الحارثي
الحارثي
-A +A
«عكاظ» (الرياض)

أكد عضو الجمعية العلمية القضائية السعودية الدكتور صالح بن عطية الحارثي، أن مكافحة الفساد ومحاسبة الموظفين عمل إسلامي أصيل، ونهج شرعي ثابت بالكتاب والسنة، وأمر متفق عليه فطرة وعقلاً.

ولفت إلى أن من فضل الله تعالى علينا في المملكة اضطلاع القيادة بهذا الأمر، وجهودها في هذا الصدد أكثر من أن تحصر، مشيراً في هذا الصدد إلى مباشرة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد خلال المدة الماضية (218) قضية من جرائم الفساد المالي والإداري.

واستحضر الحارثي كلمة خادم الحرمين الشريفين: «إن الفساد بكل أنواعه وأشكاله آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها وتنميتها، وقد عزمنا بحول الله وقوته على مواجهته بعدل وحزم لتنعم بلادنا بإذن الله بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن»، وكلمة ولي العهد: «إن لم تكن مكافحة الفساد من على رأس السلطة، فمعناه أنك ليس عندك مكافحة فساد... لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيّاً كان؛ سواء وزيراً أو أميراً، أيّاً كان».

وتناول في تصريحه عدداً من المسائل المهمة، وهي:

الفساد خروج عن الاستقامة

الفساد: في لسان العرب يعني: الخلل والضرر والاضطراب والتلف والعَطَب والخروج عن الاعتدال والاستقامة، فكل ما يضر وكل ما يؤدي إلى الضرر، فهو فساد ومفسدة، والمفسدة: الضرر، والفساد ضد الصلاح، والمصلحة عكس المفسدة، ومن ثم كان الفساد جديراً بالمكافحة، خليقاً بالقضاء عليه ومحاربته بكل ما يمكن، وهذا أمر متفق عليه فطرةً وشرعاً وعقلاً ونظاماً.

الله لا يحب الفساد ولا المفسدين

وقد أخبر الله تعالى عن عدم محبته للفساد والفاسدين والمفسدين وعدم رضاه عنهم في مواضع من كتابه فقال: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: 64]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77].

الفساد المالي والإداري من صور الفساد المحرم

وقد نهى الله تعالى عن عموم الفساد وخصوصه، ولا شك ولا ريب أن للفساد - بناءً على ما سبق - صوراً شتى وأشكالاً متعددة، ومن الفساد ما يعرف اليوم بالفساد المالي والإداري، ومن صوره: الاعتداء على الأموال العامة، والرشوة واستغلال النفوذ، وغسل الأموال، والتزوير والتزييف، والكسب غير المشروع، والتهرب الجمركي والضريبي، والاختلاس، والإخلال بالواجبات الوظيفية العامة، والمجاملة في ترسية العطاءات والمناقصات عمداً على شخص بعينه مع وجود من هو أفضل منه بين المتقدمين، إلى غير ذلك من صور الفساد المالي والإداري وأشكاله.

هيئة للرقابة ومكافحة الفساد

وقد أنشأت دولتنا «هيئة الرقابة ومحاربة الفساد»؛ انطلاقاً من قول الله تعالى: {ولا تبغِ الفسادَ في الأرض إن الله لا يُحب المفسدين} واستشعاراً للمسؤولية في حماية المال العام، ومحاربة الفساد، والقضاء عليه، على هَدْي كريم من مقاصد الشريعة الإسلامية المطهرة التي حاربت الفساد، وأوجدت الضمانات، وهيأت الأسباب لمحاصرته، وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها، وأفرادها، ومستقبل أجيالها.

حرمة المال العام

للمال العام حرمة كبيرة، والاعتداء عليه جرم عظيم، ولكن لماذا شدد الشرع في حرمة المال العام؟ والجواب: «لأنَّ الذي يَسْرق المال العام يَسْرق من الأصول التي بها حماية المجتمع من المجاعات والأَزَمات، فمَن اعْتَدى على هذا المال وأخذَ منه شيئاً دون وجْه حقٍّ فكأنَّما سَرَق من جميع أفراد الأمة، فيكون الجميع خصماءه يوم القيامة». نسأل الله العافية والسلامة.

حرمة الرشوة وخطورتها وتجريمها ولعن فاعلها

الرشوة: ما بذل من المال ونحوه؛ لإبطال حق أو لإحقاق باطل، وهي حرام وكبيرة من كبائر الذنوب؛ لما ثبت عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما»، واللعن: الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى عياذا بالله تعالى، فعلى سبيل المثال لا يجوز دفع شيء من المال إلى الموظف من أجل إنهاء المعاملة التي لديه؛ لأن هذا الدفع رشوة محرمة، والراشي: دافع الرشوة، والمرتشي آخذ الرشوة، والرائش هو: الوسيط بينهما.

ضرورة التفريق بين الشفاعة السيئة (الوساطة) والشفاعة الحسنة

قال المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ: «إن الشفاعة الحسنة التي فيها مساعدة الإنسان للوصول إلى حقه وقضاء حاجته أو دفع الظلم عنه أو الإصلاح بين الناس مشروعة شرعاً، أما الشفاعة السيئة التي فيها توسط يؤدي إلى الاعتداء على حقوق الآخرين أو ظلم لهم كتقديم شخص على غيره في استحقاق أو إعطائه ما لا يستحق أو كان فيها ما يضر بالمصلحة العامة فذلك محرم شرعاً».