يشعر القارئ لتجربة الراحل مساعد الرشيدي أن شعره وُلد واقفاً على قدميه، فالآباء الشعريون داخل تجربته بكل نرجسيتهم وكامل أناقتهم تركوا مساحات كافية لاستيعاب الأحدث من الصور والمفردات والمعاني ليغدو بيت الشِّعر لوحة سريالية لبيت الشَّعر تتهجى فيه أركانه وحول شبّة ناره متاعب (حاضن القمم) المسكون بهاجس إطفاء الريح ليلغي فكرة الرحيل:

كيف أطفي الريح بثيابك وكيف اشعلك

كيف اتنثر على جمـرك وكيـف احتويك

تصهل معاني حروف الرشيدي محاولةً الانعتاق من حياة الرتابة والانطلاق لفضاء الفتنة عبر فرد جدائل الليل على متن القوافي وحمس بن السهارى وطرح أسئلة وجودية لا تسكن إلا روحا مغرمة بفلسفة الأسئلة.

نقضت ليل الحرير وجيت ما انت لــ هلك

سمّيت باللي فتني بـك وقلت ابتديـك

في عالم الرشيدي رسم بالمجاز تذوب بين يديه كل الحقائق

هذا اول الدرب او هذا الطــريق اولك

جيت آتوقّـا عذابات المدى واهتديك

شوقـي مسافـة وهمساتـك مـدار وفلك

ان ما ظميتك غلا يا علني ما ارتويك

وعلى غرار الصوفي المتحرر من كهنوت الحساسيات التقليدية يصوغ شاعرنا من أدبيات بمستوى النفري وابن عربي والحلاج، فالقُرب حجاب. وكلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة:

إيه اعرفك واعرف اني من غلاك اجهلك

مرات اضمّـك واخـاف اني مشبّه عليك

مـرات اشوفـك بنفس الوقت واتخيـلك

وانشد كفـوفي عن اخر سالفة من يديك

وفي أعلى ذروة الحداثة يعود البدوي لطقوسه، ويتذكر الصلل والدّلة والناصية المشرئبّة للخطار:

أعـنّ لك لـو تصّـب المـوت واتهيّلك

واجـوع لـك وآتمـنى خنجـرك واشتهيـك

وبما أن الشعر (النسيب) يحضر العاشق المعشوق في الختام عوضاً عن المطلع شأن شعراء الأطلال ليحلّق بالتأويل في أرقى مدارجه ويستحيل الحسي ونتحسس المستحيل:

ما قلـت لك عمر سيـف العشق ما يقتلك

ما تشوفني حي قدامك وانا امـوت فيك

اشتقت لك قبل اجيك وجيت واشتقت لك

البارحة طول ليلي بين هذي وذيـك

مليت جمـر انتظارك واستحيت أسألـك

واحسبتني ما بعد جيتك وفكرت اجيـك،

اثرك بقلبي من البارح وانا استعجلك

واثري نسيتك من الفرحة وقمت احتريك