من البدء يمكن كشف الأثر الاتصالي للرياضة، حين تتحول الفعالية إلى رسالة وطنية، فلم يعد النقاش حول الرياضة بوصفها نشاطاً جماهيرياً كافياً لفهم دورها الحقيقي في المرحلة الراهنة، فالحوار الذي دار في أمسية «الأثر الاتصالي من الأحداث الرياضية» التي نظمها مجتمع «وَصْل» كشف بوضوح أن الفعاليات الرياضية باتت إحدى أكثر أدوات الاتصال تأثيراً في تشكيل الصورة الوطنية وبناء الانطباع العالمي عن المملكة.

ما طُرح خلال الجلسة، يؤكد أن المملكة لا تنظر إلى استضافة الأحداث الرياضية بوصفها إنجازاً لحظياً، بل كجزء من إستراتيجية اتصال طويلة المدى، تُحوِّل الحدث من مجرد منافسة رياضية إلى منصة سردية تعكس التحول الاقتصادي، والانفتاح الثقافي، وجودة الحياة، وهو ما يتسق تماماً مع فلسفة رؤية السعودية 2030 التي تراهن على «الأثر المستدام» لا «الضوء المؤقت».

أحد أهم مخرجات الحوار تمثّل في التأكيد على أن الاتصال الرياضي يبدأ قبل صافرة البداية بسنوات، من خلال بناء مراكز إعلامية، وتكامل الرسائل، وتوحيد الخطاب بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وهو ما يعكس نضجاً مؤسسياً في إدارة الصورة الوطنية. فنجاح الاستضافة لا يُقاس فقط بسلاسة التنظيم، بل بقدرة الرسالة على الوصول والبقاء في الذاكرة العالمية.

كما برزت تجربة الجمهور بوصفها عنصراً اتصالياً حاسماً، حيث يتحول المشجع والزائر إلى ناقل تلقائي للرسالة، يروي تجربته بلغته ومن زاويته، وهو ما يمنح الاتصال مصداقية أعلى من أي حملة تقليدية. هذه الرؤية تعكس انتقال المملكة من الاتصال الموجَّه إلى الاتصال التشاركي، حيث يصبح المجتمع شريكاً في صناعة الصورة.

وتكشف النقاشات أيضاً أن المشاريع المستقبلية، مثل القدية، لا تُبنى فقط لاستضافة البطولات، بل لتكون واجهات اتصالية دائمة، تمتد آثارها بعد انتهاء الحدث، وتخدم سردية وطنية متكاملة تجمع بين الترفيه، والرياضة، والثقافة، والاقتصاد، في نموذج يعكس طموح المملكة في إعادة تعريف مفهوم المدن الرياضية عالمياً.

في المحصلة، يؤكد هذا الحوار أن الاتصال الرياضي في المملكة دخل مرحلة جديدة، لم يعد فيها السؤال: «كيف ننظم الحدث؟» بل «كيف نحوله إلى أثر؟». ومع تسارع الاستعدادات لاستضافة أحداث عالمية كبرى، فإن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على انسجام الرسالة، واستدامة التجربة، وتطوير خطاب اتصالي يعكس روح المملكة كما هي: طموحة، منفتحة، وقادرة على مخاطبة العالم بلغته دون أن تفقد هويتها.