-A +A
رامي الخليفة العلي
بينما كان عام ٢٠٢٠ يلملم أوراقه الأخيرة مسدلاً الستار على أحداث جسام أحاطت بسكان المعمورة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وبينما سادت حالة من التفاؤل بسبب إنتاج لقاحات متعددة لفايروس كورونا، أبت السنة المنصرمة أن تغادرنا إلا وتترك غصة عندما نزل خبر وفاة المخرج السوري الكبير حاتم علي في أحد فنادق العاصمة المصرية القاهرة نتيجة أزمة قلبية، نزل الخبر كالصاعقة على كثير من العرب وأغلب السوريين، فالموت كان مفاجئاً، وكأنه لم ينل الشخص بقدر ما أصاب شعباً كاملاً في ذاكرته ووجدانه.

حاتم علي الذي بدأ حياته ممثلاً وسرعان ما انتقل إلى مجال الإخراج، لينجح بعد ذلك في رسم حياة مواطنيه بالصورة والمشهد. بينما كانت أنظار السوريين مشدودة إلى (الفصول الأربعة) أو (عصي الدمع) أو غيرها من حكايات حاتم علي، كانوا يرون ذواتهم مجسدة على الشاشة الصغيرة، شعروا بأن هذا الرجل هو مرآتهم التي يرون من خلالها أحلامهم وآمالهم. نعم، كان الشعب يحب حاتم علي لأنه منهم، لم يكن يتعالى على تفاصيل حيواتهم، بل كان يعشقها فيقدمها بصورة تليق بهم، ببساطة احترم علي جمهوره فأحبوه.


الشخص ودماثته وإبداعه الفني، وحضور الوطن في تفاصيل ما ينتج، كل هذه أسباب كافية لتجعل الحزن كبيراً، ولكن ما زاد من ألم السوريين أن تغريبتهم طالت وابتعد الوطن وبهتت صورته، حاتم علي وصورته كانا قوة شحن تعيد ذكريات وتجلي درن الغربة.

مات حاتم علي والشعب مكسور. روحه محطمة، آماله منثورة في بقاع الأرض، تشتتت العائلات وتفككت المجتمعات وسكن الأغراب وطننا واغتصبوا أرضنا، بينما مات حاتم علي بعيداً عن محبوبته دمشق حتى وإن لف ثراها جثمانه، الجميع من اللاجئين السوريين كل واحد منهم كان يرى نفسه وهو يتابع جنازة علي، فهو كما علي بعيد عن وطنه ويمكن أن تخطفه يد المنون، لا بل حتى ثرى الوطن أصبح رفاهية يخشى الجميع أن لا يحظى بها.

مات حاتم علي ولم يف بدينه لأبناء جلدته، لأنه لم يرسم تغريبتهم الدامية والقاسية، وهذا ما أثار الفجيعة في النفوس، مع ذلك فنحن محكومون بالأمل كما كان يقول سعد الله ونوس، عسى أن يكون حاتم علي قد مهد الطريق وهيأ التربة لجيل جديد من المبدعين، حتى تعود سوريا كما عهدناها وكما أرادها حاتم علي.

باحث سياسي

ramialkhalife@