البروفيسور ماتياس فون دافيير
البروفيسور ماتياس فون دافيير
-A +A
تحقيق:خالد عباس طاشكنديKhalid_Tashkndi@

أشادت وزارة التعليم بنتائج «تيمز 2019» واعتبرتها «إنجازاً»، بينما انتقدت هيئة تقويم التعليم النتائج وأكدت بأنها «مقلقة»

«تقويم التعليم» قالت في تقريرها عن نتائج التيمز، إن «نسبة كبيرة من الطلبة في المملكة تنقصهم المعرفة الأساسية بالرياضيات والعلوم، ولن يستطيعوا مواصلة التعليم بنجاح»

صدرت أخيرا نتائج اختبارات «TIMSS» للعام الماضي 2019، التي تعد أحد الاختبارات الدولية المهمة ومن أبرز مؤشرات قياس جودة التعليم في مادتي الرياضيات والعلوم لطلاب المستوى الرابع والثامن (الثاني متوسط) على مستوى العالم، باعتبارها أهم مادتين ترتكز عليهما القيمة التنموية والاقتصادية للتعليم، وتشرف على هذه الاختبارات «الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي» (IEA)، وهي منظمة غير ربحية ومستقلة مقرها في مدينة أمستردام الهولندية، وتعتبر جمعية تعاونية دولية لعدد من المؤسسات البحثية ووكالات البحث الحكومية، وتضم خبراء ومحللين يعملون على تقييم وفهم وتحسين التعليم في جميع أنحاء العالم، وتعمل هذه المنظمة على رصد نتائج هذا الاختبار الذي تشارك فيه أكثر من 60 دولة بنحو 5 آلاف طالب وطالبة من كل دولة، ويعقد دوريا كل 4 سنوات.

وهذا الاختبار له أهمية بالغة لغالبية الدول وضمن المساعي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، باعتباره أحد المؤشرات القوية حول أداء النظام التعليمي مقارنة بالأنظمة التعليمية الأخرى حول العالم، فكلما ارتفعت النتائج تحسنت مخرجات التعليم وأداء الكوادر البشرية في أي دولة، كما أنه ليس مجرد اختبار يؤديه الطالب، بل يشمل أيضا استطلاع آراء الطلاب والطالبات عن كيفية تلقيهم المنهج وعن بيئة التعليم، وكذلك يتم استطلاع رأي المعلمين ومديري المدارس وأولياء أمور الطلبة عبر استبانات مخصصة لهم، وبالتالي فإن الـ «TIMSS» يعتبر دراسة تقييمية متكاملة للفئات المستهدفة.

ولذلك شاركت المملكة في اختبار «تيمز» 3 مرات متتالية (2011، 2015، 2019) تحت إشراف «هيئة تقويم التعليم والتدريب – المركز الوطني للقياس»، كما سبق أن شاركت قبل ذلك في دورتين متتاليتين عام 2003 و2007، وكانت بمثابة مشاركة تجريبية نوعا ما لمعرفة أسلوب هذا الاختبار.

الجهات المعنية باختبار «تيمز» ونتائجه في المملكة هي «وزارة التعليم» باعتبارها الجهة التنفيذية المعنية بتأهيل الطلاب والطالبات لأداء هذا الاختبار، و«هيئة تقويم التعليم والتدريب» باعتبارها الجهة التنظيمية المعنية بوضع معايير تقويم التعليم واختبارات تقييم الأداء. وكلتا الجهتين (التعليم وتقويم التعليم)، مستقلتان عن بعضهما إداريا إلا أنهما قطاعان «متكاملان» تحت مظلة واحدة ومنظومة مترابطة يجمعها هدف شامل وهو تطوير التعليم.

ولكن حين صدرت أخيرا نتائج اختبارات الـ «TIMSS 2019» خلال الأسبوع الأول من ديسمبر الجاري، كانت ردود الفعل والتقارير والبيانات التحليلية الصادرة عن «وزارة التعليم»، و«هيئة تقويم التعليم» متباينة ومختلفة ومتناقضة في قراءة النتائج، وربما ساهمت «استقلالية» القطاعين في قيام كل جهة بطرح قراءتها التحليلية على حدة وبدون أي تنسيق مسبق، ولكن هناك أيضا تراكمات سابقة وملابسات أفضت إلى حالة من «التنافسية» بين القطاعين بدلا من تكاملهما، وهو على الأرجح ما أدى بشكل أو بآخر إلى قراءة كل طرف للنتائج برؤيتين مختلفتين ومتضادتين.

لا شك أن قضية نتائج اختبارات «تيمز» تصبح شائكة حين تتداخل القطاعات في المهام، فالمنطق المفترض هو أن الدول تعتمد على نتائج مثل هذا الاختبار واختبارات دولية أخرى مثل «PISA» و«PIRLS» و«TALIS»، للحكم على مستوى جودة التعليم فيها ومدى تفوقه على دول أخرى في قائمة الأفضل، وهو مقياس مهم متى ما التزمت الدول بمعايير القياس الشفافة وبالمصداقية في تحقيق النتائج، فبعض الدول وتحديدا في «الدول النامية»، تسعى فقط إلى إحراز نتائج متقدمة في هذه الاختبارات بهدف أن تظهر في مرتبة جيدة أمام العالم دون أي اعتبارات للمستوى الفعلي للتعليم، وهو أمر ملحوظ من خلال نتائج الدراسات والتقارير التحليلية التي تقدمها الجهة المشرفة على اختبار تيمز «الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي» (IEA)، ومن المؤسف أن هذا التوجه من الممكن تحقيقه من خلال تأهيل مكثف للشرائح التي ستتقدم للاختبار، وبالتالي تستطيع بعض الدول أن تحقق درجة متقدمة في الترتيب ولكنها تخدع نفسها، فالغاية الأساسية من هذه الاختبارات هي معرفة مستوى التعليم وتحصيل الطلاب، وبالتالي تتحرك الجهات الرسمية على ضوء هذه المؤشرات لإصلاح الخلل إذا تراجعت النتائج أو الاستمرار في تجويد وتطوير «التعليم»؛ لأنه حجر الأساس في تحقيق التنمية الاقتصادية لأي بلد، ولذلك فإن كثيرا من الدول المتقدمة بجانب أنها تهتم بالاعتماد على شفافية القياس لا تقوم بقضاء ساعات طويلة في تدريب طلابها على كيفية اجتياز اختبار «تيمز»، وهذا يتضح في نتائج التقارير الصادرة عن «الرابطة الدولية لتقييم التحصيل التعليمي».

في هذا التقرير، تستعرض «عكاظ» نتائج اختبارات الـ «TIMSS» كجهة محايدة في كشف العديد من التفاصيل واستعراض نتائج هذه الاختبارات الدولية بشفافية ودون تحفظ أو تحيز لأي جهة، وذلك في سبيل إثراء الوعي العام.

محصلة نتائج دراسة «TIMSS 2019» بالأرقام

كما أسلفنا، شاركت المملكة في اختبارات «TIMSS» ثلاث مرات متتالية (2011، 2015، 2019)، وحققت في اختبار «TIMSS 2019» الأخير نتائج أفضل من الاختبار السابق في 2015، ولكن أقل مما حققته في اختبار «تيمز» للعام 2011، وتشترك محصلة جميع هذه النتائج في أنها جميعا أقل من المتوسط العالمي والمقدر بـ(500) نقطة، بالإضافة إلى أن الفروقات بين النتائج السابقة والحالية ضئيلة جدا.

وبالنسبة لنتائج المملكة في اختبار «TIMSS 2019» في «مادة العلوم» للصف الرابع، بلغ متوسط أداء الطلاب (402) نقطة، وحلت المملكة في المرتبة 53 من بين 58 دولة شاركت في أداء هذا الاختبار، وفي المركز الـ13 (قبل الأخير) بين 14 دولة من دول مجموعة العشرين شاركت في هذا الاختبار، وحلت المملكة أيضا في المركز الخامس خليجيا (قبل الأخير)، فيما لم تشارك دول عربية خارج منطقة الخليج سوى المغرب وحلت في المركز 55.

وقد حققت المملكة -بالنظر إلى مشاركاتها الثلاث في «TIMSS»- أعلى متوسط أداء في اختبار العلوم لطلبة الصف الرابع في العام 2011، إذ بلغ 429 نقطة، ثم شهدت نتائج 2015 انخفاضا كبيرا في الأداء بمقدار 39 نقطة ليكون متوسط الأداء 390 نقطة في 2015، تلاه ارتفاع إلى 402 نقطة في 2019، ورغم تحسن الأداء في النسخة الأخيرة، إلا أن مجموع متوسط الأداء قد انخفض بواقع 27 نقطة في عام 2019 عما كان عليه في عام 2011.

وفي مادة العلوم للصف «الثاني متوسط»، بلغ متوسط أداء الطلاب (431) درجة، وحلت المملكة في المرتبة 35 من بين 39 دولة شاركت في الاختبار، وفي المركز الـ11 (قبل الأخير) بين 12 دولة من دول مجموعة العشرين شاركت في هذا الاختبار، وحلت في المركز الأخير خليجيا، وفي المركز السابع من بين 10 دول عربية شاركت في هذا الاختبار. ويتبين من نتائج المملكة في مشاركاتها الثلاث في دراسات «تيمز»، أن نتائج المملكة في عام 2019 جاءت أفضل من نتائجها في 2015، ومشابهة لنتائجها في عام 2011.

وبالنسبة لنتائج «TIMSS 2019» في «مادة الرياضيات» للصف الرابع، بلغ متوسط أداء الطلاب (398) نقطة، وهو أعلى من متوسط الأداء في عام 2015 ومماثل لنتائج عام 2011، وحلت المملكة في المرتبة 53 من بين 58 دولة شاركت في أداء هذا الاختبار، وفي المركز الـ 12 (قبل الأخير) بين 13 دولة من دول مجموعة العشرين شاركت في هذا الاختبار، وفي المرتبة الـ5 خليجيا (قبل الأخير)، فيما لم تشارك دول عربية خارج منطقة الخليج سوى المغرب وحلت في المركز 54.

وفي مادة الرياضيات للصف «الثاني متوسط»، بلغ متوسط أداء الطلاب في المملكة (394) نقطة، في المرتبة 36 من بين 38 دولة شاركت في الاختبار، وفي المركز العاشر (قبل الأخير) بين 11 دولة من دول مجموعة العشرين شاركت في هذا الاختبار، وحلت في المركز الأخير خليجيا، وفي المركز التاسع (قبل الأخير) من بين 10 دول عربية شاركت في هذا الاختبار. وكان متوسط أداء طلبة الصف الثاني المتوسط في المملكة قد بلغ 394 نقطة في عام 2011، ثم انخفض متوسط الأداء 26 نقطة في عام 2015 ليصل إلى 368 نقطة، ثم جاء متوسط الأداء في 2019 مطابقا لما كان عليه في عام 2011 (394) نقطة، وهو ما يعني أن متوسط أداء المملكة لم يتغير -من الناحية الإحصائية- خلال الفترة السابقة من 2011 إلى 2019.

بيانات ومعلومات تحليلية

يحتوى تقرير نتائج دراسة «TIMSS 2019» العديد من المعلومات التحليلية التي تساعد الجهات المعنية على تطوير النتائج في المستقبل، فمثلا تشير المعلومات الموجودة في نتائج الدراسة إلى أن متوسط عدد الساعات المخصصة لتدريس رياضيات الصف الرابع سنويا في المملكة بلغ 136 ساعة من أصل 1056 ساعة، وهو ما يعادل نحو 13% من إجمالي الحصص التدريسية، وبناء على ذلك حلت المملكة في المرتبة 36 من بين 57 دولة، بينما على مستوى العالم يبلغ متوسط ساعات تدريس مادة الرياضيات في الصف الرابع خلال السنة نحو 154 ساعة، وهو يمثل 17% من إجمالي ساعات التدريس (895 ساعة). كما تشير البيانات وفقا لتقرير «تيمز» إلى أنّ طلاب الصف الثاني المتوسط في المملكة قضوا 136 ساعة -في المتوسط- من أصل 1069 ساعة في الرياضيات، وهذا يمثل نحو 13% من وقتهم المدرسي، وهو نفس عدد ساعات طلبة الصف الرابع.

وفي مادة العلوم، كان متوسط نسبة الوقت الذي قضاه طلاب الصف الرابع -على المستوى الدولي- في حصص العلوم نحو 8% من وقتهم المدرسي (75 من 895 ساعة)، أما النسبة في المملكة فقد بلغت 6% (66 ساعة من أصل 1056 ساعة)، وبالتالي فإن طلبة الصف الرابع في المملكة يقضون وقتا أقل في دراسة العلوم مقارنة بالمتوسط الدولي. في حين خصّص لطلاب الصف الثاني المتوسط في المملكة نحو 11% من إجمالي وقت الحصص لتدريس العلوم (116 ساعة من أصل 1069 ساعة)، وأما المتوسط الدولي فهو أكثر نسبيا، إذ بلغ 13% (137 ساعة من أصل 1023 ساعة).

كما تقدم نتائج تقرير «تيمز» كما هائلا من البيانات والمعلومات التحليلية الأخرى التي تساعد الجهات المعنية في قطاعات التعليم على تحسين النتائج مستقبلا، حيث توفر الدراسة -على سبيل المثال- بيانات حول مدى تأثير البيئة المنزلية على مستوى التحصيل العلمي للطلاب في المراحل الأولى، كما تتضمن بيانات تتعلق باستخدامات التقنية وانعكاساتها على مستوى أداء الطلاب، والعديد من العوامل الأخرى التي قد تفيد الجهات المعنية في تحسين أداء الطلاب مستقبلا.

«التعليم» تشيد.. و«تقويم التعليم» تنتقد

في الوقت الذي صدرت فيه نتائج دراسة «تيمز 2019» مطلع ديسمبر الجاري، جاءت ردود الفعل من الجهتين المعنيتين بشكل مباشر بهذه النتائج (وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم) متناقضة تماما، وتثير العديد من التساؤلات حول مستوى التنسيق والتكامل والتفاهم بين القطاعين، فوزارة التعليم أشادت بالنتائج واعتبرتها «إنجازا»، بينما على العكس من ذلك انتقدت هيئة تقويم التعليم والتدريب نتائج المملكة في اختبارات وتقييم «تيمز» واعتبرتها «مقلقة»، وفقا للتقرير الذي أصدرته حول نتائج تقييم «تيمز 2019» قائلة: «إن عددا كبيرا من الطلبة في المملكة تنقصهم المعرفة الأساسية بالرياضيات والعلوم». ولذلك نستعرض ملخص موقفي «وزارة التعليم» و«هيئة تقويم التعليم».

موقف وزارة التعليم

وصف وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ ما تحقق في اختبارات تيمز 2019، بأنه «إنجاز مستحق للوطن ولمنسوبي التعليم»، وأكدت وزارة التعليم أن طلبة المملكة حققوا تقدما في اختبارات التيمز 2019 في جميع المؤشرات الأربعة مقارنة بنتائج 2015 (المؤشرات الأربعة: متوسط أداء الطلبة في مادتي الرياضيات والعلوم للصف الرابع والثاني متوسط).

وقال وزير التعليم: «إن التقدم الذي حققته المملكة يُعد من بين أعلى الدول بين دورتين متتاليتين، وثاني أعلى دولة من دول مجموعة العشرين في تحسّن النتائج، منوها من أن التحسّن في النتائج على كل المؤشرات هو تَحدٍ كان أبطاله المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات وأولياء أمورهم، ويوازي استعادة نواتج عمليات التعلّم بين نصف سنة وسنة دراسية كاملة، وكل ذلك تحقق خلال 78 يوما من الاستعدادات والمتابعة المستمرة مع قطاعات التعليم»، مؤكدا أن الإمكانات مهيأة لتحقيق نتائج أفضل في الاختبارات الدولية القادمة، وتحقيق المستهدفات المطلوبة للوزارة. وأشاد بالجهود الكبيرة للمعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات وأولياء أمورهم في تحقيق التقدم لنتائج اختبارات التيمز 2019.

موقف هيئة تقويم التعليم والتدريب

من جهتها، أصدرت هيئة تقويم التعليم والتدريب تقريرا مفصلا حول نتائج مشاركة المملكة في اختبار التيمز، بعنوان: (تقرير تيمز 2019.. نظرة أولية في تحصيل طلبة الصفين الرابع والثاني متوسط في الرياضيات والعلوم بالمملكة العربية السعودية في سياق دولي)، وعلى عكس ما تقوله وزارة التعليم عن إيجابية النتائج، رأت الهيئة أن «العديد من طلبة الصف الرابع في المملكة يفتقرون إلى المعرفة الأساسية في الرياضيات، إذ لم يستطع نصف الطلبة الوصول إلى المعيار الدولي المنخفض، وهذا يعني افتقارهم للمعرفة الأساسية في الرياضيات المتوقعة من أمثالهم في هذا العمر» (تقرير هيئة تقويم التعليم عن نتائج «تيمز 2019»، صفحة 6).

وقالت الهيئة في تقريرها، إنه بالرغم من التحسن الملموس في أداء طلبة المملكة في تيمز 2019 مقارنة بنتائج 2015، إلا أن «النتائج لا تزال منخفضة قياسا بمعايير الأداء الدولية، ما يشير إلى انخفاض مقلق في جودة التعليم، حيث تنقص نسبة كبيرة من الطلبة في المملكة المعرفة لأساسية بالرياضيات والعلوم. وبناء على هذا لن يستطيع هؤلاء الطلبة مواصلة التعليم بنجاح، بل إنّ معرفتهم المحدودة لن تسمح لهم بالمشاركة الكاملة في المجتمع الحديث الذي تسود فيه التقنية والاقتصادات القائمة على المعرفة» (تقرير هيئة تقويم التعليم عن نتائج «تيمز 2019»، صفحة 15).

وأكدت الهيئة أن نتائج المملكة أظهرت أن العديد من طلبة الصف الرابع «يفتقرون إلى المعرفة الأساسية بالرياضيات والعلوم»، وأن نحو نصف الطلبة (46 - 49%) لم يصلوا إلى المعيار الدولي المنخفض في الرياضيات والعلوم، وهذا يعني أنهم «لا يمتلكون حتى بعض المعرفة الأساسية المتوقعة منهم في هذا العمر في هذين التخصصين. وكانت نتائج طلبة الصف الثاني المتوسط مشابهة لطلبة الصف الرابع، إذ لم يستطع ما يقرب من نصف الطلبة إظهار المعرفة والمهارات الأساسية اللازمة التي تمكنهم من الوصول إلى المعيار الدولي المنخفض» (تقرير تيمز 2019.. نظرة أولية في تحصيل طلبة الصفين الرابع والثاني متوسط في الرياضيات والعلوم بالمملكة العربية السعودية في سياق دولي، ديسمبر 2020، ط1، صفحة 199).

مبالغات وخلافات متراكمة

في واقع الأمر، من الواضح أننا أمام وجهتي نظر متناقضتين تماما من قبل وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم والتدريب، ولكن يتضح جليا أيضا أن كلا الطرفين بالغ في تقديراته المتناقضة للنتائج، إيجابيا وسلبيا، ما أخرجها عن السياق الموضوعي في تقييم النتائج بشكل واضح.

ولا يخفى على الكثيرين أن ردود الفعل الحالية من قبل «التعليم» و«تقويم التعليم» حول اختبارات التقييم الدولية، ما هي إلا امتداد للانتقادات الحادة والمتواصلة من الطرفين منذ العام الماضي، والتي بلغت حد السجال عبر الصحف ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولا تزال تبعاتها السلبية قائمة حتى اللحظة. وجاءت شرارة الخلافات بعد سلسلة من التغريدات نشرها رئيس مجلس إدارة هيئة تقويم التعليم والتدريب وزير التعليم السابق الدكتور أحمد العيسى عبر حسابه الرسمي في موقع «تويتر» العام الماضي، طالب فيها بألا تمر نتائج الاختبارات الوطنية لعام 2018 لطلاب وطالبات الصفين الرابع الابتدائي والثاني متوسط مرور الكرام، مشيرا إلى أن النتائج تؤكد على أن مستوى التحصيل العلمي لدى الطلاب دون المطلوب، فأصدرت وزارة التعليم حينها بيانا رسميا أكدت فيه أن «جميع هذه الأرقام تتحمل مسؤوليتها المؤسسة التعليمية والقائمون عليها في وقت إجراء تلك الاختبارات، وهي نتيجة لضعف التركيز المؤسسي لمعالجة جوانب الخلل، ولذلك لا يمكن لأحد أو جهة الركض للأمام عن مسؤولياته أو محاولة التنصل أو التهرب منها بمؤتمر صحفي أو نشر تغريدة»، ووصفت الوزارة تغريدات وزير التعليم السابق عن مستويات تحصيل الطلاب بأنها «تنظير» وإثارة للرأي العام والبلبلة، والاستنقاص من مكانة المعلم، وأضافت الوزارة في حينها، أن الهيئات والمؤسسات التي تعمل على الاختبارات الدولية «في إشارة إلى هيئة تقويم التعليم» ينتهي دورها عند تقديم تقارير النتائج ومناقشتها مع الجهات المستفيدة أو الرقابية، ولا تقدم أي توصيات أو تدخلات خارج مهماتها.

ومنذ ذلك الحين لا تكف الجهتان عن توجيه الانتقادات لبعضهما حتى لو بشكل مبطن أو عبر الندوات والملتقيات، ففي فبراير الماضي، لم يخف رئيس هيئة تقويم التعليم الدكتور حسام زمان، وجود هذه الحساسية الشديدة والعلاقة الشائكة مع وزارة التعليم، خلال استضافته في «ملتقى أسبار»، وقال حينها: «نحن نعلم وضع الطلبة في مدارسنا مقارنة بدول العالم في الدراسات التقويمية الدولية، وعندما تؤكد هذه النتائج أيضا الاختبارات الوطنية التي نحن نبينها ونجريها، هذا أيضا يعطي القناعة المجتمعية أن قطاع التعليم يحتاج إلى عمليات إصلاح جذرية ويحتاج إلى تدخل كبير يكسر الكثير من المسلمات والقواعد وهذا ما يوصلني إلى النقطة الأخيرة في حديثي وهي التحديات المستقبلية أمام هيئة تقويم التعليم والتدريب»، وأوضح أن من بين هذه التحديات «تحديد علاقاتنا بطريقة واضحة مع جميع المعنيين في وزارة التعليم والعمل والجامعات»، مؤكدا حرصه على استقلالية عمليات التقويم في الهيئة بقدر حرصه على استقلالية عمليات التخطيط والتنفيذ في وزارة التعليم، ثم أشار إلى كلمة ذكرها وزير التعليم خلال لقائه في برنامج «في الصورة» في يناير الماضي، حين تطرق إلى ذات المسألة، وقال الوزير حينها «ولكن تبقى هناك نقاط تماس تحدث فيها بعض المدافعات»، وأضاف الدكتور حسام زمان: «هذه الأمور بحاجة إلى تحديد الأدوار بطريقة واضحة وصريحة، وفي كل الأحوال نحن مقتنعون جميعا بأنه بغض النظر عن التحديد بالأرقام أن الوضع غير جيد ويحتاج إلى تطوير وتحسين، وبالتالي من الضروري أن نتجاوز من سيقول هذه الكلمة».

بلا تجاوب

دور الوسائل الإعلامية الرصينة في متابعة نتائج تقارير تقويم التعليم والاختبارات الدولية في غاية الأهمية، من حيث إثراء الوعي العام والمعالجة الموضوعية في الطرح، ونشر المعلومات والحقائق مع الالتزام بقواعد وأدبيات النشر، ولكن العلاقة المضطربة بين وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم والتدريب انعكست سلبا على طرح قضايا التعليم بشكل مهني، وأخذت سياقا يخفي الحقائق، كما شاهدنا في التقارير والبيانات الصادرة عن كلا الطرفين.

وفي الفترة التي سبقت صدور نتائج اختبار «تيمز 2019» حاولت الأطراف المعنية إيصال وجهة نظرها للكتاب والإعلاميين لإضفاء صورة إيجابية تفوق الواقع، ولكن الإعلام المهني يجب أن لا يكون ساحة لتصفية حسابات.

«عكاظ»، بدورها تواصلت مع هيئة تقويم التعليم والتدريب، وطرحت على رئيس الهيئة مجموعة من الأسئلة المتنوعة، ومنها ما هو مرتبط بنتائج اختبار تيمز الأخيرة، وموضوعات أخرى تهم شريحة كبيرة من الجمهور والمهتمين والمستفيدين، ولكن الهيئة تراجعت بسبب هذا الوضع الشائك مع وزارة التعليم، وقد سبق للهيئة أن رفضت الحديث عن قضايا التعليم والاعتمادات الأكاديمية وقضايا كثيرة أخرى ذات علاقة وارتباط بالهيئة، وأصبحت تكتفي بالتقارير التي يصدرها القسم الإعلامي في القطاع، وهذا الأمر لا يخدم الوسائل الإعلامية في التعاطي مع قضايا التعليم.

حاولت الصحيفة التواصل مع رئيس مجلس إدارة هيئة تقويم التعليم الدكتور أحمد العيسى، حتى نوضح له أن من الضروري على الهيئة أن تناقش مع الإعلام نتائج التقارير الأخيرة حول دراسات TIMSS وغيرها من القضايا والموضوعات ذات العلاقة، وأن تزودنا بالمعلومات الكافية حتى نستطيع طرحها بالشكل اللائق مهنيا، وطالبنا الهيئة بأن تتعاون مع الإعلام بشكل إيجابي وموضوعي، فرد علينا بإرسال صورة من القصاصة المرفقة عبر رسالة نصية، ليذكرنا بالسجال الإعلامي الذي وقع بينه وبين الوزارة، مؤكدا رفض التجاوب مع الصحيفة بحجة أننا نشرنا انتقادات وزارة التعليم له، رغم أن ما تم نشره كان بيانا معمما أصدرته الوزارة، وانتهى النقاش إلى لا شيء.

مدير مركز دراسات TIMSS&PIRLS لـ عكاظ: لا يجب التركيز على شريحة الطلاب المتفوقين لرفع النتائج

تواصلت «عكاظ» مع المدير التنفيذي في «مركز دراسات اختبارات PIRLS & TIMSS» بمدينة بوسطن الأمريكية، البروفيسور ماتياس فون دافيير، وهو أيضاً عضو اللجنة التنفيذية الفنية في «الجمعية الدولية للتقييم التربوي» (IEA)، حول نتائج «تيمز 2019»، وأسباب تقدم بعض الدول ذات الاقتصاديات الصغيرة على بعض الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، رغم الفوارق في معدلات الإنفاق على التعليم، فأوضح أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل نتائج ما تحققه الدول غير مرتبط تماما بالناتج المحلي الإجمالي أو المؤشرات الاقتصادية الأخرى، وقال إن دراسات «تيمز» بالإضافة إلى أنها توضح بيانات الإنجاز ونتائج السياق لاستبيانات الطلاب والمعلمين والمدرسة، هي تتيح أيضًا إلقاء نظرة أعمق على ما تفعله كل دولة مشاركة من حيث مناهج العلوم والرياضيات والبرامج التعليمية الخاصة، ووفرنا هذه المعلومات عبر «موسوعة TIMSS 2019».

وأكمل: «لكل بلد وضع محدد، ويمكن أن يعتمد المقاييس والمعايير والسياسات الأنسب لتعزيز تحصيل الطلاب في الرياضيات والعلوم من خلال دراسة نتائج موسوعة تيمز 2019، وكذلك دراسة كيفية أداء المجموعات السكانية المختلفة في كل بلد ومراجعة وتحليل نتائج كل شريحة على حدة لتلبية احتياجاتها الفعلية والارتقاء في مستوى التحصيل العلمي».

وحول أفضل الطرق والممارسات لتحقيق قفزة نوعية في مؤشرات دراسة TIMSS ونتائج أفضل في وقت قياسي، أكد البروفيسور دافيير، أن التجارب أثبتت أنه من الأفضل على المدى الطويل التركيز على تحسين تعليم جميع الطلاب وليس التركيز على الطلاب المتفوقين وحدهم للحصول على نتيجة سريعة وقصيرة المدى، بل يجب إيلاء اهتمام خاص للطلاب ذوي الأداء المنخفض حتى تحصل الدول على نتيجة أفضل من خلال تقارب النتائج بين جميع الطلاب، فمن المرجح في النهاية أن يؤدي ذلك إلى تحسين متوسط الإنجاز لبلد ما بطرق أكثر عمقا واستدامة من الأنشطة قصيرة الأجل التي تستهدف فئات محددة من الطلاب المتفوقين لرفع النتيجة من خلالهم وإهمال الشرائح الأخرى من الطلبة.