سالم بن نهاية
سالم بن نهاية
-A +A
سالم بن نهاية S_Alyami71@
الشعر الهلالي لفظياً يرتبط في قبائل بني هلال الذين غادروا من الجزيرة العربية قبل قرونٍ مضت على موجاتٍ بشرية، وخير شاهدٍ لذلك القصائد المتداولة شفهياً. وهذا البحر الذي يتغنى به الشعراء سُمي بالهلالي نسبةً إليهم كأول من نظم على هذا البحر بلهجةٍ عامية وأحياناً بلغةٍ فصحى، رغم أن هذا البحر ليس حكراً على قبائل بني هلال في وقتهم وليسوا هم الذين اخترعوه إنما اخترعوا طريقة خاصة بهم، وتغنوا بالشعر كما يتغنى الذين من قبلهم على بحور الشعر الخليلية التي أقرَّها الخليل بن أحمد الفراهيدي وحددها ولم يأتوا بجديد، ونحن هنا لا نتحدث عن الأماكن والمواطن التي تواجد فيها قبائل بني هلال سواء كانوا من اليمن أو من نجران أو من نجد أو غير ذلك، ولا في نسب تلك القبائل التي اختلف كثير من الناس في مواطنهم وأنسابهم وحتى في أشعارهم. ما نتحدث عنه هو المسمى والنشأة الخاصة بهذا الشعر، وأسرار الترنيم الهلالي إن صح القول أو الجرس الموسيقى، وبيان هذا الغموض السائد في هذه الأشعار.

البحر الهلالي من أكثر البحور الشعرية جدلاً في وقتنا الحالي بين النقاد والشعراء أو حتى الرواة والباحثين في الموروث الشعبي من حيث استقامة المبنى على شكله الصحيح، إضافة إلى ظاهرة فقدان تشكيل النص الهلالي ومنهجية الشعراء المتقدمين على هذه الظاهرة الخاطئة، وقد اختلف كثير من الشعراء والأدباء حول أصل هذا البحر أولاً وأنواعه ثانياً وخصائصه وغنائه ثالثاً، وعلى التغيرات التي دخلت على هذا البحر من وقتٍ قريب، وتضاربت الآراء حول القصائد المنسوبة لغير قائلها مع تحقيق القصائد الهلالية على حسب رغبة الباحث، والبعض جعل من هذا البحر الذي يمتلك ميزات وخصائص قد لا تجدها في غيره من البحور أكثر صعوبة وتعقيداً، وكما وصلنا من الشواهد الشعرية القديمة سواءً من المخطوطات التي يصعب تحقيقها أو من الرواة المهتمين في هذا المجال الذين نقلوا لنا الموروث الشفهي وشواهد شعرية فيها من الشوائب ما يدعو إلى التساؤل! مما نتج عن ذلك بطبيعة الحال مع مرور الزمن وضعف الإسناد، تداخلت هذه الأوزان ببعضها البعض وكما يقول القائل: «وما آفة الأشعار إلا رواتها» إذا نسي الراوي البيت الشعري، أكمله من معرفته وحسب إمكانياته المتواضعة للجمهور، وإذا اجتهد الباحث في تحقيق القصائد من المخطوطات حرّف معانيها على ما يراه مناسباً له، ومقياسه في ذلك ذائقته الشخصية، وبالتالي اكتسب هذا البحر رواجاً أكثر من غيره وزاده غموضاً وأسرارا، وشعراء النبط يعتبرونه من أصعب الألحان ولا يستطيع النظم عليه إلا فحول الشعراء، إذ إنهم يصفون بأن من يكتب على البحر الهلالي شاعر متمكن بل ومن أشعر الشعراء، والحجة في ذلك أنه من أصعب البحور الشعرية على الإطلاق، -حسب قولهم واعتقادهم- اقتداءً بشعراء القرون الماضية، ولا شك بأن الشعر الهلالي شعر غنائي في المقام الأول ولديه مسلمات وقواعد ثابتة قد حُرفت وتبدلت من جيلٍ إلى آخر بسبب آفة النقل وغيرها، ولا يعرف حقيقة هذا الأمر إلا من بحث بعمق حول مسائل أوجه الاختلاف بين البحور الهلالية بأنواعها وأصلها الجذري في الشعر العربي وامتدادها التاريخي. ابتداءً من نشأة الشعر الجاهلي ومروراً بصدر الإسلام إلى الحقبة الزمنية التي تبدو بأنها حول القرن الرابع الهجري التي شكلت مرحلةً حاسمة بانتقال الشعر من الفصيح إلى العامي في بعض الأقطار، وهنا بدا لنا ظهور «الهلالي» بحراً يُكتب عليه وليس كـ«مسمى»، وقد جاء في كتاب تاريخ ابن خلدون أولى النماذج الشعرية لهذا النوع من الشعر وصُنف لدى كثير من النقاد بأنه أقدم البحور الشعرية النبطية إذا لم يكن الأول، إسنادا إلى ما ذكره ابن خلدون، إضافةً إلى ذلك المرويات الشفهية والموروث الشعبي الذي لا يقل أهمية بدوره عن التاريخ المدون، إذ لم تقس حسب ميول الراوي ورغبته. ولا غرابة في أن نجد اختلافا واختلالا في مبنى القصيدة الهلالية بشكلٍ عام سواءً في نهاية القرن الرابع الهجري أو العاشر أو حتى إلى وقتٍ قريب، وقد مضى على زمن الذين أنشأوا لنا هذه المدرسة الشعرية قرابة ألف سنة منذ ولادة الشعر بلهجةٍ عامية «النبطي» حتى الآن والذي يخلو رغم اتصاله بالشعر الجاهلي من نحويات اللغة وصرفها في نهاية القوافي الشعرية، وقد سار على نهج المدرسة الهلالية الكثير من الشعراء في القرون الماضية إلى وقتنا الحاضر، الشعراء الذين يمتازون بقوة المفردة والفصاحة الفطرية الموروثة بالسليقة. ومنهم من سار على نهجٍ خاطئ وهم فئة قليلة الذين جسروا على نظم قصائدهم على هذا النظم واجتهدوا فلم يصب أحد منهم، إذ لم يتخلوا عن قاعدة «المسحوب زائد حرف» أو ما يروجون له بأنه الهلالي النقي! السائد والمعروف لدى بعض الشعراء المتسلقين بلا كفاءة على أكتاف الشعر، ومنهم من تحاشى هذا النظم احتراماً للموروث وللشعر أيضا واكتفى بقوالب الأوزان الأخرى الأكثر شيوعاً الآن.