يُعَدّ الوعي الفكري مرحلة من مراحل النضوج العقلي والوجداني، يصل فيها الإنسان إلى القدرة على التفكير الإبداعي، وممارسة النقد والتحليل، وفهم الأفكار وتقييمها، إلى جانب امتلاك مهارات حلّ المشكلات. وقد تميّزت الأميرة سارة بنت عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود- رحمها الله-

بوعيها الفكري المتقد، وهو ما جعلها تختلف عن أقرانها ومعاصريها في تلك الحقبة، بل وعن بعض نساء الأسرة المالكة اللاتي قدّمن أعمالاً مشابهة. فقد عاشت الأميرة سارة في فترة حافلة بالاضطرابات السياسية والخلافات الداخلية، ومع ذلك أسهمت بطريقة فعّالة وإن كانت غير مباشرة في مجالات التنمية داخل المملكة.

لقد أسهمت عوامل عدة في بناء وعيها الفكري، من أبرزها البيئة العلمية التي نشأت فيها؛ إذ تربّت في محيط ديني وعلمي مشبَع بحفظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، الأمر الذي أكسبها مرجعية معرفية راسخة ورؤية متزنة تجاه شؤون الحياة.

وفي السياق ذاته، تجلّى وعيها الفكري في قدرتها على استيعاب الاحتياجات العلمية وتحليل أوضاع المجتمع الداخلي، من خلال إدراكها للسياقات الثقافية المؤثرة في تشكيل الأفكار واتجاهاتها.

كما برز بُعدُها النقدي في الكتب التي أوقفتها؛ إذ جسّد وقفُها للمخطوطات والكتب العلمية وإتاحتها للناس رؤيةً فلسفية عميقة. فقد كانت تؤمن بأن الحرية الفكرية ليست مطلقة، وأن بعض المعارف قد تربك الوعي أو تشوّش الرؤية، لذا جاء اختيارها للكتب قائماً على احترام الهوية العربية والدينية والثقافية. وبهذا تحوّلت القراءة في نظرها إلى مسؤولية اجتماعية تعكس فهماً واعياً للتحديات الفكرية، وتدلّ على قدرتها على تقييم المعلومات بشكل مستقل والتفكير بطريقة منهجية ومنظمة.

ويسهم الوعي الفكري بطبيعته في تعزيز التفكير الإبداعي، وقد ظهر ذلك لدى الأميرة سارة في وعيها باحتياجات المجتمع وقدرتها على توليد أفكار جديدة تسهم في تلبيتها. ويتضح ذلك في مساواتها بين الناس في الحصول على منح الأراضي وفق معايير محدّدة للمفاضلة. كما انعكس وعيها الفكري في خبرتها بالطب الشعبي، حيث امتازت بمهارة لافتة في هذا المجال.

أضف إلى ذلك الأميرة سارة لم تحظَ باستقرار أسري كامل، غير أنّ ذلك لم يؤثر سلباً في شخصيتها؛ فانتقالها المبكر بين كنف زوجة والدها وعمّتها عكس الظروف غير المستقرة في تلك الفترة. وقد أتاح لها هذا الواقع الاطلاع المباشر على طبيعة التحديات السياسية والاجتماعية، مما أسهم في تعزيز وعيها المبكر وصقل قدرتها على التكيّف مع المتغيّرات.

ويُعَدّ التواصل الفعّال أحد معايير الوعي الفكري؛ وقد حظيت الأميرة سارة بلقب «العَمّة»، في دلالة على مكانتها الجامعة ودورها في تقوية أواصر الأسرة والمجتمع خلال ظروف سياسية واجتماعية معقّدة، مما يدل على قدرتها على توظيف المعرفة والمهارات في خدمة المجتمع وتحقيق أهدافه.

وفي مجمل القول، فقد فتح الوعي الفكري آفاقاً واسعة أمام الأميرة سارة للإبداع، وممارسة التفكير النقدي، واتخاذ قرارات واعية ومسؤولة، مما جعلها إحدى الشخصيات المؤثرة في تاريخ المجتمع السعودي.