-A +A
رامي الخليفة العلي
خرقت سكونَ ليل أربيل عاصمة كردستان العراق صواريخُ استهدفت بناء للقنصلية الأمريكية قيد الإنشاء، كما نزلت صواريخ أخرى على مقربة من مقر لإحدى القنوات التلفزيونية. وبمجرد أن انتقلت الصور عبر شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي أشارت أصابع الاتهام إلى إيران إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر مليشياتها المنتشرة في العراق تحت يافطة الحشد الشعبي. ولم تتأخر السلطات المحلية وأجهزة الاستخبارات التابعة للإقليم أو التابعة للحكومة المركزية في بغداد حتى أعلنت أن الصواريخ جاءت من خارج البلاد (في إشارة إلى إيران). ثم تلا ذلك إعلان الحرس الثوري مسؤوليته عن الهجوم باعتبار الهدف كان مركزا للمخابرات الإسرائيلية (الموساد). كانت إسرائيل قد استهدفت موقعا قرب العاصمة السورية دمشق قتل فيه عدد من عناصر الحرس الثوري وتوعدت حينها طهران أن ترد، ولكن الجبل اهتز فولد فأرا ميتا، بمعنى أن الرد الإيراني لم يقترب حتى من الفعل الإسرائيلي على فرض أن الكلام الإيراني صحيح، خصوصا أن الهجمات الإسرائيلية لم تتوقف على الأهداف الإيرانية على امتداد السنوات الماضية سواء في إيران أو في سوريا أو حتى في لبنان. لقد كان الأولى بالنظام الإيراني الرد على إسرائيل في إسرائيل وليس في الدول الأخرى، إذا كانت جادة، ولم تكن هذه الهجمات الإيرانية مجرد فرقعات إعلامية لا تأثير لها، سوى الحفاظ على ورقة التوت التي لم تنجح يوما في ستر عورة هذا النظام. استهداف القواعد العسكرية الأمريكية عقب اغتيال قاسم سليماني جاء بعد تسريبات بموعد الهجمات وأماكنها حرصت طهران على إيصالها إلى الولايات المتحدة وتلك الهجمات لم تؤد إلى مقتل أو حتى جرح أي مواطن أمريكي، وها هي اليوم إيران تكرر السيناريو نفسه باستهداف أماكن كانت تعلم علم اليقين أنها خالية من الأمريكيين فضلا عن الإسرائيليين. وكما قال الشاعر: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع.

بعيدا عن العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية حيث نسمع جعجعة فارسية صباح مساء ولا نرى طحينا، ولكن الملفت هو استخدام العراق صندوقاً للرسائل الدموية الإيرانية. لم تكتفِ إيران بأن دمرت العراق عبر مليشياتها الطائفية حيث جعلت هذا البلد يجلس على برميل بارود، قتلت رجاله ورمّلت نساءه وعمدت إلى تمزيق نسيجه الاجتماعي وأثارت النزعات الطائفية والمذهبية والعنصرية، وزرعت الفساد وجعلت الفاسدين من أتباعها وذيولها مديرين ومتحكمين بالإدارة. الاحتلال الأمريكي أعاد العراق عقوداً عدة إلى الوراء بسبب سياسة حمقاء اتبعها سيئ الذكر بول بريمر، ولكن إيران بخطابها الأيديولوجي ونشرها للحقد والكراهية وزرعها للفساد والفاسدين أعادت العراق إلى عصر ما قبل الدولة. حكومة السيد الكاظمي وبعض شركائه يريدون بالفعل انتشال العراق مما حل به، وهذا حظي بتأييد من الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودعم من المجتمع الدولي، ولكن إيران وأتباعها وقفوا لها بالمرصاد وحاول هذا النظام ويحاول على الدوام أن يغرق بلاد الرافدين ببحر من الدماء. لن تقوم للعراق قائمة إلا حين يبتعد النظام الإيراني ومليشياته عن التدخلات والصراعات، حين ذلك يبدأ عصر عراق الحضارات وهذا يوم لن يكون بعيداً إن شاء الله.