حمد في أعلى وسط الصورة ضمن لجنة الإعداد لاحتفالات العيد الوطني الأول عام 1972.
حمد في أعلى وسط الصورة ضمن لجنة الإعداد لاحتفالات العيد الوطني الأول عام 1972.




حمد جيمس بلغريف.
حمد جيمس بلغريف.
حمد بلغريف (الأب) مع الشيخ سلمان على ظهر سفينة تقليدية.
حمد بلغريف (الأب) مع الشيخ سلمان على ظهر سفينة تقليدية.




تشالرز بلغريف وزوجته مارجوري.
تشالرز بلغريف وزوجته مارجوري.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني - أستاذ العلاقات الدولية في مملكة البحرين abu_taymour@
الباحث في تاريخ البحرين المعاصر سيجد أمامه العديد من المؤلفات التي تتناول حياة مستشار حكومة البحرين سير «تشالرز بلغريف»، المولود بسويسرا في 1894 والمتوفى في بريطانيا في 1969. فهذا البريطاني، الذي اختارته عام 1926 حكومة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها ليتولى مستشارية الحكومة المعنية بشؤون البلاد الداخلية، ارتبط اسمه بأحداث حقبة كاملة من تاريخ البحرين والمنطقة، بل ربما أكثر الحقب في تاريخ البحرين من حيث التحولات ذات التداعيات العميقة على أحوال أجيال بكاملها.

وهو لئن استطاع، بفضل قدراته ومواهبه الاستثنائية المتنوعة المستمدة من عمله كضابط إداري في قسم المستعمرات في تنجانيقا، وكضابط احتياط في الجيش البريطاني في دارفور وفلسطين ومصر، وكطالب متخرج من جامعة أكسفورد، وكدارس لبعض الوقت في كلية الدراسات الأفريقية والشرقية التابعة لجامعة لندن، وكمُلم باللهجات العربية المختلفة فضلا عن الهندية والسواحيلية والفرنسية، أن يحظى بتقدير وإعجاب ومساندة الشيخ حمد، فإن الأمر الآخر المنبثق عن ذلك الإعجاب والتقدير كان تكليفه بجملة من الأعباء الوظيفية الثقيلة. إذ تولى مناصب: القاضي في محكمة البحرين حديثة التأسيس؛ قومندان الشرطة؛ والمشرف العام على دوائر الصحة والمعارف والأشغال والمساحة والجمارك.


مذكرات بلجریف

ولعل من أبرز ما قدمه الرجل للباحثين والدارسين هو مذكراته ويومياته التي ترجمها ونشرها الباحث الصديق مهدي عبدالله في كتابه «مذكرات بلجریف مستشار حكومة البحرین سابقاً» والتي لولاها لغابت تفاصيل كثيرة عن الأحداث التي عاشتها البحرين منذ اختياره لشغل منصب المستشارية من خلال إعلان توظيف نشرته حكومة البحرين في صحيفة التايمز البريطانية، وحتى 18 أبريل 1957. لقد توقف الكثيرون عند هذا اليوم ليس لأنه أرخ لخروج رجل مثير للجدل من البحرين نهائيا فحسب، وإنما أيضا بسبب ما أحاط برحيله. فشخصية كهذه، جمعت تحت يديها على مدى 31 عاما كافة المناصب المهمة في واحدة من أهم المناطق الاقتصادية في الخليج وأكثرها تطورا في تلك الحقبة، كان بإمكانها والحالة هذه أن تثري ثراء فاحشا عبر استغلال مناصبها ونفوذها وعلاقاتها، وأن تنقل معها يوم رحيلها ثروة طائلة، لكن صاحبنا خرج من البحرين كما جاءها. ويعزز قولنا هذا عن أمانته ونظافة كفه أنه حينما زاره الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان في لندن في ستينات القرن العشرين، وجده يقيم مع زوجته في شقة صغيرة متواضعة دون خدم أو حرس أو مظاهر ترف، وقد ظل على هذا الحال حتى تاريخ وفاته.

ومما كتبه تشالرز بلغريف في الصفحتين 170 و176 من مذكراته المترجمة إلى العربية يتبين أنه غادر البحرين هو وزوجته وابنتهما بالتبني في صباح يوم 18 أبريل 1957 دون أن يرافقهما ابنهما الوحيد، لأنه فضل البقاء في البحرين للعمل في خدمة حكومتها.

قلنا إن مؤلفات عدة نشرت عن تشارلز بلغريف، فباتت سيرته وأعماله وإسهاماته وكل ما أخذه البعض عليه معروفا. غير أن سنوات طويلة مرت دون أن يحظى ابنه بشيء من الأضواء، رغم أنه، كوالده، أحب البحرين وقدم لها خدمات جليلة غير تلك التي شغلت أبيه. وظل الأمر كذلك حتى عام 2017 حينما أطلقت الإعلامية البحرينية أمل المرزوق كتابها «جيمس بلغريف.. سيرة أول بريطاني يولد في البحرين» (مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث/‏‏ المحرق/‏‏2017).

ولد بلغريف الابن بالمنامة في 22 إبريل 1926 أي بعد نحو ثلاث سنوات من حلول والديه بالبحرين، فأطلق عليه والده اسما مركبا يمزج الشرق بالغرب هو «حمد جيمس»، الأول تيمناً بحاكم البحرين السابق الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والثاني تيمناً بجده أدميرال البحر جيمس ريتشارد دلكرز. وبحسب الممرضة «ماجليس» التي أشرفت على العناية بحمد، فإنه كان يتمتع بصحة جيدة حين ولادته، لكنه تعرض سريعاً لوعكة صحية.

والدته هي السيدة مارجوري لبل باريت لينارد التي تزوجها والده في 27 فبراير 1926 بكنيسة القديس مارك في برايتون، واتفق معها ألا تزيد فترة إقامتهما في البحرين على أكثر من عشر سنوات. لكنها اندمجت تدريجيا في المجتمع البحريني وطاب لها المقام فنسيت مسألة العودة إلى بريطانيا، خصوصا مع انشغالها بعملها كمديرة لتعليم البنات وانخراطها مع نساء الأسرة الحاكمة وسيدات المجتمع في الأنشطة الخيرية والتوعوية.

أتى والده على ذكره في أكثر من مكان في مذكراته. فعن ظروف ميلاده كتب في الصفحتين 43 و44 النص التالي: «في أبريل 1929 رزقنا -أنا وزوجتي- بطفل حيث وضعته مارجوري في البيـت بمساعدة طبيبة من الإرسالية الأمريكية (روتس جافر). ونظراً لحالة الطفل الصحية السيئة سافرت زوجتي بعد ثلاثة أسابيع إلى انجلترا للعناية به هناك.. ثم عادت مع الطفل إلى البحرين في الشتاء التالي. وفي اليوم الذي ولد فيه ابننا أرسل الشيخ لي شاحنة محملة بستة أغنام بالإضافة إلى سيف موضوع في غمد ذهبي مع خطاب يتضمن التهنئة بالمولود الجديد! وحسب التقاليد المتبعة هنا ذبحنا الماعز ووزعنا لحومها على الجيران والأصدقاء! وقد صادف يوم ولادة الطفل وصول «جوفري برايور» المعتمد السياسي البريطاني الجديد للبحرين، فأرسلت إليه قطعة لحم كبيرة من فخذ الماعز، فأصيب بالدهشة والحيرة واعتقد فـي بادئ الأمر أن من عادة الحكومة البحرينية الترحيب بممثل ملك بريطانيا بهذه الطريقة، إلا أنْي أوضحت له الموضوع بعد ذلك! ولقد أبدى الشيخ حمد اهتماماً شديداً بابننا (وهو أول طفل بريطاني يولد فـي البحرين) وكـان مسروراً جداً عندما أخبرناه برغبتنا في اختيار اسم «حمد» كأحد أسمائه.. إلاّ أننا عندما قمنا بتعميده بالكنيسة في بريطانيا كان القسيس مستغرباً لاختيارنا هذا الاسم الذي -على حد قوله- لم يصادفه مـن قبل! كما أنني أتذكر أن الولد أصيب بالحمى لفترة طويلة ولم ينفع معها العلاج الطبي.. وحينها قال لي الشيخ القلق على حالته: إنني أعرف علاجاً سيشفي ابنك من المرض، لكنني لا أعتقد أن زوجتك ستوافق عليه! ولما سألته عن هذا العلاج، أجاب: كي جسم الطفل بقضيب من الحديد الساخن بواسطة شـخص خبير في هذا النوع من العلاج الشعبي! ومع إيماني بأن هذا العلاج كان البحرينيون يستخدمونه لعلاج أمراض عديدة وأنه أثبت فعاليته في بعض الحالات، إلاّ أنني أبلغت الشيخ بأن زوجتي لن توافق عليه، فقال إنه سيأتي إلى منزلي ويقرأ بعض الآيات والصلوات من أجل شفائه! وفي تلك الليلة جاء الشيخ حمد، وذهب إلى غرفة نوم ابننا الذي كان نائما وتركناه بمفرده مع الطفل. وعقب فترة بسيطة خرج إلينا قائلا: سوف يشفى ابنكم إن شاء االله. وبالفعل، فبعد أيام قليلة تماثل الولد للشفاء. وعندما وصلت القصة إلى أسماع المبشرين في الإرسالية الأمريكية أبدوا غضبهم».

مارس تشالرز بلغريف الشدة في تربية حمد، وكان دائم التدخل في خصوصياته، بل رسم الكثير من خطوط حياته ومستقبله. أراده محافظا على أصالة وعراقة وتراث عائلته، ومواظبا على سلوكيات أبناء العائلات الأوروبية الرفيعة، ولم يرده مدللا ومتحررا كأقرانه البريطانيين. ومن جانبه حاول حمد، منذ صغره، أن يتشبه بوالده لجهة الشغف بالرسم والتصوير ومساعدة الآخرين وتكوين الصداقات والتعرف على المجتمع البحريني. ومن أمثلة ذلك أنه شارك والده، خلال فترة مراهقته، في جمع التبرعات لبناء كنيسة «سانت كريستوفر» في المنامة (افتتحت في مارس 1953) من منطلق رغبته الشخصية في تقديم العون والمساعدة للآخرين. حيث ساعد والده في استئجار حمير البلدية، وسهل على الأطفال عملية ركوبها في تجوال قصير مقابل بضع آنات (الآنة من وحدات الروبية، حيث الروبية تساوي 16 آنة).

الدراسة في الهند

درس حمد المرحلة التحضيرية في بريطانيا في الثلاثينات، لكن بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية انتقل في عام 1940 إلى الهند البريطانية حيث أكمل تعليمه ما قبل الجامعي في كشمير وكراتشي. بعد ذلك عاد إلى البحرين ليجد والده يطلب منه أداء الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش البريطاني. ورغم أن عوامل، مثل كونه ابناً وحيداً لوالديه ومثل إقامته خارج الأراضي البريطانية، هيأت له فرصة التنصل من أداء الخدمة العسكرية، إلا أنه أداها استجابة لرغبة والده الذي كان يرى في العسكرية مجالا خصبا لبناء الفرد على الانضباط والالتزام، أو ربما تأسيا بأجداده. وهكذا ذهب حمد إلى فلسطين. وهناك أدى الخدمة العسكرية الإلزامية في الفترة ما بين عامي 1946 و1947 في قسم التحقيقات الجنائية التابع للشرطة البريطانية بالقدس.

حارس نفطي

في عام 1948 أمر الشيخ حمد بن عيسى بتعيين حمد بلغريف في الشرطة بوظيفة مسؤول عن قياس النفط وفحصه في الخزانات وعلى ظهر السفن. كانت طبيعة هذه الوظيفة أمنية منعا لسرقة النفط وبيعه في السوق السوداء. وعلى مدى سنة تقريباً عمل في هذه المهنة التي وصفها ساخرا بـ«حارس نفطي»، لأنه لم يخطر قط على باله أن يمارسها، هو الذي لم يحب يوما الأرقام والرياضيات والنفط، وعشق بدلا منها التاريخ والتراث.

وبانقضاء تلك السنة المملة من حياته قرر والده أن يرسله إلى بريطانيا لإكمال دراسته الجامعية، فاختار له الدراسة بنفس الكلية التي تلقى هو فيها دورات في اللغة واللهجات العربية زمن شبابه، وهي كلية الدراسات الأفريقية والشرقية.

صادف عودة حمد إلى البحرين في الخمسينات بعد تخرجه من جامعته قيام شركة نفط البحرين (بابكو) بتأسيس دائرة للعلاقات العامة والإعلام، فأوكلت الشركة إدارتها إلى حمد.

وقد تجلت مهارته في قيادة هذه الدائرة، وهي الأولى من نوعها على مستوى البحرين والخليج، في أمور عدة منها: إصدار صحيفة النجمة الأسبوعية لنشر كل ما يتعلق بأخبار بابكو والنفط؛ عقد المؤتمرات الصحفية للصحافة والمراسلين المحليين والأجانب لأول مرة في البحرين؛ إنتاج الأفلام الوثائقية والتوعوية والترويجية والتثقيفية عن البحرين وأنشطة بابكو؛ تشجيع رؤسائه الكبار على الاستثمار في الإنسان البحريني من خلال ابتعاثه للتأهيل في جامعة بيروت الامريكية؛ التي تردد عليها كثيراً لأغراض غير دراسية بشهادة صديقه الفنان التشكيلي البحريني عبدالكريم العريض الذي اتفق مع آخرين على أن أول زيارة لحمد إلى بيروت كانت في منتصف الأربعينات من أجل حضور حفل تدشين رابطة طلبة البحرين هناك.

كيف استغله قوميو «صوت البحرين» ؟

لم يكن حمد طارئا على مجال الإعلام. ففي نهاية الأربعينات شارك مجموعة من الشباب البحريني من ذوي التوجهات القومية والناصرية المعادية للبريطانيين في تمهيد السبيل لإطلاق صحيفة «صوت البحرين». وملخص القصة أن هؤلاء تقربوا منه وعينوه ضمن هيئة التحرير، ليس حبا فيه وإنما من أجل استخدامه جسرا للحصول على الترخيص اللازم لإصدار الصحيفة.

وهكذا حصلت الصحيفة على الترخيص وصدر أول أعدادها عام 1950، بل نالت دعم الحاكم الشيخ سلمان، رحمه الله. أما حمد الذي وثق في المؤسسين وصدّق أن صحيفتهم مطبوعة ثقافية اجتماعية لا علاقة لها بالسياسة، فقد تم تقليص دوره ومهامه إلى أقصى حد؛ باعتباره ابن المستشار البريطاني المغضوب عليه، من بعد الصبر عليه لبعض الوقت عله يساعد في جلب ترخيص آخر لتأسيس مطبعة خاصة بطباعة الصحيفة. لكن ما حدث أن الحكومة امتنعت عن الترخيص للمطبعة تفادياً لاحتمال استخدامها في طباعة المنشورات السياسية التحريضية، كما أن الحكومة أغلقت صحيفة صوت البحرين عام 1954م بعد أن ثبت لديها أنها أداة للتحشيد السياسي في مرحلة عربية مضطربة.

خلال عمله في بابكو أصيب ذات مرة بوعكة فذهب للعلاج في مستشفى عوالي التابع للشركة، وهناك التقى بالممرضة البريطانية «إند ماري كوتس»، فوقع في حبها من أول نظرة، وسرعان ما تزوجها بمباركة والديه، وأخذها في رحلة شهر عسل إلى القدس. وبمرور الوقت وبينما كان الرجل يعزز موقعه في بابكو كان عشقه لزوجته يتجذر إلى حد وصفه لها بأنها «كل شيء في حياته» وبأنها «محور الدنيا»، لذا كان حزنه عليها محطما حينما توفيت عام 1978 بعد مرض عضال تاركة خلفها ابنتين، إحداهما مصابة بتخلف عقلي وصرع.

وحينما حان وقت الاحتفال بإعلان استقلال البحرين سنة 1971م قاد حمد مجموعة من العاملين البحرينيين في بابكو لتنظيم احتفال بهذه المناسبة التاريخية. ومما ذكر في هذا السياق أن أحدهم شكك في صواب أن يقود رجل بريطاني تنظيم احتفال برحيل البريطانيين، فكان رده عليه: «أنا بحريني أكثر من كثير من البحرينيين.. لا تحدثني عن الوطنية، فهويتي البريطانية ليست عائقا أمام قلبي البحريني».

تأسيس «العلاقات العامة» في حكومة البحرين

في عام 1953م استدعاه عظمة الحاكم الشيخ سلمان ليكلفه بتأسيس دائرة العلاقات العامة لحكومة البحرين، والعمل على تدريب كوادرها الوطنية. وكان هذا الاختيار بسبب الخبرة التي راكمها حمد من عمله في نفس المجال لدى بابكو. وبهذا انتقل الرجل من العمل في شركة تابعة للحكومة إلى العمل لدى الحكومة.

كانت حكومة البحرين -وقتذاك- في حاجة ماسة لمثل هذه الدائرة من أجل الاتصال بالإعلام الخارجي ونقل الأخبار الصحيحة عما يدور في البلاد في وقت كانت تواجه فيه حملات لزعزعة أمنها واستقراره تأثرا بالدعايات الناصرية، لذا لم يدخر حمد وقتا للقيام بمسؤولياته. فكان يصل الليل بالنهار وهو يعمل من مقره بباب البحرين في قلب المنامة على ترجمة بيانات الحكومة وطباعتها وإرسالها إلى وكالات الأنباء العالمية بمساعدة نائبه البحريني حسين المنديل والمترجم السعودي المقيم في البحرين كريم حجاج.

لم يكتف حمد بما سبق، فساهم في تأسيس إذاعة البحرين سنة 1955، وأصدر عام 1957 مجلة «هنا البحرين» الشهرية التي ترأس تحريرها معلم اللغة العربية الشاعر العماني عبدالله الطائي، وحرص على توفرها في كل مكان بسعر زهيد تشجيعا للناس على القراءة، ودأب على التنظيم الدقيق لكل الفعاليات والمناسبات الرسمية وتغطيتها إعلاميا، وباشر استقبال ضيوف البلاد من الصحفيين العرب والأجانب بنفسه واقتيادهم لرؤية معالم البحرين السياحية والتاريخية، وأشرف على تنظيم معرض البحرين التجاري والزراعي السنوي، ورافق الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان بحكم منصبه إلى بعض المحافل.

وحينما توفرت للبحرين كفاءات محلية قادرة على الاضطلاع بمهامه قرر حمد أن يستبق احتمالات الاستغناء عن خدماته فقدم استقالته عام 1964 وغادر إلى بريطانيا، لكن حبه وحنينه لمسقط رأسه ظل مشتعلا. في بريطانيا أسس حمد مع مواطنه الدبلوماسي والباحث في التاريخ والتراث القديم «مايكل رايس» شركة متخصصة في العلاقات العامة والمتاحف. وسرعان ما افتتحت الشركة فرعا لها في البحرين لخدمة البحرين ودول المنطقة، فعاد حمد إلى البحرين للعمل في الفرع.

بعد فترة يقرر الرجل وزميله البحريني أحمد فخري أن يستقيلا من الشركة بهدف تأسيس عملهما المستقل في مجال العلاقات العامة، فينزعج رايس من فكرة المنافسة هذه، ويقرر ترك البحرين وإهداء مكتبه لحمد وفخري اللذين حولاه إلى «الشركة العربية للاستشارات» التي نجحت في عملها عبر تنفيذ أفكار إعلامية وتسويقية وتنظيمية مبتكرة واستقطاب رجال الأعمال والمستثمرين إلى البحرين وإقامة حفلات الاستقبال وغيرها.

توفي حمد بالمنامة في 29 يونيو 1979، ودفن بمقبرة المسيحيين في سلماباد بناء على وصيته كون البحرين أحب بقاع الأرض إلى قلبه بحسب ما سُجل عنه. وكان قبل وفاته قد أسس في مطلع 1971 أول مجلة بحرينية ناطقة بالإنجليزية وهي صحيفة «غلف ميرور» (إستمرت حتى 1987) من خلال شركة مساهمة شارك فيها تجار البحرين مع دعم فني واستشاري مجاني من مؤسسة تومسون. كما ترك خلفه بعد وفاته كتاب «Welcome to Bahrain» وهو أول كتاب سياحي وإعلامي وتاريخي حول البحرين وضع أساسا للزائرين الذين لا يتكلمون العربية (صدرت طبعته الأولى عام 1953 ثم استمر صدوره في طبعات جديدة كل عامين أو ثلاثة، بينما صدرت طبعة منه باللغة العربية سنة 1973).