-A +A
عبد اللطيف الضويحي
لا يمكن فهم الصراع في السودان وفقا للدوافع المعلنة من قبل أطراف الحرب، ولا يمكن أن تنسجم نتائج الحرب السودانية مع الأهداف المعلنة لهذه الحرب! فما يتعرض له السودان والسودانيون أخطر وأبعد من حرب بين جنرالين متعطشين للسلطة، فهل نحن أمام نسخة محدّثة للموجة الثانية من الربيع العربي؟ أم أن الصراع في السودان انعكاس للصراع الدولي المحتدم على قيادة العالم بين أمريكا والقوى الصاعدة وأحد إفرازاته؟ أم أن ما يجري في السودان محاولة غربية لاستعادة النفوذ الاستعماري بأساليب حديثة، بعد تنامي تيارات أفريقية وازنة للتخلص النهائي من كل بقايا الاستعمار الغربي الذي بقي جاثما على صدور الأفارقة، ينهب خيراتها ويستعبد أهلها على مدى قرون حتى بعد الاستقلال، منتصف القرن الماضي؟

من المؤكد أن طرفاً ثالثاً خفياً حاضراً بقوة في ما يجري في السودان وما يحضّر للسودانيين، فمن غير الممكن تفسير الخراب والدمار والفوضى المقصودة التي تنتشر وبشكل منتظم ومبرمج على أنها من نتائج مواجهة جنرالين متعطشين للسلطة!


إن مداهمة السجون من قبل مجهولين وإخراج السجناء والمجرمين المحكومين بالإعدام من تلك السجون تحمل بصمات القائمين على مشروع الربيع العربي وقبله احتلال العراق في فتح السجون ونشر المجرمين والمحكومين بالإعدام والإرهابيين؛ بهدف خلق الفوضى والخوف وزعزعة الأمن ونزع الثقة بين الأهل والجيران وتدمير القيم الحضارية والبنى التحتية ودفع أعداد كبيرة منهم للنزوح والهجرة والتحكم بمقدرات وقرارات بلدانهم.

إن ما تعرضت وتتعرض له الأحياء السكنية والبيوت والمحلات التجارية في السودان ليس سلوكا سودانيا، ولا يمت للثقافة السودانية بصلة البتة، فكلنا يعرف الشعب السوداني المتفرد بأخلاقه ورقيه وقيمه، لكن أهداف الحرب الحقيقية لن يطول إخفاؤها فهي تمضي بنفس الخطوات الكارثية والطريق المسدود الذي وصلته الأزمة الليبية والأزمة الصومالية والسورية، والوصول بالسودان إلى دولة فاشلة، موجودة على الخارطة فقط وليس لها أي تأثير أو مقومات دولة فاعلة.

إن قطع الماء في السودان وقطع الكهرباء والاتصالات والوقود ومداهمة السجون وإخراج من فيها، بالتزامن مع حملة إعلامية غربية لترحيل الدبلوماسيين والرعايا الغربيين، مع وقوع حوادث سطو ونهب مدبّرة بالتزامن مع فتح السجون وإخراج المساجين، يهدف إلى تهجير السكان وإفراغ السودان من أهلها وتحويلها إلى دولة فاشلة، وهذا يكفي لتحقيق عدة أهداف، منها: عدم السماح لأي من طرفي النزاع بحسم المعركة والإبقاء على حالة اللا حرب واللا سلم مع توظيف واستغلال الاختلافات القبائلية أو المذهبية أو الدينية أو العرقية إلى أبعد مدى، لضمان استمرار القوى الخارجية في الهيمنة ووضع اليد على موارد السودان وتوجيهه سياسيا حسب البوصلة الدولية في الصراع الدولي للنظام العالمي الجديد، مع الإبقاء على السودان ضعيفا غير قادر على استثمار مقوماته كدولة.

علينا ألا نكتفي هنا ويجب طرح الأسئلة المحورية هنا: لماذا اختفت الشرطة التي كانت تقمع المتظاهرين؟ أين اختفت الشرطة؟ ومن أعطاها الأوامر بالاختفاء؟ ولماذا يضطر والي الخرطوم لمناشدة السكان أن يساهموا بحفظ الأمن؟ هل يعني ذلك أن البرهان أو حميدتي يعرف ويدرك المشروع الخفي المراد للسودان؟ وهل استُدرجا للحرب ووقعا في فخ الحيل الغربية كما استُدرج الرئيس صدام حسين للدخول في الكويت؟

السؤال الآخر هو هل مشروع إسقاط الدولة السودانية مصمم للوقوف عند السودان فحسب؟ وهل اختيار إسقاط الدولة السودانية كان من باب الظروف السودانية السياسية المواتية أم أن موقع السودان يؤهلها لنقل العدوى لدول الجوار العربي والأفريقي، خاصة في تصدير الإرهاب واستيراد المليشيات وتدوير المهاجرين وتغيير التركيبة السكانية حيثما يقتضي مشروع إسقاط الدول الأفريقية والعربية ذلك؟

هل هناك علاقة وصلة بين مشروع سد النهضة والمحاولة الحالية لإسقاط الدولة السودانية؟ ثم ما حجم الخطر الذي تشكله مآلات الحرب في السودان على مصر على المديين القريب والمتوسط بسبب اللاجئين بالتزامن مع الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر، ناهيك عن تأثيرات تعبئة سد النهضة على حصة مصر والسودان من المياه؟

وما تأثيرات الحرب السودانية لو استمرت على مشاريع السعودية في البحر الأحمر؟ وماذا لو انتشرت في السودان مليشيات ومنظمات إرهابية مزودة بأسلحة نوعية؟ وهل هناك أية دلالة يمكن قراءتها واستنباطها من الحرب السودانية ونشوبها بعد أسابيع قليلة من توقيع السعودية وإيران اتفاقية بكين وإعادة استئناف العلاقات بين البلدين بما يحمله ذلك الإنجاز من نجاح خارق للدبلوماسية الصينية؟