-A +A
وفاء الرشيد
هناك رجال ونساء يعيشون بيننا لا نعرف قيمتهم حتى يغادرونا، وأقرب مثال يأتي لقلمي وأنا أسطر سطوري هو السفير والوزير الدكتور غازي القصيبي رحمة الله عليه، فقد كان رجلاً سبق عصره وتحدث عن أمور وكشف أخرى ليدفع ثمناً كبيراً في فترة من الفترات من سمعته وصحته، ولكن عندما نرحل لا يبقى لنا إلا العمل الصالح الذي نتركه ليتحدث عنا.

الدكتور غازي القصيبي رحمة الله عليه لم يكن من الشلة، ولم يأت بوفد من القبيلة ولا المدينة ودفع الثمن... «لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول الزملاء إلى أصحاب عمل»، سطور سطرها في كتابه العظيم «حياة في الإدارة»، ولخص بها الفساد بوجهه الإداري والاجتماعي، وكتب من خلالها إنذاراً لمن يكتب التاريخ لنتعلم منه. فهل تعلمنا؟


الشللية المناطقية والحزبية الخفية تجدها واضحة مثلاً في بعض المؤسسات الإعلامية والاقتصادية... شركات كبيرة تهددهم اليوم هذه الشللية!! بعض البنوك والمستشفيات وحتى الوزارات!! هذه الشلل التي أصبحت تنخر من أجل مصالح فئوية تخدم مصلحة معينة وموجهة هي مصدر إحباط وقتل منظم للأحلام ونفوسها ولكل كفاءة ملهمة. وأصحاب الشلة موجودون اليوم... فتجد البعض اليوم يأتون ومعهم طاقمهم الإداري أو شلتهم بعذر أو بآخر!! ويبدأ نسج عش العنكبوت من الحاشية... ينسجون على الأبواب الشبوك وعلى الشبابيك حتى لا يقترب أحد... ويبنون السياج ويعلون الأسوار لكي يمنع الاقتراب، لتعلن الحرب على كل من يدعي أنه صاحب إبداع أو إنجاز أو فكرة، وليشكك بكل من يقترب من سياج تلك المجموعة!

أما المبدع صاحب الفكر الذي كان وسط الشبك قبل الشلة فإن حاول أن يوصل فكره للمدير أو المسؤول، فسيحجم!! إلا إذا نسبوا العمل إلى أنفسهم، فتجده مع مرور الزمن يتحول إلى من يدر لهم الأفكار ويكتب الملخصات والأوراق عنهم..

تلك ثقافة خفية ولا يتحدث عنها أحد ولا يعترف بوجودها، فهي تدار بالرموز وتعمل تماماً مثل جماعات الظل التي تحمل فكراً وأجندات مغايرة لما هو مكشوف، فكر خفي منظم يعمل لمصلحته الشخصية قبل انكشافه بأسرع وقت وأقصر الطرق وأقذرها... وباسم الشرف والعفة...

«يعتقد بعضهم وخاصة في مجتمعاتنا العربية والمحلية أن الشلة تضمن إنجاز العمل بروحية الفريق الواحد عبر الانسجام والتوافق الناتج بسبب المشتركات المتعددة، مما يسهم في زيادة الإنتاج وتحقيق الأرباح. ويعتقد بعضهم الآخر بأنه أمر طبيعي لا مفر منه ناتج بسبب طبيعة التركيبة الاجتماعية القبلية والمناطقية التي تلزم أفرادها على مد يد العون والمساعدة لأفراد الجماعة الآخرين بأي ثمن كان، حتى لو على حساب حرمان صاحب الكفاءة من الوظيفة»، و«الشلل في القطاع العام هي الأخرى أسهمت في عرقلة عدد من مشاريع الدولة التنموية والخدمية عبر تواطؤ أفراد في عدة جهات على الفساد وعلى اختلاس المال العام لزمن طويل، دون أن يكشف أمرهم بسبب التواطؤ الشللي ولم يكشفوا إلا بعد وقوع حادثة أو كارثة أزاحت الستار عن مخططاتهم وعملهم، كما حدث في كارثة سيول جدة التي كان أطرافها مسؤولين من عدة جهات مختلفة»..

استعيذوا من إبليس، فقد ضاع من عمرنا الكثير وهدر من أموالنا الأكثر... وقد دقت ساعة الجد.

* كاتبة سعودية

WwaaffaaA@