-A +A
أحمد الجميعة
تشكّلت السلطة الخامسة للجمهور - وقبلها وسائل الإعلام كسلطة رابعة - مع الواقع الجديد لشبكات التواصل الاجتماعي، والاندماج بين تقنيات الاتصال ووسائله، وما نتج عنها من محتوى عابر للحدود، وأيديولوجيا متحيّزة للأفكار، وتفاعل سريع مع ردود الأفعال، والتحول من المعرفة إلى السلوك في الاتجاه، وبناء المواقف، وصناعة التأثير في الرأي العام أثناء التعاطي مع الأحداث والقضايا والأزمات، حيث تعيدنا هذه التفاصيل كمجتمعات أو مؤسسات إلى أهمية قراءة الجمهور كسلطة لديها اليوم وسائل التعبير، والتغيير، والتفكير في نسق مفتوح بعيداً عن حسابات الرصد والتحليل والتنبؤ، وأساليب الاستجابة للتحديات والمتغيرات، حيث لا يزال الجمهور في أي مجتمع صوتاً مؤثراً، ونافذاً في الوصول إلى الحقيقة وتوثيقها، ووسيلة مؤثرة في صناعة القرار.

هناك اتجاهان يتفقان على أن هناك تأثيراً من الجمهور في شبكات التواصل الاجتماعي، ولكنهما يختلفان في حجم ذلك التأثير، ووزنه النسبي في تشكيل الرأي العام داخل المجتمع، فالأول يرى أن حجم تأثير الجمهور في شبكات التواصل الاجتماعي لا يمكن قياسه وبالتالي الحكم عليه؛ باعتبار أجندات المحتوى العابر من حسابات خارجية، والحالة العاطفية والمزاجية للجمهور، ومحدودية الوعي في الحكم والتقييم الموضوعي للقضايا المثارة، واستشراف المستقبل ومتغيراته، وهذا الاتجاه لا يؤمن أن ثمة رأياً عاماً حقيقياً يتشكّل بوزن نسبي كافٍ للتعبير بواقعية في شبكات التواصل الاجتماعي، والاتجاه الثاني يرى النقيض تماماً من أن حجم التأثير يمكن قياسه والحكم عليه، وبالتالي تقدير وزنه بحسب الموضوع المثار، ودرجة أهميته للمجتمع، وتوقيت تداوله، وتفاعل النخب المجتمعية معه.


وفي كلتا الحالتين التأثير وحجم التأثير؛ نحتاج معهما إلى رؤية مختلفة في التعامل مع الجمهور، وتحديداً من المؤسسات ذات العلاقة المباشرة معه؛ فلم يعد الإقناع مثلاً وسيلة مناسبة لجمهور اليوم مقارنة بالشراكة التي هي الأساس في التواصل الإستراتيجي، وبناء الثقة، وتعزيزها، وإدارة السمعة والمخاطر، كذلك لم يعد الأسلوب المباشر وسيلة كافية للوصول إلى الجمهور مقارنة بأساليب أخرى تكون الرسالة أو صناعة القصة من أطراف أخرى أكثر تأثيراً، وبلوغاً للهدف من المؤسسة نفسها.

هذه التفاصيل تعيدنا إلى مراجعة مهمة للمؤسسات الحكومية والخاصة في التعامل مع الجمهور، من خلال بناء خطة تواصل على أساس من الشراكة، والالتزام بقيم الشفافية والوضوح؛ لبناء المعرفة قبل السلوك الذي سيأتي كحالة تقدير من الجمهور للمؤسسة، وهنا لن يكون التأثير أو حجمه بعيداً عن الواقع لصناعة الرأي العام الموضوعي الذي يحقق المصلحة الوطنية في التطوير.