-A +A
عبدالرحمن العكيمي ALOKEMEabdualrh@
في كل مرة نتناول فيها الشاعر والفلكي راشد الخلاوي، يرحمه الله، نجد أنفسنا أمام ظاهرة تستحق التأمل لاسيما أنه ظهر وبرع في فترة يندر فيها ظهور أسماء لديها القدرة الحسابية والفلكية وكتابة الشعر وامتلاك الرؤية، فالخلاوي الذي اختلف عليه في أي قرن عاش، هل هو الحادي عشر أو الثاني عشر وثمة من يرى من الرواة أنه عاش في القرن التاسع ولم يتم التعرف متى ولد أو متى توفي على وجه التحديد لكن أشعاره وتجربته في الحكمة وفي علم الفلك هي التي وصلت إلينا وما زالت حاضرة في عالمنا إلى اليوم فهو يمثل تجربة حقيقية لأبناء الصحراء في الجزيرة العربية، فهو شاعر حكمة وفلكي يجيد الحساب وهو أيضا رجل عرف بشهامته وقيمه العالية ونسكه وإيمانه العميق، وله قصص تكشف عن كرمه وشهامته وحفظها شعره وذهبت مع أبناء الجزيرة العربية ولا تزال أبيات الخلاوي في الحكمة وفي التجربة الإنسانية تردد هنا وهناك، يقول:

نعد الليالي والليالي تعدنا


العمر يفنى والليالي بزايد

قولوا لبيت الفقر لا يامن الغنا

وبيت الغنا لا يمن الفقر عايد

ولعل شهرة الشاعر راشد الخلاوي جاءت من اهتمامه بالفلك والحساب حتى أن الكثير من أهل المملكة سواء في نجد أو في مناطق الشمال أو الجنوب يقولون في «حساب راشد الخلاوي» وهو الشعر الذي كتب له البقاء كونه ينطلق من رؤية فلكية حسابية تدرك مواسم العام الهجري، فمن خلال شعره يحدد دخول الوسم وظهور سهيل وموعد دخول فصل الشتاء ورحيل الصيف وموسم الأمطار، إن راشد الخلاوي على دراية كبيرة في علم النجوم ومواعيد ظهورها ومواقعها وارتباطها بالفصول والطقس والمطر وما إلى ذلك، عاش مع النجوم وتعايش معها يراها ويراقبها يقرأ فيها حساب الأشهر والأيام ودورتها الفلكية ويستدل بها كما يفعل البدوي، ويعرف الجهات كل الجهات بمواقع النجوم وأسس لحساب فلكي شعري بدوي ساهم بدور كبير في هداية أبناء الجزيرة العربية سابقا للجهات ومواعيد الوسم ومواسم الفصول.. وكانت الفترة التي عاش فيها راشد الخلاوي قد شهدت نمو ظاهرة الحساب وقراءة النجم من الكثيرين سواء في نجد أو الحجاز أو في الشمال من الذين يعرفون حساب النجم وظهور الثريا لكنهم لم يؤرخوا معرفتهم كما فعل الخلاوي راشد شعرا الذي كان يصر على حفظ حقوقه الفكرية والإبداعية حينما يقول «قال الخلاوي والخلاوي راشد..» قاطعا الطريق على أصحاب السرقات الشعرية آنذاك، يقول في واحدة من أهم قصائده الفلكية:

متى الثريا مع سنا الصحب وايقت

على كل خضرا ودعت بالسنايد

من عقبها نجم كما فرخ متلي

على الشوق يتليها بمشيه يعاود

بوارح الجوزا ربا فيه بسرها

واختلفت الألوان بين الجرايد

وإلى ظهر المرزم شبع كل كالف

من الفيد وانحن الليالي شدايد

ونجوم الكليبين

التي تنشف الجم

يغور فيها ما العدود الوكايد

وله العديد من القصائد في الحكمة وله فلسفته الخاصة يقول:

مقام الفتى في منصب العز ساعة

ولا ألف عام يصحب الذل صاحبه

ويظهر عزة النفس والاعتزاز بذاته كثيرا، يرحمه الله، في أكثر من قصيدة يقول:

فلي من قديم العمر نفس عزيزة

أعض على عصيانها بالنواجذ

ويقول في الحكمة:

من لا يحوش المرجلة في شبابه

ما عاد يدركها اليا صار شايب

ولعل الكثيرين انشغلوا بنسب وجذور راشد الخلاوي واختلفت الآراء حول ذلك ولم تظهر حقيقة نسبه وهي ليست مهمة أمامنا بقدر ما نحن أمام إرث إبداعي كبير خلفه هذا الشاعر والفلكي البدوي الذي يستحق المزيد من الكتابة والاحتفاء.