-A +A
أسامة يماني
سعى الفكر الظلامي الذي يُروج للكراهية والفرقة بين البشر إلى تحريم مشاركة الآخر في أعياده ومناسباته الدينية والاجتماعية. وحرم البعض حضور أو استخدام بعض من المواد التي ترمز للمناسبة، مثل البيض الملون والورد الأحمر، وغير ذلك من أمور.

الهدف من هذا التحريم والمنع، خلق جدار من الفرقة والكراهية والاختلاف. ولقد أصّلوا لهذا التحريم والمنع والزجر والنهي بمبررات عدة، منها عدم التشبه بالمخالف أو الخوف على العقيدة والبعد عن الشركيات. وغير ذلك من مبررات واهية كاذبة خاطئة.


إن الله خلق التباين والاختلاف سنة من سُنن الكون؛ فهناك الليل والنهار، والشتاء والصيف، والصحاري والغابات، والأنثى والذكر، والكبير والصغير.

كما أننا خُلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف ونتكامل. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

هذه المفاهيم والمبادئ القرآنية حاول البعض الالتفاف عليها بطرق عدة وبحجج مختلفة، لتأصيل الخلاف والفرقة والشقاق والكراهية في المجتمع الواحد، ومع الآخر لتحقيق أهداف سلطوية ومصالح مادية.

يوم الزينة هو أحد أعياد ومناسبات قدماء المصريين، وهو اليوم الذي حدده موسى عليه السلام موعداً مع فرعون والسحرة ليلتقوا فيه. ولو كان حضور هذه الأعياد والمناسبات حراماً لما حدد موسى عليه السلام موعداً فيها.

وكُتب السيرة والرواية تُحدثنا كيف أن رسول الله محمد عليه السلام، صام احتفالاً بنجاة موسى عليه السلام كما كان يفعل اليهود بالمدينة.

لقد جعل بعض الظلاميين من أعياد الميلاد شيئاً محظوراً، وربطوه بالعقيدة والتوحيد والبعد عن التشبه. ونسوا قوله تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

فالعيد فرح وسرور وتجمع واحتفال لا شأن له في الأغلب والأعم بالجانب العقائدي. والعيد لغة تعني التكرار والإعادة. وقد جاء في معجم المعاني الجامع: عَيَّدَ: (فعل)

• عيَّدَ يعيِّد، تعييداً، فهو مُعيِّد

• عَيَّدَ: شَهِدَ العِيدَ واحتفلَ به

قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). والبرّ «في لغة العرب اسم، وهو مصدر بَرَّ، ومنه: بِرُّ بِالوالِدَيْنِ دلالة على الإِحْسان إليهما وطاعتهما. وهو اسم يُطلَق على كلّ خيرٍ وإحسان وفضْل؛ فالصدق والصلة والعطاء والصلاح والتقوى كلّها أفعال برّ، فالبرّ كلمة جامعةٌ لكلِّ صفات الخير، ونقول: فعل مبرور، أي: لا شبهة كذب ولا خيانة فيه».

أما القسط اصطلاحاً، فهو العدل والتسوية. مما يدل على مدى التسامح والمحبة في ديننا الحنيف.

ومن هنا يتضح أن الاجتهاد الخاطئ الذي يقوم على رأي فقهي يُضيق الفكر ويُفرق بين البشر، ويدعو باطناً وعملاً على الكراهية والعداء للآخر غير مُبرر في عصرنا الحالي. والله المستعان.

* كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com