارة مكافحة المخدرات «DEA» إلى عمق الحزب وحصلوا على معلومات حساسة وأقنعوا قادة كبار في الحزب بالحديث أمام الكاميرات..

وأكد للعالم أن الحزب اللبناني يحمل صفة المليشيا العسكرية، و«كارتل» للكوكايين أكثر من كونه حزبا سياسيا معارضا، مدعما ذلك بشهادات خبراء ومختصين اشتغلوا على هذا الملف منذ سنوات.

ونجح الوثائقي في أن يزيل الغموض عن الخلفية الحقيقية لحزب أحكم قبضته على لبنان وزج به في انهيار اقتصادي غير مسبوق، وتحلحل في الدولة، وتمكن خلال 40 عاما من أن يُكوّن قواعد خلفية في بعض الدول والقارات، وأن يشكل تهديدا لأمن الكثير من الدول.

شبكة عالمية لتجارة المخدرات

التحقيق الاستقصائي الذي بث على ثلاث حلقات مدة كل حلقة 52 دقيقة، أنجزه فريق من التقنيين والمصورين، بإشراف المخرج والمعد جيروم فريتيل والصحفية صوفيا أمارا، ويروي الجزء الأول تاريخ «حزب الله»، منذ نشأته متواريا خلف الحرب الأهلية التي مزقت لبنان عام 1982، مرورا بمقتل رفيق الحريري ووصولا إلى انفجار مرفأ بيروت عام 2020.

وتحدث الوثائقي عن الهجمات التي استهدفت القوات الأمريكية والفرنسية في لبنان، وكيف استطاع حزب الله الاستحواذ على مشهد البطل من خلال حربه على إسرائيل التي احتلت الجنوب اللبناني حتى مايو 2000.

لم يكتف الفيلم بالمشاهد الاستعراضية الخطيرة لمليشيا الحزب ومشاهد الموت التي تفوح من كل مكان جراء العمليات الانتحارية التي اعتبرها أحد قادته والرجل الثاني بالحزب نعيم قاسم أنها الوقود الحقيقي لقوة المليشيا لترهيب العالم والأعداء، بحسب قوله.

لقد نجح الفيلم في كشف الكثير من الغموض الذي يحيط بحزب الله، وهو التمويل المالي، فقدم معلومات مذهلة، دعمتها شهادات غير منشورة سابقا لوكلاء خاصين من إدارة مكافحة المخدرات ووكالة مكافحة المخدرات الأمريكية، الذين كشفوا كيف استولى الحزب على ملايين الدولارات من تجارة الكوكايين في كولومبيا، وتبييض الأموال وتحوله إلى «كارتل» لتهريب المخدرات، ما يؤكد أن الحزب الذي يرفع قيم الدين يفتقر لكل القيم ويبرر كل الوسائل من أجل الوصول إلى غايته.

التحقيق فضح أن إيران أنشأت أخطر مليشيات عسكرية «غير متكافئة» في التاريخ الحديث يديرها حسن نصر الله، الذي يرفع شعار «حزب الله»، ولكنه في الحقيقة يدير شبكة عالمية للاتجار في الكوكايين وتبييض الأموال، حيث يرى رجل وكالة المخابرات المركزية السابق روبرت باير، الذي أمضى سنوات في تعقب الحزب أن مليشيا نصر الله من أخطر الجماعات المسلحة التي يصعب تحديد عددها أو تحديد مجال نشاطاتها المنحرفة.

كاسندر.. تعري حزب الله

في ديسمبر 2017 نشر الصحفي الاستقصائي جوش ماير على موقع «بوليتيكو» الأمريكي مقالا بشأن عملية كاساندر وكيف استطاعت هذه الأخيرة أن تكشف معلومات مثيرة حول كارتل حزب الله وتهريبه للمخدرات، وتطرق إلى تفاصيل التحقيق الذي أجرته إدارة مكافحة المخدرات على مدى عقد من الزمان.

وأظهر الوثائقي مسار المخدرات الذي استثمر فيه حزب الله للحصول على الأموال بشكل سريع، دون أن يعبأ بأي حواجز وعراقيل، إذ قوض المسافات وبنى جسرا بين بيروت وكولومبيا وفنزويلا، واستحوذ على كارتل الكوكايين وحول غرب إفريقيا إلى بؤرة لتبييض الأموال والمتاجرة بالمخدرات.

وكشفت «عملية كاساندر» بين 2008-2015، منابع تمويل حزب الله من خلال تهريب الكوكايين والهيروين.

ولفت العميل السابق لوكالة المخابرات المركزية روبرت باير في الفيلم، إلى أنه كان على المخابرات أن تجد سر تمدد مليشيا حزب الله في العالم واستقطابها عملاء في مناطق واقعة تحت المراقبة مثل كولومبيا وفنزويلا وغيرها من المناطق المريبة في العالم.

وقد بدأ التخطيط لعملية التسلل بأوساط حزب الله، عندما بدأت الشكوك تحوم حول المليشيا العسكرية وعملها المشبوه، وبفضل اعتراض بعض المكالمات الهاتفية، لعناصر من الحزب منذ عام 2000، اكتشفت وكالة إدارة مكافحة المخدرات نشاط حزب الله على خط المخدرات كولومبيا وفنزويلا وغرب إفريقيا، فتم التخطيط لزرع أحد عملائها من أصل لبناني لمرافقة شكري حرب المسؤول لحساب حزب الله في المتاجرة بالمخدرات وتنظيم حركة التهريب من كولومبيا إلى بلدان أخرى وصولا إلى لبنان.

وذكر الوثائقي أنه على مدى أكثر من 15 عامًا، نجحت الوكالة بعد ذلك في تحديد بارونات الكارتل الذين يجلبون ما يصل إلى مليار دولار لحزب الله سنويا.

فمن علي فياض الذي كان مسؤولا عن شراء أسلحة من روسيا وأوكرانيا مقابل المخدرات إلى محمد نور الدين الذي أشرف من باريس على العمليات في أوروبا، مرورا بعلي جمعة وعلي الخروبي وعدنان طباجة وعبدالله صفي الدين «عراب الكارتل»، والذي لم يكن سوى سفير حزب الله في إيران، سقطت أوراق حزب الله واحدة تلو الأخرى.

خططت الوكالة لعملية سرية، أطلق عليها عملية «كاسندر»، واستطاع رجال المخابرات الأمريكية (إدارة مكافحة المخدرات) التسلل إلى «كارتل» المخدرات لمتابعة كل نشاطاتها من كولومبيا وفنزويلا وصولا إلى غرب إفريقيا، حيث اكتشفت المخابرات الأمريكية ضلوع مليشيا حزب الله في المتاجرة بالمخدرات وكسب أموال طائلة من وراء نقلها إلى منطقة الشرق الأوسط. ولكن رغم أن عملية التسلل نجحت في الوصول إلى «الرؤوس المدبرة» إلا أنها فشلت في اعتقال العنصر الذي يمثل الحلقة المهمة، وذلك بعد أن كان سيتم القبض عليه في يناير 2016 في باريس. لكن العملية فشلت في آخر لحظة، كما يشير العميل الذي كان يتابع بنفسه الرأس المدبر لعمليات تهريب المخدرات، إلا أنه وفي نفس اليوم جاءته تعليمات من الأطراف الفرنسية التي كانت تنسق مع الأمريكيين على الملف بعدم اعتراض المشتبه به وطي صفحة الملف. وذكر الوثائقي أن عملية كاسندر صادفت زيارة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني فرنسا في نفس اليوم.

كيف جرى إقناع العملاء الأمريكيين؟

وحول كيفية إقناع عملاء إدارة مكافحة المخدرات بتقديم شهاداتهم والتصوير، قال مخرج ومعد الفيلم جيروم فريتيل: «رفضت إدارة مكافحة المخدرات جميع طلباتنا. لم ترغب الوكالة مطلقا في الحديث عن عملية كاساندر». كما أنه من المستحيل الاقتراب من العملاء الذين لا يزالون في الخدمة. لقد جربنا كل شيء، من حسن حظنا أن الجهات الفاعلة الرئيسية في هذا التحقيق تقاعدت، وبالتالي يمكن الوصول إليها دون الحاجة إلى تقديم طلب رسمي. بدأت ألتقي بهم بدون كاميرا. لقد قاموا بقياس حجم العمل الذي نقوم به، حصلنا على موافقتهم، وشعروا أنهم يمكن أن يدلوا بشهاداتهم للتاريخ والشعوب. لقد شعرت أنهم عملوا لسنوات وخاطروا بحياتهم، وعندما وصلوا إلى الهدف، ألغيت العملية المسماة كاسندر فقط لا لشيء لكن لأن المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، قرر في عام 2015 توقيع اتفاقية نزع السلاح النووي مع إيران، والدخول في عملية سلام مع خصمهم اللدود، وبالتالي لا يمكن الاقتراب من حزب الله.

ألغيت عملية كاسندر، حسب ما جاء في الوثائقي خلال أول زيارة لروحاني إلى باريس، وسقطت كل الدلائل في البحر المالح، وكأن المجتمع الدولي يقول: «عندما نتفاوض مع ملالي طهران، لا نأتي لندغدغ عمامة ملالي بيروت».