-A +A
محمد مفتي
لا شك أن الجهود التي تقوم بها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد تستدعي التقدير والشكر، وهي تأتي تتويجاً لوعود الأمير الشاب محمد بن سلمان بالتصدي لظاهرة الفساد أياً كان المتورط فيها، وبالرغم من المتابعة الحثيثة التي تقوم بها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد إلا أنه - من خلال متابعة نشرات الهيئة - من الملاحظ أن البعض من ذوي النفوس المريضة لا يزال مصراً على الانخراط في قضايا الفساد وكأن الأمر لا يعنيه، وقد يعتقد البعض أن لديه قدراً من الذكاء يستحيل معه الإيقاع به، وهو يظن أن ذكاءه سيساعده بشكل مباشر على الهروب من قبضة الملاحقات الأمنية، أو سيساعده بشكل غير مباشر على الإفلات من القضاء من خلال استعانته ببعض الوسطاء لتجنب الشبهة في تلقي الرشاوى.

الفساد في كثير من الأحيان مشكلة ذات أبعاد كثيرة، غير أن أهمها قد يكون إغواء المناصب المرموقة لبعض ضعاف النفوس؛ فقد نجد بعض الفاسدين يشغلون المناصب الرفيعة وفي سعة من المال، ومع ذلك يستميتون في التحايل على المال العام للاستحواذ على أكبر قدر منه قبل ترك مناصبهم الوظيفية، وللأسف الشديد يعتقد البعض من هؤلاء أن المنصب الوظيفي هو فرصة قد لا تتكرر، ولذلك عليه أن يقوم بجمع كل ما يمكنه جمعه من المال العام قبل أن يغادر منصبه.


يتساءل الكثيرون عن سبب إصرار البعض على الانخراط في قضايا الفساد على الرغم من الجهود الجادة التي تبذلها الهيئة لملاحقة الفاسدين، غير أنه لظاهرة الفساد العديد من الأسباب المتشابكة، ولذلك فهي ظاهرة عالمية موجودة في جميع دول العالم وخلال كافة العصور التاريخية، والهيئة في المقام الأول والأخير لا يمكنها محاربة هذه الظاهرة بمفردها؛ لأن الأمر يتطلب تضافر العديد من الجهات والأجهزة بالدولة، كما يتطلب تكاتف جميع المواطنين، والذين تقع على عاتقهم مسؤولية حقيقية تتطلب منهم ضرورة إبلاغ الجهات المختصة حال اشتباههم في حادثة فساد، وعندها ستقوم الهيئة بدورها على أكمل وجه، وستقوم بتتبع الشكوى بما تملكه من صلاحيات حتى تتحقق منها قبل إيقاف المتورطين فيها في حال ثبوت صحة الجرم.

الفساد ظاهرة ربما يصعب محوها بالكامل، غير أن للحكومات دوراً مركزياً في الحد من تفشيها وتقليل تداعياتها لأقصى حد ممكن لحماية المجتمع من نتائجها الخبيثة، ومن المؤكد أن الأمر الملكي بسحب الامتيازات ممن هم على مرتبة وزير أو المرتبة الممتازة ممن ثبت تورطهم في قضايا الخيانة أو الفساد لهو أنصع دليل على أن الدولة عازمة على نحو حازم في محاربة الفساد والحد منه.

منذ التصريح الشهير لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأن الدولة لن تتهاون في تعقب المتورطين بالفساد وأنه لن ينجو أي شخص مهما بلغت درجته الوظيفية من المساءلة، قامت الهيئة - مشكورة - بالتحقيق في العديد من قضايا الفساد، وهو ما أسهم في تصنيف المملكة - وفق مؤشر مدركات الفساد - كواحدة من أقل الدول فساداً، غير أنه من المؤكد أن قدرة الدولة على الاستمرار في تحقيق معدلات عالية في ما يتعلق بمكافحة الفساد مرهون في المقام الأول بتفاعل المواطنين وإبلاغهم الجهات المختصة حال شكهم في حوادث الفساد، حتى تتمكن الهيئة من مباشرة التحقيق فيها ومحاسبة المتورطين.

لعله من الجدير بالذكر، أن نشدد على أن تورط البعض في قضايا الفساد لا يعكس طبيعة المؤسسة التي ينتمون لها بأي شكل من الأشكال، فالفساد ظاهرة فردية، ومن خلال الاستعراض السريع للنشرات الدورية التي تصدرها نزاهة يلاحظ أن غالبية القضايا التي أعلنت عنها الهيئة تتعلق بقضايا يتفاعل فيها المواطن مع الهيئة، لذلك فأغلبها يصب في خانة تلقي الرشوة، وهذا النوع من القضايا لا يمكن استئصال شأفته تماماً إلا من خلال تعاون المواطن نفسه.

لا يمكن لأي جهة رقابية مهما بلغت قوتها أن تقضي على الفساد تماماً، غير أنه من الممكن الحد من هذه الظاهرة من خلال تشديد الإجراءات الرقابية ومتابعة البلاغات التي ترد إليها بجدية للتحقق من مدى صحتها ومن ثم اتخاذ الإجراءات النظامية بشأنها، فكما ذكرنا لا يمكن التحكم بسلوك الأشخاص، والفساد ظاهرة لا ترتبط بزمان ومكان معين، بل هي ظاهرة منتشرة في جميع الدول، والحد من ظاهرة الفساد يبدأ من الأسرة مروراً بالمؤسسات التعليمية والإعلامية والتوعوية والفنية، فهذه المنابر يقع على عاتقها دور كبير في ترسيخ ثقافة الحفاظ على المال العام.