أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/236.jpg&w=220&q=100&f=webp

عبداللطيف الضويحي

تدوير رؤساء الجامعات السعودية بين التكامل والتنافس

مرت الجامعات السعودية بمحطات تاريخية مهمة بدءاً بنواة التعليم العالي سنة 1927 ثم تأسيس أول جامعة سعودية 1957 ثم التوسّع الإقليمي بفروع الجامعات، بعدها مرحلة الجامعات التخصصية ثم مرحلة جامعات المناطق، تلتها مرحلة التنافس والتصنيفات الدولية وصولا إلى المرحلة الحالية وما ترتكز عليه من حوكمة واستقلالية مالية وابتكار واستدامة.

المرحلة الحالية تتطلب قيادات جامعية متمكّنة، تستطيع مواكبة التغييرات التي تعيشها المملكة وضبط بوصلة التغيير بما يحقق مستهدفات الجامعة بالتماهي والانسجام مع مستهدفات رؤية المملكة. المتابع لأداء الجامعات في الفترة الأخيرة، يستطيع أن يرى بوضوح الجامعات التي استوعبت دورها وتموضعت، حيث يجب أن تكون محلياً وعالمياً، كما يستطيع في الوقت عينه، أن يرى جامعات لا تزال تغرد خارج السرب وتعمل ربما بلا بوصلة بل وتتمترس خلف إدارة جامعية خارج الزمن، عاجزة عن التموضع والمواكبة والتفاعل والانسجام مع الإيقاع العام للتغيير والتنمية كما هو في معظم الجامعات.

هذه المرحلة لا تحتمل الجامعة مثل هذه الفقيرة إدارياً وقيادة، لأن تعطيل أي جامعة في هذه المرحلة سوف يترتب عليه تعطيل دائرة قطرها مجتمع الجامعة خاصة جامعات المناطق، كما يترتب عليه إخراج فئات كبيرة من المجتمع خارج زمنها، في الغالب بسبب مدير جامعة ليس لديه ما يقدمه.

من هنا يصبح التدوير الإداري مطلباً أكاديمياً وتنموياً وإدارياً ملحاً، يتبيّن من خلاله ما إذا كان قصور الجامعة إدارياً وليس لسبب آخر، كما أن التدوير يحقق تلاقح التجارب القيادية للجامعات السعودية وتبادل النجاحات في فترة وجيزة، ويصقل المهارات القيادية الفردية لبعض المديرين، غير القادرين على تموضع جامعاتهم، وفي نفس الوقت يمكن أن يكون التدوير فرصة أخيرة لبعض رؤساء ومديري الجامعات المفلسين إدارياً وقيادياً، بالتخلص منهم.

يعد التدوير أحد أفضل أدوات نقل التجارب بين الجامعات وبالذات فيما يرسّخ ويعزز كل ما يدعو للتكامل بين الجامعات وكل ما يدعو للتنافس فيما بين الجامعات.

فهل العلاقة بين الجامعات السعودية هي علاقة تكاملية ومتى تصبح العلاقة تنافسية بين الجامعات؟ يمكن القول إن التكامل بين الجامعات يعني توزيع أدوار، بينما يعني التنافس بين الجامعات تحسين الأداء داخل كل دور. وهذا يعيدنا لما سبق وأن تناولته في مقالات سابقة وهو أن يكون لكل جامعة سعودية هوية أكاديمية بحثية اقتصادية حتى لا تتكرر الجهود وتلعب الجامعات أدوار بعضها بعضاً.

تتكامل الجامعات عندما يكون هدفها اجتماعيا ومعرفيا، وتتنافس الجامعات في البحث عن التصنيفات والسمعة الأكاديمية. تتكامل عندما تراعي الجامعات اختلاف التخصصات لكل جامعة بما يميّزها ويجعلها تتفرد عالمياً، فلا تتشابه تخصصاتها مع تخصصات جامعة محلية أخرى، وإن كانت بعض التخصصات تتكرر في معظم الجامعات، إنما المقصود أن تتميّز به جامعة واحدة فقط. التكامل أن تركز جامعة الملك سعود على التخصصات الطبية والصحية، وأن تركز جامعة الملك فهد للبترول والمعادن على الهندسة والطاقة والبحث الصناعي، بينما تركز جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) على أبحاث متقدّمة في الذكاء الاصطناعي والعلوم البحرية والطاقة. وهكذا تصبح كل جامعة مميّزة ومتفردة في مجالها بدل منافسة الجميع في كل شيء.

ومن هنا يكون التنافس بأن تنافس كل جامعة لتكون الأفضل داخل مجالها وليس بتقليدها غيرها مثل نشر الأبحاث جذب العقول والمواهب وعقد الشراكات الصناعية وتبني الابتكارات وريادة الأعمال بذلك تنتقل الجامعات السعودية من جامعات مكررة إلى منظومة تتكامل داخلياً وتنافس عالمياً.

00:10 | 2-12-2025

هل ينسف التواصل الاجتماعي.. نظريات علم الاجتماع؟

هل كان ابن خلدون، أبو علم الاجتماع، سيتصالح مع شبكات التواصل الاجتماعي، من منظوره العلم الذي يعد أساساً لكل العلوم الإنسانية بما فيها علم السياسة وعلم الاقتصاد وعلم النفس والأنثروبولوجيا والإعلام والتربية والقانون؟

يرى ابن خلدون أن المجتمع يقوم على العصبية والعمران والتغيير الدوري للمجتمعات، فالأسرة والمجتمع والمؤسسات المجتمعية أساس علم الاجتماع ومحور اهتمام نظريات علم الاجتماع. إذاً فعلم الاجتماع كما هو معروف محاولة فهم النظم والقيم والمعاني والرموز الاجتماعية، مثلما أنه يهتم بالعلاقة بين المجتمع والأفراد، وتأثير كل منهما في الآخر، وما إذا كانت العلاقات بين قوى المجتمع قائمة على التعاون أم على القوة و الصراع؟

بالإضافة جانب تفسير السلوكيات والظواهر الاجتماعية والفجوات بين الأجيال وذوبان الهويات الثقافية وانصهارها. فهل ما زالت نظريات علم الاجتماع صالحة لدراسة الأسرة والمجتمع والمؤسسات الاجتماعية التي تفككت أو هي في طريقها للتفكك والذوبان وفقاً للمعطيات والمؤشرات؟

يقول عالم الاجتماع الفرنسي ألان تورين بجرأة عالية، في كتابه «نهاية المجتمعات»، إن النموذج الاجتماعي الذي حكم تفكير البشرية منذ القرن التاسع عشر قد وصل في عالمنا إلى نهايته. لقد تهشّمت الروابط الجماعية في عالمنا، وتراجعت فاعلية الدول والمجتمعات والمؤسسات الاجتماعية، وتقدّمت فيه الفردية إلى مركز الفعل والتفاعل.

ويؤكد تورين أن المستقبل لن يبنى على «المجتمع» ككتلة متجانسة، إنما يتم بناؤه على الذات الفاعلة التي تبحث عن المعنى والتي تخوض صراعاتها في جبهات لا علاقة لها بالمجتمع والمؤسسات الاجتماعية المتعارف عليها.

فكيف يعمل إذاً علم الاجتماع، في ظل غياب المجتمعات وتفكك الأسرة والتجمعات البشرية. وكيف تعمل نظريات علم الاجتماع في عصر باتت فيه الأسرة والمجتمع وكافة المؤسسات الاجتماعية خارج السياق الاجتماعي أو هي في طريقها للتفكك والتشظي والذوبان في ظل استفحال العلاقات الافتراضية شبه المجهولة، وفي ظل استشراء التفاعل مع الجماعات الافتراضية العالمية ذات الاهتمام المشترك، ثم كيف يعمل علم الاجتماع تحت وطأة التأثير والمؤثرين الافتراضيين؟

هل لا يزال علم الاجتماع ونظريات علم الاجتماع صالحة للتعامل مع الحالة غير الاجتماعية الحالية والمستقبلية المتفاقمة، التي تنذر بنهاية عصر «الأسرة» ونهاية عصر «المجتمع»؟ وهل يكون ذلك مؤشراً لنهاية عصر علم الاجتماع «أبو اللوم الإنسانية» وما مصير تخصصات علم الاجتماعات في الجامعات؟ وهل علم اجتماع الإنترنت وعلم اجتماع الخوارزميات امتداد لعلم الاجتماع المألوف والمعروف أم أنها مجرد محاولات النفس الأخير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، التي فرضها حجم الصدمة ونوع الأزمة، والبروتوكولات الأكاديمية وترقيات الكادر الأكاديمي؟

00:10 | 25-11-2025

هل تأخرت جامعاتنا في الاستجابة للتخصصات الهجينة..؟!

قد لا تصمد التخصصات والمسارات التعليمية الجامعية طويلاً أمام زحف منتجات التقنية وضغط محركات سوق العمل. فمخرجات التعليم لم تعد قرار الجامعات وحدها، وتغيير هوية أغلب التخصصات والمسارات ومسمياتها وعناوينها لم يعد شأناً أكاديمياً صرفاً يختص به القسم والكلية والجامعة، وذلك تحت زحف منتجات التقنية وضغط محركات سوق العمل وعوامل أخرى كثيرة متفرعة عنها أو متأثرة بها باتت تفرض التغيير من خارج أسوار الجامعة.

بات من المسلّمات أن الذكاء الاصطناعي لا يغيّر الأدوات فحسب، بل هو يعيد تشكيل هوية التخصصات الأكاديمية والمهن، وهندسة العمل البشري. كما أن المسار العلمي لم يعد خطاً مستقيماً، بل مرن وتفاعلي ومتداخل بين مجالات متعددة يقوم ويرتكز على المهارات.

ما بين تفتيت المهن والتخصصات وإعادة بنائهما، فمهنة الطبيب أو تخصص الطب على سبيل المثال سيصبح مع البرمجة طبيباً رقمياً، ومحللاً للبيانات الصحية، وجراحاً روبوتياً. وكذلك الحال مع القاضي والمحامي والمهندس والإعلامي والتقني. عندئذ يصبح السؤال ليس (ما تخصصك؟) بل (ما مجموعة المهارات المتقاطعة والمتداخلة التي تمتلكها؟).

فأي الجامعات السعودية الأكثر جرأة لأخذ هذه الخطوة باتجاه التخصصات الهجينة؟ وهل تكون الجامعات العريقة هي المرشحة للمبادرة بحكم خبرتها ومرجعيتها التاريخية واستقلالية بعضها مالياً وإدارياً، بجانب قدراتها وإمكاناتها اللوجستية، أم أن الخطوة الجريئة ستقوم بها الجامعات الفتية التي تبحث عن تسجيل مجد لها وموقع بين الجامعات؟ وهنا أعود لطروحات سبق أن ناديت بها في مقالاتي عبر «عكاظ»، وهي أهمية وضرورة أن يكون لكل جامعة سعودية هوية أكاديمية وبحثية، وبالتالي اقتصادية، وهذا التفكير نفسه ناديت به على مستوى المناطق الإدارية السعودية الثلاث عشرة، وأهمية بلورة هويات اقتصادية لكل منها.

أخيراً، لعل هيئة تقويم التعليم تؤسس لهذا التوجه ليكون متوفراً ومتاحاً أمام كافة الجامعات ووفقاً للهويات الأكاديمية البحثية الاقتصادية الخاصة بكل جامعة تتبنى الجامعات ما يناسبها من التخصصات والمسارات الهجينة وإعادة هندسة التخصصات والمسارات الجامعية الخاصة بكل جامعة في ضوء ذلك وتبعاً لسوق الموارد البشرية الخاص بكل جامعة.

00:10 | 18-11-2025

وليمة التواصل ومجاعة العلاقات النفسية الاجتماعية..!

تقرع منظمة الصحة جرس الخطر، في تقرير لها من تدهور العلاقات الاجتماعية وانتشار العزلة وتفاقم مؤشرات الوحدة، وتحذر من تأثيرات وتداعيات كل ذلك على الصحة الاجتماعية والنفسية والصحة العامة ككل. وما يثير الاستغراب، حقيقة، أن هذه الظاهرة تأتي في الوقت الذي بلغت فيه كمية ونوعية وسائل الاتصال التي توفرها ذروتها. فلماذا تدهورت العلاقات الاجتماعية والروابط البشرية فهل إذا وصلت فيه وسائل الاتصال ذروتها، تتدنى وتتردى الروابط والعلاقات الاجتماعية بين البشر.

لماذا لم تتأثر العلاقات الاجتماعية إيجابياً وتتعمق الروابط الاجتماعية وتتحسّن نفسية الفرد بكثرة تنوع وسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة؟ هل وسائل التواصل الاجتماعي سبب في ما وصلته الحالة النفسية الاجتماعية للإنسان حسب تقرير الصحة العالمية بأن واحداً من بين كل ستة أشخاص يعاني من الشعور بالوحدة، ولماذا أصبحت الوحدة بين الشباب والمراهقين أكثر منها بين كبار السن وإن كانت خطورتها على كبار السن أكثر؟

قد تكون ظاهرة التواصل الاجتماعي أحد أسباب الحالة التي يعاني منها الشباب والمراهقون، لكن المؤكد أن هناك ظواهر أخرى أسهمت في انتشار هذه الظاهرة المقلقة والمخيفة على المدى القصير والمتوسط.

كما أن هناك اعتقاداً بأن تجربة كورونا والعزلة التي صاحبتها أسهمت في ما وصله الفرد والمجتمع من تدهور نفسي اجتماعي بما في ذلك من انحدار مستوى العلاقات الاجتماعية، كما يرى البعض أن «النيوليبرالية» التي تطرّفت بتحريض الفرد بالاعتماد على نفسه فقط والاكتفاء الذاتي نتيجة للمبالغات العالية بالحرية الفردية، كانت من بين الأسباب الجوهرية التي فاقمت الإحساس الفردي المتزايد بالوحدة وما صاحبها من معاناة نفسية-اجتماعية، والتي كان من نتائجها حتماً تآكل الروابط الاجتماعية الطبيعية التي لا غنى للإنسان الطبيعي عنها والعيش بدونها، والتي تمنح الإنسان الطبيعي المعنى والهوية والانتماء.

كما أنه ليس من باب المصادفة أن يربط البعض تأثيرات صعود الرأسمالية بما أحدثته وتحدثه من تغييرات عميقة في نفس الفرد وروابط المجتمع من تأثيرات، بما تنطوي عليه من حمى ثقافة الإنجاز الفردي المستمر والركض المحموم في دواليب الإنتاج، ما أدى ويؤدي إلى تحويل الوقت والجهد إلى أموال لا تهدر في عرف الرأسمالية، بما يعزز تضخم الفردية والتنكر لدور الآخرين.

يبدو أن الأمر ليس عابراً أو محدوداً، وهو ما جعل الصحة العالمية تعتبر «الوحدة والعزلة الاجتماعية» أكثر خطورة على الصحة من التدخين أو السمنة لارتباطهما بمخاطر على أمراض القلب والسكتات الدماغية والخرف والموت المبكر. وهو الأمر الذي دفع بعض الدول لتعيين وزراء مختصين بـ«شؤون الوحدة»، لما يعكسه الوضع من قلق متزايد للظاهرة التي قد تقوض العلاقات الاجتماعية السلمية، وتنسف مقومات النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي.

المجتمعات العربية، ومنها المجتمع السعودي، كغيرها من مجتمعات معرّضة لهذه الظواهر، خاصة أن الإحصاءات تتحدث عن أن السعوديين يقضون حوالي 3 ساعات على التواصل الاجتماعي مقارنة بالمعدل العالمي حوالي ساعتين و24 دقيقة، بالإضافة إلى معدل التغيير الذي تمر به المملكة على مختلف الأصعدة والذي يتطلب دراسات معمقة ومركبة ومستمرة لدراسة حجم وتأثير الظاهرة وتداعياتها على المديين المنظور والبعيد.

كما أننا بحاجة لخطوة استباقية في المملكة ربما تأسيس هيئة تحت عباءة مجلس شؤون الأسرة لتقديم الحلول والإجراءات والتشريعات الضرورية للتخفيف من حجم الظاهرة ومعالجة آثارها السلبية لو وجدت، بالإضافة لميزانية تخصص للدراسات والحلول المبتكرة في هذا الصدد.

00:08 | 11-11-2025

معضلة الابتكار من العقول إلى الحقول..!

لم يعد الابتكار رفاهية أو ترفاً أو وجاهةً، بعدما أصبح وسيلة البقاء الأساسية في ظل احتدام المنافسة الشرسة، وبتأثير إيقاعات السرعة الهائلة للتغيير، ومن خلال أجيال متلاحقة من برامج وتطبيقات التقنية وما تفرضه من تحديات مصاحبة.

الابتكار لا ينبع من نقطة واحدة محددة فقط، فالفضول والتساؤل هما الوقود الذي يشعل الومضة الأولى كما يعتقد، يضاف الشغف والمعرفة والجرأة على التجربة بالانطلاق دائماً مما يزعجك أو يبهجك ومن الحاجة لك ولغيرك من المجتمع، وهذا كله مع فضولك الذي يغذي البحث ويقودك دائماً إلى الوعي الشامل بأهمية ومعنى وقيمة وضرورة الابتكار لتلبية الحاجات التي جاء الابتكار من أجلها، تماماً مثلما أن هناك عوامل ومحطات مفصلية تمر بخط الإنسان الزمني ومسيرته الحياتية نفسياً وعقلياً واجتماعياً واقتصادياً تسهم مباشرة وغير مباشرة بالإسراع أو الإبطاء بتفجر الابتكار وبزوغ نجمه بحيث يرى النور.

البنية التحتية للابتكار تتشكّل من فضول واهتمام الشخص مع الحضانات الأسريّة والمدرسيّة والبيئة الاجتماعية والظروف المادية والثقافية واللوجستية لتلعب دوراً مهماً بقتل الابتكار أو ميلاده وانطلاقته. فليس صحيحاً أن العباقرة والأذكياء فقط هم المبتكرون. فإذا البذرة الصحيحة لا تكفي لإنبات نبتة طبيعية من غير تربة صالحة وقبل ذلك وبعده الري بالماء، يمكن فهم الظروف والعوامل التي تقف وراء وخلف وبجوار وأمام أي ابتكار.

لا بد أن ندرك أن عشرات آلاف الابتكارات لم ترَ النور للأسف؛ لأنها إما جاءت في بيئة مهنية أو اجتماعية غير مواتية، أو أنها تزامنت مع ظروف مادية ولوجستية غير مساعدة، أو أن صاحب الابتكار لم يكن جريئاً بما يكفي للوصول بابتكاره إلى حيث يجب.

المتابع للمشهد السعودي في السنوات الأخيرة، يرى تنامياً ملحوظاً لثقافة الابتكار في بعض المؤسسات الأكاديمية والمهنية والبحثية وريادة الأعمال، إلا أن اللافت في المشهد غياب أو شبه غياب لبعض مناطق ومحافظات المملكة مع غياب مؤسسات تلك المناطق بما فيها جامعة المنطقة والمؤسسات الحكومية والمهنية وروّاد الأعمال، مما يضع علامة استفهام على أسباب غياب وتكرار غياب بعض مناطق المملكة عن حراك الابتكار وأسباب عدم انخراط تلك المناطق في ثقافة وفعاليات ومنصات الابتكار إلى الآن أو الانخراط شكلياً وعلى استحياء.

أخيراً، لا يجوز حرمان بعض المناطق وطلاب بعض الجامعات من الانخراط في ثقافة الابتكار وحراك الابتكار، بسبب محدودية نظرة مدير الجامعة في المنطقة أو قدرات محدودة لمسؤول حكومي لا يرى الابتكار إلا ترفاً ووجاهة ومضيعة للوقت. فالابتكار ليس خياراً، ولذلك قد يكون الوقت حان لمساءلة المنطقة الإدارية والمؤسسات الحكومية والمهنية والبحثية فيها، إذا تكرر غياب المنطقة عن فعاليات وحراك الابتكار ومنصاته. ولا يجوز أن يبقى أبناء منطقة أو أبناء مناطق خارج ثقافة الابتكار لأسباب تتعلق بقصور رؤية هذا المسؤول أو ذاك. وفي الوقت نفسه تتم دراسة أسباب غياب أو شبه غياب بعض المناطق خاصة مؤسسات مثل الجامعات عن المشهد السعودي في الابتكار.

00:01 | 4-11-2025

مجلس شؤون الأسرة.. معدلات الطلاق ومعضلة تأخر سن الزواج..!

قد لا يكون مجلس شؤون الأسرة الجهة الوحيدة المعنية بالطلاق وتأخر سن الزواج، لكنني سأتوجه بحديثي اليوم إلى هذا المجلس كونه المؤسسة المحورية المناط بها كل ما يتعلق بشؤون الأسرة، أقدم مؤسسة عرفتها المجتمعات البشرية، التي باتت اليوم تصارع للبقاء والتماسك، بجانب الموقع التنسيقي المركزي للمجلس بين سائر المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لما يرتبط بقيم ومصالح ودور الأسرة.

الأغلبية تدرك حجم وأهمية الدور المادي والمعنوي للأسرة، وتأثير كل ذلك على أفراد الأسرة، لكن قلة ربما تدرك حجم وأهمية الدور المحوري الذي تؤديه الأسرة تجاه مؤسسات المجتمع مثل المؤسسة التعليمية والمؤسسة الدينية ومؤسسة العمل وتجاه القيم العامة والتقاليد والنظام العام.

إن النجاحات الكبيرة والأرقام القياسية التي باتت تسجلها المملكة عالمياً في ميادين الطب والعلوم والابتكارات والتصنيع وريادة الأعمال والطاقة والبيئة والتحوّل الرقمي والاستدامة وانخفاض الحوادث المرورية، لا بد أن تترافق بأرقام الحد من معدلات الطلاق ونِسب المحجمين عن الزواج، لأن استمرار ارتفاع معدلات الطلاق وتراجع أعداد المقدمين على الزواج، ينعكس مباشرة على دور الأسرة وتأثيرها كخليّة محورية في صناعة العقول والأبدان المشبعة بالاحتواء العاطفي والتوازن النفسي والهوية الشخصية، وإدارة المشاعر والدعم الإيماني والروحاني والقيمي والأخلاقي، بجانب التشجيع والمؤازرة والتكافل والمحبة، مثلما تمتلك الاحتياجات المادية الأساسية، ومثلما تدرك أهمية الثقافة والتخطيط المالي وتأمين المستقبل.

توقّعت خلال الأسابيع الماضية أن يتحدث مجلس شؤون الأسرة أو أن يصدر بياناً يفسر فيه أسباب تزايد معدلات الطلاق مقارنة بالسنوات القريبة الماضية، وظاهرة تأخر سن الزواج كثيراً لدى الشباب مقارنة بالسنوات القريبة الماضية؛ لأن الموضوع لا يتوقف عند المطلق أو المطلقة أو العانس أو الأعزب، لكن المسألة تتعلق باستقرار مجتمعي ويتعلق بأمن وتوازن طبيعي سكاني واستقرار عاطفي وقيمي وصحة مجتمعية قادرة على البقاء والعطاء وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تتمحور حول مرتكزات ثلاثة: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، ووطن طموح.

إنني أهيب بمجلس شؤون الأسرة، لمعرفتي بمستهدفاته من ناحية وكفاءة قياداته والعاملين فيه، بأن يتصدى للإجابة عن الأسئلة الصعبة التي تقتضيها المرحلة حول التحديات التي تواجهها الأسرة وفي المقدمة يأتي ارتفاع معدلات الطلاق، وتأخر سن الزواج لدى الشباب، والتوقف عند بعض مناطق المملكة التي ترتفع فيها هذه المعدلات والنسب؛ لمعرفة البعد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي في هذه الظاهرة. خاصة أن هناك إحصاءات تتحدث أن أعلى نسبة طلاق تقع في السنة الأولى من الزواج، وأن نسب الطلاق ترتفع في مناطق معينة دون سواها!

كما أهيب بالمجلس العمل على تشريعات تعين الأسرة على الصمود والاستمرار بدعم أفرادها ومؤسسات المجتمع بمقومات المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح.

00:12 | 28-10-2025

فيديوهات التزييف العميق.. صناعة الشك ونسف الحقائق..!

ضربة جديدة يتم تسديدها للعلاقات الاجتماعية البشرية، إثر سلسلة من الضربات المتراكمة التي تدفع بالإنسان باتجاه العزلة الفردية والخوف وعدم الأمان نتيجة لتدهور الثقة بالآخرين حتى بين أقرب المقربين.

لا أحد يمكنه التنبؤ بالمآلات التي ستصيب مفاصل المجتمعات البشرية، جرّاء انتشار فيديوهات التزييف العميق التي يتم توليدها من الذكاء الاصطناعي، والتي أصبحت تضيّق الخناق تدريجياً على ما تبقى من الحقيقة والتشكيك بمصادرها ومرجعياتها. وخلق عالم بديل وغريب من عدم اليقين بين بني البشر.

لا أحد يمكنه أن يتنبأ بحجم الكارثة التي يمكن أن تعيشها المجتمعات البشرية، أو تتكبّدها العلاقات بين الأفراد وبين المؤسسات وبين الدول، عندما تنعدم الثقة أو تهتز في مثل هذه الظروف غير المسبوقة، والتي سيترتب عليها الخوف والريبة والشكوك في النيات والقرارات والأفعال حتى من أقرب المقربين، فضلاً عن الحذر الدائم والترقب والتوجس، والذي سينعكس حتماً على تدهور سلوك الاتصال والتواصل والشفافية والصراحة والأمان بين الناس، والذي سيترتب عليه تفكك العلاقات الأسرية وتدهور العلاقات وتوترها.

سوف تسود الفردية وتستفحل الأنانية، وكل فرد يحتفظ بأسراره ويعمل لنفسه، ناهيك عن الجفاف العاطفي والإنساني. بجانب تدهور العمل الجماعي والتعاوني بين الناس نتيجة لاهتزاز الثقة أو انعدامها.

إن الفيديوهات المولّدة من الذكاء الاصطناعي القائمة على التزييف العميق بقدر ما فيها من احترافية في صناعة التسلية والترفيه والمتعة، إلا أنها صناعة مستقبلية تؤسس في بعض منها لعالم من عدم اليقين القائم على المزج الهجين الخطير بين الحقيقة والخيال، وهو ما ينطوي على صناعة عالم يقوّض الحقيقة المطلقة والنسبية ويزيّف الوعي ويسمّم العلاقات بالمجتمعات وبالمؤسسات ويشكّك بالتاريخ وينسف القيم والمؤسسات الرسمية بما فيها التعليم.

من الخطورة بمكان أن تتصدع ثقة الرأي العام بالمؤسسات الرسمية والشخصيات الرسمية والمصادر والمرجعيات الرسمية والمؤثرة، وهو ما يقتضي إجراءات تشريعية استباقية عاجلة للحيلولة دون تضليل الرأي العام وخلق الفوضى وعدم اليقين والتشكيك وتدهور المصداقية خاصة بين بعض فئات الرأي العام.

كما أن هناك حاجة ملحة لإجراءات تعزيز وتمكين للإجراءات الحالية، وذلك للحيلولة دون تشويه سمعة الأشخاص بصفتهم الشخصية أو المهنية أو الرسمية لخطورة تفشي مثل هذه الظاهرة ولما لها من تأثير سلبي وخطير على قدوات المجتمع وقيم المجتمع وأخلاقياته، بجانب الأثر النفسي المؤذي لتلك الشخصيات على الصعيد الشخصي والمهني والحياتي.

كما أن المؤسسة القضائية والقضاة والمحامين معنيون بهذه المشكلة بشكل خاص نظراً لما تفرضه هذه الفيديوهات على المؤسسات القضائية والقضاة والمحامين وتتسبّب به من عدم اليقين بالأدلة الرقمية في المحاكم التي تأخذ بهذه الأدلة، حيث يتعذر التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مزور في كثير من الحالات، وهو ما يهدّد مصداقية الأدلة الرقمية وينسف أسس العدالة.

أخيراً، قد تكون ظاهرة فيديوهات ما يسمى «التزييف العميق» لا تزال تؤثر في الهامش المنخفض، لكن الاحترافية حتماً ستجعل منها صناعة ذات مردود مالي كبير، كما أن الصراعات الدولية ستجد في هذا النوع من المحتوى سلاحاً فتاكاً للتلاعب من خلاله بالرأي العام لتحقيق مصالح بعض الدول من خلال خلق الاضطرابات والفتن التي تقوض الأمن والسلم الأهلي في الدول المستهدفة. وليس مستبعداً أو مستغرباً إذا ما تأكدت العلاقة بين ظاهرة الفيديوهات القائمة على أنصاف الحقائق والظاهرة المنتشرة في بعض الدول والمسماة حركة جيل Z أو جيل زد، فنحن في عصر لا مجال فيه للصدفة أو التصادف.

00:04 | 21-10-2025

جائزة نوبل.. لماذا الصخب وكيف تصدّرت الجوائز؟

سؤال يبحث في أسباب تربّع جائزة نوبل على عرش الجوائز رغم مرور 124 سنة على تأسيسها ورغم وجود العديد من الجوائز التي تفوق نوبل قيمة وشمولية ووجاهة. فلا تزال جائزة نوبل تثير مع كل موسم من مواسمها جدلاً واسعاً وتشعل المعارك الإعلامية والفكرية والثقافية في أكثر من ساحة وعلى أكثر من صعيد، بجانب أنها الجائزة الأكثر جاذبية للسياسيين والأدباء والذين يسيل لعابهم كل عام للفوز بها والظفر بتتويج مسيرتهم باسمها ووهج حضورها.
يمكننا أن نفهم هذا البريق واللمعان اللذَين تتمتع بهما جائزة نوبل لو أنها لا تزال الجائزة الوحيدة في العالم كما بدأت مطلع القرن الماضي، كما يمكننا أن نتفهم بريق ولمعان جائزة نوبل لو أنها الجائزة الأكثر شمولية لمجالات العلوم والقضايا الحيوية في العالم، أو أنها الجائزة الأكثر قيمة مالية بين الجوائز العالمية.
ولأن جائزة نوبل ليست الوحيدة في العالم حالياً وهي بالتأكيد ليست الأشمل للعلوم والمجالات والقضايا العالمية الحيوية، كما أنها بالتأكيد ليست الأعلى قيمة مادية بين بعض نظيراتها الجوائز العالمية، نطرح سؤالاً: لماذا إذاً تحظى بهذا الاهتمام والجدل الواسع في الأوساط الإعلامية والثقافية والفكرية والسياسية، ولماذا تشكّل كل هذه الجاذبية للسياسيين والأدباء والمثقفين؟
يرى البعض أن سبب الاهتمام العالمي بهذه الجائزة هو نتيجة طبيعية لأقدميتها الزمنية 1901 والتي أسّست لثقافة الجوائز العالمية ما جعلها مرجعاً لكل الجوائز، وهو ما جعل اسمها رمزاً لعلامة تلقائية مرجعية لكل الجوائز العالمية المماثلة.
بينما يربط البعض بين هذه الجائزة والفترة الاستعمارية التي تأسست خلالها جائزة نوبل والخلفية لمؤسسها والذي أراد من الجائزة أن تكفّر عن دوره في الدمار الذي تسبّبت به اكتشافاته للعالم ومن هنا تأتي أهمية هذه الجائزة.
رغم أنني لا أختلف كثيراً مع ما تقدّم من تفسيرات لأسباب أهمية جائزة نوبل وإثارتها للجدل، إلا أنني أعطي أهمية أكثر وأكبر لنوعية الفائزين بهذه الجائزة. مؤكد أن لهذه الجائزة معايير لكن من الواضح أن لها أجندات كذلك. فهناك الكثير من الانتقادات والاتهامات لهذه الجائزة بعدم الموضوعية وعدم الحياد خاصة في جائزة السلام وجائزة الآداب.
فقد وجهت لنوبل انتقادات واسعة بسبب فوز مناحم بيغن وإسحاق رابين وشمعون بيريز رؤساء الوزارة في الكيان المحتل لفلسطين.
غير أن هذا النوع من الفائزين غير المتوقعين والبعيدين كل البعد عن الفوز، هم مصدر الجدل، وقد يكون أحد أهداف اختيارهم، هو إثارة الجدل حولهم في الإعلام وفي الأوساط السياسية.
هناك خيط رفيع بين أهداف الإعلام بشكل عام وأهداف الجوائز بمجملها، رغم أن بعض الجوائز العالمية المرموقة والرصينة لا تحبذ أن تجاري الإعلام بكل إثاراته وجدلياته ومحتوياته، لكن السؤال مشروع ومطلوب حول الأسباب التي تحول دون أن تتربع جائزة بحجم وأهمية وجدية ورصانة جائزة الملك فيصل عالمياً؟ هل هو الإعلام أم هو تاريخ التأسيس؟ أم هي موضوعات الجائزة الأكاديمية نوعاً ما؟
00:00 | 14-10-2025

سؤالي للمعلم في يومه العالمي

بدأت أتحرر مؤخراً من إحدى أقدم وأسوأ الصور القليلة التي تحتفظ بها ذاكرتي ومخيلتي عن المعلم، والتي صبغت نظرتي لمهنة التعليم ككل منذ طفولتي، تلك الصورة التي تشكَّلت في الصف الرابع الابتدائي وبقيت واستمرت في اللاوعي، لا يوقظها في الوعي إلا اليوم العالمي للمعلم أو كلما جاءت مناسبة للحديث عن التعليم.

نحن لا نختار ما تلتقطه عدسة الطفولة ولا نتحكم بما تؤرشفه الذاكرة وما تستدعيه المخيلة أو ما يتم حذفه أو حتى الكيفية التي تتم فيها معالجة الأحداث والمواقف حسب تربيتنا وتنشئتنا وقدراتنا في طفولتنا وما يتماهى معها ويسهم بتشكيلها، لكن المؤكد أن أحداثاً ومواقف بعينها ولأسباب نفسية وتربوية، تستقر لدينا وتصبح بنية تحتية لقناعاتنا وتعاملاتنا في مقتبل أعمارنا.

لشدة السذاجة أو البراءة، لم أفهم سبب تعمد معلم الرياضيات في الصف الرابع الابتدائي تجاهل كل محاولاتي رفع يدي للإجابة على أسئلته في الصف، مما استدعاني أن أتنقل وأغير مكان جلوسي في ذلك الصف لأكثر من مرة علّني أفوز بسؤال من ذلك المعلم. لكن كل محاولاتي باءت بالفشل. ولم أفهم السؤال الذي لم أفهم الإجابة عليه حينها: هل يتعمّد هذا المعلم تجاهل وجودي في الصف؟ ولماذا؟ هل لديه موقف مني؟ هل تفكيري أو طريقة لباسي تزعجه؟

لم تسمح لي غضاضة التجربة حينها أن أطرح أسئلتي المحيرة أو معرفة لمن أتوجه بها، لكن الأثر في نفسي كان بليغاً، ربما وجَّه ضربة مبكرة لثقتي في نفسي وزعزع حماسي ورغبتي وإقبالي على التعليم حينها. ربما كانت ستكون الصدمة أقل وطأة لو أن معلم الرياضيات يتعامل مع الطلبة بنفس التجاهل وعدم التفاعل لهانت كثيراً. لكنه كان يسأل أغلب الأطفال وبعضهم كان يحظى بنصيب الأسد من الأسئلة في الحصة الواحدة. أما الأطفال الذين لم يتم توجيه أسئلة لهم لا أذكر إن كانوا كثيرين، ولا أعرف إن كان ذلك يريحهم، أم أنه يزعجهم كما أزعجني!

في المقابل، وهو ما يزيد حيرتي وحنقي على معلم الرياضيات، هو أن مستواي التفاعلي والتعليمي ليس سيئاً مع بقية مواد الصف الرابع ومعلمينا في الصف الرابع الابتدائي. فقد كانوا يتعاملون ويتفاعلون معي بأسلوب وطريقة طبيعية داخل الصف وخارجه، بل إن معلم اللغة العربية طلبني لأكثر من مرة لأحضر إلى الصف الخامس كي أجيب على أسئلة وجهها لبعض الطلبة في الصف الخامس الابتدائي فلم يجيبوا عليها، دلالة على أني متفاعل ولي حضور ومستوى تعليمي وتواصلي مع المعلمين الطبيعيين والأسوياء.

إن ظاهرة تفضيل المعلم لطلبة بعينهم دون سواهم داخل الصف أو خارجه، أو تحيّز المعلم ضد طلبة بعينهم وخاصة في مرحلة الطفولة سواء بقصد أو بدون قصد تستدعي وقفة جادة وحازمة من المؤسسة التعليمية. أولاً هذه الظاهرة لا بد من دراستها إذا لم تُدرس بعد، كما يجب أن يتم التعامل معها بحزم ومسؤولية لخطورتها وتأثيرها على نفسية وذهنية الطفل حاضراً ومستقبلاً. فإذا كان سلوك المعلم هذا متكرراً ومقصوداً، ففي أغلب الظن أنها حالة تستدعي العلاج، وإذا كانت غير مقصودة فيتم تنبيه المعلم لها وتمكينه من التغلب عليها، وبكلتا الحالتين، هذه الظاهرة خطيرة ويجب ألا يستهان بها، وهي غير مقبولة ويجب أن تُراقب وأن تتوقف. من المهم أن تتم توعية الأطفال وتنبيههم إلى رفض هذا السلوك وعدم القبول به، من خلال تقديم شكوى إلى إدارة المدرسة أو المختص بهذا الشأن في المدرسة. أو من خلال المنصات الإلكترونية الخاصة بذلك.

أخيراً، إنني أتألم وأتحسّر من تجربتي المريرة هذه التي تخطت الصف الرابع الابتدائي إلى ما بعده، خاصة في علاقتي بالرياضيات. ليس في نفسي أي حقد أو كراهية ضد معلم الرياضيات رغم كل ما تسبّب به لي نفسياً وتعليمياً، إلا أنني أسجل التقدير والعرفان والامتنان لكل المعلمين الذين لم يحاولوا أن ينحازوا لطلاب بعينهم أو ضد طلاب بعينهم، بقصد أو بدون قصد.
23:47 | 6-10-2025

من يحسم السباق بين الابتكارات والتشريعات؟

في ظل التغييرات الواسعة والتحوّلات العميقة التي طالت وتطال كافة نواحي الحياة البشرية وغير البشرية في السنوات الأخيرة، والتي لا تزال تلقي بظلالها على مجمل العلاقات البشرية الخاصة والعامة، لم يعد السؤال عن حجم تلك التغييرات، بقدر ما أصبح السؤال عن سرعة التغييرات ووتيرتها وقدرة البشر على التعايش الطبيعي مع تلك التغييرات وانعكاساتها في المديين المنظور والمتوسط.

لا شك أن التقنية والتحوّلات الرقمية وتطبيقات الذكاء الإصطناعي هي رأس الحربة في سباق التغيير الذي تتعرّض له البشرية والمجتمعات والعلاقات الخاصة منها والعامة.

منذ بدأت تتسع دائرة استخدام تطبيقات الذكاء الإصطناعي في مختلف الأوساط، طغت على الساحة الفكرية والاجتماعية عدة قناعات تراوحت ما بين التفاؤل المفرط والتشاؤم المفرط. فمن الخوف والتوجس والترقب والقلق والانتظار، سادت كمية من التساؤلات التي كثيراً ما تنتهي بها منابر لتبدأ بها منابر أخرى وتساؤلات أخرى في منابر فكرية أو اجتماعية خلال الفترة الماضية القريبة.

فمن الخوف مما سيتسبّب به الذكاء الإصطناعي من القضاء على فرص العمل والتسبّب برفع نسب البطالة، إلى الخوف من الإجهاز على سرية المعلومات وخصوصية الثقافات وأنماط الحياة. إلى تقويض فرص الممارسة الطبيعية للحياة البشرية، كل ذلك مقابل ما يتيحه التحول الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي من ثورة الابتكارات وريادة الأعمال والقضاء على الروتين وبطء الإجراءات والقضاء على دوائر الفساد المغلقة وضرب المصالح الضيقة، والانفتاح على الفرص والمشاريع التي كانت حتى وقت قريب حكراً على أصحاب رؤوس الأموال فحسب.

ثم جاءت موجة قوية من المطالبات بسن القوانين والتشريعات لكبح الابتكار وتنظيمها والحماية من الانفلات الذي قد يصله الذكاء الإصطناعي من مخاطر اجتماعية واقتصادية وأخلاقية. والهدف هو حماية الإنسان والمجتمع من انتهاك الخصوصية، والمساءلة والشفافية مع تحديد المسؤولية وتنظيم استخدام البيانات ومنع استخدام بيانات الناس بطريقة غير قانونية، بجانب ضمان العدالة والحياد للخوارزميات، بجانب الحفاظ على الأمن القومي ومنع استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب الرقمية. بالإضافة إلى تشجيع الابتكار.

في المقابل، سادت موجة ممن يخيفهم أن تأتي التشريعات على حساب الابتكارات فتعوق حركة الابتكارات التي هي ملعب الشباب وريادة الأعمال أمام شح فرص العمل للكثيرين. من هنا دخل تيار الابتكارات وتيار التشريعات في سباق محتدم ربما يستمر زمناً ليس بقليل.

كان المؤتمر العربي الرابع للملكية الفكرية في الشارقة الأسبوع الماضي تحت عنوان حماية الملكية الفكرية في عصر التقنيات الرقمية، الذي نظمته المنظمة العربية للتنمية الإدارية وجامعة الشارقة والجامعة اليابانية المصرية وجمعية الإمارات للملكية الفكرية، بهدف تسليط الضوء على التحديات التي أفرزتها التقنيات الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتأثيراتها على حماية الملكية الفكرية وما يتعيّن تطويره من أطر قانونية دولية ووطنية لتعزيز هذه الحماية وضمان العدالة والشفافية في استغلال المصنفات الفكرية، كان هذا المؤتمر واحداً من المنابر المهمة في رسم خارطة طريق بين عالم الابتكارات وعالم التشريعات، وقد أسعدني حضور هذا المؤتمر والمشاركة به.

كما أن المؤتمر السعودي للقانون المنعقد حالياً بنسخته الأحدث يستهدف رسم بوصلة لهذا السباق بين الابتكارات والتشريعات من خلال مواكبة التحوّلات الرقمية والتقنية والاستدامة القانونية والتشريعية وتعزيز البيئة التشريعية والاستثمارية، والمواءمة بين الممارسات القانونية واحتياجات بيئة الأعمال والاستثمار في المملكة، بجانب المساءلة والحوكمة والتميّز المهني وتبادل المعرفة والتعاون الدولي والمحلي.

السؤال الذي يدور في خلدي في هذا المناخ الماراثوني بين الابتكارات والتشريعات: إلى متى يمكن أن تبقى العلاقة تكاملية بين القوانين والأخلاقيات؟ هل يمكن أن تتآكل الأخلاقيات وينتهي دورها أمام كمية القوانين والتشريعات ونوعيتها المدفوعة بحمى الابتكارات، بعد أن بقيت العلاقة تكاملية بين القوانين والأخلاقيات لقرون من الزمن؟
00:12 | 30-09-2025