-A +A
أسامة يماني
الأمن الركيزة الأولى للحياة والاستقرار والتنمية، فلن يهنأ للإنسان شراب أو طعام دون أمن. إذاً فإن اختيار مسمى قمة الأمن والتنمية كان موفقاً ومدروساً بعناية. كما أن التحضير الجيد لهذه القمة وكافة التفاصيل والمحاور كان وراء هذه النجاحات المهمة التي ستظهر نتائجها في حالة التزام الولايات المتحدة بها كشريك استراتيجي، مع الأخذ في الاعتبار أهمية التعامل مع المتغيرات والتطورات التي مرت بها المنطقة العربية نتيجة السياسات الأمريكية التي كانت راغبة في الخروج من هذه المنطقة الاستراتيجية والبحار والممرات المائية الحيوية للعالم والتجارة الدولية.

القمة لم تعقد بهدف تحقيق زيادة إنتاج النفط، أو الحرب في أوكرانيا وإنما لأهداف أبعد تؤثر على السلام العالمي والاستقرار والتنمية. فقد وضع بعين الاعتبار الوصول إلى تفاهم على التصدي لكافة الأنشطة المهددة لأمن واستقرار المنطقة، التي أشار إليها ولي العهد السعودي، وتتلخص كما جاء في كلمة سموه:


اجتماعنا اليوم يأتي في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة والعالم تحديات كبرى.

التحديات الكبرى التي تعرّض لها العالم مؤخراً تستدعي مزيداً من الجهود الدولية.

تبني سياسات غير واقعية من خلال إقصاء مصادر الطاقة الرئيسة سيؤدي لتضخم غير مسبوق.

ندعو إيران إلى التعاون مع دول المنطقة والالتزام بمبادئ الشرعية الدولية.

ندعم جميع الجهود الرامية لحل سياسي يمني يمني للأزمة هناك.

نأمل أن تؤسس هذه القمة لعهد جديد من الشراكة الاستراتيجية بين دول المنطقة والولايات المتحدة.

اكتمال منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة يتطلب إيجاد حلول للأزمات التي تعيشها الدول.

في الماضي كان العالم يرسم مستقبل المنطقة، اليوم أكدت قمة جدة للأمن والتنمية أن من يساهم ويرسم مستقبل هذه المنطقة هم قادتها، آخذين في الاعتبار ما تتطلع له شعوب المنطقة من خلال خطط وشراكات استراتيجية لتحقيق المصالح المشتركة والاستقرار والتنمية والسلم.

إن أهم النجاحات التي حققتها قمة جدة للأمن والتنمية يمكن تحديدها فيما يلي:

1- إعادة أهمية المنطقة بعد أن اتبعت معها واشنطن سياسة الخروج منها نظراً لتغير قائمة الأولويات لواشنطن والتركيز على صراعها مع الصين، بعد أن كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أكد أنه «أغلق الباب نهائياً على النزعة الأمريكية للتدخل عسكرياً في الشرق الأوسط على نطاق واسع». حيث أكد البيان الصادر عن القمة أهمية الحفاظ على التدفق الحر للتجارة عبر الممرات المائية الدولية الاستراتيجية مثل باب المندب ومضيق هرمز. وقد صرح الرئيس الأمريكي بأنه لن يترك فراغاً في المنطقة يملأه الروس والصين، مما يؤكد عودة المنطقة لاهتمامات السياسية الأمريكية وأولوياتها. وكما جاء في البيان الختامي للقمة «رحب القادة بتأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لشراكاتها الاستراتيجية الممتدة لعقود في الشرق الأوسط، والتزام الولايات المتحدة الدائم بأمن شركاء الولايات المتحدة والدفاع عن أراضيهم، وإدراكها للدور المركزي للمنطقة في ربط المحيطين الهندي والهادئ بأوروبا وأفريقيا والأمريكتين».

2- قبول أمريكا بالاختلاف في الأجندة الثقافية ومنظومة القيم، وتأكيد استقلالية القرار الوطني والمصالح الوطنية، وهذا الأمر ستظهر آثاره في الشهور القادمة على صعيد التعاون والشراكات المستقبلية مع الولايات المتحدة الامريكية.

3- التأكيد على أن الاستقرار يتطلب حل الدولتين وإنهاء المعاناة الفلسطينية؛ لأن بقاء الوضع على ما هو عليه يصب في صالح المتاجرين والمنتفعين من القضية الفلسطينية الذين لم يقدموا لها غير المعاناة والجوع للشعب الفلسطيني وسفك دماء الأبرياء والدمار والخراب. كما أن حل القضية الفلسطينية سينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة.

4- لم تغفل القمة دور إيران المزعزع وأهمية التعاون في هذا الشأن حيث «جدد القادة إدانتهم القوية للإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، وعزمهم على تعزيز الجهود الإقليمية والدولية الرامية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ومنع التمويل والتسليح والتجنيد للجماعات الإرهابية من جميع الأفراد والكيانات، والتصدي لجميع الأنشطة المهددة لأمن المنطقة واستقرارها».

قمة جدة للأمن والتنمية نجاح باهر للسياسة السعودية، كما توضح مدى التعاون والتنسيق مع دول المنطقة، وتظهر العمل والجهد الكبيرين في التحضير والإعداد والمفاوضات التي جرت قبل القمة من قبل القيادة السعودية والتفاهم مع الدول الشقيقة لتحقيق البنية والأرضية السليمة للانطلاق نحو شراكة دائمة مع واشنطن قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.