أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/215.jpg&w=220&q=100&f=webp

إبراهيم إسماعيل كتبي

فرص من رحم الأزمة

يشهد العالم أزمة استثنائية بكل المقاييس فلا حديث سوى كورونا أو (كوفيد 19)، ولا هاجس حذر وخوف سوى من الإصابة والعدوى بمجرد مصافحة شخص غزاه الفايروس المستجد، الذي عزل مدنا وقرى وأوقف فصول الدراسة، وألجم التزاور وحتى المصافحة في العالم، ومنع لقاءات واجتماعات العمل، بل وحظر تجوالا في العديد من الدول، ووقف رحلات السياحة والسفر والرياضة وحتى المطاعم، ليفاجأ البشر بوجه آخر للحياة لم تره أجيال منذ زمن طويل وبهذا الشكل، وقد أضحت حركة العولمة بسياقها المتسارع أمام منحنى شديد أو توقف إجباري مؤقت عما اعتاده الإنسان في يوميه.

لقد أربكت أزمة كورونا العالم بكل تداعياتها الصحية ومتغيراتها الاجتماعية، وفاتورتها الاقتصادية التريليونية، والحديث يطول من زوايا وأخبار لا حصر لها، وحتى شائعات على ألسنة البشر يجب التنبه لها والحذر منها، لكن الفرص عادة تأتي من رحم الأزمات مهما كانت صعوباتها، وقد كشفت أزمة كورونا المستجد في العالم كم هي أهمية العمل الإلكتروني، وضرورة توسيع استخداماته وخدماته، فهو وإن بدا عند الكثيرين وسيلة تسلية في التواصل الاجتماعي لمليارات البشر، إلا أنه السبيل الأنجح في تحقيق المصالح للدول والشعوب والأفراد، وأن الحكومة الإلكترونية ضرورة حتمية لكافة القطاعات وتيسير أمور الحياة، لذا لابد من استثمار الظروف الحاضرة في دفع خطوات الخدمات الإلكترونية إلى الأمام لنجني ثمارها في الحياة الاعتيادية.

نعم الواقع الحالي فرصة عملية يصعب نظيرها بتجربة فرضية في أي دولة فكيف بالعالم أجمع ومجتمعاته يلجأ مضطرا إلى نظام الحكومة الإلكترونية في كافة أعماله، عدا خدمات وأعمال الطوارئ في مثل هكذا أزمة، في نفس الوقت كشفت مخاطر كورونا الحالية أهمية الأخذ بأسباب الوقاية من النظافة العامة والشخصية، ولعلها تكون ثقافة راسخة وليس أمرا مستجدا ثم العودة إلى ما كان بالتهاون في أسباب الوقاية، وفي اعتقادي أن الحاصل هو درس يجب أن نبني عليه في كل شيء صحيح ونافع.

صورة أخرى بدت بجلاء وهي التفقد الميداني من الوزراء والمسؤولين لواقع الناس واحتياجاتهم، وقد تابعنا جولات وزراء الصحة والتجارة والصناعة على عدد من المواقع ذات الصلة بمهام وزاراتهم وأجهزتها، وهي رسائل طمأنينة لما نتمتع به -ولله الحمد- من نعم كبيرة في وطننا الغالي، وتدعو في نفس الوقت للمحافظة على أسباب الصحة ودوام النعمة والعمل لرفعة بلدنا.

أخيرا وليس آخرا لابد أن ننظر داخل مجتمعنا بروح التطوع لمد يد العون لمن تضغط عليهم ظروفهم وعوزهم في ظل انشغال المجتمع بأزمة كورونا، التي نتمنى أن يواصلوا جهدهم ومبادراتهم الخيرية تجاه شرائح الفقراء وعمالة دنيا ومرضى يتطلعون إلى من يوفر لهم رعاية ويصل لهم بالدواء، ووجبات خيرية مثلما هو مجتمعنا في رمضان الذي تقترب نفحاته ليهل علينا بعد أسابيع معدودة.

أخيرا تظل الحكومات بأجهزتها ومسؤوليها هي المعنية بحماية مواطنيها وتتخذ ما يلزم من قرارات وإجراءات احترازية واجبة النفاذ دون أدنى تهاون، وتستوجب التعاون والالتزام بها من الجميع، ووطننا -إن شاء الله- بخير ويتصدى للتحديات بكل مسؤولية وجدارة، ليس فقط بالداخل إنما بالتوازي مع دوره العالمي. فالمملكة تقود مجموعة العشرين وتعقد قمة استثنائية عبر الشبكة الافتراضية لمواجهة هذه الأزمة العالمية، والله نسأل أن يحفظ وطننا والإنسانية جمعاء بالخير.

* كاتب سعودي

iikutbi@gmail.com
01:53 | 20-03-2020

الوقاية خير من الطلاق

قلت سابقا إن وزارة العدل أحسنت بإقرارها ضوابط صك الطلاق المشروط بحضور الطرفين أمام القاضي، وما يتيحه ذلك من فرصة إصلاح بينهما أولا، ومراجعة للنفس لإمساك بالمعروف، أو أبغض الحلال، ومن ثم إثباته بعد حسم ما يتعلق بالنفقة والحضانة وزيارة الأطفال وإصدار وثيقة بذلك للتنفيذ، أو إحالة الخلاف بشأنها إلى محكمة الأحوال الشخصية للفصل.

هذه الحقوق أنصفتها العدالة الناجزة وتنفيذها، لكنه يظل آخر الدواء لتوابع زلزال الانفصال الأسري من معاناة نفسية ومادية ومشكلات حياتية لكثير ممن يتم تسريحهن بغير إحسان، وتكمن الوقاية من كل ذلك في استقامة البدايات، أي ظروف الزواج ومقوماته وأسباب استمراريته واستقرار سفينته، وهي عديدة، وأهمها التقارب النسبي بين الطرفين من ناحية السن، وكذلك التوافق النفسي وحسن الطبائع وإن كان يصعب تقييمها أو اختبارها تماما إلا بالعشرة والسلوك والمعاملة على طبيعتها، بعكس عواطف الخطوبة وتجملات كل طرف بأحسن ما عنده، مع أن الحياة الزوجية أحق بصدق المشاعر المزينة بالصبر والمودة والرحمة.

أيضا القدرات المادية التي بدونها يصبح قرار الزواج مغامرة يعصف به ضيق الحال أمام متطلبات الأسرة تكبر مع الإنجاب، ناهيك عن أن متطلبات الحياة في عصرنا هذا لا تتوقف وتستنزف الكثير في مصروفات البيت، ومثلها احتياجات ترفيه وهواتف ذكية وتسوق وغير ذلك، بخلاف ما كان في الماضي من متطلبات موسمية كالأعياد، حيث الاحتياجات بسيطة بساطة الحياة في التجهيز والمأكل والمشرب والتزين واحتياجات الأطفال والتعليم.

وزمان كان الأهل يساعدون ويعينون، وبعض الشباب كان يتزوج ويستقر في بيت أهله ويجتمعون على طعام واحد وهكذا، وهي ظروف معيشية تكيف معها أهل زمانها طوعا أو اضطرارا، حتى المرأة كانت تتحمل الكثير بمرارة في حال الخلافات على حساب سعادتها إلى أن يستقيم الحال بدوام العشرة، التزاما بنصيحة أهلها «هذا زوجك للممات مهما صار» واليوم البعض من الطرفين يجعل من أي أزمة محطة مغادرة.

اليوم أيضا هل يكفي شاب راتبه أربعة آلاف أو يزيد قليلا، إيجار شقة وتكاليف معيشة وفواتير خدمات وأقساط مستدامة لسنوات، وتدخل عليها احتياجات أطفال وتعليم، ومن الزوجات من لا دخل لهن، فيضيق بهم الحال وتحاصرهم الديون، ويتسلل الضجر وقد تستعر نار الأزمات وتنهار الأسرة، والأغرب أن يترك بعض الشباب أسرته المهدمة ليبحث عن زيجة جديدة يغرق بها في أزمات أعمق، والنتيجة سالبة على المجتمع الذي أساسا لا يرحم المطلقة، وعادة يحمّلها مسؤولية الفشل ولا يلتمس لها عذرا وهو يلوم، دون أن يفتش عن أخطاء وظلم وتهورات بعض المطلقين!

لا أحد ينكر حق الزواج والاستقرار لمن لا يستطيع الباءة، وهنا لانحلل ولانحرّم، ومثلما تعددت في مجتمعنا صور التكافل كدعم الزواج الجماعي وإعانتهم، لماذا لا نعيد البحث مجددا عن فكرة إيجاد قنوات مؤسسية تسهم في ديمومة الاستقرار الأسري، مثلا بالدعم المادي للمتعثرين بعد الزواج شرط إثبات حالة الدخل والالتزامات الضرورية وتقدير المتطلبات المعيشية الأساسية، بمعنى توسيع دائرة التكافل والتوعية بثقافة الزواج والأسرة، ويمكن لإمارات المناطق بالتنسيق مع وكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية والدعم من البنوك وقطاع الأعمال والميسورين المساهمة في ذلك، ومجتمعنا مجبول على ذلك وقادر على تطوير وتطبيق مثل هذه الأفكار، ومن هنا نبدأ الوقاية لصالح المجتمع ولا نترك أسرا في مهب الريح.

* كاتب سعودي

iikutbi@gmail.com
01:51 | 28-02-2020

حتى ينتهي الطلاق العبثي

الطلاق أبغض الحلال عند الله، وهو مؤلم لمن أبتلي به ولمن حولهم، حتى إن كان فيه خلاص من آلام ومعاناة أشد خلال العِشرة غير الطيبة من أحد الزوجين أو كلهما لأسباب كثيرة أغلبها طبائع النفس، وهي شديدة التعقيد عندما يغيب التأهيل وثقافة الحياة.

ما يثير القلق ويدعو للانتباه، أن تفوق معدلات عقود الطلاق نسبة عقود الأنكحة، بل والأغرب حقا أن يقوم البعض بالتطليق عبر رسائل قصيرة ورسائل «واتساب» ولا ندري ماذا بعد هذا التمادي من المتعسفين والمستهترين بأمر جلل، كان في الماضي في أضيق الحدود وتنتفض له الأسر، وتتعاون بمسؤولية وإخلاص في الإصلاح، إلا إذا استحالت العِشرة لأسباب يتفهمونها ويتقبلونها راضين بالنصيب، وليس كالحاصل في هذا العصر بتلك الدرجة من البساطة وسرعة قرار الطلاق، وكأنه بمثابة محو صديق على شبكات التواصل بضغطة زر.

خيرا فعلت وزارة العدل بالتعديلات المرتقبة التي كشف معالي وزير العدل الدكتور وليد الصمعاني عن قرب صدورها، وتلزم الزوجين بالحضور أمام القاضي للحصول على صك الطلاق، الذي لن يتم إلا بعد حسم موضوعات النفقة والحضانة وزيارة الأطفال، وإصدار وثيقة بما سيتم الاتفاق عليه بين الزوجين، وإحالتها إلى محكمة التنفيذ، وفي حال الخلاف على هذه التفاصيل، ستتم إحالتهما إلى محكمة الأحوال الشخصية للفصل في القضية خلال شهر.

حضور الزوجين أمام القاضي هو أيضا فرصة محتملة وممكنة لإصلاح ذات البين، فربما تترقق القلوب ويبزغ طيف المودة والرحمة، وفي كل الأحوال ستسهم تعديلات قانون الأحوال الشخصية في تحقيق ضمانات العدالة، وإنصاف المرأة باعتبارها الطرف الأضعف عادة، وذلك بضمان حقوقها بعد الطلاق، أو خلال الحياة الزوجية عندما يدرك العابثون والمستهترون عواقب التهور والطلاق العبثي، بأن لا مفر من الحقوق فيراجع عقله وحساباته، ويدرك فضائل حسن المعاملة بالمودة والرحمة لاستقرار الأسرة.

على الصعيد العام لابد من وقفة جادة من مؤسسات المجتمع، فإحصائيات الطلاق الصادمة ليست مجرد أرقام في خبر أو تقرير يمضي كعشرات الأخبار وزحام المعلومات اليومية التي يتم تداول الكثير منها من قبيل التسالي ضمن المعرفة العابرة للقارات صوتا وصورة، إنما في إعلان هذه الأرقام شفافية محمودة وفائدة ترجى يجب أن تحرك ساكنا ويتفاعل معها المجتمع بالوعي وخاصة الأسر.

كل تعديل في قانون الأحوال الشخصية لصالح ضمان الحقوق وتوسيع ثقافتها في الحياة، هو خطوة متقدمة لمحاصرة أسباب الاستهتار باستقرار الأسر ورفع الضيم والظلم، بتقنين كافة الجوانب والمستجدات والاحتمالات، لذا أتمنى من وزارة العدل الموقرة أن تمتد جهودها المقدرة، إلى الجانب البحثي بدرجة كبيرة، سواء عبر أجهزتها المختصة أو بالتعاون مع جهة بحثية بإحدى جامعاتنا الكبرى، وذلك بإنشاء قاعدة بيانات تفصيلية عن الأسباب المحددة للطلاق ونسبة شيوعها، كالعنف والمخدرات وخلافات ومشكلات مادية وتدخلات الأهل وغيرها من مسببات وتحليل كل ذلك.

مثل هذه الخطوة تسهم كثيرا في دراسة دقيقة للمتغيرات الأسرية، ومن ثم معرفة السياق العام للمجتمع وقضاياه، وتزويد الوزارات المعنية بأمن واستقرار ووعي المجتمع بهذه الدراسات وإحصائياتها، كالداخلية والتعليم وقطاع الدعوة والإرشاد ووسائل الإعلام، من خلال برامج تعاون مكثفة لتوعية المجتمع تجاه ما يطفو على السطح من مثالب تنال من الحقوق وسلامة النسيج المجتمعي، وفي ذلك تحصين مبكر بتعميق ثقافة وضوابط الحقوق والواجبات وفق مرتكز العدالة المنشودة دائما.

* كاتب سعودي

iikutbi@gmail.com
01:29 | 14-02-2020

المماطلون في الحقوق

كثير من الضمانات العدلية تحققت وتتحقق في إجراءات ودرجات التقاضي والتطور الإلكتروني الحاصل، وجميعها إنجازات عظيمة مقدرة لتيسير المعاملات على المتقاضين وتعزيز العدالة، وهي المبتغى من الجهود الكبيرة والمتصلة لوزارة العدل وهيئاتها الإدارية والقضائية الموقرة، واستشراف العمق الإنساني مع صون الحقوق ما أمكن إلى ذلك سبيلا.

ومؤخرا أنهى معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، إيقاف الخدمات الحكومية الإلكترونية عن المدينين، ليقتصر الأمر على منع التعامل المالي فقط طبقا لنظام التنفيذ، كما أقر وضع ضوابط لمدة الحبس التنفيذي وتقنينه، وقد أوضح معاليه في لقاء تلفزيوني جوانب ذلك بشيء من التفصيل.

هنا ليسمح لي معاليه بوقفة أو ملاحظة تهم كثيرا من الباحثين عن حقوقهم المالية الضائعة لدى المماطلين في السداد لإيجارات سكنية أو أقساط دون جدوى ولا أدنى استجابة حتى بعد مخاطبة جهات عملهم، وأيضا رغم التقاضي، والشاهد على ذلك حجم طلبات التنفيذ التي أشار إليها معالي الوزير بعدد 900 ألف طلب خلال عام ممن بلغوا مرحلة حكم التنفيذ.

سنوات تمر ومدينون يستمرؤون المماطلة شهرا بعد شهر بدعوى التعثر، رغم ستر أحوالهم ودخلهم ولديهم قدرة على تقليص ما عليهم من متأخرات الإيجار مثلا وتأكيد مصداقيتهم، لكن المراوغين يعرفون جيدا آخرتها، بأن أصحاب الحقوق بين خيارين إما أن يطلبوا منهم إخلاء العقار بتعهد سداد لا قيمة له ليعيدوا القصة مع مالك آخر، أو التنازل لهم، أو التقاضي والمتابعة والحضور، وكل مرحلة يستفيد المماطل بمهلة شهر أو أكثر، ومن مرحلة إلى أخرى قد تنتهي بجلسة إصلاح والتنازل عن مبلغ، ثم التهرب مجددا في ما تبقى عليه وقد يكون بعشرات الآلاف من الريالات، ويغادر المسكن وقد خرب فيه ما خرب من مرافق تكلف المالك الكثير لإصلاحه.

مئات الآلاف من هذه الحالات تحدث قبل الوصول إلى حكم تنفيذ، والعديد من المحاكم شاهدة على تكدس هذه القضايا ومراجعيها، لذا نأمل إجراءات أقل وأسرع حكما، خاصة وأن بعض أصحاب الحقوق لا تمكنهم ظروفهم من المتابعة الحضورية للإجراءات التي قد يتغيب عنها الطرف المدين فيتم التأجيل، وقد يكون صاحب الحق أرملة أو ورثة قصر ترهقهم المشاوير والانتظار، مثلما تتعبهم أموالهم الضائعة التي يعيشون عليها، وفي كل الأحوال هي حقوق لأصحابها يرتبون عليها أيضا أمور أسرهم المعيشية والمسؤوليات الاجتماعية.

نعم نتفهم الإفادات التنظيمية من معالي وزير العدل - وفقه الله - بأن الأمور المتعلقة بالأمور الحياتية والمعيشية لا علاقة لها بتحصيل الحق، لذا ألغى النظام الأمور المؤثرة اجتماعيا وإنسانيا على المدينين، مثل مخالفات المرور التي لها أنظمة جزائية أخرى، ولا علاقة لها بقرار إلغاء إيقاف الخدمات، لكن ما ذنب أصحاب الحقوق دون المليون ريال، الذين يقع عليهم ضرر مادي ونفسي أيضا من مماطلين رغم يسر أحوالهم وتأخر البت في استردادها.

ألا من إجراءات عدلية مستجدة تعالج ذلك وتضمن وقف التلاعب بالحقوق وبأصحابها، وتلزم مثلا بإحضار كفيل غارم، أو حسم بنكي لأقساط الدين لصالح الدائن؟ تفاصيل معاناة الدائنين كثيرة ومريرة، رغم صبرهم على المماطلين بإنسانية أيضا، فهل من سرعة ناجزة وضمانة ملزمة لاستعادة حقوقهم، وفقكم الله وسدد خطاكم في إحقاق الحق والعدالة.
01:49 | 8-02-2020

ثمن الفرص الضائعة

كشف الرئيس الأمريكي ترمب عن الخطوط العريضة لخطته لحل الدولتين واتفاق سلام بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، والتي عُرفت منذ الإعلان عنها قبل نحو عامين بـ (صفقة القرن) وتقوم على الحل عبر التفاوض، على أساس ضمانات مطلقة لأمن إسرائيل وتحقيق مشروعها الذي عملت له طويلا، وهو الاعتراف بالأمر الواقع على الأرض، وأن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل التي اعترف بها ترمب، مقابل دولة فلسطينية بتعويض جغرافي محدود وعاصمة لدولة فلسطينية منزوعة القوة على جزء محدد من القدس الشرقية لا تشمل الأقصى، وبالطبع الجانب الاقتصادي لتمكين الدولة الفلسطينية من الحياة بحسب الخطة أو الصفقة وإن قال البعض إن فلسطين ليست للبيع.

الترحيب الإسرائيلي بهذه الخطة ليس وليد اليوم باعتبارها المصدر الأساسي لها بقاطرة أمريكية، فيما جاء الرفض الفلسطيني بالمطلق وخلال ساعات من إعلان الرئيس الأمريكي الثلاثاء الماضي، وكذا الفصائل الفلسطينية، وبطبيعة الحال دول تاجرت وتتاجر كثيرا بالقضية عبر زيف سياسي وماكينة إعلامية مضللة تبيع الوهم والتدليس بشعارات مفرغة، ولم تقدم للقضية ولا للفلسطينيين سوى قبض الريح، وأموال مسمومة لفصائل بعينها لتشظي بها انقسام الداخل الفلسطيني، وهذا هو حال إيران وقطر ومعهما تركيا أردوغان الأكثر دفئا في العلاقات والتعاون مع الاحتلال، وهذا هو الثالوث المدمر لاستقرار المنطقة والحاضن للإرهاب وجماعاته.

بالطبع أي خطة سلام لا بد لها من موافقة أطراف الصراع، ولا يمكن فرضها من جانب واحد إلا بغلبة الطرف الأقوى والأمر الواقع، وهذا ما فعلته إسرائيل في كل إجراءاتها الأحادية وجرائم الحرب على الجغرافية والتاريخ والشعب الفلسطيني على مدى أكثر من نصف قرن، وهي اليوم تعول على الرفض الفلسطيني كثيرا لتُشهد عليه العالم وتجد ذريعة مجانية جديدة لتطلق يدها على واقع أكثر خطورة على الأرض، حيث كسبت من الفرص الضائعة أكثر من أية مفاوضات، والسوابق في ذلك عديدة وفادحة الأثمان منذ رفض قرار التقسيم وصولا إلى خطة ترمب.

بالقطع لا أحد يؤيد بالمطلق الصفقة الحالية التي دفع بها الرئيس الأمريكي لأسباب داخلية أولا وأخيرا، وهي متشابهة إلى حد كبير مع أسباب قبول نتنياهو، فكلاهما على أبواب مرحلة انتخابية وهي دائما موسم للمزايدة على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكلاهما أيضا يواجهان أزمات سياسية داخلية كإجراءات العزل للرئيس ترمب، فيما يواجه رئيس الوزراء نتنياهو محاكمة في عدة قضايا تهدد مستقبله السياسي.

صحيح من الصعب عربيا وربما أطراف دولية القبول بالمطلق بخطة ترمب، لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، لذا يبقى الموقف الفلسطيني فيه الكثير من الحكمة في هذه المرحلة الدقيقة، وهم أصحاب القضية أولا، ولا أحد سيجبرهم على قبول ما لا يقبلونه، ولا أحد يتحدث باسمهم على كافة الأصعدة عربيا وإسلاميا، وأمامهم القرار بين التمسك بكل شيء ولا ينالون منه إلا مزيدا من الضياع للقضية، أو القبول بمفاوضات مهما كانت تعقيداتها وضغوطها ومراوغات الاحتلال، وكفى فرصا ضائعة لم ينفع فيها صيحات وشعارات الرفض، ولم يجن منها الفلسطينيون سوى الخسران والانقسام والمعاناة وواقع أكثر مرارة، فيما يتمادى الاحتلال والمتاجرون بدماء ومعاناة الفلسطينيين.
00:34 | 1-02-2020

التعليم «في الصورة»

مثل جمهور عريض من المشاهدين على اختلاف شرائحهم، تابعت الحوار المطول مع وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ عبر برنامج (في الصورة) على شاشة روتانا خليجية وما حظي به اللقاء من مشاهدات واسعة على اليوتيوب وشبكات التواصل، ومصدر هذا الاهتمام الواسع، أنه حوار مع رأس هرم التعليم وما تناوله معاليه من أمور كثيرة تتعلق بالشأن التعليمي من حيث الواقع والمستقبل، مما يهم كل أسرة تقريبا، واطلاعها على ما تفكر فيه وتقوم عليه الوزارة تجاه هذه المنظومة الضخمة من التعليم العام والجامعي والتقني، والتي حددها الوزير بالأرقام.

اللقاء تناول تفاصيل كثيرة، واتسمت الإجابات بالواقعية والموضوعية، بشأن ملفات وقضايا عديدة، سواء التي تم علاجها أو التي تحت الدراسة، لكن ملاحظتي مع كامل التقدير للبرنامج، أن اللقاء بدا وكأنه مواجهة وليس مكاشفة ونقاشا حول قضايا متراكمة في منظومة التعليم نعلمها جميعا، وتحدث عنها الوزير الدكتور حمد بصراحة يحرص عليها منذ توليه الوزارة، وتمنى لو كان لديه عصا سحرية لعلاجها، وكذلك ما يتم حاليا بشأن الانطلاقة المرحلية الجديدة التي يستشرف تعليمنا من خلالها تطورات العصر، ولهذا فإن الحوار على ثرائه، كان يمكن الإعداد له بإلمام أكثر بطبيعة المشكلات وتحدياتها، وليس القذف بها على طاولة الحوار، ولو كان الأمر يتوقف على قرار وزاري يعالج كل شيء لما تردد الوزير ولا الوزارة في اتخاذها، وهذا ليس دفاعا، إنما يقينا بأن التفاصيل كثيرة ولا تحل بطريقة «كن فيكون».

الأمر إلى سنوات وتلك هي طبيعة التطوير في التعليم كعملية ممتدة ومتصلة، بعضها يؤتي ثماره بعد حين من الزمن المعلوم، لكن طوال حلقة البرنامج تركزت الأسئلة على تفاصيل وطلب مواعيد محددة للإنجاز يصعب تحديدها، لكن يمكن تقديرها بسقف زمني معلوم مثل المسارات التعليمية، وخطة التأهيل المرحلي للتطوير والأكاديميات، وإعداد القائمين على العملية التعليمية أو التطوير المتدرج للمناهج ومن ثم الاختبارات حتى تؤتي نتائجها تباعا، والمهم هو الاستمرارية والمرونة وإرادة التطوير في كافة الجوانب وتكامل الحلقات.

أيضا لدينا إيجابيات كثيرة يمكن أن نبني عليها في تطوير التعليم العام وأهمها الكوادر التعليمية القادرة على الاستجابة، ونقاط انطلاق جديدة لا بد من إكمالها في كل ما يتعلق بعملية التطوير، كما لدينا نماذج جامعية سعودية انضمت لقائمة الجامعات الأكثر تقدما في العالم، وجامعات سبقت في مستوياتها مثيلاتها في دول أقدم منا في التعليم، وهذا يجعلنا أكثر تفاؤلا بمستقبل مشروع التطوير، لذا تمنيت وربما يشاطرني الكثيرون الرأي، لو أن اللقاء اتسم بالتفاعلية التي ترفع أيضا من إسهام المجتمع ودوره التكاملي مع جهود الوزارة ومشاريعها.

أخيرا مثل هذا اللقاء بأهميته واتساعه، كان يمكن الاستفادة أكثر لو شارك الوزير بعض المسؤولين من مساعديه المعنيين للاستعانة بتخصصهم ومعلوماتهم والتحضير أكثر من المكتب الإعلامي بالوزارة، ولذا نتمنى أن يبادر التلفزيون السعودي بإعداد حلقات حوار مع معالي الوزير ونوابه أو مساعديه ورؤساء القطاعات بالوزارة، للنقاش حول تفاصيل جوانب العملية التعليمية لعلها تجيب على تساؤلات مطروحة حول مشروع التطوير لمستقبل الأجيال، عبر تعليم يحظى بكل الدعم من القيادة الرشيدة -حفظها الله- ليليق بمكانة وتطلعات هذا الوطن وتعظيم الاستفادة من المخرجات في بناء مستقبله، وهي مسؤولية تكاملية من الجميع.
01:48 | 25-01-2020

ولمدننا الصغرى نصيب

السياحة كما الهجرة الداخلية تكون عادة من القرى والمدن الصغيرة إلى المدن الكبرى على مدار العام، ولها أسباب عديدة معروفة، أولها مجالات العمل الأوسع وفرصها الأكثر تنوعا للشباب، ناهيك عن المشاريع الصغيرة وريادة الأعمال حتى للقادمين إليها من المناطق الأخرى، وهذا ما نراه على سبيل المثال في الرياض وجدة وغيرهما من المدن الرئيسية.

العامل الثاني هو الترفيه المرتبط عادة بالمدن الكبرى باعتبارها الأكثر حظا في مشاريع السياحة، واتساع الحياة والأنشطة والجاذبية الدائمة للسائحين والزوار، وهذا يقودنا إلى السؤال: لماذا لا تأخذ المدن الصغيرة والمتوسطة نصيبها من التنمية السياحية ومشاريعها واستثماراتها؟

في كافة مناطق المملكة مدن وقرى ممتدة رائعة الجمال تحتضنها طبيعة خلابة والخضرة والمطر، وتشكل جغرافيا واسعة يمكن استثمارها إذا توفر لها التخطيط والبرامج، وغياب ذلك يحرمها ويحرم أهلها فرص التنمية السياحية، وللتدليل على ذلك هناك العديد من مدننا الكبيرة والمتوسطة لا توجد بها فنادق متعددة المستويات، مع أنها تستحق ذلك إذا ما نهضت سياحيا مثل جازان ونجران ومدن الشمالية والجوف وحائل وغيرها في كافة المناطق ممن بها نسب سكانية معقولة، وكل منها يمثل حاضرة لمحيطها، لكنها تفتقد مقومات صناعة السياحة ومجالات الاستثمار الذي يفيد أهلها خاصة الشباب من الجنسين.

لدينا أيضا مدن متوسطة وصغيرة بل وقرى متشاطئة كثيرة، يمكن أن تكون نموذجا سياحيا، كذلك المواقع الزراعية المتدرجة على سفوح الجبال والمرتفعات في العديد من المناطق، وأتصور لو أن لدينا استراتيجية لتنميتها سياحيا من خلال الجهات الحكومية المعنية، بإنشاء مرافق وبنية أساسية كالكهرباء والمياه وطرق إضافية، في المقابل يدخل القطاع الخاص في هذه المشاريع باستثمارات متنوعة، بدلا من الاقتصار على بقالات ونشاط تجاري بسيط، لذا من الضروري تحفيز المشاريع المهمة مثل الفنادق ومنتجعات ومولات والمطاعم الحديثة ودور سينما وغير ذلك، بما يناسب وحجم المستهدف من الخدمات ومشاريع الترفيه، لنقل مدننا المتوسطة والصغيرة إلى مجتمع أكثر نشاطا وفرص عمل للشباب، من خلال مشاركة رجال الأعمال بهذه المدن وتشجيع ريادة الأعمال بما يسهم في التنمية السياحية وفرص العمل والاستقرار.

وإذا ما تحقق ذلك يحتاج الأمر إلى برامج ترويجية للزائرين من خلال عروض مميزة تجذب أهالي هذه المدن وغيرهم من خارجها، فالسياحة باتت صناعة وكل شيء أصبح ممكنا ومتاحا بالتخطيط والاستثمار، وهذا ما تفعله مدن أخرى في العالم بإنشاء منتجعات بمواقع ليست بأفضل من مدننا الصغيرة والقرى، لكنها بالاستثمارات تحولت إلى نقاط جذب عالمية عالية مع برامج ترويج وهذا ما نحتاجه بالأفكار والاستثمار.
02:05 | 18-01-2020

ما بعد قاسم سليماني

لا أحد يريد حربا شاملة في المنطقة ولا يسعى إليها، وإن تصاعدت سخونة تصريحات وتحذيرات واشنطن، أو عنترية الوعيد من النظام الإيراني وميليشياته منذ لحظة الإعلان عن مقتل قاسم سليماني، والعراقي أبومهدي المهندس قائد الحشد الشعبي، اللذين ارتبط دورهما بإشعال المنطقة وفصولها الدامية.

الإيراني سليماني قائد ما يسمى (فيلق القدس) لم يكن له ولا لدولته علاقة من قريب أو بعيد بالقدس، لا مقاومة ولا تحريرا، إنما المتاجرة بالقضية وتغذية الانقسام الفلسطيني عبر الدور الحمساوي، وارتبطت مهامه بميليشيات وأحزاب طائفية وعمليات إرهابية على امتداد الخارطة العربية من العراق وسوريا ولبنان وصولا إلى اليمن واستهداف المملكة وغيرهما.

إيران وقد اشتدت عليها العزلة والحصار، وغليان داخلي يهدد مصير النظام، جاء ردها على مقتل سليماني بقصف قاعدتين أمريكيتين حصيلتهما صفرية، مما يشير إلى استنتاجات مهمة أبرزها جدية إدراك الثمن الفادح الذي سينجم عن أي تصعيد مع واشنطن، فكان محاولة حفظ ماء الوجه بصواريخ منزوعة القدرة التفجيرية، وتبدو محسوبة بخط سياسي التقط إشارة واشنطن، بأنه لا مفر من الرضوخ للحوار وتفاهمات على أسس جديدة بشأن الملف النووي والسلوك العدائي تجاه دول المنطقة.

عراقيا الأزمة داخل بلاد الرافدين بلغت ذروة خطورتها، واستشعرت بغداد والعراقيون بأن بلادهم باتت ساحة حرب وتصفية حسابات خارجية، وميدانا لميليشيات أذرعها محلية ورؤوسها وتمويلاتها إيرانية عبر الحرس الثوري وذراعه المسلح بقيادة سليماني.

ما بعد سليماني قد تتغير قواعد الصراع، وقراءة الأحداث ربما تذهب إلى احتمالات تبدو مستبعدة أو مستحيلة في ظل سخونة الشعارات الإيرانية المعلنة، وهي أن مقتل سليماني على فداحته المؤلمة للنظام، قد يكون نهاية طوعية تكتيكية مبطنة منه أو إجبارية، للخروج من عنق أزماته الخانقة التي تهدد مصيره بثورة داخلية عارمة ثمنها بالغ الكلفة عليه ومن دماء وأرواح الإيرانيين.

وفي العراق ارتفعت الأصوات بضرورة إخراج البلاد من غياهب المجهول، وهنا لابد أن تمتد له اليد العربية بالعون والإسناد، خاصة وقد أدرك عقلاؤه أن النفوذ الإيراني طوال مرحلة سليماني وامتدادها الطائفي المدمر، لم تجلب لبلاد الرافدين سوى التمزق والنزف والتخلف ونهب ثرواته الهائلة واستباحة سيادته من كل طامع.

الحالة العربية باتت مؤلمة وبلغت ذروة الخطر إلى حد تهديد مصير العديد من الدول التي انفرطت حباتها، وتنهشها مآسي الأزمات وفتن الاحتراب والتقسيم بفعل التدخلات الإيرانية من جانب والتركية من جانب آخر، وصراعات مصالح ونفوذ دولي، ووقود كل ذلك هو شعوب تلك الدول والفاتورة الباهظة من مقدراتها ومستقبلها.

التاريخ كما الحاضر يقول إن الأمة خسرت الكثير منذ قرار تقسيم فلسطين في أربعينيات القرن الماضي الذي رفضه العرب، ولا يزال الاحتلال ينشب أنيابه بالاستيطان وفرض أمر واقع، ليأتي الخريف العربي بالأسوأ وأعاد دولا عديدة عقودا، وتكالبت الأمم وتوغلت الأطماع وتغولت بمعاول هدم طائفية وتجار شعارات باعوا أوطانهم، هكذا يفعل حزب الله والحوثي وحماس وصولا إلى الحالة الليبية في طرابلس والدور التركي هناك.

المملكة بذلت وتبذل جهودا كبيرة ومواقف كثيرة، وأكدت حرصها على استقرار العراق والدول العربية والعمل على محاصرة تلك الأخطار، مما يدعو إلى وقفة عربية شاملة تستلهم الدروس الأليمة الماضي منها والحاضر، وتستنهض وعي شعوبها كصمام الأمان والاستقرار وجسر العبور إلى المستقبل، ودون ذلك سيصبح المصير أقسى على أجيال هذه الأمة.
01:14 | 11-01-2020

سياحة حاضرة وترويج غائب !

لدينا مواسم سياحية معظم شهور العام، الصيفية منها والشتوية، ونشهد خطوات مبشرة في مشوار طويل لا يتوقف ولا ينتهي لصناعة السياحة ومستقبلها، وخلال سنوات قليلة ستتحقق قفزات نوعية مع المشاريع الترفيهية والسياحية برؤية مستقبلية ستميز المملكة على خارطة السياحة العالمية، وستكتمل معها خطوات مهمة انطلقت مؤخرا في مجالات الفنون والموسيقى وأكاديمياتها وأنشطتها، وكذا قطاع الآثار الواعد وتأهيل أعداد متزايدة من أبنائنا وبناتنا في الإرشاد السياحي والفندقة وغيرها من الأنشطة ذات الصلة.

كل هذا جميل ويؤتي ثماره تباعا، لكن الترويج والتسويق السياحي لم ينطلق بعد رغم أهميته في صناعة السياحة، ويبدو أنه (ساقط من الحسبان) دون سبب من جانب الجهات القائمة على تنظيم الفعاليات، ولعلها ترى تأجيلا إلى وقت لم يحن بعد، أو ترى أن التغطية الإعلامية كافية بمفهوم الدعاية، بينما الشرائح المستهدفة، عادة ما يخططون لفترتهم السياحية ويبحثون عن برامج ذات مزايا وبأرقام تشجيعية، كالتي تصل إلينا من برامج ترويجية وعروض مخفضة من عديد من الدول، شاملة تذاكر وإقامة وربما وجبة يومية رئيسية، وحجوزات خدمية جاهزة للسائح، بتنسيق تام منذ لحظة طلب العرض قبل السفر إليها.

هكذا تروج الدول السياحية وتسوق للجذب من العالم، وتخطط لمواسمها ببرامج مشوقة وتعمل على إنجاحها، وهنا تتسع المقارنة بين تلك النماذج السياحية وبين تجربتنا التي نأمل لها كل تقدم، لكن في النهاية يتوقف ذلك على عوامل مهمة أولاها الأسعار، مثلا بعض الدول تقدم عروضا سياحية إلى كل الأجناس تشمل إقامة لنحو أسبوع أو أقل، بتكلفة مغرية ربما أقل من ليلة أو ليلتين في فنادقنا والشاليهات البحرية أو المناطق الطبيعية لدينا والتي تتعامل مع الزائر لها خلال المواسم بمنطق «إذا مو عاجبك سيعجب غيرك»، فيبالغون في الأسعار ناهيك عن مفاجآت سلبية وربما بعضها صادم في مستوى الخدمات، إن وجد منها غير الجدران والأثاث وفواتير نار بانتظارك.

حتى الآن لا نسمع ولا نرى أثرا لعروض ترويجية تحفز على الجذب السياحي وترفع من حركة السياحة الداخلية بين المناطق، وغياب هذه البرامج يجعل رحلة السائح أو الزائر بمثابة تجربة وحظوظ قد تنجح أو تعكر صفوه، ولو توفرت العروض المرتبطة بالخدمات لتحقق الكثير في حركة السياحة بين المناطق، ولا أقول كيف، فأهل السياحة والسفر أدرى بتنظيم ذلك، والبدء فيه من خلال جهات منظمة وإشراف دقيق.

مدننا ومناطقنا على امتداد الوطن، تتمتع كل منها بمزايا نسبية يمكن استثمارها في العروض السياحية، فجدة مثلا لها بريقها في السياحة والتسوق واتساع الترفيه، وكذلك الطائف وعسير والباحة بأجوائها الصيفية الرائعة وجمال طبيعتها ناهيك عن الرياض والشمالية والشرقية وشتاء طنطورة، وكل هذا يحتاج إلى الترويج.

كاتب سعودي
01:13 | 4-01-2020

استشراف التخصصات المطلوبة في الجامعات

جامعاتنا الحكومية التي بلغت الثلاثين، ناهيك عن الكليات النظرية، تمثل النسبة الأكبر من خارطة التعليم العالي، بحكم الأعداد الهائلة لكلياتها وتخصصاتها ومخرجاتها السنوية، لذا الحديث عن تطوير الجامعات بعد إقرار نظامها الجديد، ومن ذلك ترشيد التخصصات النظرية لا إلغاؤها، بات أمرا حتميا في ضوء التحول التنموي، وهو ما أشرت إليه في مقال سابق.

في بدايات نهضة التعليم كان يتم توظيف الجميع حتى بـ«ابتدائية زمان» بل كانوا يدفعون البعض للعمل دفعا، حتى جاء زمن ضاقت فيه المكاتب بموظفيها وتضخمت ميزانيات الرواتب، ثم تغيرت المعادلة بتطور الخدمات الإلكترونية، ويستمر التحدي القديم في الفجوة بين المخرجات وسوق العمل.

أذكر قبل نحو عقدين من الزمن كنت مشرفا على إدارة شؤون يوم المهنة بجامعة الملك عبدالعزيز، وحظيت فعالياتها السنوية برعاية وتشريف سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله، ومشاركة وزراء وشخصيات قيادية مجتمعية ومن القطاع الخاص، وركزت تلك الفعاليات لسنوات طويلة على مد الجسور بين خريجي الجامعة وسوق العمل، وكان عدد جامعاتنا حينذاك سبعا فقط ومجمل خريجيها أقل كثيرا قياسا بالحاضر، لكننا ما زلنا في نفس الدائرة وربما بدرجة أكبر رغم جهود التوظيف الحالية نظرا للتوسع الأفقي في عدد الجامعات وذات الكليات والتخصصات.

اليوم يتوسع القطاع الخاص ويطور أنشطته وتستجد تخصصات تبعا لتطور الاقتصاد العالمي، بالتوازي مع نشوء قطاعات تنموية حديثة ومشروعات وصناعات ضخمة تحتاج إلى تخصصات علمية وحتى نظرية لكن أكثر تخصصا ومنها علوم السياحة والفندقة والآثار وغير ذلك.

القول إن الجامعات مسؤوليتها العلم فقط، بينما سوق العمل عليه التدريب، في تصوري رأي يجانبه الصواب لأنه تفكير بطريقة (الجزر المنعزلة) والاتجاه العالمي هو التأهيل المسبق خلال التعليم وليس فقط اللاحق في العمل، لذا استشراف المستقبل وتحدياته العلمية أمر ضروري لخوض غماره بقدرة وثقة، وها نحن نرى تخصصات مستجدة باتت عماد اقتصاد الحاضر ووظائفه، وهذا سبب الدعوة إلى (ترشيد) بعض التخصصات النظرية والتوسع في أخرى، ولعلي هنا أشير إلى تخصص الهندسة النووية الذي تفردت به جامعة الملك عبدالعزيز منذ التسعينيات الهجرية ولا تزال، وعايشت تجربته بحكم تخصصي ومشواري الأكاديمي بها، ولم يكن يتعدى خريجوه أصابع اليد، ورب سائل حينها: وما جدوى هذا التخصص؟!

الواقع الحاضر والمستقبل القريب يجيبان على ذلك تباعا، حيث اهتمام المملكة بالطاقة النووية السلمية ضمن استثماراتها الضخمة في الطاقة المتجددة، وهذا القسم لديه مخزون تراكمي علمي ويقدم رصيدا بشريا من الدارسين والباحثين السعوديين، كذلك نحتاج إلى علوم الفضاء وقد أطلقت بلادنا عدة أقمار اصطناعية لخدمة التنمية، ولدينا الهيئة السعودية للفضاء وقاعدة بحثية محترمة، ويتم ابتعاث العديد من أبنائنا في مثل هذه التخصصات.

أخلص من ذلك إلى أن استراتيجية وزارة التعليم أخذت الطريق الصواب بتطوير المنظومة كاملة وفي مقدمتها التعليم الجامعي، والهدف هو استثمار الخريجين والخريجات وفق استراتيجية هادفة تستشرف متغيرات التقدم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. لذلك أعيد التأكيد على أن جامعاتنا وهي تستشرف دورها الحقيقي تجاه الثروة البشرية والبحث العلمي، لابد أن تخطط كل منها لتخصصاتها التي تلبي احتياجات التنمية في كل منطقة، خاصة أنها ستدبر وتدير مواردها إلى جانب الدعم الحكومي، ولابد أن تسهم في تطوير خارطة التخصصات المطلوبة ولا تأجيل ولا تهاون في ذلك وإلا سنظل في المربع الأول وفي نفس الصندوق.

iikutbi@gmail.com
01:41 | 28-12-2019