عُرض فيلم «رهين» في السادس من ديسمبر 2025 ضمن برنامج مهرجان البحر الأحمر السينمائي، كأحدث إنتاجات «تلفاز 11»، الجهة التي شكّلت خلال السنوات الماضية هوية خاصة للكوميديا السعودية المعاصرة، قائمة على الإيقاع السريع، المفارقة البصرية، وبناء عالم ساخر قريب من المزاج الشعبي. منذ المشهد الأول، يضعنا «رهين» داخل هذا العالم المألوف، عالم ممتد من تجارب سابقة مثل «مندوب الليل» و«الزرفة» و«الخلاط»، حيث تتكرر مفردات الأسلوب وتُعاد صياغتها ضمن قالب جديد.


على مستوى الصورة، يواصل الفيلم الاشتغال ضمن الأسلوب البصري المعروف لأفلام «تلفاز 11»، حيث تُستخدم الإضاءة كأداة لخلق جو عام موحّد يربط بين معظم أعمالهم المنتجة. هذا الأسلوب يمنح الأفلام هوية واضحة، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل تحوّل هذا الخيار البصري إلى قالب ثابت أكثر من كونه مساحة للتجريب؟ صحيح أن بعض أفلام «تلفاز 11» نجحت في التفرد بأسلوبها وعالمها الخاص، إلا أن «رهين» يبدو محمولاً على الجو العام نفسه دون قفزة بصرية حقيقية تتجاوز هذا الإطار. وهنا يبرز سؤال التطوير: هل نحن أمام هوية بصرية راسخة، أم أمام فجوة تحتاج إلى مغامرة تشكيلية أوسع؟


ينتمي «رهين» بوضوح إلى المدرسة الكوميدية لـ«تلفاز 11»، وهي مدرسة صنعت جمهورها عبر المنصات الرقمية قبل أن تعبر بثقة إلى شاشة السينما. لذلك يبدو الفيلم وكأنه امتداد طبيعي لهذا الخط، لا قطيعة معه. فالإيقاع، وبناء النكات، وتحريك الشخصيات داخل الكادر، كلها تحيل إلى ذاكرة المشاهد مع أعمال سابقة، وتخلق شعور الألفة قبل أن تصنع عنصر المفاجأة.


لكن الإشكالية الأساسية في الفيلم لا تكمن في أسلوبه، بل في التوازن بين الأداء والروح العامة للعمل. أداء الممثل الرئيسي محمد الدوخي جاء أقرب إلى كونه امتداداً مباشراً لشخصياته السابقة، خصوصاً في «مندوب الليل»، من حيث النبرة، وردود الفعل، وطريقة بناء الكوميديا. هنا لا يبدو الأداء متحرراً تماماً من القالب السابق، ولا مندمجاً كلياً مع عالم «رهين». هو أداء شديد الاحترافية، لكنه في لحظات عدة بدا وكأنه يعمل بمعزل عن الإيقاع العام للفيلم، ما خلق فجوة بين الكوميديا بوصفها حالة جماعية وبين الأداء بوصفه حضوراً فردياً.


هذا التباين جعل بعض لحظات الضحك قائمة على شخصية الممثل أكثر من كونها نابعة من الموقف نفسه، وهو ما أضعف أحياناً الإحساس العضوي بالمشهد. بدلاً من أن يتشكل التوازن بين الأداء والفيلم، بدا أن أحدهما يسبق الآخر بخطوة، لا يلتقيان دائماً في التوقيت ذاته.


في المقابل، يبرز أداء يزيد المجيول بوصفه أكثر اتزاناً داخل النسيج العام للفيلم، حيث استطاع أن ينسجم بهدوء مع سياقه، وأن يحافظ على علاقة متوازنة بين الكوميديا والحدث، دون افتعال أو استعراض زائد. حضوره جاء عقلانياً في إيقاعه، وخدم المزاج العام أكثر مما نافسه.


كما شكّلت إضافة سعيد العويران حضوراً داعماً لهوية الفيلم، حيث أتى أداؤه منسجماً مع الروح العامة دون أن يطغى عليها. حضوره ساهم في تثبيت توازن المشاهد، ومنح بعض اللحظات ثقلاً خفيفاً يتناسب مع طبيعة العمل، دون مبالغة أو افتعال لنجومية على حساب السياق.


من أكثر الجوانب اللافتة في «رهين» هو اعتماده على وجوه جديدة قادمة من عالم «السوشال ميديا». هذه النقطة تحديداً تفتح باباً شائكاً للنقاش أكثر مما تقدم إجابة واضحة. فالفيلم يطرح، بشكل غير مباشر، سؤالاً عن العلاقة الجديدة بين الشهرة الرقمية والتمثيل السينمائي، وعن مدى جاهزية المؤثرين للانتقال من شاشة الهاتف إلى شاشة السينما، بكل ما تحمله من شروط مختلفة على مستوى الأداء، الحضور، وبناء الشخصية عبر زمن أطول وأكثر تعقيداً.


لا يمكن إنكار أن بعض هذه الوجوه تمتلك كاريزما فطرية، وحضوراً يفرض نفسه، لكن في الوقت ذاته تظهر حدود التجربة بوضوح، حيث لا يزال الأداء في بعض المشاهد أسير ردّ الفعل لا الفعل الدرامي، وأسير اللحظة لا المسار الكامل للشخصية. وهنا يبرز تحدٍ حقيقي أمام الصناعة: هل يكفي الرصيد الجماهيري ليكون جسراً تلقائياً إلى التمثيل؟ أم أن الشاشة الكبيرة تتطلب مساراً مختلفاً من التمكين والتدريب والصقل؟


«رهين» فيلم ممتع للمشاهدة، يحمل روحاً خفيفة، ويؤكد من جديد نجاح «تلفاز 11» في صناعة عالم كوميدي خاص به، عالم يعرف جمهوره جيداً ويتحدث بلغته. لكنه في الوقت نفسه يكشف عن مرحلة انتقالية تعيشها السينما السعودية، مرحلة تتداخل فيها الاحترافية مع التجريب، ويتقاطع فيها نجم «السوشال ميديا» مع ممثل السينما.


ويظل السؤال الأهم الذي يتركه الفيلم في نهايته مفتوحاً.. هل وصلنا فعلاً إلى مرحلة نؤهل فيها مؤثري «السوشال ميديا» ليكونوا ممثلين على شاشة السينما اعتماداً على نجاحهم في الشاشات الصغيرة؟ أم أن هناك فجوة حقيقية في مسار اكتشاف المواهب التمثيلية وتمكينها، فجوة قد لا تُردم بالشهرة وحدها، مهما كان بريقها؟


* ناقدة سينمائية.