أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/951.jpg&w=220&q=100&f=webp

وفاء الرشيد

العقول النادرة والعقول المستوردة..!

في زمن الانفتاح الاقتصادي والتنافسية العالمية، بات من الضروري إعادة النظر في فرضية راسخة: أن المواهب الأجنبية هي «عقول نادرة» تستحق رواتب استثنائية!

هذه العبارة التي اعتُمدت لسنوات؛ لتبرير مستويات أجور فلكية لموظفين وافدين في مؤسسات عربية، لم تعد تصمد أمام حقائق الأداء ولا أمام تحوّلات سوق العمل اليوم.

فلطالما أقنعت الشركات نفسها بأن «استيراد الخبرات والمستشارين» هو الطريق السريع للتطوير، ففتحت أبوابها لتوظيف أجانب برواتب ومزايا تفوق أحياناً بأضعاف ما يحصل عليه موظف محلي أكثر كفاءة.. غير أن السؤال الذي لا يُطرح بجدية هو: هل فعلاً كل من يُجلب من الخارج يُعتبر موهبة وموهبة نادرة؟ أم أن الخطاب عن التميّز والعقول النادرة قد أصبح ستاراً لسياسات توظيف غير عادلة؟

في كثير من الحالات، لا يستند منح الرواتب الخيالية إلى معايير واضحة للأداء أو الإنتاجية.. بل هو موروث إداري قديم نشأ في زمن ضعف الكفاءات المحلية بذهنية ترسّخت أن العيون الزرقاء موهبة، لكن الواقع تغيّر: اليوم خرجت من جامعاتنا أجيال تحمل أعلى الشهادات، وتدير أصعب المشاريع، وتتنافس عالمياً، دون أن ينال ذلك ما يكفي من إعادة التقييم داخل مؤسساتنا.

بات من الضروري إذن وضع آلية تقييم موحّدة لأداء كل موظف، محلياً كان أم وافداً.. فالقضية ليست في جنسية الموظف، بل في القيمة التي يضيفها!

من يحصل على راتب مرتفع يجب أن يقدم نتائج ملموسة، لا مجرد سيرة ذاتية منمّقة أو لقب وظيفي مثير ببدله.

إن استمرار الفجوة في الرواتب دون مبرر يؤدي إلى خلق بيئة طبقية داخل المؤسسات، تهز الانتماء، وتضعف روح الفريق.

فالإشكال أعمق من مجرد رواتب، بل هو سؤال الهوية والعدالة في بيئات العمل! فإذا كانت المواهب الأجنبية ضرورة في بعض القطاعات التخصصية، فإن وجودها يجب أن يخضع لمعادلة واضحة: قيمة مضافة حقيقية مقابل تكلفة عادلة.. لا أن نعطي مزايا مفرطة بلا مساءلة، ولا حصانة وظيفية تحت لافتة «العقل المستورد».

إن إعادة هيكلة رواتب المواهب الأجنبية ليست دعوة للانغلاق، بل خطوة نحو ترسيخ الشفافية والعدالة، وإتاحة الفرصة لمن يستحق.. فإذا أردنا بناء اقتصاد منافس عالمياً، فعلينا التخلّي عن القناعة القديمة التي تضع الأجنبي دائماً في خانة الأفضلية، فالمواهب موجودة هنا أيضاً، ومن حقها أن تُرى، وأن تُقدَّر.

00:10 | 2-12-2025

نهاية دبلوماسية العاطفة.. !

ربما يكون الخليج اليوم أمام لحظةٍ فارقةٍ في مسار وعيه الجمعي، لحظة انتقال هادئة ولكنها عميقة، من ثقافة «الواجب» التي تأسست على العاطفة، إلى منطق «المصلحة المشتركة» التي تُبنى على الوعي بالذات والسيادة والمسؤولية.

نحن نغادر ببطء مرحلة الإنفاق العاطفي والرمزي على الآخرين إلى مرحلةٍ أكثر عقلانية، حيث تُقاس العلاقات بميزان الاحترام المتبادل لا بكرم المانح أو خضوع المحتاج.

التحولات الكبرى لا تُعلن نفسها بالبيانات، بل بالقرارات... والخليج اليوم يتعلّم أن يقول «لا» بوعي، لا بخصومة، وأن يضع حداً لاستنزاف العاطفة القومية التي تحولت، في بعض الأحيان، إلى وسيلة ضغطٍ سياسي أو ابتزازٍ أخلاقي باستحقاق جنوني...

الخطاب الذي كان يوماً يُجمّعنا تحت راية «الأمة المتخيلة» لم يعد صالحاً لعصر الدول الحديثة... فتلك الأمة التي بُنيت على الحنين والأسطورة أكثر مما بُنيت على المصالح والتنمية، آن لها أن تتوارى أمام واقع الدولة الواعية، الدولة التي تفكر بمواطنيها أولاً وبمنطق القوة الهادئة لا الانفعال العاطفي.

يتجلّى هذا التحول في موقف دول الخليج من إعادة إعمار غزة، إذ لم تعد السعودية مستعدة لكتابة شيكاتٍ على بياض بعد عقودٍ من الفساد وسوء استخدام المساعدات، فيما ترفض الإمارات أي دورٍ لحماس، وتطالب قطر بضمانات حقيقية لتنفيذ إسرائيل التزاماتها قبل التمويل، بينما تنظر مصر إلى الإعمار كفرصةٍ اقتصاديةٍ لشركاتها...

مشهد يعكس تحولاً جذرياً من منطق «التضامن العاطفي» إلى «الواقعية السياسية».

لقد دفع الخليج ثمناً باهظاً حين خلط بين التضامن والمغامرة، وبين الدعم والإدمان على دور المنقذ! واليوم، يعي أن السيادة لا تُقاس بحجم المنح بل بقدرة القرار على حماية المصالح الوطنية دون ضجيج. القوة الحقيقية ليست في كثرة المساعدات، بل في قول «كفى» بثقة وهدوء.

إننا أمام لحظة نضج سياسي، تضع العاطفة في موقعها الطبيعي: تابعاً لا قائداً، وتعيد التوازن بين الكرم والحكمة، بين الهوية والانفتاح، بين الدور الإقليمي والحق الوطني. ليست أنانية، بل وعي جديد يقول بوضوح: لسنا أوصياء على أحد، ولسنا أدوات في يد أحد، نحن شركاء متكافئون في عالمٍ يتغير...

00:02 | 9-11-2025

هل أصبح الموت في السودان أرخص من الخبر العابر؟

بين صرخات أطفال الفاشر وأنين أمهات غزة، يقف العالم بميزانٍ أعور لا يرى إلا ما يريد أن يرى.

في فلسطين، اشتعلت المظاهرات في العواصم، نُكّست الأعلام، وانهمرت المليارات من المساعدات؛ أكثر من 40 مليار دولار منذ التسعينيات، إضافةً إلى دعمٍ سياسي ودبلوماسي وإعلامي لا يهدأ. أما السودان، فلا مسيرات، ولا بيانات عاجلة، ولا حتى قمة يتيمة تبحث الكارثة...

يموت الناس بصمت، وتُباد مدن بكاملها في حربٍ تجاوزت العام ونصف العام، خلّفت 14 مليون نازح ودفعت 21 مليون إنسان نحو الجوع، في حين لم يُموّل المجتمع الدولي سوى ربع الخطة الإنسانية المطلوبة لإنقاذهم!

هذه ليست مجرد أزمة منسية، بل تجلٍ فاضح لـ«العنصرية البنيوية» في النظام الدولي... فالعالم الذي يهبّ غاضبًا حين تكون الضحية بيضاء الملامح، يكتفي بالتغريد حين يكون لونها أسود. مجلس الأمن عاجز، والإعلام الغربي صامت، والعرب – في معظمهم – يتفرجون.

تُظهر الأرقام أن السودان يعيش اليوم أكبر نزوح داخلي في العالم، وأن الفاشر تحولت إلى مقبرة مفتوحة بعدما حوصرت وقُطعت عنها المساعدات... حتى برنامج الغذاء العالمي اضطر لتقليص حصصه بسبب فجوة تمويلية بلغت 700 مليون دولار، فيما يُتداول عن تدفق أسلحة إلى قوات الدعم السريع عبر دولٍ إقليمية، تحت صمتٍ دولي مريب، بحجة «عدم الاختصاص».

المسألة لم تعد حربًا داخلية فقط، بل انهيارًا أخلاقيًا عالميًا.. فالعالم الذي يرفع شعار الإنسانية كشف عن وجهه الحقيقي: إنسانيةٌ انتقائيةٌ تُقاس بلون الجلد وموقع الجغرافيا.

السودان يُذبح مرتين؛ مرةً بالسلاح، ومرةً بالصمت!

وإذا لم يتحرك الضمير العربي والإسلامي اليوم، فلن يبقى غدًا منبر يُبكى عليه...

فالفاشر تُباد، والعالم منشغل بحسابات السياسة، وكأن الدم الأفريقي لا يستحق حتى بيانًا!

ويبقى السؤال المعلّق كطعنة في وجه البشرية:

هل لأن السودان أسود، صار الموت فيه أرخص من الخبر العابر.

00:30 | 2-11-2025

ثابت الوهم علماً والعلم استثناء.. !

في زمنٍ بات فيه الظهور أهم من الجوهر، تولد كل يوم شخصيات وهمية ترتدي معاطف العلم، وتتكلم بثقة مصطنعة، وتقدّم نفسها وبشهادات دكتوراه وهمية كمنقذة للبشرية من القلق والرهاب والاكتئاب، رغم أنها لا تملك سوى شهادة بكالوريوس في الاقتصاد أو التسويق، بشهادات مزيفة بتغيير بسيط في حروف أسماء الجامعات لمن يدقق!

فجأة تصبح «متخصصة في الدماغ والطاقة والفيزياء»، والهندسة المالية؟

هذا التخصص غير الموجود بأي جامعة بالعالم!! وفوقها تفتح «عيادة علاجية» في دولة مجاورة، تستقبل مرضى التوحد والاكتئاب، وتبيع لهم الوهم في علبة أمل، بجهازٍ لا يداوي ولا يشفي، لكنه يدرّ المال والنجاح الزائف ببركات تأثير بلاسيبو.. هذه الشخصيات تستغل الضعف الإنساني ببراعة! تبدأ الجلسة بعبارات مثل: «عندك بلاوي في مخك»، ثم تسكت دقيقة لتصنع وهماً بالهيبة والعمق! المريض المصدوم يتجمد، وهي تواصل استعراضها بحديثٍ عن الذبذبات والعمر العقلي والطاقة السلبية وتشبكه بأسلاك كهربائية! وكأنها اكتشفت نظرية جديدة في علم الأعصاب! لا شهادات طبية، ولا ترخيص طبي، ولا حتى ورقة بحث واحدة محكمة! مجرد مجموعة أوراق مكررة في مواقع غير معترف بها، لكنها تُقدَّم للناس وكأنها إنجازات علمية عظيمة.

ورغم هذا الوهم، تنجح هذه الشخصيات في جذب الإعلاميين والمشاهير الذين يزورون «العيادة» وينشرون الصور معها، فيتحول الزيف إلى حقيقة اجتماعية مدعومة بالبريق الإعلامي، فهم بارعون ببناء العلاقات وإبهار عقولنا العربية بالشهادات الرنانة حتى لو كانت مزيفة... الشهادات التي تبهر لتتسع دائرة التصفيق، وتخبو الأسئلة، وفي الخلفية جيش إلكتروني يهاجم من يشكك في مصداقيتها ويدافع عنها كأنها وليّة من أولياء «العلم الحديث».

المؤلم في المشهد أن الكفاءات الحقيقية، الباحثين والأطباء السعوديين الذين تعبوا ودرسوا في أعرق الجامعات، يقفون أمام هذا العبث محبطين، يشاهدون الجهل يتنكر بعباءة العلم بينما هم يُستبعدون من المشهد لأنهم لا يجيدون الترويج لأنفسهم أو لا يملكون جمهوراً يصفق لهم! يُهمَّش صوت العالِم الحقيقي، ويُضخَّم صوت من يبيع الأمل المعلّب، حتى صار بعض شبابنا يثق بالمؤثر أكثر من الطبيب، وبالمحتوى الترويجي أكثر من البحث العلمي.

لقد آن الأوان أن نقف كمجتمع عربي واعٍ أمام هذا الانحدار.. فلا يليق ببلد يقود العالم في مشاريع الابتكار والذكاء الاصطناعي أن يُخدع بأكاذيب «الطاقة الكونية» و«العلاج بلا دواء»... ولن نخدع.. فلدينا عقول سعودية تشعّ علماً في كل مجال، ويجب أن نرفعها لا أن نحبطها بمشاهير الزيف وCon Artists.

الأوطان لا تُبنى بالتصفيق للوهم، بل بتقدير من يحمل الحقيقة مهما كانت صعبة، لأن الوطن الذي لا يحمي علمه من الدخلاء، سيستيقظ يوماً ليجد أن عقوله النابغة صمتت أو هاجرت... وتركَت الساحة لمن يبيع «اللاشيء» بثمنٍ باهظ..

00:03 | 26-10-2025

المنتخب ليس ناديك..!

ما يحدث اليوم في ساحتنا الرياضية لم يعد مجرد جدل بين جماهير أو اختلاف في الآراء، بل تحول إلى حالة احتقان خطيرة تمزق المشهد الرياضي وتشوّه روح المنافسة. الإعلام الرياضي، الذي يُفترض أن يكون أداة توعية وبناء، أصبح في بعض برامجه وقنواته وقوداً لهذا الانقسام، يغذي التعصب ويزرع الشك في كل نجاح وطني.
نعم، نحن أمام ظاهرة غير مسبوقة؛ منتخبات العالم تتوحد جماهيرها خلف علم واحد، بينما يتعرض منتخبنا أحياناً للتشكيك والتجييش فقط لأن بعض لاعبيه لا ينتمون لأندية معينة... هذا الانحراف في الولاء تجاوز حدود المنطق والمعقول، حتى بات بيننا من لا يريد للمنتخب أن يتأهل لمجرد خصومة نادٍ!
أي عبث هذا الذي يجعل الانتماء للأندية أقوى من الانتماء للوطن؟
تشير تقارير المرصد الإعلامي الرياضي إلى أن أكثر من 60٪ من الشكاوى خلال عام 2024 تعود إلى تجاوزات في البرامج الرياضية، منها إساءات وتحريض على الكراهية بين الجماهير. كما رصدت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع أكثر من 120 مخالفة إعلامية في العام نفسه، معظمها تتعلق بخطاب متعصب ضد لاعبين أو مدربين أو إدارات الأندية... هذا الانحدار لا يمكن فصله عن إخفاقات المنتخب المتكررة، لأن البيئة التي تسمح بتخوين لاعب وشيطنة آخر، هي نفسها التي تضعف روح الفريق وتكسر ثقة الجماهير.
نحن اليوم نحتاج إلى وقفة جادة، فصمت المسؤولين والإعلاميين الواعين عن هذا المشهد يزيد الفجوة ويعمّق الشرخ... فلا أحد يطلب كتم الحماس أو تكميم الآراء، بل إعادة تعريف الانتماء: أن تشجع ناديك بكل قوة، لكن حين يرتدي اللاعب شعار المنتخب، فهو يمثلنا جميعاً.
الكرة السعودية اليوم في أوج مجدها استثمارياً وتنظيمياً، لكن هذا الوهج لا يكتمل إلا بإعلام ناضج وجماهير تعي أن المنافسة تنتهي عند صافرة الحكم، وأن المنتخب فوق الجميع. الإصلاح يبدأ بالكلمة، فكما أسقط الإعلام الثقة يمكنه أن يعيدها — متى ما استعاد وعيه بأن الوطن ليس نادياً، والمنتخب ليس طرفاً في معركة تعصب، بل رمزٌ لوحدة لا تحتمل الانقسام.
00:21 | 19-10-2025

سوق العمل الجديد.. يكرّم الراحلين أكثر من المخلصين

«مبروك الاستقالة».. عبارة باتت تُكتب على الكعك وتُرفق بالهدايا كما لو كانت وساماً للانتصار، لا قراراً بالانسحاب.. مشهد يبدو في ظاهره احتفالاً بالحرية، لكنه في عمقه يكشف خللاً متجذراً في ثقافة العمل والانتماء لدى جيلٍ يتعامل مع الوظيفة كعبورٍ مؤقت لا كمسارٍ طويل.

جيل اليوم يحتفي بالاستقالة وكأنها إنجازٌ شخصي، بينما هي في كثير من الحالات هروب أنيق من الالتزام والمثابرة.

في الماضي، كانت الاستقالة قراراً استثنائياً يأتي بعد أعوام من الكفاح، أما اليوم فقد أصبحت ردّ فعل فورياً على الملل، أو على عرض راتب أعلى ببضعة آلاف.

إن طموح الشباب مشروع، لكن الطموح الذي لا يعرف الصبر يتحول إلى نزق مهني، وإلى حياة مهنية بلا جذور.

ما نراه اليوم هو سوق عمل متخم بالعروض، لكنه فقير بالولاء، يتنقل الموظفون بين الشركات كما يُبدّلون هواتفهم، ويحسبون التغيير وحده دليلاً على النجاح.. ومع الوقت، تضيع الهوية المهنية وتبهت قيم الإخلاص، وتتحول الخبرة إلى تواريخ متفرقة في السيرة الذاتية لا يجمعها خطٌّ واضح أو قصة إنجاز حقيقية.

المؤسسات بدورها تتحمّل جزءاً من المسؤولية، فهي من غذّت هذا السلوك حين بالغت في المنافسة لجذب الكفاءات بالمزايا «الفلكية» بدل الاستثمار في بيئات عملٍ إنسانية ومستدامة.. وهكذا تشكّل لدينا سوقٌ يكرّم الراحلين أكثر مما يكرّم المخلصين، سوقٌ يُكافئ الانتقال لا الاستقرار، ويحتفي بالرحيل أكثر من الولاء.

نعم، رؤية 2030 فتحت الأبواب وخلقت فرصاً غير مسبوقة، لكن هذا يتطلب جيلاً يتقن الثبات! فالنجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد العروض التي نتلقاها، بل بقدرتنا على أن نزرع أثراً حيث نقف.. فالأوطان لا تُبنى بالأيدي التي تلوّح مودعة، بل بالأيدي التي تبقى وتُنجز وتُؤمن أن الولاء المهني ليس ضعفاً.. بل شرفٌ يستحق التقدير.
00:01 | 12-10-2025

التوحُّد وأرقامه المخيفة تهددنا..

الأرقام واضحة وصادمة! في الرياض، أظهرت آخر دراسة ميدانية أجريت أن معدل انتشار التوحد بين الأطفال في سن مبكرة بلغ 2.9 في المائة؛ أي ما يعادل طفلاً من بين كل 35 طفلاً... وعلى مستوى المملكة، تتجاوز الحالات المشخّصة 69 ألف طفل، وهي نسبة مرتفعة تضعنا أمام أزمة وطنية لا يجوز التعامل معها بمنطق المبادرات الجزئية أو البرامج المؤقتة.

وحين نقارن واقعنا بما يجري حولنا، تتضح الفجوة أكثر... فدولة الإمارات تمتلك مراكز متقدمة في مدينة أبوظبي، والعين تقدم خدمات تأهيلية وتعليمية متكاملة، والأردن كذلك بدوره يحتضن مراكز معروفة على مستوى المنطقة بالرغم من وضعة الاقتصادي... فأين نحن من القضية؟ فبالرغم من قوتنا الاقتصادية ومكانتنا العالمية، ما زال الأهالي ينتظرون مركزاً متكاملاً بمستوى عالمي يوازي ما اعتدناه في بقية قطاعات الدولة من صحة وتعليم وترفيه ورياضة...

لقد رأيت عن قرب أسراً تفككت بفعل ضغوط التوحّد، وأمهات يعانين بصمت من أطفال ذوي سلوك عنيف داخل البيت، لا يجدن دعماً نفسياً ولا تدريباً عملياً للتعامل مع هذه الحالات المعقدة... هذه ليست حكايات فردية، بل مشهد متكرر في بيوت كثيرة، يترك آثاراً نفسية واجتماعية عميقة.

المبادرات الحالية، مثل برنامج محمد بن سلمان للتوحد الذي أسس مراكز متخصصة في بعض المدن، تبقى خطوة مهمة لكنها محدودة قياساً بحجم الاحتياج... فالمدارس غير مجهزة للدمج الجاد، وعدد الأخصائيين والمعالجين أقل بكثير من المطلوب، والنتيجة أن آلاف الأسر تعيش في دائرة ضيقة مستمرة.

المطلوب اليوم هو قرار برؤية شجاعة يعيد صياغة السياسات التعليمية والصحية والاجتماعية، ويضع إنشاء مراكز عالمية متخصصة بمناطق المملكة في صدارة الأولويات مع قوانين واضحة تضمن حق التعليم والتأهيل والدعم النفسي للأسرة..

كل يوم نتأخر فيه عن إنشاء مراكز عالمية متخصصة يعني مزيداً من الأطفال المهدور حقهم، ومزيداً من الأسر المنهكة... فالإنفاق على هذه الفئة ليس خياراً، بل واجب وطني وأخلاقي...

من لا يضع أضعف أفراده في قلب أولوياته، لن يستطيع أن يزهو بقوته أمام العالم.
23:44 | 4-10-2025

«هذا ولدنا».. الوصفة السريّة لتعطيل التنمية..!

الشللية في إدارة المشاريع والشركات ليست مجرد صداقات شخصية أو دوائر نفوذ ضيقة، بل كثيراً ما تتحول إلى اصطفافات مناطقية مكشوفة! نرى شركات كبرى اليوم غلب عليها أهل منطقة معينة مثلاً، ووزارات يكاد يتشكّل نسيجها من منطقة أخرى، وهيئات ومؤسسات تتحول مع الوقت إلى «حكر» جغرافي!

فهل قُسمنا إدارياً وفق الشلة وخرائط الانتماء؟

في بعض الشركات، تكاد لا تجد موظفاً قيادياً إلا وهو من الجنوب مثلاً، وكأنها شركة عائلية وليست مؤسسة وطنية.. وفي وزارات أخرى، تلمح بوضوح أن الكفة تميل إلى أهل الحجاز مثلاً، بينما وزارات بعينها يغلب عليها أبناء المنطقة الوسطى. هذا التمركّز ليس مجرد مصادفة، بل نتيجة ذهنية شللية متجذّرة، ترى في الولاء معياراً أهم من الكفاءة.

الخطر هنا أن هذه البُنى المغلقة لا تسمح بتجديد الدماء ولا بفتح المجال أمام الطاقات من مختلف المناطق، التنوع الذي هو ثروة وطنية يُقصى لحساب المحاباة، والنتيجة أن المؤسسات تتحول إلى نُسخ مكررة من نفسها، مغلقة على عقلية واحدة، لغة واحدة، ونمط تفكير واحد!

تبريرات هذا النمط جاهزة دائماً: «هؤلاء أبناء ثقة»، «نحتاج فريقاً متجانساً»، «التجربة علّمتنا أن نستعين بالمضمونين»... «ما في وقت نعلّم»!!

لكن في الحقيقة، ما يحدث هو إعادة إنتاجٍ للشللية؛ تُقصي الكفاءات الأخرى وتحرم المؤسسات من تنوع ضروري لأي ابتكار أو تطوير.

الأخطر أن هذا النمط لا يقتصر على التوظيف، بل يمتد إلى القرار نفسه! حين يجلس المديرون من نفس الدائرة المناطقية أو الشلة، يهيمنون على المشاريع كأنها حصص، ويتقاسمون النفوذ وكأنهم أصحاب ملكية خاصة.

غياب التنوع يخلق جموداً، وغياب المنافسة يقتل الإبداع، ومع الوقت تتحول هذه الجهات إلى هياكل عاجزة، تكرر نفسها وتعيد إنتاج فشلها أحياناً... مع نفس الشلة بإنجازات كبيرة.. وعلى الجهة الأخرى ملايين مهدورة ولكنها (مكمكمه)... لا تنمية بالعالم يمكن أن تقوم على شلل ومحاصصة، ولا وطن يمكن أن ينهض إذا كان أبناؤه يُفرَزون إلى دوائر مغلقة كل واحدة منها تتصرف كأنها صاحبة الحق الحصري.

الشللية، سواء جاءت في صورة صداقات شخصية أو اصطفافات مناطقية، هي عدو صريح للتنمية.. فالتنمية الحقيقية لا تُبنى على «هذا ولدنا» ولا على «هذولا جماعتنا»...
00:03 | 28-09-2025

الأمن في محطات القطار... ضرورة لا رفاهية

حين نتحدث عن قطار الحرمين فإننا لا نتحدث فقط عن وسيلة نقل بين مدينتين بل عن شريان إستراتيجي يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة مرورًا بجدة، ويحمل يوميًا عشرات الآلاف من المسافرين من جنسيات مختلفة قاصدين حجًا وعمرةً أو عملًا وسياحة، ولهذا السبب يصبح الأمن هنا ليس خيارًا إضافيًا بل خط الدفاع الأول لحماية الأرواح والمقدسات...

لذا نأمل استخدام أحدث التقنيات والأساليب لحماية الركاب ، ففي عالم لم يعد يأمن من التهديدات يصبح التساهل في هذه التفاصيل أشبه بترك باب البيت مفتوحًا على مصراعيه في حي مزدحم...

والأمر قد يبدو للبعض تسهيلًا وانسيابية في الحركة لكنه في العمق يحمل مخاطر حقيقية في عالم لم يعد يأمن من التهديدات...

النظر إلى شبكات القطارات في أوروبا وآسيا وحتى الدول المجاورة يظهر أن التدابير الأمنية ليست عائقًا بل ضرورة، ففي فرنسا كل حقيبة يمكن أن تخضع للتفتيش المفاجئ، وفي إسبانيا محطات القطار السريع مزودة بإجراءات مشابهة لمطارات مصغرة، وحتى في الإمارات القطارات والمترو تمر عبر بوابات وكاميرات ذكية لا تترك مجالًا للصدف.. فكيف لا نطبّق ما يوازيه أو يفوقه في قطار يخدم أطهر بقاع الأرض وأكبر حشود موسمية في العالم...

التحدي ليس في الاختيار بين الأمن والانسيابية بل في الجمع بينهما وهو أمر ممكن إذا ما وُظّفت التكنولوجيا الحديثة، فالبوابات الإلكترونية الذكية المرتبطة بالهوية الوطنية والأجهزة المتطورة لمسح الأمتعة والدوريات الأمنية المرئية والخفية وتقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة الحشود وتحليل السلوك غير المعتاد كلها حلول قادرة على تحقيق الطمأنينة دون المساس بسهولة الحركة...

قطار الحرمين ليس مجرد مشروع نقل بل رمز حضاري يُفترض أن يوازي في دقته وأمانه قدسية الطريق الذي يسلكه.
00:11 | 14-09-2025

حين تتحول المقاطعة إلى مؤامرة على القطاع الخاص !

شهدنا، مؤخراً، موجة تجييش خطيرة ضد شركات سعودية بارزة. البداية كانت حملة مقاطعة إلكترونية مشبوهة انتهت بإعلان إفلاس «إحدى تلك الشركات»، والآن نرى «الأخرى» تواجه حملة مشابهة بلا مبرر..

اللافت أن من يقود هذا التجييش حسابات وهمية تُدار بوضوح من خارج المشهد المحلي، وتستخدم أسلوب التضخيم المنظم لأي خطأ أو شائعة حتى يتحول إلى قضية رأي عام.

هنا لا نتحدث عن نقد استهلاكي عفوي، بل عن محاولة ممنهجة لضرب وتخوين القطاع الخاص السعودي وتشويه صورته أمام المواطن لزرع الفتنة ونشر الإحباط بين المواطنين! وهذا بحد ذاته مؤامرة صامتة تستهدف كسر الثقة بين المواطن وشركات بلاده.

القطاع الخاص ركيزة لا عدو، فهو اليوم يوظف أكثر من 8.7 مليون عامل، بينهم أكثر من 2.3 مليون سعودي.. إغلاق أي شركة كبيرة لا يعني خسارة مطعم أو علامة تجارية، بل يعني فقدان مئات الوظائف وتعطل سلاسل توريد تضم مئات الموردين المحليين.

الشركة التي تدار ضدها حملات تشويه الآن وحدها تشغّل ما يفوق 5,000 موظف، وتتعامل مع أكثر من 200 مورد محلي! تخيل حجم الضرر لو انهارت بسبب حملات مقاطعة وهمية.

إفلاس «إحدى تلك الشركات الوطنية» ليس حدثاً تجارياً عادياً، بل مؤشر مقلق كبير، فهو يرسل إشارة سلبية للمستثمر الأجنبي الذي تراقب عينه السوق السعودية: «رأس المال المحلي نفسه غير محمي من حملات التشويه»... وهذا يتناقض مع أهداف رؤية 2030 التي تستهدف رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي من 40% إلى 65% خلال السنوات المقبلة.

السيناريو المكرر لمن يريد أن يحلل:

1. شائعة أو تصريح يُقتطع من سياقه.

2. تضخيم عبر حسابات مجهولة.

3. بث خطاب تخويني: «القطاع الخاص يستغل المواطن».

4. تحويل التفاعل الشعبي إلى غضب غير موجه.

5. استغلال ملف البطالة والتفاوت المعيشي والضرب على لحن الأجانب لزرع الفتنة الداخلية.

هذا النمط ليس وليد الصدفة، بل جزء من حرب ناعمة اقتصادية تستهدف الداخل بوضوح.. والمعركة اليوم ليست على ساندويتش أو وجبة، بل على ثقة المواطن في اقتصاده الوطني.

حين تُفلس شركة سعودية فالرسالة ليست للمستهلك فقط، بل لكل مستثمر: «احذر، قد تكون الضحية القادمة»... هذه الهزات تتجاوز شركة واحدة لتضرب صورة المملكة كوجهة استثمار آمنة.

المطلوب اليوم ليس فقط تحصين الشركات، بل تحصين وعي المواطن.. فالنقد البنّاء مرحب به، لكن التجييش عبر حسابات مجهولة يجب أن يُقرأ بصفته مؤامرة منظمة لا حملة رأي عام عابرة..
00:05 | 7-09-2025