أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/294.jpg?v=1762092635&w=220&q=100&f=webp

محمد مفتي

فلسطين أولاً

يمثل يوم التاسع والعشرين من نوفمبر اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، غير أنه في كل مناسبة تعلن المملكة مراراً وتكراراً عن موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية وإزاء أبناء الشعب الفلسطيني برفضها القاطع التطبيع مع إسرائيل إلا بعد تطبيق حل الدولتين كمطلب جوهري، كما أن دعم المملكة للقضية الفلسطينية وحرصها على حقوق الشعب الفلسطيني هو الموقف الذي تبنته وتتبناه دوماً القيادة السعودية على مدار عدة عقود، وهو موقف ثابت ومطلق لا يتغيّر بتغيّر الظروف والأحداث، وهو مبدأ ينطلق من الإيمان بحقوق الشعب الفلسطيني في أراضيه التاريخية.

وعلى الرغم من تأكيد المملكة المستمر والقاطع -عبر القنوات الدبلوماسية- التزامها بحل الدولتين كشرط للتطبيع، فقد راهنت بعض المنصات المشبوهة وأصحاب الأقلام المغرضة على تغيّر موقف المملكة خلال زيارة ولي العهد الأخيرة للولايات المتحدة، وقد كان هذا الرهان هو أحد الادعاءات الكاذبة التي سعى هؤلاء المضللون لتوجيهها للنيل من أهمية الزيارة والتقليل من نجاحها، غير أنه خلال القمة تم التأكيد بغاية الحزم والوضوح التزام المملكة الحاسم والقاطع بحل الدولتين، وهو ما رسّخ الاعتقاد بأن المملكة مستمرة في اتباع نهجها الثابت بأنه لا تطبيع مع إسرائيل إلا بعد تطبيق حل الدولتين، وها هي القمة قد انتهت بنجاح لافت دون أن يتزعزع موقف المملكة من هذه القضية، فالمملكة لا ترضى إلا بحل عادل للقضية الفلسطينية يحقق آمال أبناء الشعب الفلسطيني في أن يكون لهم وطن خاص بهم يقع تحت سيادتهم، وما لم يتم تحقّق هذا الشرط فلا تطبيع من أي نوع بين المملكة وبين إسرائيل.

لعله من الغريب أن تراهن تلك الأقلام المغرضة على موقف المملكة من القضية الفلسطينية، فبخلاف المواقف التاريخية للمملكة تجاه القضية الفلسطينية والتي يعرفها الجميع، تعتبر المواقف الأخيرة التي اتخذتها المملكة لمساندة الشعب الفلسطيني في محنته التي اندلعت عقب أحداث السابع من أكتوبر من أقوى المواقف التي تم اتخاذها لدعم القضية الفلسطينية على العديد من المستويات، ولعل أهمها المستوى السياسي والدبلوماسي، بخلاف المساهمات القوية للمملكة على الصعيد الإنساني ومحاولاتها المستمرة لتخفيف عب المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني ومساعدته بكل الطرق الممكنة.

غير أن المملكة تسعى دائماً لاستشراف المستقبل؛ فهي لا تكتفي بوضع حلول للقضية على المدى القريب، بل تنظر للقضية وتحوّلات مسارها على المدى البعيد، لذا فقد بذلت المملكة الكثير من الجهود لحث العديد من دول العالم على الاعتراف بدولة فلسطين، وهي الجهود الدبلوماسية التي تمّت بالتنسيق مع العديد من الدول الكبرى وأهمها فرنسا بدعم من الرئيس الفرنسي ماكرون، وأسفرت عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الكثير من دول العالم.

غير أن المنصات المشبوهة التي يتم تمويلها من جهات معادية –ممن تتعيش على فتات المساعدات والتبرعات- تسعى بكل جهدها لإبعاد الأنظار عن كل هذه الجهود الحثيثة والناجحة والمثمرة، وتركز جهودها على التشكيك والكذب وإيغار الصدور والتلاعب بالحقائق وتزييف الكثير منها، وعلى الرغم من انكشاف أكاذيبهم وادعاءاتهم التي يدحضها الواقع على الأرض، نجدهم وبكل وقاحة مستمرين ومصرين على حوك أكاذيبهم التي لا يؤيدها منطق ولا يدعمها واقع، بل وحريصين على إشعال الأجواء وحوك القصص الخيالية الساذجة.

ما تتناوله المنصات المشبوهة التي ثبت بالدليل القاطع -وخاصة بعد أن قامت منصة إكس «تويتر سابقاً» بالكشف عن الدولة التي ينتمي لها صاحب الحساب- يؤكد أنها تدار من خارج المملكة رغم ادعائها بأنها حسابات وطنية، ويعكس في ذات الوقت عن نيتها المبيتة في السعي للتأليب وتزييف الحقائق والتكسب من نشر الشائعات المغرضة، غير أنه على الجانب الآخر يؤكد الواقع الثوابت التي تسير عليها المملكة تجاه القضايا العربية والإسلامية، وهو ما يوضح بدوره سبب امتلاك المملكة هذا الوزن والثقل السياسي والدبلوماسي سواء إقليمياً أو دولياً، ويؤكد أن للمملكة موقفاً ثابتاً لا يتغيّر أبداً.

منذ 7 ساعات

كشف المستور!

من المؤكد أن لثورة الاتصالات الحديثة نتائج عديدة ومهمة وجوهرية وذات تأثير مباشر على أفراد المجتمع، غير أن وسائل التواصل الاجتماعي تعد التطوّر الأكثر أهمية، فالجميع يتواصل الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف منصاتها، فتلك المنصات حوّلت العالم لقرية صغيرة يستطيع كل مواطن فيها أن يتواصل مع أي شخص آخر بأي مكان في العالم دونما قيود، مهما تباعدت بينهما المسافات أو حتى سكن كل منهما في قارة تختلف عن الأخرى.

لا شك أن لوسائل التواصل الاجتماعي فوائد عديدة أهمها تمكين كل فرد من أفراد المجتمع من أن يعبّر عن أفكاره، أو يشارك اهتماماته ومفضلاته بين أصدقائه ومجتمعه، ومن الملاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي اكتسبت قوة كبيرة وتأثيراً عميقاً وزخماً غير مسبوق خلال الآونة الأخيرة، فقد تمكّن من خلالها كل فرد ومؤسسة من نشر ما يريده وإيصاله لملايين المتابعين، وقد بدأت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي تجذب انتباه الجميع لقوتها المتصاعدة بالغة التأثير، فالكثير من أصحاب الحسابات الشهيرة ما إن يشارك بنشر تغريدة أو صورة أو مقطع مصور حتى نجده وقد حصد آلاف المشاركات والتعليقات وردود الأفعال.

وبطبيعة الحال، مع الانتشار الواسع والمكثف لها في كافة أرجاء العالم بدأت تدريجياً تظهر لها بعض الجوانب السلبية، واتخذها البعض وسيلةً للتأثير المعاكس والمناهض لما هو مفترض لها أن تقوم به، بل اعتبرها البعض وسيلة فعّالة ومناسبة لنشر الأكاذيب أو إطلاق الشائعات أو التحريض الخبيث، فتلك المنصات قد تصعب الرقابة عليها أو الإشراف على محتوياتها، ولاسيما عقب تطوّر بعض التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وغيرها من تقنيات سهّلت فبركة الصور والمقاطع المصورة مما مهّد لانتشار واسع للأخبار الكاذبة وغير الحقيقية.

غير أن مالكي تلك المنصات والقائمين عليها لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام طوفان تلك الأكاذيب والشائعات، فبدأوا بدورهم في وضع لوائح وقوانين لمحاولة ضبط المحتوى الذي تبثه تلك المنصات، فبدأوا بمحاولة توثيق الحسابات الشخصية والرسمية لأصحاب حسابات تلك المنصات لإضفاء الثقة على ما يتم نشره بأسمائهم وكمحاولة للحد من انتشار الأخبار المغلوطة، غير أنه –كما هو متوقع- لم يقف الطرف المضلل عن مساعيه لاختراق تلك القواعد وتضليلها لصالحه هو الآخر.

ولعل آخر تلك المحاولات كان إعلان منصة إكس «تويتر سابقاً» خاصية إظهار الدولة التي ينتمي لها صاحب الحساب، كنوع من إضفاء الشفافية على صاحب الحساب، وقد كشفت هذه الخطوة طبيعة الكثير من الحسابات المغرضة التي تبث سمومها ضد المملكة وتدار من قبل دول خارجية، فالكثير من تلك الحسابات تدّعي أنها حسابات وطنية لمواطنين سعوديين لا يهدفون إلا للصالح العام ولا يحركهم لكتابة ما يكتبونه سوى الصالح العام.

كما أظهرت تلك الخاصية الجديدة طبيعة العديد من الحسابات التي تتسوّل الدعم وتطالب بالمزيد من التبرعات، فقد اتضح أن الكثير منها وهمي يدار من الخارج، وهو ما يرشّح ارتباط تلك الحسابات ببعضها البعض، بل يزيد من احتمالية أن تدار تلك الحسابات من قبل طرف واحد أو أطراف عدة محددة، هدفها كلها جمع المال وبث بذور الفتنة في المجتمع السعودي في آن واحد، فالكثير من تلك الحسابات الوهمية التي تبث سمومها يظهر فيها الكذب جلياً، فغالبية محتواهم متناقض، بل أن منشوراتهم يناقض بعضها البعض، غير أن إضافة الدولة التي ينتمي لها صاحب الحساب تعتبر ميزة حقيقية في طريق ضبط المحتوى الرقمي وحمايته من الكذب والتدليس.

من الواضح تماماً أن تلك الحسابات راهنت على تحريض الشباب السعودي وبث الفرقة بين صفوف المجتمع بأكمله، غير أنها لم تجد الصدى الذي كانت تأمله، فالمواطنون السعوديون لديهم من الإدراك والحصافة ما يمكّنهم من فهم المحتويات الضالة والمضللة وقراءة ما بين السطور، غير أن تلك الخاصية الجديدة تسهم ولو قليلاً في كشف المستور وفضح الادعاءات في مهدها، وفي واقع الأمر لا أفهم ما يرمى إليه هؤلاء المخربون، ألم تكفهم الأحداث المضطربة والحروب الأهلية التي تعصف بالكثير من الدول المجاورة لنا؟ لِمَ لا يريدون سوى الدمار والخراب الذي قد يذهب ضحيته المواطن أولاً وأخيراً؟

00:26 | 28-11-2025

زيارة من أجل الوطن

خلال فترتي رئاسة الرئيس ترمب الأولى والثانية، كان حريصاً على نحو ملموس على أن تكون المملكة العربية السعودية هي محطته الأولى في الزيارات من بين بقية دول العالم، وخلال الزيارتين وما بينهما أيضاً كان ترمب حريصاً تماماً على توثيق علاقته بالمملكة وبولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومدِّ أواصر الصلة والصداقة بين البلدين وبين قيادتيهما، ومما لا شك فيه أن هذا الحرص على توطيد العلاقات وتعزيزها لم يكن وليد الصدفة أو بلا دوافع قوية، فالمملكة تتمتع -بفضل الله- بوزن سياسي وثقل اقتصادي ليس بين دول المنطقة فحسب، بل بين جميع دول العالم، حيث تحرص غالبية دول العالم على توثيق علاقتها بها ودفعها لمستوى الصداقة والتحالف، وليست الولايات المتحدة فحسب.

لا شك أن الدوافع التي تدفع غالبية دول العالم لعقد علاقات وثيقة وتحالفات طويلة الأمد مع المملكة تنبع من أسبابٍ عدة؛ لعل أهمها مسيرة التنمية المشرقة التي بدأها ولي العهد برؤيته المتميزة 2030 التي نقلت المملكة إلى مصافِّ الدول المتقدمة، فالمسيرة الناجحة التي بدأ ولي العهد بتدشينها منذ بداية توليه ولاية العهد حتى يومنا هذا باتت ملموسة على أكثر من صعيد، كما أن نتائجها ظهرت مبكرة وأعادت رسم شكل وجوهر المملكة أمام دول العالم كافة، كما أن مسيرة التنمية المتسارعة باتت عنصر جذب واهتمام لغالبية دول العالم في إدراكهم للمملكة كواجهة استثمارية وسياحية وفنية ورياضية لافتة، وواحة للاستقرار السياسي وسط عاصفة مضطربة تضرب بعض دول المنطقة، بل وبعض دول العالم.

من المؤكد أنه لا توجد دولة ناجحة دون قيادة ناجحة وقائد قوي وحاسم ومقدام، وهو ما لمسه الرئيس ترمب بنفسه، الذي أثنى على شخص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته الثانية، ووصفه بأنه زعيم قوي وحليف موثوق به ذو بصمة لا تخفى على أحد في إحداثه نهضة عظيمة في بلاده، ولم تكن تلك الصفات التي أسبغها ترمب على ولي العهد من باب المجاملة الدبلوماسية؛ بل تجسدت في مواقف ملموسة وأفعال واضحة للعيان أوضحت ثقة ترمب في امتلاك الأمير بصيرة قوية ورغبة في استقرار المنطقة؛ وهو ما تبدى في استجابته لطلب الأمير محمد بن سلمان برفع العقوبات الأمريكية عن سورية، والتقائه بالرئيس الشرع للمرة الأولى.

من الواضح تماماً أن هناك تجانساً واتساقاً سياسياً بين الرئيس الأمريكي وبين ولي العهد وبين الرئيس الشرع دفعت الرئيس ترمب لتوجيه دعوة للرئيس الشرع لزيارة الولايات المتحدة لتنسيق الجهود المشتركة بينهما، وهو ما حدث بالتزامن مع رفع مجلس الأمن للعقوبات عن سورية، وهو الأمر الذي يشير لقوة تأثير المملكة الدولي وقدرتها على إعادة صياغة المشهد السياسي الإقليمي، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال لتحسين وضع سورية بين بقية دول العالم وتخفيف المعاناة عن الشعب السوري الذي أنهكته الحرب الأهلية التي تجاوزت عقداً من الزمن.

تأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة استجابة لدعوة الرئيس الأمريكي الذي هدف من الدعوة للاحتفاء به، ولاستكمال مناقشة العديد من القضايا المهمة معه ولا سيما ملف القضية الفلسطينية، التي شهدت اعتراف العديد من دول العالم بالدولة الفلسطينية عقب النجاح الدبلوماسي للأمير بالشراكة مع فرنسا لدفع العديد من الدول العظمى للاعتراف بها، وبحقوق الفلسطينيين في أراضيهم التاريخية.

من المؤكد أن دبلوماسية الأمير في حث العديد من دول العالم على الاعتراف بفلسطين على الرغم من صعوبة مجرد تخيل هذا الأمر من قبل، إن دلت على شيء فإنها تدل على المكانة السياسية المتصاعدة للمملكة ودورها المتزايد في تحقيق الاستقرار الإقليمي، ودون جدل سيكون حل القضية الفلسطينية المتمثل في أطروحة حل الدولتين حاضراً في سجل زيارات الأمير، ولا يقوم ولي العهد بزيارات روتينية تقليدية كنوع من المجاملات الدبلوماسية التي تمثل جزءاً من الأعراف والتقاليد السياسية الدولية، بل تأتي تتويجاً لجهوده في عقد العديد من الشراكات الاقتصادية والتكنولوجية والصفقات العسكرية، ولا سيما أنها تأتي في ظل مرور منطقة الشرق الأوسط بالكثير من التحديات.

لقد أوضح الرئيس ترمب أن هذه الزيارة أكثر من مجرد اجتماع، وهو ما تجسد في حفاوة الاستقبال اللافتة التي حظى بها الأمير، والتي لا تقتصر على الإعجاب بشخصه، بل تتعلق أيضاً بدوره البارز في تعزيز الاستقرار الإقليمي للمنطقة ككل، فهذه الزيارة من أجل الوطن وتحمل الخير كله للوطن وللمنطقة أيضاً.

00:04 | 21-11-2025

الحرب الأهلية في السودان

دخلت الحرب الأهلية في السودان عامها الثالث دون بارقة أمل في أن تنتهي عمّا قريب، وهي الحرب التي لم يكن مقدّراً لها أن تستمر كل تلك السنوات دون دعم من أطراف خارجية، ولاسيما قوات الدعم السريع والتي تمولها بعض الأطراف الخارجية التي تطمح في أن يؤدي تأجيج الحرب في السودان واشتعالها لأن تستمر لأطول مدى ممكن، فتلك الأطراف تريد السودان ممزقاً مفككاً غير موحد.

قبل أيام تمكّنت قوات الدعم السريع من اقتحام الفاشر المحاصر منذ شهور، لتقوم بعدها بارتكاب العديد من المجازر المريعة بحق الأبرياء من المدنيين والعزل، وقد استسلمت الفاشر بعد نفاد مائها وطعامها ودوائها، وعندها اقتحمت قوات الدعم السريع المدينة قامت بارتكاب المذابح علناً، بل وظهر بعض عناصرها بشكل واضح في مقاطع فيديو مصورة قاموا هم بأنفسهم بتصويرها وهم يقتلون بدم بارد، وكل هذا على مرأى ومسمع من العالم كله والذي لم يحاول أي طرف فيه مساعدة المدنيين المنكوبين في هذا البلد.

لم تحاول الدعم السريع نفي مسؤوليتها عن ارتكاب تلك المذابح غير أنها اعتبرتها حوادث فردية سيتم محاسبة عناصرها الذين قاموا بارتكابها، ومن الواضح أن الدعم السريع تهدف من خلال بث تلك المقاطع المصورة المريعة لبث الرعب في قلوب خصومها، ولإيهامهم بقوتها حتى يسهل استسلامهم لها وعدم مقاومتهم، ولا يبالي قادة الدعم السريع بصورتهم أو سمعتهم أمام العالم؛ بل يحاولون إعادة تشكيل الرأي العام وإيهامه بأن قوتهم لا تضاهى وأنهم جهة مسؤولة ويمكن الاعتماد عليها، ولا يعجزهم شيء عن سفك دماء الشعب السوداني، والذي شهد موجة نزوح فعلية غير مسبوقة منذ بداية اندلاع الصراع في 2023.

من الواضح أن هذه الحرب الشعواء ستستمر بلا هوادة إن لم يجنح طرفاها للسلم والتفكير العقلاني، فعلى عموم الشعب السوداني الالتفاف حول حكومته الشرعية، ويتوقع الكثير من المحللين والخبراء السياسيين أن يفضي استمرار تلك الحرب إلى تفكك السودان إقليماً وراء الآخر، حتى تتحوّل إلى دويلات ممزقة مما سيضاعف من آلام وعذاب مواطنيها، فالسودان بلد يعاني من شح الموارد وندرتها بشكل عام، كما يعاني من بنية تحتية ومرافق أساسية ضعيفة، وجاءت الحرب لتنهي على البقية الباقية من تلك البنى والمرافق لتحيل حياة المواطنين لعذاب حقيقي وترغم الكثير منهم للترحال واللجوء للدول المجاورة.

لقد أصبحت حياة السودانيين قطعة من الألم ما بين لجوء مرغمين عليه وبقاء قد يكلفهم حياتهم، بخلاف انهيار منظومات الصحة والتعليم والمرافق داخل السودان، ومن المؤسف أن يتم هذا الاقتتال الدموي بين أبناء الشعب الواحد، وقد شهدت منطقتنا العربية صراعاً دامياً خلال حرب غزة التي استمرت عامين، قضى خلالهم أكثر من 60 ألف فلسطيني نحبه، وتحول أكثر من 150 ألفا إلى جرحى ومعاقين بسبب الاعتداء الإسرائيلي الآثم المدعوم من الولايات المتحدة، حتى فوجئنا بالمجازر الدامية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق أبناء الشعب السوداني، مما يجعل المنطقة في مرحلة اضطراب مستمر.

يأمل البعض في تدخل دولي قد يسهم في إنهاء تلك الحرب الشعواء في السودان، غير أنه باستقراء التاريخ فإن المنظمات الدولية يقتصر دورها على الشجب والاستنكار وحث كل طرف على ضبط النفس، لقد تسبّبت تلك الحرب في نزوح داخلي مكثف في السودان نفسها من منطقة لمنطقة بحثاً عن مناطق قد تكون أكثر أمناً، غير أنه في الحرب الأهلية لا توجد مناطق آمنة، فكل إقليم معرض لأن يقع ضحية تلك الحرب التي تشبه السرطان؛ فلا تقع في مكان إلا وتنتشر خلاله بشكل سريع وخبيث، وكل طرف في الحرب يسعى للاستحواذ على المزيد من أراضي خصمه، وها هي قوات الدعم السريع تتهيأ لدخول كردفان، مما يعني أن ما شهدناه في الفاشر سيتكرر مرة أخرى في كردفان، لقد تسببت الحرب في قتل مئات الألوف وإصابة أعداد أكثر من ذلك بكثير، كما تسبب في حدوث المجاعات وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية بالتوازي مع انهيار الخدمات الصحية، وكل هذه المآسي هي نتاج مباشر للحروب الأهلية التي يذهب ضحيتها المواطن أولاً وأخيراً.

00:12 | 14-11-2025

هل تنجح العقوبات ضد روسيا؟!

في أكتوبر الماضي اعتمدت المفوضية الأوروبية حزمة جديدة من العقوبات الدولية ضد روسيا، وقد تنوعت العقوبات ما بين عقوبات اقتصادية وعسكرية في محاولة لإثناء روسيا عن المضي قدماً في الحرب ولقبول السلام مع أوكرانيا، وهو الأمر الذي استقبلته روسيا -كالمعتاد- بفرض عقوبات مضادة ضد الاتحاد الأوروبي، ومنذ أن بدأت الحرب الروسية - الأوكرانية تم فرض العديد من حزم العقوبات الدولية على روسيا، غير أنه مع دخول الحرب عامها الرابع لا يبدو أي ضوء في الأفق لإمكانية وقف تلك الحرب التي لم تؤثر على العالم الغربي فحسب، بل أثّرت على العالم كله.

في واقع الأمر يبدو ظاهرياً أن فرض العقوبات هدفه إجبار روسيا على أن تصرف نظرها عن التوقف عن خوض هذه الحرب، غير أنه في الواقع العملي يمكننا بوضوح اكتشاف أن العقوبات الدولية لكي تنجح وتؤتي ثمارها لابد من توافر عدة عوامل لا يتوفر أي منها في الصراع الروسي-الأوكراني، ولعل أحد أهم هذه العوامل هو موقف الدولة التي تخضع للعقوبات؛ هل يسهل إخضاعها أم لا، فروسيا –الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي- كانت ولازالت القطب العالمي المناوئ للولايات المتحدة، وهي تملك ترسانة عسكرية ضخمة بخلاف امتلاكها للسلاح النووي أيضاً، وذلك بخلاف مساحتها الجغرافية الشاسعة وامتلاكها للكثير من الموارد والمعادن الثمينة، كما أن روسيا لم تبعد كثيراً عن مجال التصنيع والابتكارات الحديثة، وعلى المستوى السياسي تجمعها علاقات دبلوماسية طيبة بالعديد من الدول.

يبدو أن روسيا ليست من الدول التي يسهل إخضاعها أو لي ذراعها بسهولة كبعض الدول الأخرى التي يسهل خنقها بمجرد التلويح بسلاح العقوبات الدولية، ومن جهة أخرى لإنجاح العقوبات على روسيا يجب أن تشارك كافة دول العالم في فرض تلك العقوبات ولا تقتصر على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فحسب، وهو ما لم يحدث، فعلى سبيل المثال فقط وليس الحصر لاتزال الصين تحتفظ بعلاقات جيدة مع روسيا، كما أن هناك العديد من الدول التي لا تزال تتعامل مع روسيا وتستورد منها وتصدّر لها كالهند وكوريا الشمالية والصين وإيران، ولهذا فقد تمكّنت روسيا بسهولة من الالتفاف حول سلاح العقوبات الدولية.

من المؤكد أن الكثير من الأطراف حاولوا إيقاف الحرب بطرق شتى ومن ضمنها السعي لفرض عقوبات ضد روسيا، غير أنه من الواضح أن هناك العديد من الأطراف التي يبدو أنه لا يهمها وقف الحرب على الإطلاق، ومن ضمن هؤلاء بعض الدول التي قامت بدعم أوكرانيا عسكرياً، فالدعم العسكري لأوكرانيا لن يوقف الحرب بل سيطيل زمن الحرب وسيزيد من معاناة مواطني كلا الدولتين وبقية دول العالم معهم، فالدعم الأوروبي والأمريكي لن يسهم في فوز أوكرانيا ولكنه قد يمنع هزيمتها، وفي كل مرة يتم توفير دعم عسكري لأوكرانيا يزداد الطرف الروسي تعنتاً فتزداد مقاومته وشراسته وعدوانيته أكثر فأكثر.

من المؤكد أن هذه الحرب لن تتوقف إلا إذا استشعر طرفاها لهيبها، ولو عدنا بالتاريخ قليلاً للوراء للحرب العراقية الإيرانية التي دارت وقائعها في ثمانينات القرن الماضي، فسنجد أنه خلال تلك الحرب قامت العديد من الدول والأطراف بتوفير الدعم لكل طرف، وفي واقع الأمر لم يساعد هذا الدعم في انتصار طرف على طرف، وكل ما قدّمه هو منع هزيمة طرف إزاء الطرف الآخر، ولذلك بعد مرور ثمانية أعوام مريرة وبعد فقدان مئات الألوف لحياتهم انتهت الحرب فقط عندما استشعر الطرفان فداحة خسائرهما وانهيار بناهما التحتية ودمار اقتصاديهما.

من الواضح أنه إن لم يحتكم كلا طرفي الحرب في الصراع الروسي الأوكراني للعقل والمنطق فإن الحرب لن تتوقف إلا عندما تقضي على الأخضر واليابس في كلتا الدولتين، فالحرب مرشحة للاستمرار ومن المستبعد تماماً أن تستسلم روسيا التي من الواضح أنها لا تفكر إلا في كيفية الإفلات من العقوبات والالتفاف عليها، ولكنها لا تفكر إطلاقاً في الاستسلام، كما أن أوروبا يبدو أنها لا تعتزم التوقف عن دعم أوكرانيا قريباً هي الأخرى، وتبقى الكرة في ملعب الولايات المتحدة التي يبدو موقفها متردداً ما بين الاستمرار في دعم أوكرانيا أو إيقاف الدعم عنها، وما بين الوقوف في صف الرئيس الروسي تارة والوقوف ضده تارة أخرى، وخلال كل هذا لا يبدو أن سلاح العقوبات الدولية له أثر كبير أو فعّال في إيقاف تلك الحرب التي تبدو بلا نهاية.

00:16 | 7-11-2025

اعتقال رئيس!

تسعى الإدارات الأمريكية على اختلافها لفرض هيمنة الولايات المتحدة السياسية والعسكرية على دول العالم شرقاً وغرباً، وغالباً ما تتخذ هذه الهيمنة ذرائع شتى، بل إنها لا تتردد في اتخاذ إجراءات بعينها بعيداً عن قرارات المنظمة الأممية ومجلس الأمن في حال وجدت صعوبة في الحصول على تأييد كافٍ لتوجهاتها، ولعل احتلالها للعراق العام 2003 لإسقاط النظام العراقي وقتئذٍ لأبلغ مثال على مثل هذه التوجهات، فالولايات المتحدة ليست مجرد قوة عظمى تقتصر اهتماماتها على الداخل الأمريكي فحسب، بل هي لاعب قوي ومؤثر يسعى لأن يدير شؤون العالم أجمع وفقاً لمنظومة قيمه الخاصة.

من الواضح أن التدخل العسكري الأمريكي في القارة الجنوبية ليس بجديد ولا مستحدث، فالولايات المتحدة ترى أن هذه المنطقة تمثّل امتداداً طبيعياً وجغرافياً لها قبل أن تكون بوابة لأمنها السياسي والقومي والعسكري، وهي ترى دوماً بأن تلك المنطقة تجلب المخدرات والإرهاب للداخل، لذا تسعى باستمرار للتحكّم في أنظمتها السياسية الحاكمة، ولعل أبرز الحوادث السياسية خلال العقود القليلة الماضية كانت في بنما، عندما قامت القوات الأمريكية باعتقال رئيس بنما السابق مانويل نورييغا بتهم ضلوعه في الاتجاربالمخدرات وغسل الأموال وذلك بعد غزو القوات الأمريكية لبنما في 1989، وقد تمّت محاكمته في الولايات المتحدة وحكم عليه بالسجن لمدة 40 عاماً خفّضت إلى 17 عاماً لاحقاً.

من المؤكد أن التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة الكاريبي التي تشهد توترات حالية لمطاردة تجار المخدرات في فنزويلا تحاول إعادة رسم خارطة المنطقة والقوى العالمية المؤثرة فيها مرة أخرى، فها هي الولايات المتحدة تعيد الجدل من جديد إزاء واحدة من أشرس المعارك السياسية التاريخية في العالم خلال حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق؛ حين سعى كل معكسر للإضرار بالدول التي تنتمي للمعكسر الآخر عوضاً عن الصراع المباشر بين القوتين العظميين حينذاك، وهو ما ترك بصماته الواضحة على العلاقات بين دول العالم خلال تلك الآونة، وعرّض العالم لأزمات متكررة حتى كاد الصراع العسكري يندلع بالفعل بل ويتحوّل لحرب نووية كما حدث خلال أزمة الصواريخ الكوبية 1962.

يؤمن الرئيس دونالد ترمب بما يصطلح عليه المحللون السياسيون بالسلام القوي، وهو ما يعني إحلال السلام بالقوة حتى وإن استدعى الأمر التدخل العسكري المباشر، ويريد الرئيس ترمب من العالم أن يؤمن بأنه رجل السلام الذي حلّ العديد من الصراعات السياسية في وقت قياسي، لذلك فهو لم يتردد عن اتهام الرئيس الفنزويلي بأن بلاده مستمرة في تهريب المخدرات، كما اتهم الرئيس الكولومبي أيضاً بأنه شرير وزعيم عصابة مخدرات، وهو ما تنفيه بالطبع الدولتان اللتان تسعى كل منهما بكل جهدها لتفادي نشوب حرب عسكرية بين أي منهما وبين الولايات المتحدة، ويحاول رئيساها أن يتحلى كل منهما بالصبر وسعة الأفق إزاء تلك التصريحات السياسية المستفزة التي تتعارض مع كافة البروتوكولات والأعراف الدبلوماسية.

التحرك العسكري الأمريكي الأخير لا يعدّ غريباً أو غير مسبوق، بل هو تحرك أمني معتاد دأبت على تطبيقه الولايات المتحدة الأمريكية على مدار تاريخها الحديث وباختلاف كافة إداراتها سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، ويحبس العالم الآن أنفاسه مع تصاعد الأحداث في منطقة الكاريبي بعد سلسلة الضربات العسكرية التي وجّهتها الولايات المتحدة لعدد من الزوارق التي تتهمها بالاتجار في المخدرات والتي قتلت على متنها العشرات حتى لحظة كتابة هذه السطور، مع التلويح بإمكانية الدخول البري لفنزويلا، فهل تكشف الأيام القادمة عن مفاجآت جديدة ويتكرر سيناريو الاعتقال الذي لحق برئيس بنما حيث تغزو الولايات المتحدة فنزويلا وتقتاد مادورو لساحات قضائها حيث يحاكم هناك؟ أم أن الأمر سوف يقتصر على تلك المناوشات التي سرعان ما ستختفي وتتآكل بمرور الزمن.

00:12 | 31-10-2025

هل ينجح ترمب؟!

منذ أن بدأت الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي ترمب لم يخفِ يوماً رغبته العارمة والمتقدة والملحة في الحصول على جائزة نوبل للسلام، ولم يترك فرصة إلا واستغلها ليعلن أحقيته في الحصول على تلك الجائزة المرموقة التي حظي بها الكثير من زعماء ورؤساء العالم من قبله، ولم يدخّر في أي مرة وسعه في شرح أسباب أحقيته في الحصول على تلك الجائزة موضحاً جهوده العديدة في وقف العديد من الحروب حول العالم، مبدياً رغبته في أن يتم تثمين جهوده ومساعيه ومنحه نوبل للسلام.

يعتقد الرئيس الأمريكي أنه تمكّن بالفعل من إنهاء العديد من الحروب بسبب جهوده الحثيثة، ولعل خطته التي قامت إدارته بوضعها لإنهاء الحرب في غزة وإعادة المختطفين الإسرائيليين ووقف القصف ضد المدنيين العزّل في القطاع المنكوب لدليل واضح على رغبته الجادة في إنهاء هذا الصراع المشتعل منذ العام 2023، غير أن خطته للسلام واجهت –كما هو متوقع- الكثير من الخروقات من الجانب الإسرائيلي، فإسرائيل لم تتوقف شهيتها عن القتل، فهي لا تزال تقصف وتقتل الفلسطينيين في قطاع غزة، وعلى الرغم من إعلان ترمب انتهاء الحرب بشكل رسمي بين إسرائيل وحماس إلا أن نتنياهو يرفض التصريح بأن الحرب انتهت بالفعل، بل ويصر على أن الحرب لم تضع أوزارها بعد.

غير أن التحدي الأكبر الذي يواجه ترمب هو الحرب الروسية الأوكرانية والتي لا يبدو لها نهاية قريبة أو متوقعة على الرغم من التفاوت الواضح في ميزان القوى بين البلدين، وقد شهدت هذه الحرب الكثير من العقبات والتحديات التي أطالت أمد الحرب على نحو غير متوقع، مستنزفة موارد كلا الدولتين، وكلما اقترب الطرفان من نقطة اتفاق مشتركة تعود الأمور لما كانت عليه قبل التفاوض وكأنه لا أمل في التوصل لحل سلمي بين الدولتين.

من المؤكد أن الولايات المتحدة ليست مجرد دولة عضو في الأمم المتحدة تقوم بالتفاوض كوسيط بين طرفين متصارعين، بل هي لاعب دولي مؤثر وقوة عالمية بالغة النفوذ والقوة، وذلك لما لها من ثقل سياسي ووزن اقتصادي لا يستهان بهما، ولا شك أن الولايات المتحدة تمارس نفوذها لإيقاف هذه الحرب المشتعلة، لكن تعنت الطرفين يحول دون ذلك، حيث إن التحدي الحقيقي هو إقناع الطرفين بقبول التفاوض والتوصل لحل وسط يرضي جميع الأطراف، فالضغط واستخدام القوة قد يوقف الحروب لفترة من الزمن طالت أو قصرت، ثم تعود لتشتعل بعدها في أعقاب أي موقف بسيط، فالسلام الهش كثيراً ما يسهل كسره وتفكيكه لتندلع الحروب مرة أخرى بنفس شراستها السابقة.

لا شك أن السلام الحقيقي هو ذلك النوع من السلام الذي يعتمد على رغبة كل من الطرفين في إقرار السلم وإنهاء الحرب عن رغبة صادقة، وفي واقع الأمر يعد إرساء السلام بين هاتين الدولتين أمراً يصعب تحقيقه، فروسيا ترى أن لها حقاً تاريخياً في تلك الأراضي التي كانت يوماً ما خاضعة للنفوذ السوفييتي مما يخوّل لها الاستيلاء على جزء من أراضيها، في الوقت الذي تطمح فيه أوكرانيا للتخلص من النفوذ الروسي والانتماء لأوروبا، ولعل روسيا تريد استعادة إمبراطوريتها على حساب الأراضي الأوكرانية، في الوقت الذي تسعى فيه أوكرانيا للتخلص من التبعية الروسية.

من المؤكد أن الكثير من أسباب الحروب معقدة ولا يصرح خلالها كل طرف بأسبابها الحقيقية، فلكل حرب أسباب معلنة وأسباب خفية، وهو الأمر الذي يُصعِّب من عملية التفاوض، غير أن المفاوض الذكي يستطيع أن يلمس بحكمته الأسباب الحقيقية وراء اندلاع الصراع ويتمكّن من مخاطبتها والوصول لحل يحقّق النسبة الأكبر من أهداف كل طرف، ولا شك أنه كلما طال أمد الحرب كلما زدات خسائرها وتعمّقت، فعامل الوقت ليس في مصلحة أي طرف، لذلك فقد ينجح الرئيس ترمب فعلاً في الحصول على جائزة نوبل العام القادم إن تمكّن فعلاً من إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية وإيقاف حرب غزة تماماً، فليس أمام ترمب سوى السعي بجدية لتحقيق هذا الإنجاز الصعب ليتمكن من الحصول على جائزة نوبل 2026.

00:04 | 24-10-2025

الأرض المحروقة!

عقب التوصل لاتفاق لإيقاف الحرب والسعي لإنهاء النزاع بين حماس وإسرائيل في محاولة جادة لوقف ذلك الصراع الذي امتد لعامين، قتل فيهم عشرات الألوف وجرح مئات الآلاف، وبات القطاع في حالة دمار شبه كاملة، بعد أن تم تدمير الغالبية الساحقة من البنى التحتية والمرافق الأساسية وتم قصف المستشفيات والمدارس، وتوقفت الحركة في القطاع الذي خلا من كل شيء عدا أصوات القصف ورائحة الموت التي انتشرت في كل ركن وزاوية في قطاع غزة المحاصر، في واحدة من أكبر المآسي البشرية التي مرت على المنطقة، ومن المؤسف أن يكون كل ذلك قد تم على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
عقب مرور عامين عصيبين ليس فقط على سكان قطاع غزة بل على المنطقة ككل، في حروب طالت لبنان وسوريا واليمن وإيران، تم السماح أخيراً بعودة مئات الآلاف من سكان القطاع لديارهم التي لم يعد لها أثر، فقد أضحت ركاماً موحشاً بعد أن كانت تعج بالحياة والحركة من قبل سكان القطاع قبل عامين فحسب، لقد تحوّلت البيوت إلى أنقاض وغدا مجرد النجاة من المجازر الوحشية إنجازاً عظيماً يستحق الاحتفاء.
لا شك في أن جزءاً لا يستهان به من تلك المنازل المدمرة والمرافق المهدمة قام الجيش الصهيوني بتدميرها وقصفها عمداً، لئلا يتمكّن السكان من العودة لسكناها مرة أخرى مما يزيد من تعثر عودة سكان القطاع له واستقرارهم فيه، فإسرائيل لا تخفي شعورها بالنقمة والحنق لمجرد رؤية فلسطيني واحد يعيش بجوارها، فماذا عن أكثر من مليوني فلسطيني يقيمون ويستقرون بالقرب من حدودها؟! لذلك لا يخفى على أي متابع الهدم العمدي الاعتسافي لمنازل سكان القطاع على مدار عامين من الاقتتال الدامي، ولم تقتصر آلة الحرب الإسرائيلية على قصف وهدم منازل سكان قطاع غزة بل طالت منازل الفلسطينيين من سكان الضفة أيضاً، فسياسة هدم منازل الفلسطينيين جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الإسرائيلية في الاستحواذ على الأراضي العربية، وهو أمر مثبت تاريخياً وتؤكده الوقائع يوماً بعد يوم.
تابعت كغيري -عبر العديد من المواقع الإخبارية- وقائع عودة سكان القطاع لديارهم المهدمة، وقد اتضح بشكل تام أن قسوة آلة الحرب الإسرائيلية ووحشيتها التي طالت سكان غزة قد فاقت كل التصورات، ومن المؤكد أن جيش الاحتلال قام بتبني وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة بشكل ممنهج وليس عشوائياً، فبعد محاولاته العديدة والمستميتة واليائسة والفاشلة لتهجير وتوطين سكان القطاع لأي مكان خارج القطاع وبأي ثمن، لم يجد أمامه من حلول وحشية سوى هدم المنازل وتسويتها بالأرض حتى لا يستفيد منها سكان القطاع حال عودتهم.
يدور الحديث الآن في أروقة السياسة عن تفاصيل المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تشمل حكم غزة وإعادة إعمارها، وفي واقع الأمر لا أعلم عن أي إعمار يتحدثون، فقد تم تدمير ما يقارب من 80 % من مقوّمات الحياة في القطاع سواء كانت بنى تحتية أو مرافق أو مباني سكنية أو مستشفيات أو مدارس، فقد أضحت غزة مدينة مدمرة بمعنى الكلمة، الكثير من أحيائها غير صالحة للسكنى، ولقد تمنيت أن يزور القطاع هؤلاء الساسة والمسؤولون الغربيون الذين لطالما دافعوا عن إسرائيل وعن سياساتها الخرقاء، ويتجولون بين أحيائها وشوارعها المدمرة ليتيقّنوا بأنفسهم مما آلت إليه الأوضاع والأمور، ويعرفون حق المعرفة حقيقة من كانوا يدافعون عنهم.
من الواضح أن النهج الوحشي في تدمير القطاع عمداً وتقويض بنيته التحتية ومرافقه الأساسية وجعله مكاناً غير صالح للحياة ليس تجنّياً على إسرائيل ولا حتى مجرد استنتاج تحليلي لسلوكياتها الدموية في القطاع، فقبل أسابيع صرح وزير المالية الإسرائيلي المعروف بتطرّفه وتصريحاته المستفزة بأن تدمير القطاع متعمد وله هدف؛ وهو تدميره بهدف استيطانه لاحقاً، وهو التصريح الذي لخّص النهج والإستراتيجية الإسرائيلية الكامنة وراء الهجوم الشرس على قطاع غزة، ولعل نهج إسرائيل في تدمير القطاع يوضح جلياً سلوكها في اتباع سياسة الأرض المحروقة في كافة الحروب التي خاضتها.
00:08 | 17-10-2025

هذا الرجل لا يعرف المستحيل..!

لعقود طويلة ظلت الحركة الفنية والنهضة الثقافية والأدبية في المملكة محدودة، وذلك على الرغم من الإرث الثقافي والفني والأدبي الثري الذي طالما تميّزت به المملكة على مدار تاريخها الطويل، فالمملكة منارة عريقة في صرح الثقافة العربية ككل، غير أنه على الرغم من هذا الثراء والتنوع والعمق في العديد من المجالات الإنسانية لم تشهد المملكة نهضة فنية قوية أسوة بغيرها من الدول العربية الأخرى، وذلك حتى فترة زمنية قريبة جداً، وعلى نحو حرمها من الكثير من المزايا التي تستحقها على كل من الصعيد الفني والأدبي والحضاري.

تأخرت الحركة الفنية في المملكة عن مكانتها التي تستحقها بسبب العديد من الأسباب؛ لعل أهمها هو تغلغل فكر الصحوة مما نتج عنه فرض الكثير من القيود سواء على المواهب الفنية الشابة أو على تأسيس كليات ومعاهد فنية قادرة على استقطاب الكفاءات الفنية وصقلها لتتمكّن من إثراء الحركة الفنية بالمملكة، هذا الفكر حرم المملكة –بدوره- من الإسهام بشكل فعّال في إثراء الحركة الفنية العربية بما تملكه من مواهب وإمكانات عديدة في العديد من المجالات، وحرم المملكة نفسها من المشاركة الثرية في تحوّلات الحراك الثقافي والفني بصوره المختلفة.

لا شك أن مقاومة هذا النمط من التفكير المتشدّد لم تكن بالأمر البسيط ولا الهيّن، فقد تطلب الأمر إرادة صلبة وحسماً غير مسبوق، ولا شك أن النهضة الحديثة التي بدأت تتميّز بها المملكة كانت بحاجة ماسة لعنصرين أساسيين: وهما رؤية واضحة وطموحة كرؤية 2030، وحسم وانضباط في التنفيذ لضمان تحقيق وتنفيذ الأفكار الخلاقة والخطط الطموحة، وقد كان المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه على قدر المسؤولية، حيث تمكّن بفضل الله من رسم مستقبل المملكة الفني والترفيهي على نحو يمكّنها من تبوؤ مكانتها التي تستحقها، وبما يتفق مع أهداف وغايات رؤية 2030 الطموحة.

من المؤكد أن حصر كافة إنجازات ونجاحات تركي آل الشيخ في هذا الصعيد ليست بالمهمة السهلة، فقد تم تحقيق الكثير من النجاحات المتوالية، فالرجل بدأ مسيرته المتألقة باستبعاد كلمة مستحيل من قاموسه، ومنذ توليه رئاسة الهيئة العامة للترفيه تمكن من صنع نقلة نوعية في قطاع الترفيه، ولم تقتصر هذه النقلة النوعية على إطلاق عدد من الفعاليات أو الأنشطة أو المبادرات الفنية الفردية فحسب، بل أصبح إطلاق تلك الفعاليات (مثل موسم الرياض وموسم جدة) بمثابة بطاقة هوية فنية للمملكة، تستقطب من خلالها مشاهير وصناع هذا المجال، وهو ما حوّل المملكة لواحدة من أكبر الوجهات الفنية إقليمياً بل ودولياً أيضاً، وجعل المملكة قبلة لكبار ومشاهير هذه الصناعة.

من الواضح أن التأسيس لنهضة فنية لم يكن مجرد فكرة عابرة في تفكير تركي آل الشيخ، فالهدف ليس مجرد استقبال فعاليات فنية ورياضية على أراضي المملكة، بل توطين تلك الأنشطة والفعاليات وتحويلها لجزء لا يتجزأ من هوية المملكة الفنية والثقافية، وهو ما نراه متجسداً في إطلاق منصات ومسابقات مستدامة، كما أن سعيه الحثيث للتعاون مع منصات الترفيه العالمية المرموقة جعل المملكة شريكاً استراتيجياً عن حق في مجال الترفيه الفني والرياضي.

رغم التحديات التي واجهها تركي آل الشيخ في تطوير الحركة الفنية والترفيهية في المملكة إلا أنه واجهها ببسالة محارب، فهو لم يتنصل يوماً عن مسؤولياته ولم يدر ظهره أبداً لأي مهمة أسندتها له الدولة عند توليه قطاع الترفيه في المملكة، وقد استثمر الثقة التي منحتها له الدولة في تطوير النهضة الفنية في المملكة بأفضل طريقة ممكنة، ولا شك أن الدور الذي قام –ويقوم- به تركي آل الشيخ لا يمكن قصره على مجرد رئاسة هيئة رسمية بالمملكة؛ فالرجل يعيد رسم ملامح المملكة الفنية دولياً وإقليمياً ومحلياً.

وبخلاف إسهام إنجازاته في تنشيط مجال السياحة الداخلية يعيد دوماً اكتشاف المواهب السعودية الشابة بقدراتها الفنية الاستثنائية، ليرسم من جديد ملامح مستقبل المملكة الفني ويعظم من مواردها الفنية المبدعة والخلاقة. ومن الملاحظ أن الإنجازات الترفيهية التي تمّت بنجاح خلال الآونة الأخيرة بالمملكة تتعدى دعم الأنشطة المسرحية والموسيقية والغنائية والدراما ومجال صناعة الإنتاج السينمائي والعروض الفنية، على تنوعها واختلافها، إلى مجال رسم وتنفيذ السياسات الاستراتيجية التي تقدّم المملكة للعالم كوجهة ثقافية وترفيهية عالمية.
00:16 | 10-10-2025

وانتصرت فلسطين!

على الرغم من التعاطف الدولي الذي حظيت به إسرائيل في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر ولاسيما من العديد من الدول العظمى، وتحديداً تلك الدول التي اعتقدت أنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها منعاً لتكرار تلك الأحداث مستقبلاً، وعلى الرغم أيضاً من توافد قادة وزعماء العالم لإسرائيل لتقديم التعازي الحارة لأهالي الضحايا، نظراً لعدد الضحايا والرهائن الذين تمكّنت حماس من قتلهم وأسرهم، وهو ما حدا بإسرائيل نفسها لأن تعلن أنها تخوض حرباً شاملة ضد حماس.

غير أن العالم فوجئ برد فعل إسرائيلي عنيف لم يكن منطقياً ولا متوقعاً ولا مقبولاً على الإطلاق، فقطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 700 كم متربع، ويقطنه ما يقرب من مليوني ونصف فلسطيني، أصبح مرتعاً لآلة القتل الإسرائيلية، التي تخطت مفهوم الدفاع عن النفس إلى مفهوم الإبادة الجماعية، ويوماً بعد يوم بدأت تتضح للعالم ملامح حملة الإبادة المنظمة التي تنتهجها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة والضفة الغربية، حيث تبيّن للعالم أجمع كيف اتخذت إسرائيل أحداث السابع من أكتوبر ذريعة لتهجير الفلسطينيين كخطوة لاستيطان قطاع غزة والضفة الغربية.

من الواضح أن فكرة استيطان غزة لم تغب يوماً ما عن أذهان قادة إسرائيل، وهي الفكرة المتمحورة في العقلية الإسرائيلية حتى قبل أحداث السابع من أكتوبر، والتي قدمت لإسرائيل على طبق من ذهب خطة للاستيلاء على غزة بمباركة دولية، وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي ساند إسرائيل ودعمها في بداية الأحداث، وبالفعل لم تُضِع إسرائيل الفرصة واستغلتها وشرعت في تدمير القطاع بشكل شبه كامل غير مبالية بأعداد الضحايا غير المسبوقة.

غير أن ما لم تفطن له إسرائيل هو أن حملة القمع المهولة التي انتهجتها وأسفرت عن احتجاجات شعبية واسعة في مناطق عدة بالعالم وأولهم داخل حليف إسرائيل الأكبر وهو الولايات المتحدة الأمريكية، بخلاف الدعوات القضائية ضد إسرائيل واستصدار قرارات ضد نتنياهو نفسه وضد عدد من وزرائه باعتبارهم مجرمي حرب، بخلاف النزاعات العديدة التي ظهرت بين إسرائيل والعديد من الدول التي كانت تجمعها بها علاقات طيبة من قبل، لم تتصور إسرائيل على الإطلاق أن يفضي كل ذلك لصدور وتبلور قرار سياسي، وهو قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل العديد من دول العالم ولاسيما العظمى منها.

لا شك أن قرار الاعتراف بدولة فلسطين يحمل رسائل سياسية قوية جدًا، لعل أهمها هو تقويض الحلم الإسرائيلي نفسه في محو فلسطين والفلسطينيين من المشهد السياسي، أملاً في أن تترسّخ هذه الفكرة والسياسة لاحقاً بحكم الأمر الواقعي، وينسى العالم تدريجياً وجود أي حقوق للفلسطينيين، فالاعتراف بدولة فلسطين يعني أنه سيكون لهذه الدولة وجود فعلي على بقعة محددة من الأرض (أرضهم التاريخية)، كما يعني أنه سيكون لها سفارات في مختلف الدول التي اعترفت بها، وسيتم رفع العلم الفلسطيني فوقها ليرفرف بحرية معلناً ميلاد تلك الدولة الذي طال انتظاره، وهو ما حدث بالفعل في بريطانيا، ولا شك أن المؤتمر الدولي الذي قادت جهوده المملكة العربية السعودية مع فرنسا أتى ثماره على أكمل وجه، وقد وصل عدد الدول التي اعترفت بفلسطين إلى 150 دولة حتى لحظة كتابة هذه السطور.

من المؤكد أن المزيد من الاعترافات الدولية بدولة فلسطين سيتوالى لاحقاً، أما إسرائيل التي تعلن يوماً بعد يوماً عن نيتها المبيتة في عرقلة مثل هذه الاعترافات وعدم الاعتراف بها أبداً مهما حدث، فهي للأسف لا تجيد قراءة الرسائل الموجهة لها، وكأن قادتها يعيشون في عالمهم الخاص بعيداً عن سياسات وقرارات المجتمع الدولي، وقبل أيام صرّح قادة إسرائيليون عن نية إسرائيل الحازمة في إجهاض أي محاولة لتأسيس دولة فلسطينية.

من الواضح تماماً بأن التدمير العمدي لمدينة غزة والمذابح مسبقة التخطيط التي تُرتكب ضد سكانه هدفها الأساسي تهجير الشعب الفلسطيني، فالغاية من هذه الحرب كما غدا واضحاً جدًا هو ضم غزة لإسرائيل، فحماس لم تكن يوماً المستهدف الوحيد من كل هذا الدمار والعنف الهائل، فحماس ليست أكثر من ذريعة قُدمت لإسرائيل على طبق من ذهب لتتمكن من تحقيق حلمها الخيالي وأجندتها المشبوهة، وهو ما بدأ يتبدد ويتبخر كلما أمعنت الآلة الإسرائيلية في عدوانها السافر، ليسفر عن واقع جديد تكون فلسطين قد انتصرت فيه.
00:03 | 3-10-2025