-A +A
عبداللطيف الضويحي
في مطبخ القرارات الإستراتيجية السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية لكل دولة من دول الجوار لأفغانستان ودول الإقليم والقوى العظمى، تكتظ وتحتدم الآراء والأفكار والسيناريوهات والمسؤوليات، مدفوعة بمغريات الفرصة تارة وتارة باستشعار الخطر. تتقدم هذه القوى خطوة وتتأخر خطوة، مسكونة بالخوف مما تخفيه الولايات المتحدة، ومدفوعة بالفرص الإستراتيجية السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي لا تحتمل الانتظار والتسويف بين أقدام المتنافسين وأكتافهم تارة أخرى.

صور تكتظ بها الشاشات الكبيرة والصغيرة منذ أسبوعين تتدفق بما جرى ويجري من خلط أوراق في المواقف والقرارات والتباس وتبدل أدوار وأقوال وأفعال وردود أفعال. لتجد نفسك وجها لوجه أمام سيل من الأسئلة: ما الفرق بين من يُحتلون ومن يَحتلون؟ وما الفرق بين دعاة حقوق الإنسان ومنتهكي حقوق الإنسان؟ ما الفرق بين الدول القوية والدول الضعيفة؟ وما هو الخط الفاصل بين النصر والهزيمة؟ من هو المنتصر ومن هو المهزوم؟ أمام هذه الدوامة من التساؤلات، هل نحن أمام تخطيط الفوضى أم فوضى التخطيط؟


لماذا تقرر أمريكا الانسحاب من أفغانستان، الجبهة الأمريكية المتقدمة في مواجهة الصين وروسيا، إذا كانت أمريكا بشقيها الأيمن والأيسر تُمنطق وتبرر انسحاباتها من الشرق الأوسط وانكفائها بسبب إستراتيجيتها المستجدة في الشرق الأقصى؟

يمكن للمرء تجنب الحديث عن الأضرار الإنسانية السيئة التي نتجت عن الوتيرة التي انسحبت بها القوات الأمريكية فلم يكن سجل حقوق الإنسان في السياسية الأمريكية إلا ابتزازا وتجاوزا لكل ماهو حقوق للإنسان، لكن البعد الاقتصادي للانسحاب الأمريكي يبقى لغزا محيرا من البلد الذي يزخر بالموارد!

فهل يكون الانسحاب الأمريكي، طُعماً للصين بنقل الفكر الجهادي إلى الداخل الصيني؟ أم هو إسفينٌ بين الصينيين والروس وبعض دول الجوار الأفغاني بما فيها الباكستان والهند وبقية دول الجوار؟ أم أن هذا الانسحاب يأتي استدراجاً لقوى إقليمية توسعية مثل إيران وتركيا ليتم إضعافها، بعد أن حققت كل من إيران وتركيا المرحلة الأولى من المشروع الأمريكي الإسرائيلي «الشرق الأوسط الكبير» بمعاونة «داعش» ميدانيا وإعلاميا، حيث لا يجب أن تتجاوز القوتان الإيرانية والتركية قدرة إسرائيل وأمنها أو تهددا مستقبلها؟

إن أمريكا تريد تحديث احتلالها القديم لأفغانستان باحتلال عن بعد، أي احتلال من خلال المقاولين الإقليميين لتقليل تكلفة الاحتلال والاستفادة من الذكاء الصناعي، فتتحقق التوسعة الجديدة لمشروع الشرق الأوسط «الكبير» و«الجديد» الذي أعلنت عنه كوندليزا رايس عام 2006، ذلك المشروع الذي لا يزال محاطا بالكتمان والسرية حول مداه وأهدافه وآليات تنفيذه، لكن المؤكد أن الربيع العربي بموجته الأولى كان إحدى أدوات تحقيقه. الانسحاب قد يكون الموجه الثانية للربيع العربي بنسخة محورة ومخادعة كما عودتنا الولايات الأمريكية، بحيث يتم التمويه بالانسحاب العلني من أفغانستان، ويتم نقل الجيل الثاني من المجاهدين الأفغان إلى الدول العربية التي نجت من الموجة الأولى من موجات الربيع العربي، والانقضاض عليها بطيران إيران المسير ومرتزقة تركيا، وصولا للشرق الأوسط الإسرائيلي الكبير.