-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
نحمد الله على هذا النجاح غير العادي لموسم الحج والذي يسطر صفحات ناصعة جديدة في شرف المسؤولية الفريدة للمملكة قيادة وشعبا، امتدادا لجهودها الكبيرة والمتصلة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه)، حيث جعلت أمن الحج وراحة الحجيج في صدارة أولوياتها ولا تزال، وها هي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين - حفظهما الله - تتوج هذه المسؤولية في أعلى مستوياتها بما وصلت إليه الرعاية وإدارة حشود الحج بمنظومة غير مسبوقة من المشاريع والخدمات، وتنفيذ خطط الحج بهذا الأداء الدقيق من التنظيم على أرض الواقع، لا مجال فيه لعشوائية ولا تهاون مع تقصير أو مخالفات، وتطويع التقنيات والتطبيقات الإلكترونية التي أتاحت التواصل المباشر مع ضيوف الرحمن بلغاتهم والتنسيق العالي بين مختلف الأجهزة في التنظيم والتوعية.

فمثلما أن الحج رحلة إيمانية عظيمة لضيوف الرحمن فإن إدارة ورعاية وتنظيم أكثر من مليوني حاج في زمان ومكان معلومين، هي قصة متجددة لجهود لا نظير ولا مثيل لها في العالم بهذا البذل والتفاني والإخلاص في أداء هذا الشرف العظيم من قمة القيادة إلى كل جهة وفرد في هذه المنظومة الكبيرة، حيث كافة الوزارات تقريبا تسهم في أداء هذا الواجب كل حسب مهمتها وفي القلب منها وزارتا الداخلية والحج بجميع قطاعاتها.


إذا كان موسم الحج يبدأ مع تأشيراته واستقبال ضيوف الرحمن بكل الترحاب، ومن ثم أيام المناسك وحتى المغادرة بسلامة الله، فإن الجهود الكبيرة ممتدة وموصولة على مدار العام، فما إن ينتهي الموسم وتقييم نتائجه حتى تبدأ الاستعدادات لموسم جديد، بمشاريع وخطط وتجهيزات مبتكرة تضع بصماتها على أرض الواقع لتحقيق المزيد من الراحة والطمأنينة لحجاج بيت الله الحرام. إنها عبقرية إدارة الحشود التي تقدم للعالم أنموذجا فريدا يستحق هذا الاهتمام والتقدير من العالم الإسلامي بل والإعجاب من العالم أجمع لهذه القدرة السعودية وخبراتها المتراكمة، وحرص المملكة بقيادتها الحكيمة على إنجاح موسم الحج بتحقيق أعلى مستويات الراحة وأجواء السكينة لضيوف الرحمن، وحرصها على نقاء هذه الشعيرة من كل شائبة ولا سماح بغير مقاصد الحج التي يأتي من أجلها الملايين من كل فج عميق ابتغاء الرحمة والمغفرة من رب العالمين.

ومع الرحلة الإيمانية تبقى دروس الحج على ذات الأهمية إذا ما توخاها الحاج فوزا بالحج المبرور صفحة بيضاء ليعود كيوم ولدته أمه، والمحافظة على هذه الصفحة البيضاء بطيب الحسنات في بقية حياته، وذلك بتدبر معاني الحج وشعائره من التآخي والتعاون وإخلاص النية والعبادة والعمل وتقوى الله في كل شيء، وتجنب ما يحرم على المسلم من صغائر وكبائر وأن يجتهد في ذلك وصفاء نفسه وصدق تعامله مع الناس، واتباع ما أمر الله به واجتناب نواهيه، وما أعظم هذه وتلك في حياة الإنسان بالاستقامة، إنه الجهاد الأكبر مع النفس.

كم يحتاج كل إنسان إلى النهل من دروس وآداب الحج وسائر العبادات، فالسبيل إلى الجنة بالتوبة النصوح والصدق مع الله وشكر نعمائه بالصالحات والتراحم والتسامح وصولا إلى إماطة الأذى عن الطريق، والثواب والجزاء من رب العباد لا ينقطع ورحمته وسعت كل شيء، المهم أن يبادر الإنسان باغتنام السبل وهي كثيرة وفي كل لحظة من حياته. قال تعالى: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب». كل عام والجميع بخير.

* كاتب سعودي