لا يمكن لمنصفٍ ومتجرّدٍ من أي أحكامٍ مسبقة، حضر وشاهد مباريات بطولة كأس العرب المقامة حالياً في دولة قطر الشقيقة منذ انطلاقتها وحتى يومنا هذا، إلا أن يُشيد ويُثني ويُصفّق للنجاح الكبير الذي حققته هذه البطولة على مختلف الأصعدة والمستويات؛ تنظيمياً، وفعاليات، واستضافة، وحضوراً جماهيرياً، إضافة إلى الاهتمام الإعلامي اللافت من خلال تغطية متميزة قدّمتها القناة الناقلة «بي إن سبورتس»، وكذلك قناة الكأس وشقيقاتها، التي سخّرت برامج خاصة لمواكبة أحداث البطولة، متفاعلة مع مجرياتها، ومع المنتخبات وجماهيرها التي جسّدت أروع صور الروح الرياضية، سواء في المدرجات أو خارجها، قبل المباريات وبعد نهايتها.


- وما جعل «مونديال العرب» بهذا الجمال الآسر –إن صحّ هذا الوصف واللقب– كفكرة استُلهمت من تعليق الزميل المتألق في قناة الكأس، المعلّق خليل البلوشي، حين قال أثناء تعليقه على مباراة الأردن والعراق: «بطولة العرب يا جماعة... هذه كأس العالم الخاصة بنا». وقد أعجبني هذا الرأي كثيراً، إذ يعكس واقعاً فرضته مستويات البطولة وتميّزها، ما يدفع إلى القول إن مقارنتها بأي نسخة سابقة باتت غير منصفة، نظراً للفارق الكبير في التنظيم والمضمون والمستوى الفني.


- ويعود هذا التميّز إلى عدة أسباب، يأتي في مقدمتها الدور الكبير والجهد الواضح الذي قام به الاتحاد العربي لكرة القدم برئاسة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، من خلال نجاحه في إقناع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بالاعتراف ببطولة كأس العرب، ومنحها صفة الشرعية الرسمية بعد أن ظلت لسنوات طويلة خارج إطار البطولات المعترف بها دولياً.


- تزامن هذا الاعتراف الرسمي مع نجاح مذهل لبطولة جمعت العرب في «لمّة» استثنائية، فيما أبهرت قطر الجميع بتنظيمها المتقن وقدرتها على إدارة الحدث باحترافية عالية. كما تميزت المنافسة بين المنتخبات العربية بطابع مختلف عمّا اعتدناه في نسخ سابقة، فلم نشهد منتخبات ضعيفة تستقبل أهدافاً بغزارة، ولا مدرجات خالية، بل كانت جميع المباريات ممتعة ومستوياتها تجاوزت مفهوم «المشاركة المشرفة» إلى ما هو أبعد، عبر كرة حديثة وممتعة.


- وحتى منتخبا فلسطين وسوريا، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها الدولتان الشقيقتان، قدّما حضوراً قوياً ونافسا منتخبات تفوقهما من حيث الإمكانات المادية والفنية، في صورة أكدت تطور الكرة العربية وقدرتها على تجاوز التحديات.


- اليوم يدخل مونديال العرب مرحلة مفصلية بوصول أربعة منتخبات إلى نصف النهائي (السعودية، والأردن، والمغرب، والإمارات) بحثاً عن بطاقتي التأهل للمباراة الختامية، التي ستعلن اسم البطل المستحق. ومع قناعتي بأن البطولة الحقيقية تمثّلت في «لمة» الأشقاء في هذا المحفل الرياضي الذي حقق أهدافه الرئيسية حسب وصف الزميلة «ملاك عسكر»، كما لا يمكن إغفال ما أفرزته البطولة من بروز لنجوم شباب، إلى جانب الإشادة بـ«قضاة الملاعب»، حيث وُفّقت لجنة الحكام بدرجة كبيرة في اختياراتها لحكام الساحة والمساعدين وحكام تقنية الفيديو (VAR)، وهو ما أضفى على البطولة تميّزاً خاصاً أسعد الجميع.