-A +A
علي حسن التواتي
ما زال رجع صدى كلمات ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، في أول مقابلة تلفزيونية بثت له، يتردد في الآفاق حين قال «إن الملك عبدالعزيز ورجاله أسسوا السعودية دون نفط وأداروا الدولة في البداية من دون نفط. وبسبب حالة الإدمان النفطية الحالية أصبح هناك ما يشبه التعطيل للتنمية»، وما زالت برامج رؤيته لمستقبل المملكة 2030 تبنى على برامج ومشاريع تهدف لإحداث عملية تحول رئيسية، وما زال حبر توقيع الوزير الفالح لمذكرة تفاهم في الهند للانضمام لتحالف الطاقة الشمسية، وتوقيع مدير صندوق الاستثمارات العامة، لمذكرة تفاهم بشأن التعاون مع الصين في مجال الطاقة المتجددة، خلال زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للدولتين لم يجف بعد.

ولكن ما يؤسف له هو أن العديد من المسؤولين في المراتب الأدنى، ما زالوا يتحسسون من الحديث عن البدائل ويقللون من شأنها. ولهؤلاء أقول؛ إن الأخذ والرد في هذه المسألة يعيدنا للركون إلى ما في أيدينا ويعيدنا لحالة «ما يشبه تعطيل التنمية» التي حذر منها سمو ولي العهد وعزاها لـ«حالة إدمان النفط».


وفي هذا الاتجاه، لنتفق في البداية على عدة مسلمات منها:

- النفط كمصدر للطاقة يختلف عنه كلقيم لصناعات أخرى أو كمادة خام لإنتاج لدائن ومواد صناعية مختلفة. ومعظم النقاش الدائر هو عن «النفط كمصدر للطاقة»، وبالتالي فإن حرق أي برميل من النفط كوقود هو في الحقيقة حرمان لنا وللبشرية من قيمة إضافية أعلى في الاستخدامات الصناعية الأخرى.

-النفط لم يبلغ الذروة في الاستهلاك بحسب توقعات عالم الجيولوجيا ماريون كنج هابرت، 1903 - 1989 أول من قال بفكرة «ذروة إنتاج النفط وانحداره» وأيده فيما بعد وزير الخزانة الأمريكية الأسبق ماثيو سايمون. فالدراسات الحديثة والوقائع تثبت بأن هذه الفكرة حتى بافتراض صحتها إلا أن الاكتشافات الجديدة وتزايد الاحتياطات العالمية ودخول الزيت الصخري والرملي في الصورة تشير إلى أننا لم نبلغ الذروة بعد، وربما لن نصلها قبل الخمسينات من القرن الحالي.

-العالم في بحثه عن بدائل الطاقة، لا يفكر في النفط فحسب، بل في تحولات اقتصادية كبرى تقوم على اعتماد نموذج جديد يحدث تغييراً في مفاهيم إنتاج الطاقة من «المركزية الرأسية والإنتاج الكبير والتوزيع» إلى «اللامركزية والانتشار والإنتاج الفردي والتبادل».

والنقطة الثالثة أعلاه هي ما سأركز عليه حتى نهاية المقالة. حيث يرى خبراء في مقدمتهم جيرمي ريفكن بأن «ثورة صناعية ثالثة» ترتكز على تقارب جديد بين الاتصالات والطاقة هي في «بداياتها» حالياً.

فقد التزمت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإنشاء بنية تحتية تقوم على خمس ركائز لتوظيف هذا التقارب الجديد. وتم تطوير خطة أقرها البرلمان الأوروبي رسميا في عام 2007 عرفها البعض بخطة 20- 20- 20، تقوم في ركيزتها الأولى على التزام دول الاتحاد بهدف واضح يتمثل في توفير ما نسبته 20% من إجمالي الطاقة المستخدمة من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020 ما يعني توفير ثلث الكهرباء من مصادر خضراء.

أما الركيزة الثانية فتتعلق بكيفية تجميع الطاقة المتجددة الموزعة، فكل بوصة من الأرض يغطيها نوع من الطاقة المتجددة، وبدلاً من الذهاب إلى مواقع وجود نوع معين من الطاقة بكثافة في مكان بعينه، فقد قرروا الاستفادة منها جميعاً أينما وجدت وبأي كثافة وذلك بالاستفادة من «191» مبنىا سكنيا وتجاريا منتشرة على كامل مساحة الاتحاد الأوروبي لتوليد وتوزيع الطاقة. وذلك بإنشاء محطات طاقة خضراء جزئية يمكنها جمع الطاقة الشمسية من على سطح المبنى، وطاقة الرياح من جوانب المبنى، والطاقة الحرارية الأرضية من تحت المبنى، والطاقة الحيوية من تحويل القمامة العضوية في المبنى.

وتتعلق الركيزة الثالثة بتخزين الطاقة، فبالرغم من وجود بطاريات التخزين ووسائل أخرى، فقد ركزوا على وسيلة تخزين مذهلة وهي «الهيدروجين الداخل في تركيب الماء». فالطاقة الكهربائية الخضراء المتولدة في المباني تستخدم في تشغيل المبنى ويمكن تحويل الفائض إلى خزان خاص «للماء» ليتم حفظها في هيدروجين الماء، ليمكن استعادتها عند الحاجة من الهيدروجين مع فقد بسيط.

أما الركيزة الرابعة فتتعلق بكيفية التشارك في الكهرباء الخضراء، وهنا يأتي دور تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الإنترنت، فكما نجحت التكنولوجيا في تخزين البيانات بشكل رقمي وتبادلها عبر الإنترنت في وقت قياسي ومن أي مكان في الكون، فقد أمكن تخزين الطاقة المتجددة الموزعة على ملايين المباني في جزيئات هيدروجين الماء، وأمكن بالتالي مشاركة أي فائض من الكهرباء مع الآخرين من خلال إعادة بيعها عبر «إنترنت الطاقة» ليتم تحويلها لمن يحتاجها.

وتتعلق الركيزة الخامسة بدمج وسائل النقل كالسيارات والشاحنات، حتى عبر الدول والقارات، في البنية التحتية للطاقة الخضراء. ويكون ذلك بتوصيل مركبات خلايا الوقود الكهربائية والهيدروجينية بالمباني لتشغيل المركبات. ومن ثم يمكن الحصول على الكهرباء أو بيعها في المدن وعلى خطوط السفر المحلية وخطوط الترانزيت عبر القارات.

ومن المهم قبل الختام التنويه إلى أن خططاً شبيهة بخطة الاتحاد الأوروبي يتم تطبيقها بالتوازي في الصين والهند ودول أخرى.

وعلينا الاعتراف بأن الجهود التي بذلت في الاستفادة من المصادر البديلة للطاقة قد قطعت شوطاً كبيرا على طريق تحقيق الأهداف.، فألمانيا التي تقود العالم في توفير الطاقة الخضراء. أعلنت قبل عدة أيام خطتها لإغلاق أكثر من 80 محطة لتوليد الكهرباء بالفحم الحجري بحلول 2038 وذلك رغم فراغها للتو من بناء محطة توليد بالفحم كلفت 1.5 مليار يورو.

ولذلك علينا ألا نقلل من شأن ما تحقق وسيتحقق من إنجازات ستتسارع اعتباراً من 2020 عام نزول السيارات الكهربائية على نطاق كبير، وبدلاً من التمترس الدفاعي عن النفط ومستقبله كمصدر للطاقة، دعونا نشغل وقتنا فيما يفيد ونستمع لنصيحة سمو ولي العهد والخبراء العالميين بمشاركة العالم في توجهاته نحو مستقبل أنظف وأفضل للطاقة بالعمل على «زيادة مشاركة القطاعات غير النفطية في الناتج الوطني وتقليل الاعتماد على النفط قدر المستطاع كمصدر رئيس للطاقة» فالصناعات النفطية أكبر من مجرد وقود للحرق وهذا أيضاً من مسلمات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حين قال أثناء توقيع اتفاقات صناعات نفطية في الهند: المملكة ليست دولة فقط تبيع النفط، نحن نبيع النفط ونستثمر في الدولة التي نبيع فيها النفط في صناعة البتروكيماويات وصناعات متعددة في هذا الجانب.

* اقتصادي وباحث إستراتيجي سعودي

alitawati@