-A +A
صدقة يحيى فاضل
منذ مطلع عام 2020م، تمر إسرائيل بأزمة انتخابية خانقة. إذ اضطرت، لأول مرة في تاريخها السياسي، لإجراء الانتخابات التشريعية لأربع مرات متتالية، خلال ما يقارب السنتين. أقيمت أولاً، يوم 9/ ‏أبريل/‏ 2019م، الانتخابات التشريعية الإسرائيلية (للكنيست رقم 21). وأسفرت نتيجتها عن عدم فوز أي حزب بالأغلبية المطلوبة (61 مقعداً، من 120 مقعداً). ولعدم تمكن أي حزب من تشكيل حكومة ائتلافية، تقرر حل الكنيست، رقم 21، فور تشكيلها، وإعادة الانتخابات، لعلها تسفر عن نتيجة حاسمة.

وبالفعل، عقدت الانتخابات المبكرة المعادة الثانية، يوم 17 سبتمبر 2019م، وأسفرت عن حصول تكتل أبيض/‏أزرق على 33 مقعداً، وحصول الليكود على 32 مقعداً. وبعد مفاوضات مكثفة فيما بين الأحزاب الفائزة، فشل كل من الحزبين الأكبر في إقامة حكومة ائتلافية... منهما، أو من أحدهما وغيره من الأحزاب الأخرى. لذا، تقرر «إعادة» الانتخابات التشريعية للمرة الثالثة.


وعقدت هذه الانتخابات للمرة الثالثة، في شهر مارس 2020م، للكنيست رقم 23. وتمخضت عن نتائج مشابهة لنتائج انتخابات سبتمبر 2019م. تصدرها كل من تحالف أبيض/ ‏أزرق، بحصوله على 33 مقعداً، وتكتل الليكود بـ36 مقعداً. وتمت إقامة حكومة ائتلافية من هذين التكتلين الأكبر... وانهار هذا الائتلاف، وأجريت الانتخابات الرابعة يوم 23 مارس 2021م، وأسفرت عن نتيجة مشابهة للنتائج الانتخابية الثلاثة السابقة. حيث حصل الليكود فيها على 30 مقعداً. وحصلت الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تميل للائتلاف معه على 29 مقعداً. فإن ائتلفوا، كما هو متوقع، يصبح المجموع 59 مقعداً. وفي هذه الحالة، يحتاج الائتلاف الليكودي الى عضوين، على الأقل، ليشكل حكومة ائتلافية ضعيفة، بأغلبية 61، مقابل 59 معارضة شرسة ومتربصة.

****

ويوم 5 أبريل 2021م، كلف رئيس إسرائيل «رؤوفين ريفلين» نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة. ولدى الأخير 28 يوماً، قابلة للتمديد مدة أسبوعين، لكي ينفذ هذه المهمة. وفي حالة إخفاقه، قد يكلف مرشح آخر، أو تجرى انتخابات مبكرة خامسة. ولكي يشكل نتنياهو الوزارة، عليه، كما قلنا، إقناع عضوين، على الأقل، من المعارضين لليكود، بالانشقاق والانضمام إلى تكتله، لتصبح لديه أغلبية الـ61 المطلوبة. أو استقطاب القائمة العربية المتحدة، بحزبها الإسلامي الذي انفصل عن الكتلة الرئيسة للأحزاب العربية، وفاز بـ4 مقاعد. ولكن ذلك سيقابل بمعارضة شديدة من حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف (وهو جزء من تكتل الليكود الآن) الذي يرفض ارتباط أي حكومة هو فيها بأي حزب عربي.

****

وهذا يقود للتطرق لوضع الفلسطينيين (العرب) السياسي في إسرائيل، بصفة عامة، وما يعرف بـ«فلسطينيو 48»، بصفة خاصة. فهذه الشريحة من الفلسطينيين فرضت عليها إسرائيل «الهوية» الإسرائيلية، كأمر واقع، بعد رفضهم النزوح، وترك ديارهم، وتمسكهم بأرضهم. وإسرائيل تطرد كل من لا يحمل هويتها. فاضطروا لحمل الجنسية الإسرائيلية اضطراراً. ويبلغ عددهم الآن حوالي 2 مليون نسمة، ويمثلون ما نسبته 21% من مجموع سكان إسرائيل. وهم، بذلك، يشكلون الـ«أقلية» القومية الأكبر داخل الكيان الصهيوني. وما زالت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تضيق عليهم الخناق، وتعمل على تهجيرهم قسراً. إذ تعتبرهم خطراً ديموغرافياً يهددها. كما أنها تمارس ضدهم شتى السياسات العدوانية والعنصرية، وتبالغ في إهمال البلدات العربية التي يعيش فيها فلسطينيو 48، وتحجب عنها، عن قصد، الكثير من الخدمات الضرورية.

ورغم كل المضايقات والمؤامرات الصهيونية، ما زالوا صامدين، محافظين على هويتهم الفلسطينية والعربية، ومدافعين عن الحقوق الفلسطينية، رغم اندماج بعضهم في مؤسسات الدولة. فالغالبية العظمى منهم ما زالت محافظة على هويتها العربية، ومتمسكة باللغة العربية، رغم محاولات إسرائيل تهويدها. أما عن دورهم السياسي، بعد مرور 74 عاماً على تواجدهم تحت الهيمنة الإسرائيلية، فيظل محدوداً جدا.

****

وبما أنهم «مواطنون» إسرائيليون، فإن لهم الحق في المشاركة السياسية بإسرائيل، بما فيها الانتخابات التشريعية الإسرائيلية. فحسب القانون الإسرائيلي، فإن «المواطن» الإسرائيلي هو: من أقام داخل الخط الأخضر بتاريخ 14 يوليو 1952م، أي يوم أقر الكنيست هذا القانون. ويقصد بـ«الخط الأخضر» هنا أرض فلسطين، باستثناء الضفة الغربية وقطاع غزة. والغالبية العظمى من فلسطينيي 48 تعتبر «مبادرة السلام» العربية هي المرجعية الأساسية للسلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني. وبعضهم يدعو لإقامة دولة واحدة، يتعايش فيها العرب واليهود بسلام. وهم يخوضون الانتخابات البرلمانية، عبر أربعة أحزاب وطنية توحدت فيما يسمى بـ«القائمة العربية المشتركة»، وحصدت 6 مقاعد في انتخابات 23/‏3/‏2021م. ولكن حزب «القائمة الموحدة»، والحاصل على 4 مقاعد، برئاسة منصور عباس، انشق عن هذه القائمة، بعد خلافات حادة مع البقية. والذين وصلوا إلى الكنيست منهم، استخدموه كمنبر لطرح قضاياهم الوطنية، والمطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، ومناصرة المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني.

****

والخلاصة، أن ما يسمى بـ«ديمقراطية إسرائيل» هي ديمقراطية عنصرية، تسيد اليهود المتنفذين، وتقصي غيرهم، حتى إن كانوا يهوداً. وهذه «الديمقراطية» لا تعترف بأي حقوق للفلسطينيين، وإن كانت تعطي بعض الحقوق للفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، فلسطينيو48. وفي إحصائية نشرت مؤخراً، تبين أن مجموع الفلسطينيين في العالم حتى نهاية عام 2016م، يصل إلى 12.706.000 نسمة تقريباً. منهم الـ2 مليون نسمة الذين يعيشون الآن داخل فلسطين المحتلة عام 1948م، ونسبتهم لمجموع الفلسطينيين حوالي 15%، ولهم حقوق طفيفة. وحوالي 4416000 في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويرزحون تحت الاحتلال وكل صنوف القمع والتنكيل، ويشكلون 35% من مجموع الفلسطينيين. بينما يعيش حوالى 6414000 نسمة، بما نسبته 50% من الفلسطينيين، في بلاد عربية وأجنبية. ومعظم هؤلاء لاجئون مشردون... وغالبيتهم ضحايا «جريمة العصر» (كما يسميها بعض المفكرين الغربيين) التي اقتلعت شعباً من أرضه، لتعطيها لغزاة مهاجرين من شتى الأمصار.