أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author
--°C
تحميل...
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
تصفح عدد اليوم
صدقة يحيى فاضل
نزار مدني يوضح مصالحنا الوطنية ؟!
الدكتور نزار عبيد مدني ليس دبلوماسياً مخضرماً، أو وزيراً فذاً فقط، وإنما هو أيضا أكاديمي مرموق، له مؤلفات قيّمة في مجال تخصصه (العلوم السياسية/ العلاقات الدولية). وقد جمع بين ممارسة الدبلوماسية، كمساعد لوزير الخارجية السعودي، وكباحث أكاديمي، في مجال العلاقات الدولية، لا يشق له غبار. وهذا ما يتضح في مؤلفاته الأكاديمية القيّمة، الناتجة عن بحث علمي متعمق، خاصة في شؤون بلاده العزيزة، المملكة العربية السعودية.
وأهم مؤلفاته، هذه الكتب التسعة التالية عناوينها: دبلوماسي من طيبة، قضايا ومواقف في الفكر السياسي، المستقبل: تأملات استشرافية، سعود الفيصل.. حياته وشخصيته، صدى الكلمة.. كلمات ومحاضرات، أوراق من الجعبة، تأملات سياسي متقاعد، مدخل لدراسة السياسة الخارجية السعودية، المملكة العربية السعودية وحقوق الإنسان. ومؤخراً، أصدر معاليه بحثاً قيّماً، ضمه كتاب بعنوان «المصالح الوطنية السعودية: من التنظير إلى التطبيق». وسوف نلقي الضوء على محتويات هذا الكتاب الهام، والقيّم. علما بأنني سأكتب «مراجعة كتاب» (Book Review) في إحدى الدوريات، محللاً استنتاجاته، علمياً.
****
كما يشير عنوان الكتاب، فإن معاليه بدأ بتنظير مفهوم المصالح الوطنية، كما يحددها علم العلاقات الدولية. حيث تحدث عن التأصيل النظري لمفهوم المصلحة الوطنية (في الفصل الأول). ثم طبق مفهوم المصلحة الوطنية ذاك على المصلحة الوطنية السعودية (الفصل الثاني). وفي الفصل الثالث، يتحدث معاليه عما أسماه المصالح الوطنية السعودية الإستراتيجية. وفي الفصل الرابع، يتحدث عن المصالح السعودية التكتيكية. ثم يختم بخاتمة عنوانها: نحو صياغة جديدة للمصلحة الوطنية السعودية.
وفي الواقع، فإن تنظيم هذا البحث يعتبر متميزاً وممتازاً. فالمؤلف هنا، بدأ بتعريف «المصلحة الوطنية» لأي دولة، وكما يحددها علم السياسة والعلاقات الدولية. ثم قسّم «المصلحة الوطنية السعودية» إلى قسمين: المصلحة الوطنية الإستراتيجية السعودية، والمصلحة الوطنية التكتيكية السعودية. وقدم، في نهاية بحثه، توصيات هامة عما ينبغي أن تكون عليه المصلحة الوطنية السعودية، من منطلق خبرة طويلة، وممارسة حكيمة، وولاء تام لوطنه.
****
حسم علم السياسة والعلاقات الدولية الأمر، بأن حدد أهم ما تسعى الدولة، أي دولة، لتحقيقه، خارج حدودها، فأهم أهداف السياسة الخارجية، لأي بلد، تقسّم إلى شقين رئيسيين، هما كالتالي:
- الأهداف القومية الحقيقية: كما يحددها حكام الدولة، وواضعو سياساتها الخارجية. ويلاحظ، أن المقصود بكلمة «الحقيقية»، هو استبعاد الأهداف الوهمية.. أو الأهداف التي قد تدعي الدولة (باطلاً) أنها تسعى لتحقيقها.. وهناك من علماء العلاقات الدولية (الواقعيون)، من يضغطون هذه الأهداف (مجتمعة) في هدف واحد.. هو (في رأيهم): القوة، أو السعي من أجل القوة (Struggle for Power).. والمقصود بـ«القوة» هنا، هو القوة بكل عناصرها، المادية والمعنوية.. أي القوة بنوعيها الخشن والناعم.
****
والتحليل الموضوعي لـ«المصلحة القومية» (الأهداف القومية) يوضح بأن أهم الأهداف القومية، المتفرعة من هذا الهدف الرئيسي، تتلخص في التالي:
- حماية السيادة الإقليمية للدولة، والحفاظ على أمنها القومي:
كل دولة (ممثلة بحكومتها) تسعى، بالطبع، أول ما تسعى، للحفاظ على وجودها وبقائها.. ودفع أي تهديد، حال أو متوقع، يمكن أن يهدد بقاءها، كما تريد. وقد ارتبط وجود الدولة بأمنها.. أي بعدم تهديد كيانها، وأسلوب تواجدها، ومصالحها وقيمها. لذلك، يعتبر الحفاظ على «أمن» الدولة الوطني (أو القومي) من أول الأهداف التي تسعى حكومة الدولة لتحقيقها، على الساحتين المحلية والدولية.
- تنمية إمكانيات القوة للدولة:
ويعني سعي حكومة الدولة إلى تنمية عناصر قوتها، الخشنة والناعمة، لأقصى حد ممكن، وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة.
- تدعيم الرفاه الاقتصادي للدولة:
تعمل كل دولة في العالم -تقريباً- على دعم نموها الاقتصادي، وزيادة ثرائها المادي.. فمدى قوتها، على الساحة الدولية، وبالتالي مدى قدرتها على تحقيق أهدافها، يعتمد على عدة عناصر، منها: القوة الاقتصادية. وكثيراً من دول العالم الكبرى تحاول أن تثري بشتى الطرق الممكنة، حتى ولو على حساب الدول الأخرى الأقل قوة، وخاصة الدول النامية (الضعيفة).
- تحقيق «السلام»، وفق شروط الدولة:
وربما يكون من ضمن أهداف الدولة، هو فرض السلام في منطقة أو مناطق معينة، خارج حدودها، وفق شروطها.. وبما يسهم في النهاية في تمكين الدولة من تحقيق بقية أهداف سياستها الخارجية، بتكلفة أقل.
أما الأهداف العقائدية (الأيديولوجية) الحقيقية: فهي الأهداف العقائدية (الأيديولوجية) الفعلية، التي ترمي الدولة إلى تحقيقها.. سواءً أعلنت ذلك، أم أخفته.
****
وانطلاقاً من هذا التنظير، حدد معالي الدكتور نزار، المصلحة الوطنية السعودية العليا، في النقاط التالية:
- المحافظة على وجود الدولة وبقائها وحماية كيانها السياسي واستقلالها.
- الدفاع عن الإسلام، وحماية المقدسات الإسلامية.
- تحقيق أعلى مستوى ممكن من التطور والتقدم للدولة، ومن الرفاه والرخاء للمواطنين: متلازمة النفط والاقتصاد.
أما «المصالح الوطنية السعودية الإستراتيجية»، فقد حصرها المؤلف في التالي:
- المصالح الوطنية الإستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الجنوبية.
- المصالح الوطنية الإستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الشمالية.
- المصالح الوطنية الإستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الشرقية.
و«المصالح الوطنية التكتيكية السعودية» تتجلى في التالي:
- محاربة التطرف والإرهاب.
- البعد الإقليمي للمصالح الوطنية التكتيكية: الانتماء العربي.
- البعد الدولي للمصالح الوطنية التكتيكية: متلازمة استتباب الأمن والسلم والاستقرار على المستوى الدولي، وعلاقات المملكة الدولية.
****
إنه كتاب مهم، ومواضيعه حيوية، تهم الباحثين، وغيرهم، ويستحق المزيد من الدراسة. لذا، ستكون لنا وقفة لاحقة مع هذا الفكر الراقي.
00:10 | 24-08-2025
تنافس روسيا مع الغرب المتنفذ.. !
لو لم يعتبر الغرب المتنفذ (الدول المتزعمة لحلف ناتو بخاصة) روسيا عدواً، أو خصماً أو منافساً قوياً ومختلفاً، لسعى لضمها هي الأخرى عضواً في حلف «ناتو»، لا سيما أن قادة روس طالبوا -بعد انهيار الاتحاد السوفيتي- بتفكيك حلف ناتو كما تفكك حلف وارسو -أو ضم روسيا إلى حلف ناتو- كما ضمت معظم الجمهوريات المنسلخة عن المعسكر الشرقي سابقاً لهذا الحلف. لكن قادة الناتو رفضوا بشدة مجرد التفكير في حل حلف ناتو، بعد انهيار حلف وارسو وزوال الاتحاد السوفيتي عام 1991م. بل عملوا على دعم وتوسيع عضوية الحلف في اتجاه الشرق، حتى أصبح عدد أعضائه 28 دولة الآن، بدلاً من 16 دولة قبل عام 1991م. ومبرر أولئك القادة أن الأخطار التي تواجه ذلك الغرب ما زالت قائمة؛ متمثلة في: الإسلام السياسي، والإرهاب، وفي الدول المناوئة للغرب، وبخاصة: روسيا، الصين، إيران، كوريا الشمالية... وغيرها.
ذلك يدفع لاستطلاع طبيعة «العلاقة» بين روسيا من جهة، والغرب المتنفذ من جهة أخرى. تاريخياً، تعتبر روسيا مختلفة عن أوروبا، وخاصة أوروبا الغربية، رغم أن روسيا تعتبر دولة يورو ـ آسيوية. فالجزء الأهم من روسيا يقع في أوروبا. ولكن روسيا دولة عظمى سابقة كانت -وما زالت- لها طموحات توسعية تجاه الغرب (أوروبا) وتوجهات سياسية مختلفة عن جيرانها في الغرب. الأمر الذي جعل روسيا، على مر التاريخ، دولة مناوئة للغرب المتنفذ بخاصة. ويشهد التاريخ زحف القوات الروسية بداخل العمق الأوروبي. وكذلك غزو بعض دول الغرب لروسيا، ووصول تلك القوات في عدة مرات إلى داخل سانت بطرسبرج ومشارف موسكو. لذا، أصبحت هناك عداوة تاريخية بين الدولة الروسية وجيرانها الغربيين. وفاقم من هذا العداء تحول روسيا لدولة شيوعية مناوئة لكل ما هو غربي، في الفترة 1917- 1991م.
كما ساهمت أزمة أوكرانيا، المتمثلة في غزو روسيا لأوكرانيا، في تعميق العداء الأوربي لروسيا. وأعادت العلاقات الروسية- الأوروبية الى المربع الأول، في العلاقات الصراعية، بين الطرفين.
****
وتعتبر روسيا الاتحادية أكبر دول العالم مساحة، إذ تبلغ مساحتها 17075400 كم2، بما يشمل شرق أوروبا، وحوالي ثلث قارة آسيا، بموارد طبيعية هائلة. وسكانها 146 مليون نسمة. وهي مكونة من 89 منطقة، ويحكمها دستور عام 1993م، الذي يقيم نظاماً رئاسياً تمثيلياً، فيدرالياً، برئيس له صلاحيات تنفيذية واسعة، مع برلمان مكون من مجلسين: المجلس الفيدرالي، وهو مكون من 178 عضواً، والدوما، وعدد أعضائه 450 نائباً. ولا تزال نموذجاً للاتحادات الفيدرالية.
****
بعد زوال الاتحاد السوفيتي حاول الغرب المتنفذ تقسيم روسيا نفسها، بعد أن سلخ منها الجمهوريات الأربع عشرة التي كانت ملحقة بالاتحاد السوفيتي. وما زال التنافس حاداً بين روسيا والغرب المتنفذ. وما زال الأخير يحاول إضعاف روسيا بكل الطرق الممكنة، ومنها تقسيم الاتحاد الفيدرالي الروسي. وقد أشار الرئيس بوتين إلى ذلك كثيراً، مندداً بسياسة الغرب تجاه بلاده.
ذلك يجعل احتمال تحالف روسيا مع الصين أقرب للحصول من تحالفها مع فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا. ولولا قوة روسيا العسكرية، وامتلاكها ترسانة هائلة من السلاح النووي، لأصبحت روسيا مجرد دولة هامشية. ولكن إمكانات روسيا جعلتها تنافس على قمة العالم الاقتصادية- السياسية، لتصبح إحدى القوى العظمى التي تشكل الآن نظاماً دولياً من أقطاب متعددة (أمريكا، الصين، روسيا). وبالتالي فإن العلاقة بين روسيا والغرب المتنفذ ما زال يسود فيها الصراع، أكثر من التعاون. وآخر مظاهر هذا الصراع هي: العقوبات الاقتصادية الغربية التي فُرضت على روسيا، بسبب تدخلها في أوكرانيا، وضمها لشبه جزيرة القرم، ومناطق أوكرانيا الشرقية. ورغم ذلك، فإن هناك كثيراً من المصالح المشتركة التي تجمع بين روسيا وزميلاتها من الدول الغربية الكبرى، إضافة إلى نظرة متشابهة تجاه كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وبالإمكان معرفة السياسة الخارجية الروسية نحو منطقة الخليج، أو غيرها عبر مدخل الأهداف/ الوسائل. وسيتبين أن روسيا تعتبر هذه المنطقة مهمة جداً، للعالم ككل، وللأقطاب، بصفة خاصة. وسيتبين أن روسيا تحرص من قديم على التواجد بالمنطقة، وأن تكون لها قواعد عسكرية. وهذا هو ما حصل فعلاً، حتى بعد هروب بشار الأسد من سوريا.
****
وعن تورط روسيا في أوكرانيا، يقول عالم السياسة (جون ميرشايمر): «أعتقد أن جوهر ما يحدث هو أن الغرب يدفع أوكرانيا للهلاك، عبر تزيين شهوة التوجه إلى الغرب، والانضمام إليه، ومن ثم الاصطدام مع روسيا، وبالتالي الدمار. وقد اندفع قادة أوكرانيا في هذا الاتجاه. لذا، فإنني أدعو إلى تغيير هذه السياسة، وتبني سياسة تتضمن وضع أوكرانيا على الحياد، ودعم اقتصادها، وإخراجها تماماً من ساحة الصراع بين الغرب وروسيا. ذلك هو الموقف الأفضل لأوكرانيا وشعبها. فبدون التزام «الحياد» بين الجانبين؛ الغربي والروسي، ستدخل أوكرانيا نفسها في دوامة مدمرة. إن ما نعمله، نحن هنا في الغرب، هو أننا نشجع قادة أوكرانيا على التشدد مع الروس، والإصرار على الانضمام إلى حلف ناتو. لقد أوحينا لهم أن الوقت يسير في صالحنا، وأننا سننتصر، في نهاية الأمر، على روسيا بوتن. وأننا سنضم أوكرانيا إلى ناتو، عاجلاً، أو آجلاً. فإن استمروا في تصديق ذلك، فسيقودون بلادهم للهلاك. إن تأليب أوكرانيا، من قبل الغرب، على روسيا، لن ينتج عنه سوى الصراع والحروب. إن من مصلحة أوكرانيا، ومصلحتنا هنا في الغرب، وأيضاً من مصلحة روسيا، ألا تنضم أوكرانيا إلى الغرب، بل تقف على موقف الحياد، لتنجو من التهلكة». ولم تأخذ أمريكا والغرب بهذه النصائح، فحصلت المأساة، وما زالت تتفاقم، يوماً بعد يوم.
00:00 | 10-08-2025
سيــاسـة نـووية حكيـمة.. !
يحظر المجتمع الدولي على دول العالم «غير النووية»؛ ومنها الدول العربية، حتى دراسة الفيزياء والكيمياء والهندسة النووية، كي لا يستغلوا معرفتهم في هذه العلوم لإنتاج أسلحة دمار شامل، وبخاصة الأسلحة النووية... وهناك تشدد أكبر تجاه العرب... لأن ما يعتمل في صدور العرب من غبن وقهر تجاه الصهاينة (يدركه ساسة أمريكا) قد يدفع العرب -أو بعضهم- لاستخدام هذه المعرفة ضد عدوهم الألد (سيما أن هذا العدو يشهر نفس السلاح ضدهم)... ففي ذلك تهديد (خطير) لـ«أمن إسرائيل»...!! كما يقولون.
إن من عجائب، ومظالم، العلاقات الدولية، في العصر الحديث والمعاصر، أن تضع دولة عظمى (أمريكا) كل ثقلها... لكي تضمن «تفوق» وهيمنة دويلة عدوانية مصطنعة (إسرائيل) في كل المجالات، ومنها التسلح بكل أنواع الأسلحة الإستراتيجية، وفى ذات الوقت، تعمل كل ما بوسعها لإضعاف الطرف الآخر (العرب) والحيلولة دون نهوضه... حتى لا يهدد «أمن» إسرائيل... وحتى تمسي بلاده لقمة سائغة للإمبريالية، والصهيونية، وأطماعهما الاستعمارية البغيضة.
وتتجلى هذه العجيبة في: فلسطين والعراق، وسوريا، وغيرها. كما تتجلى بوضوح أكبر في: مسالة التسلح النووي. ففي الوقت الذي يسمح فيه لإسرائيل -بل وتقدم لها كل المساندة الممكنة- بامتلاك حوالي 200 رأس نووي، ووسائل حملها وقذفها في دائرة كبرى... تكاد تغطي كل العالم العربي، من المحيط الى الخليج، فإن أمريكا -وإسرائيل- تقيم الدنيا ولا تقعدها إن شرعت إحدى الدول العربية في أبحاث نووية، أو فكرت في امتلاك بنية نووية للأغراض السلمية!
*****
لقد امتلكت إسرائيل قوة نووية ضاربة، بدعم غربي وأمريكي تقني وسياسي شامل. وما زالت إسرائيل ترفض حتى مجرد خضوع منشآتها النووية للتفتيش الدولي، وتصر -بصفاقة ووقاحة غير مسبوقة- على عدم الانضمام إلى «اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية» (NPT) وتسخر من كل المحاولات العربية (والإقليمية والدولية) الرامية لإقامة «منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي» (MENFZ).
أما العرب، فقد وقعوا الاتفاقية المذكورة، وصادقوا عليها، دولة بعد أخرى. ومع ذلك، ما زالت بعض الأوساط الأمريكية تعمل على: ضمان خلو العالم العربي من أي معرفة نووية تقنية تذكر. ورأينا ما عملته أمريكا تجاه العراق (بإيعاز من الدوائر الصهيونية) لمجرد أنه كان لديه بعض العلماء القادرين على تطوير سلاح نووي، والذين قتلتهم إسرائيل، أثناء الغزو الأمريكي للعراق... ومجرد إمكانية حيازة العراق للخيار النووي، في المدى الطويل.
****
وتثار من حين لأخر، أقاويل من قبل بعض وسائل الإعلام الأمريكية المتصهينة، بأن المملكة، أو دولة عربية أخرى، لديها منشآت ومواد نووية خطرة، وأنه ينبغي إخلاؤها من هذه التقنية، ومنعها من امتلاك بنية نووية سلمية. وهي أكذوبة... لم يكن هدفها سوى حجب الأنظار عن إمكانيات إسرائيل النووية.
وقد تعامل المسؤولون السعوديون مع هذه الأكاذيب بحكمة وواقعية... أخرست تلك الأبواق، وأحرجت الصهاينة. وقد أكد هؤلاء المسؤولون حق المملكة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وعدم وجود أي رغبة في امتلاك قوة، أو إمكانية نووية عسكرية، وانعدام الرغبة المطلقة في التسلح النووي، خاصة وأن المملكة وقعت وصادقت على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وغيرها. كما لفتوا الأنظار إلى إسرائيل، وموقفها المشين في المسألة النووية. فالمملكة هي في طليعة الدول الداعية لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط. ومما يبرهن حسن نواياها أكثر، في هذا الصدد، قيامها (بتاريخ 16/6/ 2005م) بتوقيع اتفاق الضمانات، وبروتوكول الكميات الصغيرة، المنبثقة عن اتفاقية حظر الانتشار النووي.
****
أن السياسة النووية السعودية الراهنة جيدة، وإيجابية، وملائمة، – بصفة عامة – للأوضاع النووية والسياسية، المحلية والإقليمية والعالمية. وفيها الكثير من الحكمة، والتأكيد على أن المملكة دولة محبة للسلام. ومن ناحية أخرى، يبدو أننا – كمواطنين- نتمنى ألا تكون «البنية النووية» السعودية - أي: مجموع العلماء والتقنيين، والمنشآت النووية – معدومة، أو ضئيلة جدا. ونتمنى أن يسعى لتطويرها، ودعمها دائما... لتتلاءم والمستوى العلمي والتقني الذي وصلت إليه البلاد، وأن يستمر هدفها – كما هو حاليا – هو: استغلال القوة النووية للأغراض السلمية المختلفة، ومنها: توليد الطاقة وتحلية المياه، وشق الطرق، والتطبيب... الخ.
أما الخيار النووي العسكري، فإن المملكة قد استبعدته تماما. ولكن إصرار بعض المعادين المحتملين على تملك هذا الخيار، وفي مقدمتهم إسرائيل وإيران (وهما على مشارف الحدود السعودية) ربما يجعل من المنطقي إعادة النظر في هذا الاستبعاد – فيما بعد – خاصة إذا لم يتم التوصل إلى السلام العادل المنشود بالمنطقة.
00:04 | 3-08-2025
«القوة» في العلاقات الدولية
كلما علا موقع دولة ما، على سلم القوة الدولية، كانت قدرتها أكبر على تنفيذ سياساتها، والعكس صحيح. ودائماً ما يكون للدولة العظمى النفوذ الأقوى، والتأثير الأوسع في مجريات العلاقات الدولية في وقتها. ويكون للدولة الكبرى قدرة أكبر من قدرة الدولة الكبيرة، وأقل من قدرة الدولة العظمى، وهكذا.
إن الدول «تتفاوت» في مدى قوتها، في ظل قانون الغاب الذي يحكم معظم العلاقات الدولية. وهذا التفاوت تترتب عليه نتائج مهمة، ويختلف من وقت لآخر، ومن حالة لأخرى، سواء فيما بين دول العالم، أو بالنسبة للدولة الواحدة المعنية. وأن سلّمنا بأن العلاقات الدولية هي «صراع وسعي الدول من أجل القوة»، فإنه يترتب على هذا التفاوت في قوة الدول شيء من التفاضل.
****
ويلزم «تطبيق» هذا المدخل العلمي المبسط لمعرفة وتحديد مدى قوة أي دولة، إجراء بحث ميداني ومكتبي موسع، لـ«قياس» درجة كل عنصر من عناصر القوة الخشنة (تقريبياً) في الدولة المعنية، وكذلك عناصر القوة الناعمة، التي تتسم بها، وتمتلكها، ومحاولة معرفة مدى توفر كل من هذه العناصر فيها. وفي حالة محاولة قياس مدى قوة تكتل دولي معين، كمنظمة «جامعة الدول العربية» (مثلا) يمكن «جمع» كل قوى الدول الأعضاء (الخشنة والناعمة) في هذه المنظمة معاً، لمعرفة وتحديد مدى قوة هذا الكيان المسمى بـ«جامعة الدول العربية»، على الساحة الدولية، الذي هو الآن عبارة عن: منظمة دولية حكومية إقليمية شاملة، أو بكلمات أخرى، اتحاد «كونفدرالي» هش.
****
ومعروف أن «الاختلاف» بين الناس هو أحد سنن الكون الثابتة. كل البشر بشر، تجمع بينهم خصائص عامة مشتركة. ولكن كل منهم مختلف عن الآخر، قليلاً، أو كثيراً، وله «خصوصية» معينة. كذلك «الجماعات»، و«الدول»، و«الأمم» (الحضارات) المختلفة. فالإنسان يتجسد في عدة صور (Forms)، من أهمها: الفرد، الجماعة، الحزب، التنظيم، الدولة، الأمة... إلخ. ويتشابه سلوك كل من هذه الصور، سواء كان سياسيّاً، أو غيره، نتيجة هيمنة العنصر الإنساني في كل صورة. إن من أهم نتائج هذا «الاختلاف» هي: تنوع الحضارات واختلافها عن بعضها. كلها حضارات إنسانية.. لكن كل منها مختلف (ماديّاً ومعنويّاً وقيميّاً) عن الآخر، وله خصوصيته، كما للفرد. ومعروف، أنه ينتج غالباً عن تشابه المصالح والقيم، بين البشر (بأي صورة تجسدوا) تحاباً وتعاوناً، وعن اختلافهم تنافراً وصراعاً.
تلعب «القوة»، بمعناها الشامل، الدور الأكبر في حياة الدول. ويمكن تقسيم دور القوة في العمل، والتسلط السياسي لمرحلتين: مرحلة ما قبل الثورة الفرنسية، ومرحلة ما بعدها. إن ما قاله ابن خلدون عن أصل الدولة -أي دولة- يلخص لنا دور القوة (أو «العصبية») كما ارتآه. تعني «العصبية» -في رأيه- التلاحم والمناصرة، وميل الأفراد لأقاربهم وعشائرهم، ووقوف الفرد مع أهله وأسرته، ضد من يريد إلحاق ضرر بهم.
****
ويرجع ابن خلدون قيام أي دولة إلى ضرورة العيش المشترك، التي يحتاجها الناس. فالإنسان مدني بطبعه. والدولة -في رأيه- تقوم على العصبية، ومدى قوتها. فبما أن لكل عصبية أو وحدة بشرية عزوة (قوة)، فإن هناك بالضرورة فرعاً أقوى (نسبياً) من غيره من الفروع. والرئاسة (أو الحكم) إنما تكون بالغلبة أو القوة. لذلك، فان العصبية الأقوى هي التي تسود. والرئاسة في عصبية ما، تكون -في رأيه- للفرع الأقوى من أبناء تلك العصبية. فإن ضعف، تنتقل الرئاسة للعصبية الأقوى حينها، وهكذا. ويرى أن الغاية الكبرى التي تسعى إليها العصبية الواحدة، هي الملك، أو الحكم، وتمكنها من ذلك يدعم الأمن، ويمنع الفوضى.
وقال إن الناس لا ينقادون للدولة -في رأيه- في بداية نشأتها، إلا بالقوة... ولما تستقر لها الرئاسة، ويتوالى حكامها، واحداً بعد الآخر، قد ينقاد الناس طائعين لحكومتهم، دون حاجة كبيرة، إلى قوة. وبين أن حجم الدولة ومساحتها، إنما يعتمد على حجم العصبية الحاكمة، ومدى نفوذها.
****
وهكذا، نرى أن ابن خلدون يرجع قيام النظم السياسية إلى القوة، فالعصبية الأقوى تسيطر، (وتحكم)، ويزول حكمها عندما تضعف، حيث تحل محلها عصبية أقوى، وهكذا. كما أن الدول الأقوى (أو العصبيات الأقوى) تلغي الضعيفة، وتلحقها (كأجزاء) بالدول الأقوى.
وهنا، حاول توضيح طبيعة السياسة داخل الدول. وكذلك طبيعة العلاقة (الدولية) بين القوى والأضعف، على المستوى الدولي. وقد توصل ابن خلدون لهذا الرأي من ملاحظته العلمية (الثاقبة) لما كان يجري (سياسياً) في زمنه، والزمن الذي قبله (آخر العصور القديمة، ومعظم العصور الوسطى). وكان معظم ما يجري سياسياً في ذلك الزمن، يؤيد ما ذهب إليه، خاصة في المنطقة العربية.
****
أما مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية، فيمكن القول إن دور وتأثير «القوة» استمر كما هو منذ الأزل. ولكن معظم دول العالم الآن قد أخذت بآلية «الانتخاب»، والنيابة، لتداول السلطة سلماً، ومن وقت محدد لآخر. بدأ العالم بالنوع الأقدم الذي يستخدم القوة بالأسلوب الذي لاحظه ابن خلدون. حيث كان الديكتاتور يقدم نفسه كإله يعبد. ثم في مرحله لاحقة اعتبر المستبد «وكيلاً» من الآلهة لحكم الناس.. إلخ. وقد عانى البشر الكثير، بسب بطش واستبداد وظلم أغلب المستبدين بهم، وتكريس الحكم للمصالح الخاصة للحكام. وهنا بدأ المفكرون السياسيون في التفكير في بديل لـ«الاستبداد». فكان أن اكتشفوا «الديمقراطية» التي يعتبر البعض اكتشافها، وبلورتها فكرياً أولاً وعملياً ثانياً، مثل اكتشاف «العجلة»..!
ظهر هذا الاكتشاف السياسي في الفكر منذ حوالى 2550 سنة. وبدأ في تطبيقه فجأة في دول اليونان القديمة عام 500 ق. م – تقريباً. ثم اختفى من اليونان بعد سنوات قليلة، وزوال دول الإغريق القديمة. ولكنه استمر في الفكر والكتب، وفى أذهان وتحليلات مفكري السياسة، خاصة في عصر النهضة بأوروبا. ثم وضع موضع التنفيذ والتطبيق في القرن الثامن عشر الميلادي –من قبل الثورة الفرنسية (1789م). ومن فرنسا وبريطانيا اقتبسته أوروبا، ومن أوروبا اقتبسته بقية بلاد العالم. علماً بأن كل دولة تأخذ بجوهر هذا النوع من الحكومات، وتكيف التفاصيل بما يتلاءم وظروفها وخصائصها وأحوالها. فلا يوجد في العالم نظامان سياسيان متطابقان، أو متماثلان تماماً. وقد أصبح لـ «الناخب» قوة، يمنحها للمرشح الذي ينال استحسانه.
00:31 | 20-07-2025
إصلاح الدول المضطربة ونوعية الحكم..!
يقول المفكر السياسي الإيطالي الشهير «نيقولاي ميكافيللي» (1469- 1527م) إن «الاستبداد» الديكتاتوري السياسي ضروري وحتمي في ثلاث حالات، هي: إنشاء دولة من عدم، إنقاذ دولة من انهيار وشيك، إصلاح دولة بالغة الفساد. وهذا ما أكده ميكافيللي في كتابه «الأمير» الصادر عام 1515م، الذي حضّ فيه أمير فلورنسا على الاستبداد، واتخاذ كل الوسائل الممكنة لتوحيد إيطاليا، بكل مناطقها وفئاتها، وإقامة دولة إيطالية قوية، تقف نداً مع الدول الأوروبية القوية القائمة آنذاك.
تلك كانت رسالة ميكافيللي في كتابه «الأمير»... فهو يريد دولة قوية ومتنفذة، يسعى أميره لتكوينها... متخذاً مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»... وهذا هو الشعار المأثور عنه. يلجأ السياسي لتحقيق هدفه (غايته) إلى أي وسيلة كانت، طالما أن اللجوء إليها ضروري لتحقيق هدفه، ولو تعارضت تلك الوسيلة مع الأخلاقيات والقيم النبيلة السائدة. وبحيث يأخذ، دون تردد، بكل الوسائل التي يمكن أن تحقق هدفه. وتلك الجزئية من فكره هي المبدأ الانتهازي الذي اشتهر به ميكافيللي... وأضحت كل «الميكافيللية» بسببه تعني «الانتهازية» عند البعض..
لكن ميكافيللي تغنى، في كتابه اللاحق الصادر عام 1521م المعنون بـ«المطارحات»، بالديمقراطية (حكم الغالبية)... مع تأكيده بأن الديكتاتورية الاستبدادية ضرورية في الحالات الثلاث فقط التي ذكرت آنفاً. أما في حالة صلاح الدولة، وعودة الحياة فيها إلى الاستقرار، والوضع الطبيعي المقبول فعلاً، فإن الديمقراطية هي الأنسب والضامن للاستقرار السياسي والازدهار الحضاري في المدى الطويل في رأيه. فهو، إذاً، لم ينادِ بالحكم المطلق إلا في ظل ظروف حددها.
****
ربما يستحسن تذكر هذا الجانب من الفلسفة الميكافيللية (التي أضحى بعضها نظريات علمية معتمدة) عند تحليل الوضع السياسي العام الراهن في بعض الأقطار العربية المضطربة (خاصة: سوريا، اليمن، العراق، ليبيا، وغيرها)، والتأمل في الحلول الممكنة، و«أفضل» حل لهذه الإشكالية السياسية الخطيرة التي تعاني منها هذه الدول الآن... قلاقل، عدم استقرار، تفكك، تدخلات أجنبية مغرضة، غياب للأمن.. وفوضى عارمة.. أحالت حياة شعوب هذه البلاد إلى جحيم لا يطاق.
غالباً لن نجد أفضل من وصفة ميكافيللي، سيما وقد تواجدت كل الحالات الثلاث، التي أشار إليها، في هذه الدول في الوقت الحاضر، ونشأت ضرورة وجود «قادة» أقوياء مستبدين (ينفردون بالسلطة) لتجاوز أزمة هذه الدول. كأن ينهض قائد، أو حزب وطني، في كل منها، ويستولي على السلطة، معيداً الأمن والاستقرار إلى ربوع هذه البلاد التي عانت الأمرين منذ ثورات ما سمي بـ«الربيع العربي»، في عام 2011م. وتتضمن هذه الهبة تجاوز الخلافات الطائفية والمذهبية مؤقتاً، وحتى استقرار البلد، وبدء العملية السياسية التي تضمن، في نهاية الأمر، لكل ذي حق حقه، وفق دستور مقبول جديد.
****
لنأخذ ليبيا مثالاً حيّاً على هذه الحالة التي نتحدث عنها هنا. لقد ثار شعبها على الديكتاتور الليبي الفاسد معمر القذافي، يوم 17/ 2/ 2011م، مطالباً بحقوقه التي سلبها القذافي لأكثر من أربعين عاماً. وبعد التخلص من ذلك المستبد، وقعت ليبيا في فوضى الخلافات وشراك الاضطرابات، ولهيب الحراب الأهلي -كما هو معروف-. هنا بدت الحاجة واضحة لمن يقتحم هذا المشهد، ويمسك بالسلطة بيد من حديد، ويمنع تشرذم البلاد وتمزقها. ثم يشرع بعد ذلك مباشرة، في نقل بلاده إلى بر الأمان، وفق الإجراءات والخطوات السياسية اللازمة في هذه الحالة.
إذاً، على هذا الديكتاتور الجديد (المنقذ) أن يكون «مصلحاً»؛ ليشكر ويخلده تاريخ بلاده. وليس شبيهاً لمعظم المستبدين في عالم اليوم وعالم الماضي. إذ عليه أن يعيد الأمن والاستقرار والمؤسساتية إلى ليبيا، ثم يتيح للشعب اختيار السلطتين التنفيذية والتشريعية في حكومته، وفق الدستور المتفق عليه. أما إن لم يكن صالحاً ومصلحاً، وتمسك بالسلطة عنوة، فيكون الشعب الليبي، عندئذ، قد خرج على ديكتاتور، ليقع في قبضة ديكتاتور آخر. وسيعود لليبيا عدم الاستقرار السياسي المبطن، والسافر. وسينشأ صراع من جديد بين غالبية هذا الشعب و«معمر قذافي» جديد، وغالباً ما ستقوم ثورة شعبية ضد المستبد لاحقاً، وتدخل ليبيا من جديد في دوامة الفوضى القاتلة؛ لذلك، فإن اشتراط أن يكون الديكتاتور الجديد «مصلحاً» هو اشتراط أساسي وضروري وحيوي في وضع ليبيا، وما شابهها من دول.
وكان من الممكن الاستفادة من هذه الرؤية وتنفيذ هذا السيناريو -باختلاف في بعض التفاصيل- في كل من سوريا واليمن، وغيرهما. هذا في الجانب النظري. أما إن لم يتوفر هذا النوع من الحكم مرحلياً (مؤقتاً) في الواقع، فعندئذ قد يتغلب الشر، ويطغى الجنون، وتنتصر المصالح الشخصية والفئوية الخاصة. وتسود، بالتالي، الفوضى المدمرة، وتسحق الشعوب. وذلك ما لا يرضاه المواطنون المخلصون، بل وكل الخيرين في العالم.
00:23 | 13-07-2025
«ديمونا»: قمة الظلم والازدواجية الدولية..!
تعتبر محطة «ديمونا» النووية الإسرائيلية مركز النشاط النووي العسكري الصهيوني، والمعمل الذي مكّن إسرائيل من امتلاك ترسانة من القنابل النووية، قوامها حوالى مئتي راس نووي.. موجهة -بالفعل- إلى التجمعات السكانية العربية الرئيسة، في مشرق العالم العربي ومغربه. وقد فضح الفني النووي الاسرائيلى «مردخاى فانونو»، وغيره، ما يجرى داخل هذه المحطة من عمل رهيب، وأكد قيام إسرائيل بتصنيع قنابل نووية، لترهب بها مناوئيها.
تقع هذه المحطة في مدينة «ديمونا»، شمال صحراء النقب، وتبعد حوالى 70 كيلاً عن مدينة «بئر السبع». ويعتقد أنها أقيمت بالقرب من بعض مناجم اليورانيوم الموجودة بصحراء النقب. وبها مفاعل شهير، فرنسي الصنع، طاقته 26 ميجاوات حراري. وهو مفاعل ماء ثقيل، يستخدم فيه «اليورانيوم» العادي، أو المخصب لدرجة متدنية كوقود، و«الماء الثقيل» كمبرد ووسيط. وقد حصلت إسرائيل عليه بموجب اتفاق مع فرنسا، وقع عام 1957م.
ومنذ تأسيسه، كرس لصنع السلاح النووي، ووضع (بسرية تامة) تحت إشراف وزارة الدفاع الإسرائيلية، التي بدأت بتشغيل ذلك المفاعل ابتداءً من مطلع عام 1964م. ولقد بقي هذا المفاعل، الذي ترفض إسرائيل إخضاعه لأى رقابة أو تفتيش دوليين، سرّاً، لا يعرف حقيقته (وطبيعة نشاطه) إلا قلة من قادة إسرائيل وأمريكا.
ولم يكتشف وجوده إلا سنة 1960م. إلا أن رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، ديفيد بن جوريون، أنكر وجود مفاعل نووي بديمونا، وادعى أن ما يظن أنه مفاعل نووي ما هو إلا «معمل نسيج». ثم عاد بن جوريون نفسه (في 21/ 12/ 1960م) واعترف بأن مفاعلاً نووياً يجرى بناؤه في ديمونا، بمساعدة من فرنسا، لكنه صرح بأن ذلك المفاعل: إنما أنشئ ليستعمل لـ«الأغراض السلمية» فقط..!
****
وتكمن أهمية مفاعل ديمونا، من الناحية العسكرية، في كون ذلك المفاعل ينتج مادة «البلوتونيوم» بكميات تكفي لصنع قنابل نووية، وفى كونه لا يقع تحت أية رقابة أو مساءلة أجنبية. ويدعم هذه الأهمية والخطورة: امتلاك إسرائيل لمعمل استخلاص البلوتونيوم، من وقود المفاعل المستهلك، وقدرة إسرائيل على إنتاج «الماء الثقيل»، محليّاً. كما تأكد امتلاك إسرائيل الآن معملاً لتخصيب اليورانيوم، ضمن محطة ديمونا هذه.
لقد مضى على إقامة مفاعل ديمونا وتشغيله حوالى ثمانية عقود. لذلك، بدا هذا المفاعل يتقادم، وبدأت تتسرب منه «إشعاعات» (Radiation) قاتلة، يهدد أذاها كل منطقة النقب، بل وما حولها من بلدان مجاورة لفلسطين. لهذا، أصبح مفاعل ديمونا يمثل خطراً كبيراً على البيئة من حوله، إضافة إلى: كونه يمد إسرائيل بالمواد اللازمة لصناعة المزيد من القنابل النووية، الموجهة ضد الجيران، عرباً ومسلمين.
****
وتمتلك إسرائيل وسائل كافية لحمل وقذف هذه الرؤوس النووية، ضد أهداف... تمتد من المحيط الأطلسي غرباً، إلى الخليج العربي شرقاً. فلديها صواريخ (أرض – أرض) متوسطة وطويلة المدى، وطائرات وغواصات مهيأة لحمل وقذف أسلحة نووية. وإسرائيل تستعمل (وتستفيد) من سلاحها النووي هذا على مدار الساعة.
فهي «تعربد» في المنطقة، وتفعل ما تشاء، وترتكب الجرم تلو الآخر، ولا أحد يستطيع «ردعها» من أغلب الجيران؛ لأنها تمتلك (هي وحدها) رادعاً نووياً ضارباً جاهزاً للاستخدام الفعلي، كما يستخدم «وجوده» لتهديد وابتزاز، وإرهاب، مناوئي السياسات العدوانية الصهيونية، والضغط بورقته؛ لتمرير السياسات الاستعمارية- الصهيونية بالمنطقة. ومن يقول: «إن إسرائيل لا تستخدم (ولن تستخدم) سلاحها النووي، إلا عند تهديد بقائها فقط «لا يفهم نظرية» الردع النووي ومغازيها، ولا يلم (مع الأسف) بأبجديات العلاقات الدولية، خاصة شقها الصراعي.
****
لقد أعطت إسرائيل (وداعموها) لنفسها حق احتكار السلاح النووي بالمنطقة، والتهديد بامتلاكه، وردع مناوئي سياساتها من التصدي لها. وهاهم قادتها يهولون (وبوقاحة غير مسبوقة) من أي إمكانية نووية في المنطقة.. في الوقت الذي تمتلئ فيه خزائنهم بترسانة ضخمة من جميع أسلحة الدمار الشامل، التي يهددون بها المنطقة، ويرهبونها، ويبتزونها، بها. ومن المستغرب أن يساهم بعض المستهدفين (بهذا الرادع الإسرائيلي) في الترويج لمبدأ احتكار إسرائيل للسلاح النووي..! عبر التقليل من الخطر النووي الإسرائيلي، وتجاهل هذا الخطر، وغير ذلك من مظاهر التحامل والغباء، وخيانة الذات.
نعود إلى «ديمونا»، لنجد أن: قوات الجيش الإسرائيلى أعلنت (في شهر نوفمبر 2007م) حالة «تأهب قصوى» في محيط هذا المفاعل، تم خلالها تجهيز بطاريات صواريخ «باتريوت»، المنصوبة حول المفاعل لحمايته. وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية: «إن هذه الحالة جاءت على إثر التطورات الدرامية التي شهدتها المنطقة مؤخراً». وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين: إن هناك تحسباً من عملية سورية انتقامية، بعد الغارة التي تم فيها قصف مفاعل سوري، في منطقة دير الزور، في شهر سبتمبر 2007م. واستبعد أن يكون الهجوم إيرانيّاً، أو عملية إرهاب دولي..!
****
كل ذلك يؤكد خطورة «ديمونا».... كونه «المصدر» الذي مد إسرائيل -وما زال يمدها- بالبلوتونيوم واليورانيوم اللازمين، لتصنع منهما قنابل نووية تهدد بها المنطقة، وترهبها وتبتزها، وتضمن لها (ولو إلى حين) استمرار ممارسة إرهاب الدولة، وبقية سياساتها الإجرامية المعروفة. كما أن هذا المفاعل يمثل خطراً فادحاً على البيئة المحيطة، نظراً لتقادمه، واحتمال تعرضه لهجمات. ومن أشهر التسريبات عن هذا المفاعل، ما شهد به الفني النووي الإسرائيلي المنشق موردخاي فانونو، وما أعلنه عن تصنيع أسلحة نووية في ديمونا. وقد تكون لنا وقفة لاحقة عن شهادته. فهل يستمر «المجتمع الدولي»، ووكالة الطاقة الذرية، في تجاهل هذا الخطر القاتل؛ لأنه (بصفة رئيسة) يطال عرباً؟!
00:07 | 6-07-2025
فولوديمير زيلينيسكي.. حساب الفوائد والخسائر..!
السياسي (Politician) هو الشخص الذي انخرط، رسمياً أو عرفياً، في خدمة الشأن العام لبلاده، عبر انتمائه لحزب معين، أو توجه سياسي معين... أو عمله (معيناً أو منتخباً) نائباً في برلمان بلاده، أو عضواً في السلطة التنفيذية (وزيراً، أو نحوه) أو قاضياً بالسلطة القضائية العليا. والسياسي الذي على رأس العمل يشارك في الإدارة العامة لبلاده، إيجاباً وسلباً. وهو شرف كبير، إن استحق الشخص هذا المركز، وإن أخلص في القيام بأعبائه. وتزداد خطورة، وأهمية المنصب كلما اقترب من مركز صانع قرار.
وغنيٌّ عن القول إن أهم مهام أي سياسي، وخاصة سياسيي الدرجة الأولى، إن صح التعبير، هي: الحفاظ على بقاء الدولة، واستقلالها، وسلامها وسلامة أراضيها، وحفظ الأمن والنظام، ودعم الازدهار فيها.
وبالنسبة لساسة الدرجة الأولى، فإن من أهم مهامهم هي تجنب الصراعات والحروب، وعدم خوض أي حرب، إلا إن كانت دفاعية. وعند تقييم الساسة، ينظر أولاً الى مدى إتقانهم للدبلوماسية، وقدرتهم على تجنب الصراعات والحروب، ما أمكن.
****
والساسة المخلصون، والمهرة، يتخذون (لصالح بلدانهم) سياسات وقرارات إيجابية، في الغالب. بينما الساسة غير المهرة، يتخذون سياسات وقرارات سلبية، في الغالب. ومعروف، أن «السياسة» (قرارات وسياسات) تنقسم إلى إيجابية، وسلبية. السياسة، بذلك، تبني وتهدم. وهي شيء لا بد من وجوده، في كل الأحوال، وفي أي مجتمع، وإلا حصلت فيه الفوضى، واعتداء القوى على الضعيف.
السياسة تتجسد، أكثر ما تتجسد، في «الحكومة». ولمعرفة أهمية السياسة، لنتخيل مجتمعاً دون حكومة! ومعروف، أن الديمقراطية وضعت للتطبيق «داخل» المجتمعات. أما «خارج» المجتمعات، فيسود، في الغالب، «قانون الغاب». ففي العلاقات الدولية، يهيمن القوى على الضعيف، غالباً.
دولة افلاطون (أو يوتوبيا افلاطون) لا يمكن تحققها في الواقع. وإن تحققت لحملت في ذاتها بذور فنائها السريع؛ بسبب ميل «الحكام» (العلماء) للاستبداد، كما لاحظ أرسطو، أبرز تلاميذ أفلاطون.
****
ولد فولوديمير زيلينيسكي عام 1978م من والدين يهوديين. متزوج وله ابنان. وهو ممثل، وفنان كوميدي، وسياسي أوكراني. درس القانون، وحصل على شهادة فيه، لكنه اتجه للتمثيل، ومن ثم إلى السياسة. نشأ متحدثاً باللغة الروسية، إضافة الى الأوكرانية. ترشح زيلينيسكي لرئاسة الدولة، عن «حزب خادم الشعب»، وانتصر على منافسه بيترو بورشينكو، وتولى رئاسة أوكرانيا في مايو 2019م، واعداً شعبه بمحاربة الفساد، وإنهاء صراع شرق أوكرانيا مع روسيا. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا يوم 23 فبراير 2023م، أصبح من أشهر ساسة العالم، وأكثرهم حضوراً في وسائل الاعلام.
****
وإذا حاولنا أن «نقيّم» هذا السياسي الشهير، بمعيار واحد فقط هو: مدى تجنيبه بلاده الصراعات والحروب، نجد أنه لم ينجح، من الوهلة الأولى. فهذا الرئيس الذي وعد شعبه بإنهاء الصراع، مع روسيا، في شرق أوكرانيا، تسبب في غزو روسيا لبلاده، وفى فقدان خمس مناطق شرقية أوكرانية، إضافة إلى استمرار فقدان شبه جزيرة القرم. وليس ذلك، وحسب، بل إنه أقحم بلاده في حرب ليس مؤهلاً لخوضها. أو، كما قال له الرئيس ترمب: «لن تنتصر في هذه الحرب. أولى بك أن تقبل بوقف إطلاق النار». فأدى تعنته لتدمير جزء كبير من بلاده.
منذ توليه السلطة، عمل على استفزاز جارته الكبرى روسيا، عبر إصراره على ضم بلاده إلى حلف الناتو، والاتحاد الأوروبي، وعبر فتح بلاده للغرب، لإقامة مصانع أسلحة في أوكرانيا، والتمهيد لإقامة قواعد عسكرية غربية بأوكرانيا، على حدود روسيا. ومعروف، أن أوكرانيا هي أقرب المناطق لروسيا، جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً. وجزء كبير من سكانها من الروس. لذلك، فإن وجود قواعد عسكرية للناتو وأمريكا، على حدود روسيا، وقرب عقر دارها، يعتبر تهديداً خطيراً للأمن القومي الروسي. لهذا، قررت روسيا منع حدوث كل ذلك، والمبادرة بغزو أوكرانيا.
وزاد تدخل الغرب، مؤيداً بقوة، أوكرانيا، ومزوداً إياها بالأسلحة، من مأساة بلده. فأخذت أوكرانيا «تحارب»، وروسيا ترد الصاع صاعين. وزيلينيسكي يواصل حث الغرب على مواصلة تزويده بالأسلحة، لتتواصل الحرب، غالباً على أرض أوكرانيا، ويتواصل تدميرها. كما أخذ إلحاحه على الانضمام إلى حلف الناتو يتزايد، وحقد الروس يتصاعد. ذهب زيلينيسكي في زيارة رسمية لأمريكا، والتقى الرئيس دونالد ترمب، في اللقاء الشهير، الذي شهد العالم جزءاً منه على الهواء.
كان زيلينيسكي يطالب أمريكا باستمرار تزويده بالأسلحة، فقابله ترمب بالرفض، والاستغراب من إصراره على استمرار الحرب، وعدم قبول وقف إطلاق النار، وأعطاه، ونائبه، درساً في ضرورة حساب الفوائد والخسائر، التي تتواجد في كل حالة. وذكره ترمب بأن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، سيعني إقحام الحلف في حرب (عالمية نووية) ثالثة... يكون زيلينيسكي هو السبب المباشر في اندلاعها. ببساطة، لأن الحلف يلتزم بالدفاع عن أي دولة عضو، إذا تعرضت لهجوم. وخرج زيلينيسكي من «البيت الأبيض» خالي الوفاض.
****
كان الأجدر بزيلينيسكي ألا يعمل لانضمام بلاده للناتو، وأن يفاوض الروس لسلام دائم، خاصةً أن معظم سكان المناطق التي اقتطعها الروس من شرق أوكرانيا، هم من الروس. ليجنب بلاده الدمار، وفقدان آلاف من الأوكرانيين، مدنيين وعسكريين، وفقدان حوالى نصف ثروة بلاده من المعادن..! كان الأولى به إعلان تمسك بلاده، بسبب وضعها الاستراتيجي، بالحياد.
وتحت ضغوط أمريكية ودولية، استجاب زيلينيسكى لدعاة السلام، وقبل وقف إطلاق النار، ودخل مع الروس في مفاوضات شاقة، لم تحترم وقف إطلاق النار. ومن الصعب التنبؤ بمآلها.
00:05 | 29-06-2025
الصراع الباكستاني - الهندي إلى أين.. ؟
منذ استقلالهما عام 1947م، ساد الصراع، واشتعلت الحروب بينهما. فقد شهدت العلاقات الباكستانية- الهندية عدة حروب، حتى الآن. آخرها الحرب التي اندلعت بينهما يوم 22 أبريل 2025م، على طول الخط الفاصل بينهما في كشمير. فقد شهدت الأسابيع الأخيرة من أبريل اشتباكات متكررة، وقصفاً متبادلاً، في مناطق كيران، وبونش، وكوبوارا، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، وأعاد التذكير بشبح التصعيد العسكري الشامل، الذي قد يتطور لاشتباك نووي، بين هاتين الدولتين النوويتين.
ومن التطورات الإيجابية، توصل الطرفين إلى اتفاق وقف إطلاق النار، حتى 18 مايو 2025م. ثم اتفق على تمديد وقف إطلاق النار هذا، إلى أجل غير محدد. وتلا التفاهم الميداني بين الهند وباكستان اختبار حاسم لوقف إطلاق النار، الذي لا يزال قائماً دون اتفاق رسمي مؤسسي، ويدار فعلياً بتوازنات ميدانية هشة، واتصالات عسكرية محدودة. وهذا ما يثير تساؤلات حول قابلية هذه التهدئة للاستمرار أو الانهيار.
الواقع الميداني على الأرض يعكس انخفاضاً واضحاً في مستوى الاشتباكات على طول خط المراقبة. إذ لم تسجل منذ 12 مايو 2025 أي خروقات أو تجاوزات كبرى، واقتصرت الحوادث على تحركات محدودة، لم تتحول إلى تصعيد جديد. هذا التطور السار، يمثل مؤشراً إيجابياً، لكنه لا يستند لالتزام سياسي، بل على توازن ردع ميداني، ما يجعله عرضة للانهيار عند أي احتكاك.
****
باكستان والهند، هما أكبر بلدين في جنوب آسيا، وكانا بلداً واحداً. إنهما بلدان، تجمع بينهما التقاليد المشتركة. وهما يتشاركان ويتشابهان تاريخاً، وثقافة، ولغة، وفكراً. ومع ذلك، ظل هذان البلدان عَدوين لدودين، خاضا حروباً كثيرة، ويواجهان احتمال حرب نووية بينهما، لا تبقي ولا تذر.
في شهر أغسطس من عام 1947 احتفلت باكستان باستقلالها عن بريطانيا ولحقتها الهند في اليوم الثاني، بالاستقلال عن بريطانيا. وذلك بعد انسحاب بريطانيا من بلد تعتبره درة تاجها الإمبراطوري. وخلّفت وراءها دولتين مستقلتين هما الهند العلمانية، ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان الإسلامية.
تم عام 1858 إخضاع الهند للحكم البريطاني. وعام 1920 تم فيه اندلاع حركة استقلال الهند بزعامة مهاتما غاندي. حيث دعا غاندي الهنود من جميع طبقات المجتمع الهندي، إلى الاحتجاج غير العنيف، وتشجيع عدم التعاون مع الحكم البريطاني؛ الذي تضمن مقاطعة البضائع البريطانية. واعتقل البريطانيون غاندي بتهمة التحريض، وإثارة الفتنة. وبعد ذلك، أفرج عنه، وسافر في عام 1931 إلى لندن لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة، كممثل وحيد لحزب المؤتمر الوطني الهندي. ولم يدعم كثير من المسلمين والسيخ رؤية غاندي الخاصة بالهند كبلد واحد. فقدم غاندي استقالته من حزب المؤتمر. واعتزل الحياة السياسية، لكنه بقي مواصلاً حملته من أجل الحرية والمساواة الاجتماعية. وتحققت أهداف غاندي، واضطرت بريطانيا لإنهاء وجودها في شبه القارة الهندية.
****
ونشبت خلافات حادة -آنذاك- بين أكبر قيادتين سياسيتين في البلاد، وهما جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح. كان نهرو زعيم حزب المؤتمر، وكان معارضاً لمبدأ تقسيم البلاد على أسُس دينية. لكن محمد علي جناح زعيم «عصبة مسلمي الهند»؛ الذي أصبح حاكماً عاماً لباكستان، عقب التقسيم، كان مصراً على أن لمسلمي الهند الحق في تأسيس دولة خاصة بهم. وبعد أن تأكد جناح بأن حزب المؤتمر يقف ضد المسلمين، قرر أن ينفصل عن حزب المؤتمر، بعد أن كان عضواً فيه، وشكّل «العصبة الإسلامية». ونشبت خلافات حادة ومواجهات بين الحزب والعصبة. فبعثت بريطانيا وفداً لحل الأزمة بينهما، ونقل السلطة إلى إدارة هندية واحدة. ولكن هذه المحاولات فشلت، عقب اندلاع حرب ضروس بين الهندوس والمسلمين، بشأن الاستقلال. وقد أقر البرلمان البريطاني عام 1947م، قانون استقلال الهند، وباكستان، وأمر بترسيم الحدود بينهما. وتم الانتهاء من رسم خط تقسيم شبه القارة إلى دولتين. وهكذا، تم تقسيم أكبر إمبراطورية في العالم.
****
يتركز الخلاف والصراع بين الدولتين على إقليم كشمير. تقع منطقة كشمير، المتنازع عليها، على الحدود المشتركة لأربع دول، هي: الهند، باكستان، الصين، أفغانستان. وتبلغ مساحتها 86023 ميلاً مربعاً. يقسمها خط وقف إطلاق النار، منذ سنة 1949م. وتبلغ مساحة الجزء الهندي 53665 ميلاً مربعاً، ويسمى جامو كشمير. وتبلغ مساحة الجزء التابع لباكستان 32358 ميلاً مربعاً، ويعرف باسم ولاية كشمير الحرة (كشمير أزاد). ويبلغ عدد سكان الولاية 6 ملايين نسمة، تقريباً. يشكل المسلمون منهم 64%، والهندوس 33%، والسيخ 3%.
لقد نشبت حروب عدة بين الباكستان، والهند، على كشمير، وغيرها. فكل من الهند وباكستان تدعي تبعية كشمير، هذا الإقليم الهام، اقتصادياً واستراتيجياً، لها. ولم يُحَلْ هذا الخلاف المستشري منذ عام 1947م، رغم محاولة عدة دول للتوسط بين الدولتين لحله. وكذلك تدخل الأمم المتحدة، وقرارها بأن يتم إجراء استفتاء بين سكان كشمير، ورفض الهند بإصرار لهذا القرار، لأن تنفيذه سيعني رغبة أغلبية السكان، في الانضمام لباكستان. وما زال العالم يحبس أنفاسه، خشية اندلاع حرب نووية بين الدولتين، نتيجة استمرار هذا الخلاف، لن يقتصر ضررها على شبه القارة الهندية، بل سيصل إلى سماء أوروبا غرباً. والى اليابان شرقاً.
00:24 | 22-06-2025
سايكس – بيكو: ماضٍ وحاضر بائس...؟!
بحلول يوم الجمعة 16 مايو 2025م (الموافق 18/ 11 / 1446هـ)، تكون قد مرت 109 أعوام على الاتفاق الاستعماري الشهير، سايكس - بيكو، الذي تعرضت له المنطقة العربية، وما زال معظمها خاضعاً له، ومنفذاً له، ويعاني من تبعاته السلبية كثيراً. إذ تم قبل قرن وعقد (يوم 16 / 5 / 1916م) إبرام ما عُرف فيما بعد باتفاقية سايكس – بيكو، بين بريطانيا وفرنسا، والتي بموجبها تم تقسيم العالم العربي، وتقاسم أراضيه، فيما بين الدولتين الاستعماريتين بريطانيا، ممثلة بالدبلوماسي البريطاني مارك سايكس، وفرنسا، ممثلة بالدبلوماسي فرانسوا جورج بيكو. وقد عرفت هذه الاتفاقية باسميهما.
كانت معاهدة بريطانية – فرنسية سرية، شاركت فيها روسيا القيصرية التي كانت تتطلع لنشر نفوذ لها بالمنطقة، ولكنها سقطت بقيام الثورة البلشفية في روسيا، في أكتوبر 1917م. وقد كشفت هذه الاتفاقية، أول ما كشفت، من قبل الزعماء البلاشفة الروس الشيوعيين. فأحدث الإعلان عنها ردود فعل عربية وغير عربية غاضبة. من ذلك: قيام الثورة العربية بقيادة الشريف حسين. اضطرت بريطانيا، تحت ضغوط ردود الفعل، العربية والعالمية، هذه، إلى إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها... أدت إلى قيام بعض الدول العربية شبه المستقلة.
ولكن بريطانيا طعنت العرب بخنجر غدرها المشهود، فأصدرت يوم 2 نوفمبر 1917م وعداً بإعطاء فلسطين للصهاينة، لتكوين «وطن قومي يهودي» فيها. وهو الوعد الشهير بـ«وعد بلفور»، نسبة لوزير خارجية بريطانيا آنئذ. فوضعت بريطانيا بذلك الأساس لدويلة إسرائيل، وأعطت أرضاً لا تملكها لعصابات لا تستحقها. ولم تكتف بريطانيا بذلك، بل سهلت قيام الكيان الصهيوني ودعمه حتى الآن، بعد زرعه في قلب الأمة العربية. وما زال هذا الدعم متواصلاً.
ولامتصاص الشعور القومي العربي المتزايد، في تلك الآونة، نحو الاتحاد العربي، رتبت بريطانيا لإقامة «جامعة الدول العربية» بميثاقها المعروف... الذي يوحد العرب اسمياً، ويفرق بينهم ويمزقهم أشتاتاً في الواقع العملي كما هو معروف من قبل جميع المعنيين. ومع ذلك، يجب ألا تلام بريطانيا وحدها على هذه الفرقة، التي يجب أن يتحمل أغلب العرب، ماضياً وحاضراً، وخاصة نخبهم، معظم مسؤوليتها.
****
بدئ في التمهيد لمعاهدة سايكس – بيكو خلال الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914م، واستمرت حتى عام 1918م، وعندما كانت الدولة العثمانية تترنح، حتى أطلقت عليها صفة «الرجل المريض»، والذي أصبحت مناطق نفوذه وممتلكاته وسيادته نهباً للمستعمرين والطامعين الأوربيين، الذين تكالبوا عليها بشراسة. وقد سبق إبرام هذا الاتفاق عقد مفاوضات سرية بين بريطانيا وفرنسا لاقتسام العالم العربي بعد تقسيمه، وترك لفرانسوا بيكو ومارك سايكس تنفيذ ما اتفق عليه، وإكمال إجراءات التقسيم المقترح، والقسمة المبيتة على الأرض.
جيء بخارطة للمنطقة، وبدئ في رسم الحدود المقترحة لمعظم بلادها. رسم سايكس خطاً يمتد من مدينة عكا بفلسطين إلى مدينة كركوك بالعراق... مقسماً المنطقة إلى نصفين، دون مراعاة للاختلافات العرقية والمذهبية. أُعطيت سوريا وما جاورها للفرنسيين، والعراق وجنوب شبه الجزيرة العربية للبريطانيين، وكذلك بقية المناطق على النحو الذي استمر حتى الوقت الحاضر. ولم تقم دولة كردية.
وبعد انكشاف أمر هذه الاتفاقية، وقع البريطانيون والفرنسيون في حرج كبير أمام المجتمع الدولي، خاصة في فترة كان المجتمع الدولي فيها يعمل على إنهاء الاستعمار القديم. وتخفيفاً لهذا الحرج، حاولت بريطانيا وفرنسا الإيحاء للعالم بأنهما بهذا الاتفاق تمهدان لاستقلال هذه البلاد رسمياً. ومع ذلك، تم التأكيد على محتوى هذه الاتفاقية في مؤتمر سان ريمو عام 1920م، ثم أقر مجلس عصبة الأمم وثائق «الانتداب» على المناطق المعنية وفق ما اتفق عليه سايكس وبيكو.
وأكدت معاهدة لوزان عام 1923م ما اتفق عليه، مع إجراء تعديلات طفيفة... شملت التنازل عن أجزاء من شمال سوريا لتركيا، وغيرها. وفى المغرب العربي، تناوبت كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا على رسم الحدود في ما بين البلاد المغاربية العربية. فأصبحت هناك، في نهاية الأمر، 22 دولة عربية بحدود تم التوافق عليها عالمياً، ومن ثم عربياً.
إن أسوأ ما تمخض عن اتفاقية سايكس – بيكو هو تمزيق العالم العربي، ورسم حدوده بما يتوافق ومصالح الغرباء والمستعمرين، وبما تسبب لاحقاً في نشوء مشاكل عربية - عربية لا حصر لها. هذا، إضافة إلى زرع الكيان الصهيوني الدخيل في قلب الوطن العربي، ليمثل قاعدة متقدمة، تهدف لإيذاء وإضعاف وتدمير هذا الوطن الكبير، وعرقلة أي محاولة جادة له للنهوض والازدهار والاتحاد. ويقوم الكيان الصهيوني بدوره الهدام هذا منذ نشوئه في العام 1948م. ثم قامت فرنسا وبريطانيا بتسليم الراية (المنطقة) لأمريكا. فواصلت أمريكا النهج، وطبقته أضعافاً مضاعفة. فكانت المأساة - وما زالت - أشد إيلاماً، وأكثر خطورة.
00:06 | 15-06-2025
تركيا والكيان الصهيوني.. !
لا شك أن الجمهورية التركية دولة إسلامية كبرى. فهي بموقعها، ومساحتها الممتدة 783,562 كم2، وعدد سكانها البالغ 85 مليون نسمة، تشكل إحدى أكبر دول الإقليم العربي. وكونها «إسلامية»، يجعلها إحدى أكبر الدول الإسلامية، وأقرب للشرق، ولعالمها العربي، والإسلامي، منها للغرب. غير أن ميل الحكومات التركية المتعاقبة نحو الغرب، وعضويتها في حلف «ناتو» دفعها للتهدئة مع إسرائيل.
ولكن، حصل في الفترة الأخيرة، تدهور ملحوظ في العلاقات التركية- الإسرائيلية، بسبب رفض تركيا لعمليات الإبادة الجماعية، التي ترتكبها إسرائيل، ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني. كما أن فصلاً جديداً في هذه العلاقات قد فتح، اعتباراً من يوم 8 ديسمبر 2024م، يوم هروب بشار الأسد من سوريا، بلور عقدين من التوتر، فيما بينهما. وربما سيسجل في هذا الفصل، تدهور أكثر، كما سوف نوضح.
****
إذ يبدو الآن أن خلافاً حاداً سينشب بين الطرفين حول سوريا، والوضع المضطرب فيها. فمنذ انهيار نظام بشار الأسد، طفت على السطح المصالح المتضاربة بين الجانبين في سوريا. فكما هو معرف، تسعى إسرائيل بقوة لإضعاف سوريا، تمهيداً لتقسيمها الى دويلات وكيانات، طائفية، ومذهبية، وعرقية، متنافرة. وهنا لا بد أن نعود لبداية تأسيس الكيان الصهيوني، وقادتها الأوائل. فهناك تصريح شهير لـ(ديفيد بن جوريون)، أول رئيس للوزراء بإسرائيل، قال فيه حرفياً: «لا يمكن ضمان أمن إسرائيل، إلا بتدمير ثلاث دول عربية مجاورة، هي العراق، وسوريا، ومصر». وقد تم تدمير العراق وسوريا.
وبما أن إسرائيل تهدف لإضعاف سوريا، عبر تقسيمها، فإنها ترى بأنه ليس من الضروري القلق على من سيحكم سوريا، بعد نظام بشار الأسد، المهم أن يكون تحت هيمنة إسرائيل. كانت إسرائيل، كما هو معروف، تؤيد نظام الأسد بقوة، وتعتبره كنزاً استراتيجيا لإسرائيل؛ لأنه كان يمنع مهاجمة الكيان الصهيوني من سوريا. والمهم، بالنسبة لإسرائيل، أن يكون النظام السياسي بعد نظام بشار، ضعيفاً، ومفتوحاً للعربدة الإسرائيلية، متى وجدت ذلك ضرورياً. والواقع، أن إسرائيل استباحت أراضي سورية جديدة، واحتلت مناطق في الحدود الجنوبية لسوريا، كما هو معروف.
****
ومن ضمن الوسائل القذرة التي تتبعها إسرائيل لتفتيت سوريا، هي دعم بعض الأقليات، وفي مقدمتها الأقلية الكردية. ووعد الأكراد بمساعدتهم في إقامة دولة خاصة بهم.. في إطار تقسيم سوريا، وابتزاز تركيا. وكما ذكرنا، فإن تعداد سكان تركيا حوالى 85 مليون نسمة، حوالى 20% منهم من الاكراد، الطامحين لإقامة دولة خاصة بهم، تضمهم وبقية الأكراد، المتواجدين في كلٍّ من العراق، وسوريا، وإيران، وغيرها. ويبلغ تعداد الأكراد، في هذه الدول، حوالى 34 مليون نسمة (15 في تركيا، 10 في إيران، 5 في العراق، 2.5 في سوريا، 1.5 في دول أخرى).
يعتبر الأكراد أكبر أقلية في تركيا، وتمثلهم جماعة معارضة مسلحة محظورة، تسمى (حزب العمال الكردستاني) (PKK) تسعى لأن يكون لهم دولة مستقلة خاصة بهم. وفي القرن العشرين، بدأت محاولة إقامة دولة (كردستان) المستقلة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضع التصور الذي أصبحت عليه الدولة التركية، والذي أدى إلى إجهاض قيام دولة كردية. وذلك إثر توقيع معاهدة لوزان، سنة 1923م. وما زالت (المسألة الكردية) معلقة، كالقنبلة الموقوتة.
هذا التطلع يفزع تركيا، ويجعلها تحاول إيقافه. فتنامي سلطان الأكراد في سوريا، يهدد وحدة وتماسك الجمهورية التركية، في المدى الطويل. ويعد ذلك من أخطر ما يواجه الدولة التركية، بوضعها الحالي، ومنذ استقلالها عام 1923م. إن بتركيا حوالى 15 مليون كردي، يتمتعون بالجنسية التركية. وقيام دولة كردية في سوريا، سيصاعد من تطلع الأكراد الملح، لضمها، وإقامة الدولة الكردية المنتظرة.
****
وحاولت تركيا إجراء انتقال سلس للسلطة، بعد انهيار نظام بشار الأسد. فعدم استقرار سوريا يهدد أمن واستقرار تركيا. وسوريا مقسمة تعيق طموحات تركيا. فأطماع إسرائيل في تركيا تتقاطع مع الأهداف التركية. إسرائيل تخشى تكوّن هلال سني، يمتد من الأردن حتى تركيا، وعبر سوريا. لكل ذلك، يتوقع أن يتصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل، حول سوريا. وهذا التوتر يميل للتطور إلى وضع من الأوضاع الثلاثة التالية:
- نشوب حرب غير مباشرة بين الطرفين: حيث تساعد إسرائيل الميليشيات المتمردة على دمشق، بينما تدعم تركيا الأطراف المؤيدة للنظام السوري الجديد.
- الصدام المباشر: وهذا يعني دخول الطرفين في حرب مباشرة. وهذه الحرب، إن حصلت، ستعني دخول دولة عضو في حلف ناتو، في حرب مع إسرائيل، ربيبة الولايات المتحدة.
- التفاوض لتقاسم السيطرة والنفوذ في سوريا: وقد يستلزم ذلك تدخل وسيط، مقبول من الجانبين.
ومن المتوقع، أن يحصل أحد هذه الاحتمالات، في المدى القريب.
00:00 | 8-06-2025
اقرأ المزيد