لم تعد ظاهرة السائقين غير النظاميين في محيط المطارات مجرد تصرفات فردية عابرة، بل أصبحت مشهداً متكرراً يفرض نفسه على المسافرين والزوار، ويكشف عن خلل تنظيمي يؤثر سلباً على تجربة السفر وصورة المدينة. فالمطار ليس مجرد نقطة عبور، بل هو الواجهة الأولى التي تعكس مستوى التنظيم والرقي الحضاري، وأي فوضى في محيطه تترك انطباعاً لا يمكن تجاهله.


ينتشر السائقون غير النظاميين عند بوابات المطارات ومخارج صالات الوصول، مستغلين حاجة المسافرين، لا سيما القادمين لأول مرة أو كبار السن أو من يجهلون خيارات النقل النظامية. تبدأ القصة بعرض مغرٍ أو وعد بسعر أقل، لكنها في كثير من الأحيان تنتهي بمبالغ مبالغ فيها، أو خلافات، أو تجربة غير آمنة، تضع المسافر في موقف لا يليق بمكانة المطار ولا بصورة الوطن.


وتتجاوز سلبيات هذه الظاهرة الجانب الفردي، لتطال المنظومة ككل. فهي تسيء إلى المشهد الحضاري للمطارات، وتخلق انطباعاً بالفوضى وضعف الرقابة، كما تفتح الباب أمام ممارسات قد تحمل مخاطر أمنية وسلامة عامة نتيجة غياب التحقق النظامي من السائق والمركبة. إضافة إلى ذلك، يتضرر السائقون النظاميون الذين يلتزمون بالأنظمة ويدفعون الرسوم ويخضعون للفحص، في منافسة غير عادلة تُضعف الثقة بمنظومة النقل النظامي.


كما يسهم وجود السائقين غير النظاميين في خلق ازدحام مروري وفوضى تنظيمية أمام بوابات المطارات، ويعطل انسيابية الحركة، ويشوّه تجربة المسافر التي يفترض أن تكون منظمة ومريحة منذ لحظة الوصول أو المغادرة. وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع مستهدفات «رؤية 2030» التي تركز على تحسين جودة الحياة والارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين والزوار.


إن معالجة هذه الظاهرة لا تتطلب حلولاً معقدة بقدر ما تتطلب حزماً وتنظيماً وتكاملاً بين الجهات المعنية. فتكثيف الرقابة الميدانية المستمرة داخل محيط المطارات، وتطبيق عقوبات رادعة تشمل الغرامات وحجز المركبات بحق المخالفين، من شأنه أن يحد من انتشار النقل غير النظامي بشكل فعّال. وفي المقابل، يجب تنظيم نقاط استقبال واضحة ومحددة لسيارات الأجرة المرخصة وتطبيقات النقل، مع لوحات إرشادية تسهّل على المسافر الوصول للخدمة النظامية دون ارتباك.


ولا يقل دور التوعية أهمية عن الرقابة، عبر تعريف المسافرين بحقوقهم، والتنبيه إلى مخاطر التعامل مع سائقين غير مرخصين، وإبراز البدائل النظامية المتاحة. فالمسافر الواعي أقل عرضة للاستغلال، وأكثر قدرة على اتخاذ قرار آمن وصحيح.


وتقع مسؤولية متابعة هذه الظاهرة على عاتق عدة جهات بشكل تكاملي؛ في مقدمتها الهيئة العامة للطيران المدني بصفتها الجهة المشرفة على المطارات، والهيئة العامة للنقل المختصة بتنظيم أنشطة نقل الركاب وإصدار التراخيص، إضافة إلى الأمن العام في الجوانب الأمنية وضبط المخالفين، إلى جانب دور إدارة وتشغيل المطار في تنظيم الحركة الداخلية وتوجيه المسافرين.


ختاماً..


إن تنظيم محيط المطارات وحماية المسافرين من ممارسات النقل غير النظامي ليس ترفاً إدارياً، بل ضرورة مجتمعية تعكس احترام الإنسان، وحماية النظام، وصورة وطن يسعى دائماً لتقديم تجربة حضارية متكاملة تليق بمكانته إقليمياً ودولياً.