أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/356.jpg&w=220&q=100&f=webp

علي حسن التواتي

الانقلاب التركي الفاشل صيحة لاستعادة التوازن

الإجماع الذي أبداه النظام السياسي التركي موالاة ومعارضين باصطفافهم خلف حكومة أردوغان المنتخبة دستوريا في رفض المحاولة الانقلابية التي قادتها ثلة من الرتب المتوسطة في القوات المسلحة التركية أمر مثير للاهتمام ومؤشر رشد سياسي في التجربة الديموقراطية التركية.
أما التحرك في الشارع لإسقاط الانقلاب شعبيا، فهو أيضا مؤشر جيد على أن الشارع التركي أصبح أكثر وعيا وتحصينا في مواجهة من تعودوا على إسقاط النظام بالدبابات والبيان رقم 1.
ولكن، ومع احترامنا الكامل لإرادة الشعب التركي وإعجابنا بردود فعله التي أنقذت البلاد من السقوط من جديد تحت (بساطير العسكر) لمصير مجهول، إلا أن ما جرى يحتاج لوقفة مراجعة مع النفس واعتباره، على أقل تقدير، صرخة دموية لاستعادة التوازن المفقود على الساحة السياسية التركية، والانجراف باتجاه سلطة الحزب الواحد والتيار الواحد والقومية الواحدة.
كلنا نعرف أن حزب العدالة والتنمية حينما تمكن من الوصول للسلطة سنة 2002 برئاسة السيد رجب طيب أردوغان حظي حينها بدعم جماهيري كبير وصل حد حصوله على أعلى عدد من المقاعد في الجمعية الوطنية الكبرى (363 من 550) يحققه حزب ذو توجه إسلامي منذ سقوط الدولة العثمانية. ولكن حتى هذا العدد من المقاعد لم يمكن الحزب من تحقيق الأغلبية اللازمة لتعديل الدستور لمنح السيد أردوغان سلطة رئاسية تعلو على سلطة البرلمان والمحكمة الدستورية العليا.
ولكن حزب العدالة والتنمية تصرف بأسلوب نمطي تجاه هذه المسألة، كما هي عادة الأحزاب الدينية بصرف النظر عن عقيدتها، بالنظر للانتخابات كمطية يعتليها نحو سدة الحكم ثم يتمسك بسنامها ويرفض التحول عنها خصوصا لحزب أو تيار يشاركه نفس التوجه أو العقيدة ويختلف معه في التطبيق. وهذا ما حصل حينما ناصب الحزب العداء للداعية المعروف محمد عبدالله كولن صاحب المدارس القرآنية والستين كتابا في العقيدة الإسلامية والسيرة النبوية. ورغم أنه غادر البلاد سنة 1999 للولايات المتحدة في عهد بولنت أجاويد بعد التضييق عليه من حزب الشعب العلماني إلا أن هذا العداء لم يفتر أو يتبدل مع وصول الحزب للسلطة سنة 2008 وأصبح الشبح الدائم والكابوس المرعب للحزب في كافة الانتخابات التي تلت في 2007 و 2011 و 2015 والإعادة في 2015.
وخطورة كولن على حزب العدالة والتنمية لا تقتصر على الشراكة في الإطار العقائدي الواحد فحسب بل تتعدى ذلك للإطار القومي وهو الوتر الآخر الذي يحلو للحزب أن يلعب عليه حين يحزبه الأمر في مواجهة الأقليات والقوميات الأخرى التي تشكل فسيفساء الدولة التركية. وتصريحات رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو ما زالت تجلجل في سماء السياسة التركية، إذ قال في 23 نوفمبر 2009 في لقاء مع نواب الحزب: «إن لدينا ميراثا آل إلينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا..».
وهذا ما انعكس فعلاً على السياسات الداخلية والخارجية التركية في عهد الحزب منذ توليه السلطة، فهو يضرب الأقليات، وفي مقدمتها الأكراد، بسيف القومية، ويضرب الأحزاب العلمانية بسيف الدين. ولكن كولن يبقى شبحاً قوميا وعقائديا موازيا ومنافساً قويا خطرا على تفرد الحزب بالسلطة وفرض النظام الرئاسي الذي عجز عن فرضه على التركيبة السياسية التركية. ولذلك سمعنا اسم كولن يتردد على لسان الرئيس أردوغان وأركان حزبه بصفته زعيم التنظيم (الموازي) والانقلابي والعميل الأمريكي والخائن.
ورغم نفي كولن للتهمة الموجهة إليه جملة وتفصيلا في بيان قال فيه «أدين بأشد العبارات محاولة الانقلاب العسكري في تركيا.. بوصفي شخصا عانى في ظل انقلابات عسكرية عديدة خلال العقود الخمسة الماضية.. فإن من المهين على نحو خاص اتهامي بأن لي أي صلة بمثل هذه المحاولة. وأنفي بشكل قطعي مثل هذه الاتهامات». إلا أن أردوغان وأركان حزبه، رغم عدم تقديمهم لطلب رسمي بتسليمه، يصرون على اتهامه، ما دفع بالولايات المتحدة إلى مطالبة تركيا بتقديم أدلتها وبراهينها بإدانة كولن.
وتحت ظلال هذا المشهد الكئيب أتوقع أن تنكفئ تركيا خلال الفترة القادمة لخمس سنوات على الأقل على نفسها لإعادة ترتيب البيت، ولن يكون ذلك سهل المنال في ضوء التشرذم القومي والعقائدي الواضح، واعتقال أكثر من (2800) قاض، وآلاف العسكر والسياسيين صبيحة يوم الانقلاب. وعلينا ألا ننسى أن الإجماع السياسي على إسقاط الانقلاب العسكري في تركيا لم يكن من أجل أردوغان ولا من أجل حزب العدالة والتنمية بل من أجل تركيا، ولكن هذا الموقف الموحد الذي أملته الظروف والحس الوطني لا يعني أن يترك الحبل على الغارب للحزب. ولذلك أتمنى أن يعود التوازن من جديد للمشهد السياسي التركي لما لذلك من تأثير مباشر على استقرار المنطقة والعالم.

20:56 | 16-07-2016

لنقرأ القرآن في صنافير وتيران

أرى أنه من حقنا الاحتفال بترسيم الحدود البحرية بين المملكة وجمهورية مصر العربية الشقيقة وعودة جزيرتي صنافير وتيران إلى السيادة السعودية.
وآيات القرآن الكريم التي تحض على الشكر لله كثيرة ووردت في مواضع متعددة ومنها ما يمكن أن أستشهد به على أن علينا أن نبدي الشكر أن سخر لبلادنا زعماء حكماء يعملون بصمت ويعرفون متى يغلبون مصلحة الأمة ومتى يغلبون مصالح بلادنا الوطنية.
فبهدوء سمح لمصر الشقيقة أن تستفيد من جزيرتي صنافير وتيران في الدفاع عن أمنها الوطني والأمن القومي العربي على مدى عدة عقود، وبهدوء تمت استعادتها ضمن مسألة أكبر وأعظم من تبعيتها المحسومة سلفا وهي مسألة ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر، ما انعكس بالإيجاب على إمكانية استفادة كل دولة من منطقتها الاقتصادية وإمكانية استفادتهما معا من الاستثمار المشترك في المنطقة البحرية الاقتصادية المشتركة، كما يحدث الآن فعلا في المنطقة الاقتصادية البحرية المشتركة بين السعودية والسودان.
ولا يجب التركيز في مسألة ترسيم الحدود البحرية بين المملكة ومصر على الجوانب الاقتصادية وإن كانت مهمة للبلدين في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة، بقدر ما يجب التركيز على إشاعة أجواء المحبة والوفاق بين البلدين وتعزيز التحالف الإستراتيجي المركزي بين أكبر دولتين عربيتين في المشرق العربي وانعكاساته الأمنية والعسكرية والاجتماعية في توحيد العرب وتعزيز قوتهم لاستعادة التوازن المفقود على المستويين العالمي والإقليمي لأمتنا العربية في مواجهة الأمم الأخرى التي تشاركنا الحياة في المنطقة أو تلك التي تؤثر عليها.
وانطلاقا من قول الله تعالى في محكم التنزيل (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِين) [الأعراف: 144]، فإني أدعو هنا لتظاهرة شكر وامتنان لله عز وجل بعد استلام قواتنا المسلحة الباسلة التي أسهمت إدارة المساحة العسكرية التابعة لها في ترسيم الحدود مساهمة علمية دقيقة وحاسمة.
وأقترح أن تكون هذه التظاهرة من الجانبين السعودي والمصري بحيث تتحرك قوارب متزامنة من الجانبين تحمل العشرات من طلاب المدارس الابتدائية مع معلميهم باتجاه الجزيرتين ليتم رفع بيارق التوحيد بأعداد كبيرة لا تخطئها العين من أي مكان في البحر أو من البر أو حتى من الفضاء الخارجي. ولتتم إقامة الصلاة وقراءة القرآن بشكل جماعي يشق عنان الفضاء للتعبير عن الشكر لله من قبل ومن بعد.
كما آمل إن وجد اقتراحي هذا قبولا أن يتم بناء مركز إسلامي متكامل ومسجد كبير ويحدد موعد سنوي ثابت في الجزيرتين لعقد مسابقة عالمية كبرى لقراءة القرآن ليرتبط مسمى الجزيرتين بقراءة القرآن الكريم لتعمر بذكر الله وليحل السلام والبركة على كافة أرجاء البلاد والعباد.
فبالشكر تدوم النعم. والشكر لله لا يكون بالطبل والزمر والحفلات الصاخبة بل بإقامة شعائره وغرس المفاهيم الأخلاقية الرفيعة والوطنية في نفوس النشء. فلنربط في أذهان الصغار بين الجزيرتين وقراءة القرآن.
أما الاستفادة الاقتصادية من الجزيرتين فيمكن أن ترتكز على السياحة العائلية النهارية والنشاطات الرياضية البحرية كالصيد والتجديف والغوص وتجهيز الفرق الرياضية الأولمبية، فالمحمية التي تقع فيها الجزيرتان تشتهر بتنوعها الأحيائي والجمالي وصفاء المياه. ويمكن بالتالي أن تكون مركز جذب عالمياً للرياضات الشبابية والسياحة النظيفة.
21:03 | 20-04-2016

صحوة التاريخ في عهد سلمان

أكتب هذه المقالة وأنا أتابع زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لجمهورية مصر العربية بكل ما فيها من عطاء وود متبادل وتضامن لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا في علاقات البلدين الشقيقين إلا في فترات محدودة. ولذلك حين سألتني الإعلامية المصرية لميس الحديدي عن رأيي في العلاقات السعودية المصرية قلت «أيام صيف وأيام شتاء» فأعجبها التعبير وقالت بفرح إنه تعبير جميل يختصر تاريخ العلاقات بين البلدين «فاسمح لي أن أستعيره وأستخدمه».
ولكن ما لم أقله في تلك المداخلة التلفونية هو أن النقلة التي يحدثها خادم الحرمين الشريفين حاليا في العلاقات بين البلدين تتخطى كافة التحفظات وتتجاوز كل العقبات لتلتقي أيادي زعماء البلدين وشعبيهما عبر خليج العقبة فتصنع جسرا من المحبة والتضامن والتكامل قبل أن تصنع جسر عبور يتجاوز الجغرافيا الضيقة إلى عبور أمة طال انفصالها في الاتجاهين. نعم هو عبور أمة قطع اتصالها البري زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة لتقطيع أوصالها وشرذمتها في مرحلة ما بعد سايكس- بيكو.
ولست هنا بصدد استعراض أهداف محطات الزيارة السياسية والاقتصادية والثقافية والتنموية فقد أشبعت استعراضا وتحليلا ولكنني سأتوقف عند واحدة من أهم محطاتها وهي ترسيم الحدود البحرية السعودية المصرية وإنهاء إعارة جزيرتي (تيران وصنافير) وعودتهما للوطن السعودي العزيز بعد انتفاء الحاجة لإعارتهما منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى توقيع الرئيس السادات لاتفاقيات كامب ديفيد للسلام المصري مع إسرائيل. كما أنني لست هنا بصدد إثبات تبعية الجزيرتين للمملكة بصفتهما جزءا لا يتجزأ من الحجاز التاريخي الذي يشكل الآن إقليما مهما من الأقاليم التي أرسى الملك عبدالعزيز - رحمه الله - دعائم وحدتها ضمن المملكة العربية السعودية.
ولقد كانت علاقتي بالجزيرتين مبكرة بحكم انتماء عدة أجيال من عائلتي لمدينة الوجه التاريخية العريقة على الساحل الشمالي للبحر الأحمر والتي هي الآن ضمن المنطقة الإدارية التي تمتد لتشمل خليج العقبة وبالتالي تيران وصنافير اللتان لم أتعامل معهما بشكل رسمي إلا في أوائل ثمانينيات القرن الماضي أثناء إلقائي لمحاضرات في القانون الدولي العام على طلاب كلية القيادة والأركان في الرياض والذين كان من ضمنهم معالي رئيس هيئة الأركان العامة الحالي الفريق أول ركن عبدالرحمن البنيان، حينما فاجأني أحد الطلاب بسؤال عن الجزيرتين وما الذي اتخذ من إجراءات في سبيل استعادتهما. وقبل أن أسترسل في الإجابة رفع طالب آخر يده ليفيدنا بأنه يعرف كل شيء عن الجزيرتين وإعارتهما من خلال اشتراكه في لجنة رسمية بحثت في أرشيف وزارة الخارجية عن هذه المسألة. وكأنما هبط علينا ذلك الطالب العسكري - الذي لا أذكر اسمه لقدم العهد به - من السماء فتنازلت له عن تلك المحاضرة وأخذت مقعدا بين الطلاب لأستمع وأنصت مع الحاضرين لمحاضرة من أجمل وأدق ما سمعت عن الجزيرتين. فقد وفقت اللجنة التي حظي بعضويتها في تجميع عشرات الوثائق التاريخية التي تفسر على وجه الدقة تاريخ سماح السعودية لمصر بالتواجد العسكري في الجزيرتين وهو سنة 1950 لتعزيز دفاعاتها عن طابا وشرم الشيخ وباقي جنوب سيناء على أثر نكوث إسرائيل تعهداتها بالهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة على أثر حرب 48م وتقدم قوة منها بقيادة إسحاق رابين يوم 10 مارس 1949م واستيلائها على (أم الرشراش/ إيلات) على خليج العقبة في 10 مارس 1949م. ويسجل التاريخ للملك عبدالعزيز يرحمه الله مباركته لنزول القوات المصرية في الجزيرتين في برقية موجهة إلى الوزير المفوض السعودي في القاهرة في فبراير 1950م بقوله «نزول القوة المصرية في جزيرتي تيران وصنافير لأن أمن هاتين الجزيرتين كان مقلقا لنا كما هو مقلق لمصر، وما دام أن المهم هو المحافظة عليهما، فوجود القوة المصرية فيها قد أزال القلق».
والحقيقة أن كل خليج العقبة بجانبيه من بداية ساحله الشرقي إلى العقبة مرورا بأم الرشراش إلى طابا كان ضمن ولاية حاكم مكة في العهد العثماني باعتباره ضمن (طريق الحج).
وحينما استولت إسرائيل على جزيرتي صنافير وتيران بعد خروج الجيش المصري منهما في حرب 67م، رفضت إرجاعهما لمصر باعتبارهما لا تتبعان لها من حيث الملكية والسيادة كما تفعل الآن بالضبط بالنسبة لمزارع شبعا التي احتلتها ضمن الجولان من السوريين في نفس الحرب وترفض تسليمها للبنان إلا ضمن اتفاق يتم تسليمها بموجبه لسورية أولا. ولكن بسبب عدم اعتراف المملكة بإسرائيل فقد توصلت إسرائيل مع السادات الذي احتلت الجزيرتين من جيش بلاده ضمن اتفاقيات كامب ديفيد على نزع سلاحها وتسليمها لقوة مراقبة أمريكية.
الجزيرتان اللتان تبلغ مساحة كبراهما (تيران) نحو 80 كيلومترا مربعا وصغراهما (صنافير) نحو 33 كيلومترا مربعا تقعان في المضيق المعروف باسم كبراهما (مضيق تيران) في مدخل خليج العقبة من البحر الأحمر وتقابلان رأس الشيخ حميد على الجانب السعودي من الخليج مشكلة معه وحدة جغرافية وامتدادا طبيعيا جعل من الحيد البحري بينهما منطقة ضحلة لا تصلح للملاحة ما انعكس بالإيجاب على سلامة الشعب المرجانية وصفاء المياه والتنوع الإحيائي الذي جعل من رأس الشيخ حميد وجزيرتيه أحد أهم المزارات السياحية والغوص والرياضات والاستكشافات البحرية في العالم. أما خطوط الملاحة الدولية فيقع أقلها عمقا بين الجزيرتين وعمقه 16 مترا فقط، أما الخطين الأصلح للملاحة العالمية فيقعان إلى الغرب من تيران وأقربهما يبلغ عمقه نحو 73 مترا أما الأبعد نحو الغرب فيبلغ عمقه (290) مترا.
وبعودة الفرع إلى الأصل تعيش بلادنا صحوة تاريخية للقيمة والكيان في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. صحوة تتجلى فيها الكرامة والثقل الإقليمي والعالمي وتستعاد فيها الأرض وتحسم الكثير من الأمور التي بدا للعالم أنها بعيدة عن الحسم وتغلق ملفات ظن العالم أنها مستعصية على الإغلاق. فالحمد لله الذي أطال بأعمارنا لهذا اليوم لنرى كيف يستعيد ابن عبدالعزيز أمجاد عبدالعزيز.
ولذلك أدعو مؤرخينا لتوثيق ما يجري وإعادة توثيق تاريخ المملكة من جديد لتبقى مآثر جيل سلمان حية في عقول وقلوب الأجيال القادمة ويقف التاريخ الموثق حارسا للجغرافيا.. فعودا حميدا لجزيرتين لا تتعدى مساحتهما مجتمعتين مساحة جزيرة فرسان السعودية أيضا ولكن السيادة والرمزية هنا تتجاوز المساحة لتجعل من تراب الجزيرتين في نظرنا تبرا ومن ترابهما مرمرا ومن غبارهما عطرا ومن ضبابهما بردا وسلاما وندى ناديا..
20:51 | 13-04-2016

الماء خشر يا وزير الماء

لنتفق أولا على أنها وزارة الماء لأن الماء لا يجمع في اللغة العربية وحتى بنص القرآن الكريم لم يرد مسمى الماء في صيغة الجمع فهي وزارة الماء وحتى في اللغات الأجنبية اسمه الماء. وكان الأجدى أن تسمى (وزارة الماء والصرف الصحي) لأن استرجاع نسبة كبيرة من ماء الصرف لاستخدامات حضرية لا حصر لها أقلها الزراعة وأكثرها الاستخدامات الصناعية لا يقل أهمية عن إنتاج وتطوير مصادر الماء. أما الكهرباء فكان الأولى أن تستقل في وزارة تسمى (وزارة الكهرباء والطاقة) لتطوير مختلف مصادر الطاقة البديلة من النووية للحرارية بدلا من تفريقها على مصالح ومدن صناعية ووزارات عدة.
أما مفردة «خشر» الظاهرة في العنوان فهي مفردة عربية قديمة ما زالت تستخدم في نجد حضرا وبوادي وتعني (شراكة أو شركة). وسبب ظهورها في عنوان مقالة عن الماء هو ورودها في وثيقة تاريخية من وثائق دارة الملك عبدالعزيز ضمن خطاب موجه من المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود لأحد عماله لحل نزاع قبلي على موارد الماء قال فيه (الماء خشر) ولم يقل «المياه» لأن الفطرة العربية الأصيلة في استخدام الملك للغة لم يكن قد اعتراها ما اعتراها منذ ذلك الحين.
وكالعادة سينبري من يقول إن الماء المقصود هو الماء الذي نبع من الأرض أو هطل من السحاب وليس الماء الذي تم الإنفاق على إنتاجه. وهذا قول مردود جملة وتفصيلا فالماء شركة ومن يمنع من الشرب إن لم يكن لديه ماء يمكن أن يقاضي من منعه، وإن مات بسبب عدم إعطائه الماء تلزم المانع ديته ولذلك سمى النجديون الماء (الدية) فلا يغيب بحال من الأحوال عن الموائد والمناسبات.
ولم يخالف الملك عبدالعزيز رحمه الله مبدأ «الشركة» في الماء حتى مماته ففي عام 1367 أمر بإنشاء وقف خاص سمي فيما بعد باسمه (العين العزيزية) لجلب الماء من وادي فاطمة الذي يبعد نحو 70 كيلومترا لسقيا أهالي جدة ولم تتقاض الدولة من المواطنين ريالا واحدا في عهده «رحمه الله» بل زاد بأن أمر بإيجاد موارد مالية للعين العزيزية بأن يكون ربع الأراضي الواقعة جنوب وشمال أنابيب العين من الكيلو الخامس في جدة وحتى منابع العين ملكا لها.
والملك عبدالعزيز «يرحمه الله» كان يترسم سنة نبي الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بخصوص «شركة» الماء بين المسلمين حيث قال: «لا يمنع الماء والنار والكلأ» وقال صحابي «غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول: الناس شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار» وفي لفظ: «المسلمون شركاء في ثلاثة: "في الماء والكلأ والنار» ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس وزاد: «وثمنه حرام».
أما من الناحية الاقتصادية فالماء سلعة «عديمة المرونة» بمعنى أن من يملك إنتاجها يملك رفع سعرها كيف شاء، وقيام وزارة الماء برفع تعرفة الماء في بلد صحراوي استنفد ماؤه الجوفي في مرحلة تاريخية معينة بفعل خطة زراعية وضعتها الدولة يدخل - في نظري - في باب رفع السعر. ولا يجوز في حال من الأحوال استغلال حاجة الناس للماء الذي هو في الأصل «خشر» لزيادة إيرادات شركة حكومية تنتج الماء.
ولا بد في الختام من التأكيد على أن استغلال السلع «عديمة المرونة» كافة كالماء والطاقة لزيادة موارد الدولة غير النفطية غير ملائم والأجدى هو في زيادة موارد الدولة من طريق دعم المشاريع والابتكار وإيجاد المشاريع المنتجة التي تدر إيرادات لمن يمتلكوها وللدولة من خلال حصص مشاركة ومرابحة معلومة.
ولذلك أدعو إلى إعادة هيكلة وزارة الماء لتصبح وزارة للماء والصرف الصحي وألا تشغل عن مهمتها الأساسية بالكهرباء والطاقة وأن تعتلي قائمة أولوياتها إعادة التعامل مع مجمل مسألة الماء تعاملا علميا يشمل الإنتاج والكلفة والتوزيع. والكلفة يجب أن تتحمل الدولة فيها الاحتياج الأساسي للفرد الذي يدخل في باب «الشركة» مثل الوضوء 5 مرات في اليوم لكل مسلم على هذه الأرض وغسل الجمعة وكافة أنواع الغسل الشرعي والشرب. فهذه الاحتياجات التي لا يد للفرد فيها هي التي تضغط على المواطن والمقيم من المسلمين، أما باقي الاحتياجات فبإمكان الشركة الحكومية أو الشركات الخاصة المنتجة أن تحمل تكلفتها لمن يستهلكها بنسب معقولة..
21:09 | 6-04-2016

خبر لا يمر مرور الكرام

يقول الخبر الذي استقيته من موقع أرقام الاقتصادي على شبكة المعلومات العالمية إن «الجمعية التعاونية للثروة الحيوانية بمنطقة الرياض بدأت في تشغيل الأسواق الاستهلاكية للحوم في أحياء اليرموك والسويدي والشفاء بأسعار تقل عن الأسعار الموجودة في السوق بنسبة 30%».
نعم.. نعم .. خبر مثل هذا يجب ألا يمر مرور الكرام فهو وإن كان جديدا لا يعدو في حقيقته استعادة لتاريخ حافل من الجهد التعاوني الذي كان يميز مجتمعنا في الزمن الغابر الجميل. زمن ما قبل الطفرة حينما كانت للعسكريين جمعية استهلاكية تعاونية ولموظفي الدولة جمعية استهلاكية تعاونية ولطلاب المدارس (مقاصف) تعاونية وللقرى وللعائلات الكبيرة والأحياء جمعيات استهلاكية تعاونية، تعمل على توفير الاحتياجات الضرورية للأفراد والعائلات المشتركين فيها وغير المشتركين. ولقد استبشرنا خيرا قبل عدة سنوات حينما قام وزير التجارة الحالي بزيارة للكويت للتعرف عن كثب على آلية عمل الجمعيات التعاونية الاستهلاكية التي ما زالت قائمة في الكويت، ولكن يبدو أن تلك الزيارة لم تكلل بالنجاح لأن الوزير لم يدل بأي تصريح بعد إتمامها، بل إن صمتا مطبقا خيم طويلا على فضاء هذا النشاط وما كان له أن يكسر لولا إعلان المدير الإداري لجمعية «الثروة الحيوانية» التعاونية الأستاذ مخلد المطيري ببدء نشاطها مبدئيا في ثلاثة أحياء في الرياض.
والحقيقة أن الجمعيات الاستهلاكية التعاونية منتشرة في أوروبا وأمريكا والعديد العديد من دول العالم المتحضر وهي ليست مرتبطة بفقر أو غنى أو تخلف أو تقدم. بل هي مرتبطة إلى حد كبير بعوامل أخرى اجتماعية وبيئية أكثر مما هي اقتصادية. صحيح أن العوامل الاقتصادية كتخفيض مستويات الأسعار في المواد الضرورية مهمة، ومثلها إمكانية تحقيق المستهلكين لأرباح وإن كانت رمزية من استهلاك منتجات جمعيتهم أو تدويرها لتحسين مستوى الأداء، إلا أن من أهم أهدافها الاجتماعية توفير ضرورات الحياة خاصة في الغذاء والدواء والكساء للجميع بجهد تعاوني لا يميز بين فقير وغني بل إنه يستوعب الفقير ويمكنه من الحصول على الضروريات بمساندة خفية من جيرانه وسكان حيه أو قريته من غير منّ أو أذى. أيضا، تعويد الناس على التعاون والعمل التطوعي كقيم والإحساس بالجوار وبالآخرين اجتماعيا مسألة على قدر كبير من الأهمية تنعكس تباعا على مختلف شؤون الحياة، ويمكن حينها أن نرى موظفين متعاونين في مقر العمل وطلابا متعاونين في المدرسة ومجتمعا متعاونا في كل شؤونه.
أما من الناحية البيئية فالجمعيات الاستهلاكية التعاونية تضيق دائرة البصمة الحيوية للفرد والمجتمع على الموارد الطبيعية وتعود الصغار قبل الكبار على التعامل مع البيئة ومنتجاتها بحرص وتوازن وتحفظ محمود لا تبذير فيه ولا هدر ولا إساءة.
ولا بد من التأكيد على أن الجمعيات الاستهلاكية التعاونية التي ننشدها ليست منافسة ولا بديلة لمحلات البقالة والمواد الاستهلاكية التجارية كما هو الحال في الكويت. فالجمعيات التي ننشدها تقتصر في مبيعاتها على الضروريات والأصناف التي يرغب التجار في بيعها بأسعار مخفضة. والجمعيات تشتري من التجار بأسعار تقل عن سعر السوق في الأصناف التي تتاجر بها مثلما يشتري الموزعون في سوق السيارات مثلا لتتمكن من تحقيق هامش ربحي أو حتى إداري يمكنها من الاستمرار لأنها ليست جمعيات ربحية أصلا.
والجمعيات الاستهلاكية التعاونية تعتبر مخرجا للأحياء من محلات البقالة والمستودعات الغذائية التي تديرها عمالة متستر عليها لا تلتزم بتواريخ صلاحية أو نظافة أو اشتراطات تخزين صحية سليمة.
والجمعيات الاستهلاكية يمكن أن تكون من أفضل منافذ خدمة المجتمع للتجار بتزويدها بالأصناف الضرورية المخفضة أو تحمل تكلفة نقل البضائع لها أو حتى تزويدها بمواد مختلفة للبيع بأسعار مخفضة جدا تعوض الجمعية بها ما تقدمه مجانا للمحتاجين المسجلين لديها من غير أن يعلموا من قدمها. ولا أملك في الختام الا أن أوجه الشكر لمجلس إدارة الجمعية التعاونية للثروة الحيوانية في الرياض ولمديرها ولكل من يساندونها، وآمل أن أرى الجمعيات الاستهلاكية التعاونية تعود للانتشار من جديد في كافة أرجاء المملكة لتغطي الضروريات التي تتصاعد أسعارها بشكل كبير وأصبح توفيرها للعائلة متوسطة الدخل يتزايد صعوبة يوما بعد يوم خاصة مع الاستمرار في الرفع التدريجي للإعانات الحكومية عن العديد من المواد الاستهلاكية الضرورية التي انعكست على الدخل المتاح للأفراد والعائلات بانخفاض حقيقي بدأت تظهر آثاره على فئات كثيرة من المواطنين.
20:38 | 30-03-2016

أرامكو وفض شراكة مضطربة

سبق أن كتبت يوم الثلاثاء الثالث من يوليو 2012 في جريدة (عرب نيوز) مقالة باللغة الإنجليزية تحت عنوان «إغلاق مصفاة موتيفا قد يكون مدعاة لمراجعة استثمارات أرامكو الخارجية المباشرة».
وكان سبب مقالتي تلك هو ما حدث لتوسعة مصفاة بورت أرثر النفطية أكبر المصافي الأمريكية حجما وإنتاجا، الواقعة في خليج المكسيك/ تكساس من إغلاق فوري بعد افتتاحها بساعات نتيجة لمشاكل فنية وتسربات وحرائق كانت خارجة عن نطاق السيطرة فكان الإغلاق هو الحل الفوري والأوحد لتدارك الكارثة.
ومصفاة بورت أرثر هي واحدة من ثلاث مصاف تملكها أرامكو السعودية مناصفة مع شركة شل الملكية الهولندية/الإنجليزية في الساحل الأمريكي من خليج المكسيك تحت العلامة التجارية (موتيفا) التي بدأت أعمالها سنة 1998 إضافة إلى استثمارات مشتركة أخرى في لوزيانا وفلوريدا ومواقع أخرى في الولايات المتحدة. ولقد بدأت التوسعة المتعثرة في بورت أرثر سنة 2007 واستمرت لخمس سنوات تخللها توقف في 2009 ثم استئناف للأعمال بتكلفة إجمالية وصلت إلى 10 مليارات دولار قبل أن تفتتح ذلك الافتتاح الكارثي ما أجبر موتيفا على الإغلاق الذي زاد على سنة وكلف الشركة أكثر من 1.54 مليار دولار.
واليوم، وبعد 4 سنوات من مقالتي المشار إليها أعلاه، وبعد سنتين من المفاوضات بين شركتي أرامكو وشل لفض الشراكة العشرينية التي كان من المفترض أن تنتهي بعد سنتين أخريين على كل حال، يبدو أن وقت إعادة أرامكو للنظر في استثماراتها الخارجية قد أزف بدءا بالشراكة التي استمرت لثمانية عشر عاما بينها وبين شل في (موتيفا). فأرامكو الآن تحت ضغط استكمال متطلبات طرح أولي لبعض أسهمها للاكتتاب المحلي والدولي العام، وشركة شل في أمس الحاجة الآن للسيولة النقدية، فهي تخطط لتحصيل ما لا يقل عن 30 مليار دولار من خلال برنامجها الإستراتيجي للبيع التدريجي لبعض أصولها الخاصة والمشتركة ومن ضمنها شراكة (موتيفا).
وبالرغم من الغموض في تفاصيل صفقة فض الشراكة إلا أن ملامحها العامة قد اتضحت من خلال مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الطرفين وبموجبها تحصل شركة شل على مصفاتي لوزيانا النفطيتين (473 ألف برميل/اليوم للمصفاتين معا)، إضافة إلى مصفاة في الشمال الشرقي و9 أرصفة شحن للمشتقات والاسم التجاري لشل في فلوريدا. وستحصل الشركة أيضا على تعويضات مالية من أرامكو لم يعلن عن حجمها بعد.
أما أرامكو فستحتفظ بالاسم التجاري (موتيفا) وستتملك مصفاة (بورت أرثر) بالكامل (603 آلاف برميل/اليوم من المشتقات) بحسب البيانات الأمريكية مع 26 رصيف شحن وحقا حصريا في استخدام علامة (شل) التجارية في تكساس ومعظم ولايات الغرب الأوسط والجنوب الشرقي.
وتعتبر مصفاة بورت أرثر من أفضل منافذ النفط السعودي ومشتقاته الخارجية فقد استوعبت سابقا 11 مليون برميل في الشهر، وفي ديسمبر الماضي استوعبت 8.7 مليون برميل بالرغم من تراجع الطلب على النفط الأجنبي مع تنامي إنتاج النفط الصخري في أمريكا.
ولطالما بدأنا في فض شراكة (موتيفا) التي كان لا بد من فضها خلال سنتين لانتهاء أجلها، على أي حال، فإني أرى أن الوقت قد حان لإعادة هيكلة (أرامكو السعودية) قبل طرح أسهمها للتداول، وذلك بإعادة النظر كمرحلة أولى في مجمل استثماراتها وشراكاتها الأجنبية الحالية والمستقبلية للتعرف على حقيقة أوضاعها وتطوير المربح منها والتخلص من الخاسر. وبعد ذلك لا بد من مرحلة ثانية تتم فيها مع الشركة القائمة ذاتها كمرحلة بإعادة هيكلتها كشركة واضحة المعالم وقابلة للحوكمة والطرح الأولي الجزئي أو الكلي كشركة مساهمة.
ورغم احترامي لشركة أرامكو والقائمين عليها إلا أنني أرى أن مثل هذه المهمة كبيرة جدا ولا يمكن للشركة أن تحيط بها بإمكاناتها الحالية، ولذلك أدعو لتأجيل طرح أسهم من أرامكو للاكتتاب الأولي العام حاليا، وبدلا من ذلك، العمل على تشكيل (هيئة ملكية خاصة) تضم مؤسسات وكفاءات محلية وعالمية (غير ماكنزي) لإتمام كافة أعمال إعادة الهيكلة لواحدة من أهم مؤسساتنا الاقتصادية إن لم تكن أهمها على الإطلاق..
20:50 | 23-03-2016

حتى أنتِ يا أرامكو

يؤسفني في البداية التنويه بأن معظم أخبارنا الاقتصادية المسكوت عن إبرازها محليا، نجدها بسهولة على مواقع اقتصادية غربية لمسؤولين سعوديين ثانويين يمتنعون عن ذكر أسمائهم ومناصبهم، ولكن يبدو أنهم عاجزون عن كبت شهوة الإدلاء بالتصاريح للصحفيين الغربيين، ربما، للظهور بمظهر المثقفين والعارفين ببواطن الأمور..
ورغم تدقيقنا فيما ينشر في الشأن الاقتصادي في مصادر غربية من باب أمانة النقل وحماية النفس من التضليل، إلا أننا ننتهي إلى قبول معظمه لأنه منقول فعلا عن أشخاص في مواقع تمكنهم من الاطلاع على بعض الأمور.
اليوم، نستقي من نفس المصادر الأجنبية أن شركة أرامكو السعودية أرسلت منذ ثلاثة أسابيع طلبات لبيوت خبرة وشركات استشارية عالمية لدراسة (السيناريوهات) الخاصة لطرح أولي لأسهمها في الأسواق العالمية. وتضمن الطلب المدة الزمنية اللازمة وماهية الأصول أو المشاريع المشتركة التي سيشملها الطرح، وذلك بغرض تقديمها للحكومة خلال النصف الأول من هذا العام.
وبصرف النظر عن (السيناريوهات) التي تم استعراضها من ثلاث صحفيين على موقع بلومبيرغ لتخصيص أرامكو السعودية، إلا أن ما يهمني هو أننا لم نكن بحاجة لتسليم الجمل بما حمل لشركات الدراسات الإستراتيجية العالمية. ففي بلادنا بفضل الله عشرات الهيئات والمراكز والجامعات والمعاهد العليا التي توجد فيها مراكز أو مجموعات بحوث مميزة بكفاءات وطنية متقدمة يمكن أن تسخر المعرفة والولاء للوطن في إنتاج سيناريوهات لا تخطر على بال أي شركة استشارية أجنبية.
وهذا لا يعني أنني أرفض الانفتاح على العالم فتعليمي وثقافتي الشخصية مثل غيري كثيرين، هي من نتاج الانفتاح على العالم. ولكن ما أعنيه هو ضرورة أن يوكل الأمر لجامعة سعودية أو مجموعة شركات وتحالفات استشارية ومصرفية وطنية لأداء الأعمال الرئيسية، ولا مانع من استعانة مثل هذا التجمع أو التحالف الوطني ببيوت خبرة عالمية أو مستشارين أجانب ولكن في حدود احترافية ضيقة تتطلب كفاءة أو معرفة نادرة أو جديدة أو مبتكرة. أما أن نلجأ منذ البداية للطريق الأقصر والأسهل في التعامل المباشر مع هيئات عالمية فهذا ما لا أرى أنه مناسب أو حتى محمود العواقب.
وحينما تقدم أرامكو على مثل هذه الخطوة يكون الألم أكبر لأن هذه الشركة في نظرنا هي (جوهرة التاج) في الصناعات السعودية، ولقد تربى لدينا انطباع عبر الأجيال بأنها (سوبر كومباني) وأن لا أحد مثلها في الإدارة والفعالية حدّ أنها لم تعتذر أو تتردد في الإقدام على تنفيذ مشروعات وبنى تحتية لا علاقة لها بتخصصها وكنا نقول (لا بأس فهي أرامكو).
لقد فوجئت حقا بأن الشركة لم تتمكن حتى الآن وعبر كل هذه العقود من توفير الوعاء التنظيمي والإنساني الحاضن للكفاءات اللازمة لتشكيل فريق بحثي إستراتيجي وطني، يوظف الكفاءات والخبرات الوطنية المتراكمة في القطاع المصرفي وفي الجامعات وبيوت الخبرة المحلية لإنجاز مشروع التخصيص الذي أزعم، بالرغم من كل تعقيداته، بأنه لن يعجز الخبراء المصرفيين السعوديين ولا مراكز بحوث الجامعات والقطاع الخاص المتخصصة في المسائل المالية والاقتصادية مع أخذ الأبعاد الإستراتيجية الوطنية في الاعتبار عند تحديد خيارات التخصيص المتاحة أمام أرامكو أو حتى أي شركة أكبر منها.
ولذلك أطالب للمرة الألف بضرورة الإسراع في إصدار نظام مراكز الدراسات والبحوث الوطنية ولوائحه التنفيذية. هذا النظام الحبيس في أدراج مجلس الخبراء لعشرات السنين يجب أن يرى النور لتنظيم عمل مراكز البحوث والدراسات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعمل كمنظمات غير ربحية، وألا يسمح للأجانب بالعمل المباشر في الاستشارات إلا من خلال المراكز الوطنية وتحت قيادة وطنية حتى تحقق التنمية أهدافها وتتطور لدينا المواهب والقدرات البشرية اللازمة لقيادة المرحلة الاقتصادية الصعبة القادمة. وعلينا أن نتذكر دائما أن من لا يشارك في البناء والتخطيط، قد لا يكون قادرا على التنفيذ..
21:10 | 16-03-2016

مزن الشمال تهطل اليوم بالمطر

أرعدت سماء الشمال العربي السعودي بأزيز الطائرات وزمجرة المعدات العسكرية الثقيلة والخفيفة على مدى 18 يوما هي مدة التمرين العسكري الأكبر من نوعه في تاريخ المنطقة.
واليوم يهطل المطر بتشريف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وعدد من زعماء الدول والقادة العسكريين ورؤساء البعثات الدبلوماسية للحفل الختامي والعرض العسكري الذي يؤذن بانبعاث أول وأكبر تحالف عربي/إسلامي في القرن الحادي والعشرين ليعيد التوازنات الإقليمية المفقودة منذ عقود إلى مساراتها الصحيحة، ويحجم القوى الإرهابية الظاهرة والكامنة كمون الفيروسات التي تتحين الفرص المواتية للانقضاض من مكامن الضعف والفرقة لشرذمة الكيان وهدم البنيان.
يشهد خادم الحرمين الشريفين اليوم ومن خلفه العالم أجمع حشدا عسكريا استراتيجيا وختام تمرين عملياتي وتكتيكي لم تشهد له المنطقة مثيلا إلا في تسعينات القرن الماضي في عاصفة الصحراء التي انتهت بتحرير الكويت سنة 1991.
قوات مختلطة متنوعة العقائد العسكرية والتسليح والأساليب القتالية تحركت من بلادها جوا وبرا وبحرا بتوقيتات دقيقة متزامنة لتتجمع في مواقعها البرية في المدينة العسكرية الشمالية في حفر الباطن ومواقعها البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر وقواعدها الجوية في المملكة والدول المجاورة.
والمدينة العسكرية في حفر الباطن هي واحدة من خمس مدن وقواعد برية أخرى تحيط بالمملكة إحاطة السوار بالمعصم وبعضها يفوق حفر الباطن حجما واستيعابا وتجهيزا.
والمدن والقواعد العسكرية التي أنشأتها قيادتنا الحكيمة على مدى خمسة عقود ليست مجرد مدن عسكرية كالتي تنشئها باقي الدول ولكنها في نفس الوقت مدن تنموية توظف السكان وتسهم في إسكانهم وتعليمهم وصحتهم وترويج تجارتهم وتنويع نشاطاتهم الاقتصادية، وتتحمل مسؤولياتها البيئية والاجتماعية والإنسانية في مختلف الأحوال والظروف حتى أصبحت مدننا العسكرية نعمة للمنطقة التي تحل فيها لا نقمة كما هو الحال في دول أخرى كثيرة.
ولكن لماذا تم اختيار حفر الباطن دون غيرها؟ لا شك بأنها بنيت للدفاع عن ثاني أطول حدود لنا مع دولة مجاورة هي العراق التي تصل إلى 810 كيلومترات تمتد من مثلث الريشة الأردني قرب طريف حيث التقاء الحدود السعودية العراقية الأردنية حتى منفذ الرقعي حيث التقاء الحدود السعودية العراقية الكويتية. وتتميز هذه المدينة العسكرية بالعمل التبادلي مع مدينة الملك فهد العسكرية في الدمام اللتين تعتبران القاعدتين المتقدمتين لمساندة دول مجلس التعاون. ولقد شكلت المدينتان حجر الزاوية في هجوم التحالف الدولي على محورين، شرقي انطلاقا من الدمام وشمالي انطلاقا من حفر الباطن لتحرير الكويت في فبراير 1991.
واليوم تستضيف حفر الباطن طلائع قوات عربية وإسلامية شقيقة ولا أقول حليفة بل هي مكملة وداعمة لقواتنا المسلحة من مختلف الأسلحة والأصناف في تمرين استراتيجي ستتبعه تمارين للتحرك على مسرح حرب مفترض يشمل كافة الدول المشاركة، ومسارح عمليات مختلفة يعتبر مسرح عمليات حفر الباطن منها بمثابة القلب من الجسد لتمركز قوات سعودية ضاربة فيه واستضافته لقوات درع الجزيرة وتوفر أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات المتقدمة للغاية على مختلف المستويات الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية. أما مسارح العمليات المفترضة الأخرى فمنها مسرح العمليات المتماثلة symmetric الذي تجري فيه العمليات العسكرية للجيوش التقليدية المتماثلة في التشكيلات والتسليح، ومسرح العمليات غير المتماثلة asymmetric والذي تجري فيه العمليات بين جيوش تقليدية وجماعات مقاتلة لا تماثلها في التسليح أو في طرق وأساليب القتال، وهناك مسرح مختلط يجمع بين النوعين من العمليات فيبدأ القتال مثلا بين قوتين نظاميتين متماثلتين ثم تتحول إحداهما إلى قوة غير مماثلة كالتي أفرزها تفكك الجيش العراقي على إثر الغزو الأمريكي وتحول قطاعات كبيرة منه إلى مجموعات مقاتلة تشن حربا غير متماثلة ما زالت تستنسخ سلبا وإيجابا في مواقع كثيرة من العالمين العربي والإسلامي.
ولا أجد في يوم المطر هذا وصفا للتمرين خيرا من وصفي له آنفا على إحدى الفضائيات الخليجية حين قلت «مثل هذه التمارين كثيرا ما تستخدم في الخداع الاستراتيجي لتتحول من مجرد تمارين عسكرية عملياتية تكتيكية عادية إلى مناورات قتالية للتدخل في توقيت مبيت في أي مكان في العالمين العربي والإسلامي». وأوردت الغزو الأمريكي لجزيرة غرينادا كشاهد على مثل هذا الخداع حيث بدأ بتمارين بحرية أمريكية في الكاريبي ما لبثت أن تحولت إلى مناورة قتالية انتهت يوم الخامس والعشرين من شهر أكتوبر عام 1983م باجتياح غرينادا (غرناطة) من قبل تحالف من قوات من الولايات المتحدة وست دول من الكاريبي هي أنتيجوا وباربودا، وباربادوس، ودومينيكا، وجامايكا، وسانت لوسيا، وسانت فينسنت والجرينادين لحماية أرواح الأمريكيين في غرينادا بمن فيهم ستمائة من الطلبة الذين يدرسون في مدرسة الطب الجامعية من قيادة الجزيرة الشيوعية المتحالفة مع كوبا بحسب المعلن حينها.
وبتشريف خادم الحرمين الشريفين اليوم للفعاليات الختامية للتمرين، تمطر المزن التي أرعدت في سماء الشمال مطر الحزم القوي المتدفق، ومطر التضامن العربي والإسلامي الذي انتقل من الخطب العصماء والعبارات الصماء الى حقيقة واقعة يشهدها العالم عيانا بيانا لأول مرة في العصر الحديث، واليوم تمطر سماء الشمال رسائل لا حصر لها، أهمها رسائل القوة والسلام القائم على العدل والتوازن والاحترام المتبادل بين الدول على المستويين الإقليمي والعالمي.
20:42 | 9-03-2016

ماذا يعني تراجع الودائع تحت الطلب

بالرغم من ارتفاع قيمة إجمالي الودائع لدى البنوك السعودية بنسبة ضئيلة (1%) للعام 2015، إلا أن مسحا أجراه موقع «أرقام» الاقتصادي أظهر أن الودائع «تحت الطلب» قد انخفضت كقيمة مطلقة لتصل إلى 1038.8 مليار ريال وتشكل نحو 63% من إجمالي الودائع كنسبة مئوية لدى البنوك السعودية للعام 2015.
والودائع تحت الطلب هي أقرب أشكال الودائع النقدية للسيولة لسهولة الحصول عليها أو تحويلها من الحسابات البنكية الجارية بوسائل إلكترونية ويدوية متعددة.
وهي بذلك تكسر اتجاها تصاعديا ابتدأ منذ أيام الأزمة الاقتصادية عام 2008 بقيمة وصلت إلى 368.5 مليار ريال شكلت ما نسبته 40% من إجمالي الودائع حينها لتبلغ ذروة التصاعد بقيمة (1035.2) مليار دولار تشكل نسبة (64%) من إجمالي الودائع سنة 2014. وبنسبة نمو وصلت إلى 1.85% أي ما يقرب من مرتين تقريبا لفترة السنوات الست وبمتوسط نمو سنوي مقداره 31%.
ويمكن النظر لنسبة الودائع تحت الطلب من إجمالي الودائع البنكية كمؤشر مبدئي للسيولة المتوفرة لدى البنوك السعودية، فكلما زادت كانت السيولة أكبر وإذا ما نقصت كانت السيولة أقل. ولذلك يمكن القول بنظرة أولية أن أقل البنوك سيولة في المملكة مرتبة من الأقل للأكثر هي الاستثمار، الهولندي، الرياض، العربي والجزيرة. أما أكثرها سيولة مرتبة من الأكثر للأقل فهي الراجحي، الأهلي، البلاد، الفرنسي، سامبا، ساب والإنماء.
ونهتم بالودائع تحت الطلب أو بالحسابات الجارية ارتفاعا وانخفاضا لتأثيرها المباشر على حجم عرض النقود بمفهومه الضيق فهذا الحجم من النقود يعرف أيضا بمسمى نقد العمليات الجارية حيث تشكل الحسابات الجارية ما يزيد على 50% منه أما الباقي فمن العملات الورقية والمعدنية التي يتداولها الأشخاص في تعاملاتهم اليومية أي النقود المتداولة.
وتعزز بيانات مسح موقع «أرقام» بيانات مؤسسة النقد التي أظهرت مسارا متذبذبا هابطا لمعدل عرض النقود منذ نوفمبر 2014 حيث كانت قيمته 12.3 ليصل إلى 3.7 في يناير 2016 ما دفع بمؤسسة النقد العربي السعودي لرفع معدل القروض لإجمالي الودائع البنكية من 85% إلى 90% لتمكين النظام المصرفي من الاستجابة لاحتياجاته من السيولة. ولكن بحسب تصريح للدكتور سعيد الشيخ كبير اقتصاديي البنك الأهلي التجاري فإن هذا المعدل أيضا يعتبر صغيرا مقارنة بنظيره في دول الخليج حيث إنه تعدى100%‏ في قطر على سبيل المثال بمعنى أن الدولة هناك تدعم المصارف في توفير معدلات عالية من السيولة..
ومعلوم أن النظام المصرفي السعودي افتقر للسيولة الكافية بسبب تحفظ الدولة في الإنفاق ولجوئها للاستدانة من البنوك المحلية بإصدار سندات لتمويل العجز الذي بلغ نحو 100 مليار دولار في ميزانية 2015.
ولقد انعكس هذا النقص في السيولة على ارتفاع سعر فائدة الإقراض بين البنوك نفسها داخل النظام المصرفي على أساس ربع سنوي إلى 1.75%‏ من 0.8%‏ عام2015.
وتأتي أهمية السيولة في أنها عند زيادتها قد تؤدي لنزعات تضخمية وعند نقصها فترة طويلة تؤدي لانكماش في الاقتصاد وربما تدخل الاقتصاد في ركود وتؤثر على نموه..
ولذلك فإن الموازنة داخل الاقتصاد بين الجانب السلعي والخدماتي والجانب النقدي اللازم لإجراء التبادلات مهم للغاية، والواضح حتى الآن أن إدارة الاقتصاد السعودي تقوم على التطرف في عرض النقود أو سحبها من التداول ما يتطلب ضرورة العمل على سياسات أكثر توازنا لتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها..
20:31 | 2-03-2016

وهل الترخيص أهم من الخدمة يا وزارة النقل؟

توعد مصدر مسؤول في وزارة النقل السعودية (سيارات الأجرة التي تعمل من خلال تطبيقات الهواتف الجوالة) بالويل والثبور وعظائم الأمور. واعتبرها مخالفة وأن وزارته ستطاردها فوق كل أرض وتحت كل سماء.
وتعلم وزارة النقل علم اليقين أن معظم هذه السيارات لا تقدم خدماتها بشكل عشوائي ولا هي بالمجهولة بل هي شركات عالمية عابرة للحدود توظف موارد محلية لا تملك أيا منها في تقديم خدمة آمنة ومضمونة في أي زمان ومن أي مكان، في طول المدينة المغطاة بخدمتها وعرضها، بسعر معروف وسائق معروف وسيارة معروفة من غير مساومة أو تسويف أو إغلاق عداد أو تضجر.
لقد أصبح هذا النوع من خدمات النقل العابرة للحدود بالموارد المحلية في كل بلد هو القاعدة العالمية الآن وليس الاستثناء. وفي بلادنا عدة شركات عالمية تقدم هذا النوع من الخدمات الرائعة التي أغنت العديد من العائلات السعودية في المدن الكبرى خاصة منها الرياض وجدة والدمام عن السائق الأجنبي الخاص الجاثم على أنفاس المواطنين ومواردهم. ومن هذه الشركات الدولية العاملة في بلادنا شركة أوبر الأمريكية، وكريم الإماراتية، وإيزي تاكسي البرازيلية، وماستر اللبنانية، وغيرها..
بل إن المسألة تخطت البر للجو وربما للبحر قريبا، ودخل فيها مستثمرون سعوديون كبار -أحتفظ بأسمائهم- بمبالغ وصلت الى 26.1 مليون دولار في شركة JetSmarter لتأجير الطائرات الخاصة، النظير الجوي لشركة سيارات الأجرة «أوبر»، بحسب أنباء نشرتها شبكة بلومبيرغ الاقتصادية العالمية يوم الاثنين الماضي. وأضافت بلومبيرغ أن تلك الشركة التي أسست على يد الروسي سيرغي بيتروسوف المقيم حاليا في فلوريدا، تسمح أيضا بحجز مقعد واحد على متن طائرة خاصة بواسطة الهواتف الذكية، وبهذا يتم، من ناحية، تشغيل عشرات الطائرات الخاصة المركونة في المطارات تشغيلا اقتصاديا بسبب عدم تواجد أعداد كافية من الركاب، ومن ناحية أخرى، تنخفض تكلفة حجز مقعد بسعر أقل من استئجار طائرة خاصة بأكملها، لتكون تكلفة الرحلة بهذه الطريقة تعادل تقريبا تكلفة تذكرة أي شركة طيران على مقاعد الدرجة الأولى..
كل هذا يجري وأمانة العاصمة الرياض ومرورها تضطر لتنفيذ حملات تصحيحية لوقف الأذى الذي تتسبب به شركات تأجير السيارات المحلية المرخصة وغير المرخصة للمواطنين في مختلف أحياء العاصمة لتجد (1051) مكتب تأجير، ولتسفر الحملة عن إغلاق (693) مكتبا منها، لعدم وجود رخصة، أو تكديس السيارات أمام محلات التأجير دون مراعاة للراحة السكان أو لطاقة الشوارع الاستيعابية.
وبدلا من أن تقوم وزارة النقل بأخذ زمام المبادرة في اللحاق بركب التقدم وإنشاء شركات وطنية تقدم نفس الخدمة التي تقدمها شركات الجوال العالمية نفاجأ أن وزارة العمل هي التي تعتزم إنشاء شركة بمسمى «خدمة»، لتوطين الوظائف في قطاع سيارات الأجرة الخاصة والعامة للسعوديين، بالتعاون مع عدة جهات حكومية أخرى، وذلك لإحداث نقلة نوعية في الجودة والخدمات وتحقيق السلامة والأمان في هذا القطاع، وذلك على أمل توفير 22 ألف وظيفة لمواطنين سعوديين خلال 5 سنوات. بل الأغرب أن المبادرة الإيجابية الأخرى كانت من غرفة الرياض التجارية التي سبق أن أعلنت عام 2014 عن تأسيس شركة أخرى، لم تر النور بعد، تحت مسمى «خدمة» برأسمال مليار ريال مستهدفة تأجير السيارات في الرياض وجدة والدمام.
وكل هذا يجري ووزارة النقل ثابتة على موقفها الراسخ رسوخ الجبال، بالتأكيد على أن هذا ممنوع وهذا يشكل ازدواجية وهذا سنتخذ بحقه الإجراءات النظامية الرادعة.
إن خدمة المشاوير داخل المدن بالسيارات وبينها بالطائرات الخاصة باستخدام تطبيقات الهواتف الجوالة يمكن أن تعمم على أصغر المدن وأكبرها بالموارد المحلية للمدينة أو القرية. فعلى سبيل المثال ألا يعتبر وجود مثل هذه الخدمة المضمونة في تبوك أو عرعر أو الدويد أو بيشة أو تندحة خيرا من استجداء صاحب ونيت أو شاحنة لا تعرفه ولا تعرف خيره من شره أن ينقلك من مكان لآخر وربما يورطك في أمور لم تكن تخطر لك على بال.
ولذلك لا أرى في المنع والتهديد حلولا عملية يمكن أن توقف مثل هذه الخدمات فلو كانت مجدية لنفعت هيئة الطيران المدني التي كانت تطارد المسافرين عن طريق مطار المنامة بالشرطة حينما افتتح مطار الدمام قبل حوالى عقد من الزمن ولم تجد حينها من يسافر منه سواء من المواطنين أو المقيمين. بل المؤكد أن مثل هذه الحلول العنيفة ستزيد الأمر سوءا وتظهر الوزارة بمظهر المتخلفة التي لا توجد لمواطنيها حلولا عملية لمشاكل المواصلات ولا تسمح للهيئات الحكومية والخاصة الأخرى أو للعالم بمساعدتهم على تجاوزها.
والمخرج، من وجهة نظري، بالنسبة لوزارة النقل يتمثل في احتواء هذه الشركات وتنظيم عملها بدلا من مواجهتها ومطاردتها. ويمكن في هذا الإطار الاستفادة من هذه الشركات في وضع ضوابط لها من أهمها (الجنسية السعودية والتزكية الأمنية واللياقة الطبية للسائق وسلامة السيارة وفحصها بمعدل 3 إلى 4 مرات في العام). فهذه السيارات وسائقوها لا يعملون على الطريق كل الوقت ولكن بحسب أوقات فراغ مالكيها، وبالتالي هي لا تشغل الشوارع ولا تستهلك وقودا ولا تسبب ازدحاما وعوادم مثل سيارات التاكسي التي تجوب الشوارع جيئة وذهابا وتمتنع عن العمل في خدمة المواطنين في المواسم لارتباط ملاك شركاتها بعقود لخدمات المواسم دون اهتمام بحاجة المواطن اليومية التي منحت التراخيص من أجلها..
20:53 | 24-02-2016