-A +A
واس (مكة المكرمة - المدينة المنورة)
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، المسلمين بتقوى الله عزّ وجلّ والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.

وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام اليوم، إن من أوصاف المؤمن التي تبين حقيقة حاله، وتكشف عن نبل أصله وكريم خصاله، وصفه بأنه طيب، وكل امرئ منا يحب أن يوصف بذلك، ويكره ويبغض أن يوصف بأنه خبيث، بل وينفر من أن يكون من أهل هذا الطبع فإذا كان الأمر كذلك فما هي صفات الطييبين ؟ وبأي شيء يتميزون ؟ وكيف يعيشون ؟.


وذكر جملة من النصوص الشرعية التي تجيبنا عن هذه التساؤلات، فعَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ قالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تعالى خلقَ آدمَ مِن قَبضةٍ قَبضَها مِن جَميعِ الأَرضِ فجاءَ بنُو آدمَ على قَدْرِ الأَرضِ فجاءَ منهُم الأَحمَرُ والأَبيَضُ والأَسوَدُ وبَينَ ذلكَ والسَّهلُ والحَزْنُ والخَبِيثُ والطَّـيِّبُ). رواه الترمذي، وقال هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، فهذا يدل على التفاوت الفطري في الطباع الخَلْقية، وفي مسند الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَالَّذِي نَفْسُ ‏مُحَمَّدٍ‏ ‏بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ‏ كَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِد) فشبّه عليه الصلاة والسلام المؤمن الذي تكاملت فيه خصال الخير باطناً وأخلاقُ الإسلام ظاهراً بالنحلة التي تأكل بأمر مسخرها سبحانه (ثم كلي من كل الثمرات..) وإن وضعت، وضعت طيباً فلا يخرج منها إلا الطيب (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس..) وهكذا المؤمن طيب الأفعال كريم الأخلاق صالح الأعمال.

وقال الشيخ غزاوي، إن الإنسان الطيب هو الطاهر المطهر الذي يحرص على أن يتجرد من كل نقص ودنس يتطرق إليه ويُخل بإيمانه، وينأى بنفسه عن التلبس بالجهل والفسق وقبائح الأعمال، وفي المقابل يتحلى ويتجمل بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال ويسعى في إصلاح نفسه وتقويمها وتكمليها، فطاب قلبُه بمعرفة الله ومحبتِه، ولسانُه بذكره والثناءِ عليه، وجوارحُه بطاعته والإقبالِ عليه، روى الإمام أحمد وغيره عن علي رضي الله عنه قال جاء عمار بن ياسر يسـتأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ائذنوا له مرحباً بالطيب المطيّب) أي الطاهر المطهر.

وأوضح أن المؤمن طيب في كل شيء في أعماله وتصرفاته وتَجواله وتنقلاته وفي حياته وبعد مماته فإن سألتم عن نفس المؤمن فهي نفس طيبة، فعن معاذ بن عبْدِاللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَنْ َبِيهِ عَنْ عَمِّهِ قال (كنا في مجلس فجاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى رأسه أثر ماء، فقال له بعضنا : نَرَاكَ اليوم طَيِّبَ النَّفْسِ ؟ قفَالَ : أَجَلْ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ أفاض القوم في ذكر الغنى، فَقَالَ : لا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، َوطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النعَيمِ) رواه ابن ماجه.

وأضاف فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، أن من النعيم أن يكون العبد طيب النفس، وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على مكان كلِّ عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) قال ابن حجر رحمه الله: والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس، وقال ابن عبد البر رحمه الله: هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو إلى النافلة بالليل فغلبته عينه فنام فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته ونومُه عليه صدقة.

وبين الشيخ غزاوي أن للمؤمن كلمة طيبة يعتز بها لا تفارق لسانه مدة بقائه وعند مماته وقد جاء ذكرها في قوله تعالى (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)، يبين لنا معنى الآية ما أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (كلمةً طيبةً) شهادة ألا إله إلا الله (كشجرة طيبة) وهو المؤمن (أصلها ثابت) يقول لا إله إلا الله ثابت في قلب المؤمن (وفرعها في السماء) يقول يُرفعُ بها عمل المؤمن إلى السماء فطب نفساً وقر عيناً أيها المسلم بهذه الكلمة الطيبة كلمةِ التوحيد لا إله إلا الله واستحضرها دوما وتذكّر أن من كان آخرُ كلامه في الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة فسل ربك الثبات حتى الممات، قال الله تعالى (وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) فهدى الله المؤمن إلى الطيب من القول الذي أفضلهُ وأطيبهُ كلمةُ الإخلاص، ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله، أو إحسان إلى عباد الله، وقال جل ثناؤه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فالكلم الطيب من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب فيرفع إلى الله ويعرض عليه ويثني على صاحبه بين الملأ الأعلى ومما يحرص عليه المؤمن كذلك إفشاء السلام فإنها تحية من عند الله مباركة وموصوفة بأنها طيبة لأنها من الكلام الطيب المحبوب عند الله الذي فيه طيب نفس للمحيا، ومحبة وجلب مودة.

وبين أن الطيبين من الرجال والطيبات من النساء يحرصون على أشباههم وما يوافق أفعالهم، قال تعالى (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) فكل طيب من الرجال والنساء والكلمات والأفعال مناسب للطيب وموافق له ومقترن به ومشاكل له، وفي قوله تعالى (والطيبات للطيبين ) تنبيه أن الأعمال الطيبة تكون من الطيبين فداوموا عباد الله على الأعمال الطيبة ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، لا تأخذوا الأعمال السيئة وتتركوا الأعمال الصالحة والطيبات من الكلام أفضلُه وأحسنُه فاعملوا بوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم (أطعموا الطعام وأطيبوا الكلام) رواه الطبراني، وتذكروا بشارة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إذ يقول : (إن في الجنة لغرفاً يُرى ظهورُها من بطونها وبطونُها من ظهورها، فقام إليه أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله ؟ قال هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام) رواه الترمذي من حديث علي رضي الله عنه.

وأوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، أن المؤمن ينتفع بالطيبات من الرزق، قال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) ويحرص أن يكون كسبه طيباً، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم) وقال (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك. قال القرطبي : ساوى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام ثم شمل الكل في الوعد الذي تضمنه قوله تعالى (إني بما تعملون عليم) صلى الله على رسله وأنبيائه وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم فإلى من استبدل الخبيث بالطيب وكَسَب المالَ من الحرام وأنفقه في الحرام تذكر قولَه عز وجل (إني بما تعملون عليم) وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم (الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وكسبه من طيب) رواه ابن ماجه من حديث أبي ذر رضي الله عنه، والمسلم يحرص كذلك أن تكون صدقته من كَسب طيب عملا بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد) أمر الله أن يقصد العباد الطيب عند الإنفاق ولا يقصدوا الخبيث وما أعظمَ أجرَ من تصدق من كسب طيب ولو كان شيئا يسيرا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وبين أن من علامة طيبة المؤمن التزاور والتواصل مع إخوانه المسلمين وهو في سبيل تحقيق ذلك يمشي إلى الخير ويسعى إلى الطيب، جاء في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه منادٍ أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا) قال الطيبي رحمه الله : دعاء له بطيب العيش في الأخرى كما أن طبت دعاء له بطيب العيش في الدنيا ومعنى طبت بمعنى طُهّرت وزكيت فبوركت أقدام تمشي إلى الطهارة والزكاة وتعساً لأقدام تمشي إلى الحرام وتقصد الحرام وتطييب قلوب عباد الله من علامات طيب القلوب، كما جاء في وصف الذين يؤدون إلى الناس حقوقهم وافيةً زائدة قوله صلى الله عليه وسلم: (إن خيار عباد الله عند الله الموفون المطيبون) رواه الطبراني من حديث أبي حميد الساعدي، وأقصر طريق إلى القلوب الكلمة الطيبة قال رسول الله : (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة) رواه البخاري من حديث عدي بن حاتم والمؤمن أيضاً عباد الله يطلب الطيب في مظهره فيلبس البياض لقوله صلى الله عليه وسلم : (الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ) رواه النسائي من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال المناوي رحمه الله : قوله (وأطيب) لغلبة دلالتها على التواضع والتَّخشُّع وعدم الكِبر والعُجْب، ولهذه الأَطْيبية ندب إيثارها في المحافل كشهود جمعة وحضور مسجد ولقاء الملائكة؛ ولذلك فُضِّلت في التكفين كما قال: (وكفِّنوا فيها موتاكم).

وأضاف فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، أن من اهتمام المؤمن بطهارة جسده اهتمامه بنظافة فمه يطهره ويطيبه بالسواك كما في الحديث الصحيح (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) رواه النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها فهو يطيب فمه إذ هو محِلّ الذكر والمناجاة وكذلك يتطيب في جسده اقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُكة يتطيب منها، ومعنى السُكة : طيب مجموعَ من أخلاطٍ، ويحتمل أن يكون وعاءً يجعل فيه الطيب ومن هذا يتبين خطأ الذين يهملون أنفسهم فتبدو ثيابهم متسخة وروائحهم كريهة وهم قادرون على نظافتها وطهارتها، وعجبا لحال أولئك الذين يتركون التطيب ويغيرون روائح أفواههم وملابسهم بالدخان والمستقذرات وهكذا أيها الأخوة فإن الطيبين حياتهم طهارة وزكاة ونقاء.

وأكد الشيخ غزاوي، أن المؤمن يعيش في هذه الدنيا حياة سعيدة مستقرة وذلك لطمأنينة قلبه وسكون نفسه وانشراح صدره، إنه يعيش حياة طيبة، وهذا ما وعده الله عباده المؤمنين في كتابه المبين (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة..) الآية وبعد أن يعيش في هذه الدنيا حياة طيبة يُتوفى طيباً ويموت طاهراً قال تعالى : (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) طيبين طاهرين من الشرك صالحين زاكية أفعالهم وأقوالهم، وتكون وفاتهم طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا عسر ولا ألم معافَيْن من الكرب وعذاب الموت تقول لهم الملائكة (سلام عليكم) طمأنة لقلوبهم وترحيباً بقدومهم (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) تعجيلاً لهم بالبشرى هذه هي النفوس المؤمنة الطيبة تبشر عند موتها وتخرج طيبة وينادى عليها، فقد روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً، قال: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان، وربّ غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا ؟ فيقول: فلان، فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله تبارك وتعالى فيا لها من خاتمة حسنة وثمرة طيبة نسأل الله من فضله، ثم يوم القيامة وعلى أبواب الجنة يقال لهم (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) ويجدون من النعيم الدائم الذي لا ينقطع، قال تعالى (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) طوبى قيل هي اسم شجرة في الجنة وقيل بل إشارة إلى كل مستطاب في الجنة من بقاء بلا فناء وعز بلا زوال وغنى بلا فقر.

وفي المدينة المنورة، أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي المسلمين بتقوى الله في السر والعلانية، فما فاز أحد في حياته وبعد مماته إلا بالتقوى، مبينا أن سنة الله وشريعته جرت بأن يقترن الرجل بالمرأة بعقد النكاح الشرعي ليبنيا بيت الزوجية تلبية واستجابة لمطالب الفطرة والغريزة البشرية عن طريق النكاح.

وأوضح فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد النبوي اليوم، أن طريق الزواج هو العفاف والبركة والنماء والطهر والرزق وصحة القلوب وامتداد العمر بالذرية الصالحة، وطريق الزنا هو الخبث ومرض القلوب وفساد الرجل والمرأة وذل المعصية وآفات الحياة والذهاب ببركتها والخلل في الأجيال والعذاب في الآخرة، موضحاً أن الزوجة بيت يحتضن الذرية ويحنو عليهم ويرعاهم ويعلمهم وأبوة وأمومة تعد الأجيال للقيام بأعباء الحياة ونفعِ المجتمع ورقيه في كل شأن وتوجه إلى كل خلق كريم وتمنع من كل خلق ذميم وتربي على الصالحات للدار الآخرة والحياة الأبدية ويقتدي الصغير بما يرى فيتأثر بما يشاهد ويسمع حيث لا قدرة له على قراءة التاريخ وأخذ العبر منه والقدوة، لذا فإن عقد الزواج هو ميثاق عظيم ورباط قوي وصلة شديدة، قال تعالى (وإن أردتم استبدال زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا)، حيث قال المفسرون هو عقد النكاح وهذا العقد اشتمل على مصالح ومنافع للزوجين ومنافع ومصالح للأولاد ومصالح ومنافع لأقرباء الزوجين ومنافع للمجتمع ومصالح للدنيا والآخرة لاتعد ولا تحصى.

وبين أن نقض عقد الزواج وإبطال هذا الميثاق وقطع حبل الزوجية بالطلاق يهدم تلك المصالح والمنافع كلها ويقع الزوج في فتن عظيمة تغره في دينه ودنياه وصحته، وكذلك تقع المرأة بالطلاق في الفتن بأشد مما وقع فيه الزوج ولا تقدر أن تعيد حياتها كما كانت وتعيش في ندامة لا سيما في هذا الزمان الذي قل فيه الموافق لحالها ويتشرد الأولاد ويواجهون حياة شديدة الوطأة تختلف عما كانت عليه وهم في ظل اجتماع الأبوين فيفقدون كل سعادة تبتهج بها حياتهم ويكونون معرضين للانحراف بأنواعه المختلفة ويتضرر المجتمع بالآثار الضارة التي تلحق الطلاق.

وأشار إلى أن بعض الناس استخف بالطلاق فاستسهل أمره فوقع في أمور خطيرة وشرور كثيرة وأوقع غيره فيما وقع فيه وقد كثر الطلاق في هذا الزمان لأسباب كثيرة ومن أكبرها الجهل بأحكامه في الشريعة وعدم التقيد بالقرآن والسنة، مؤكداً أن الشريعة الإسلامية أحاطت عقد الزواج بكل رعاية وعناية وحفظته بسياج من المحافظة عليه لئلا يتصدع وينهدم ويتزعزع أمام عواطف الأهواء لذا يجب على الزوج والزوجة أن يصلحا أمور الخلاف في بدايته لئلا يزداد خلافاً وعلى الزوجين أن يعرف كل منهما صاحبه فيأتي كل منهما ما هو أرضى لصاحبه ويجتنب كل منهما مالا يحب الآخر.

وأقر الشيخ الحذيفي أن من أسباب دوام الزواج وسعادته الصبر والتسامح، فمرارة صبر قليل يعقبه حلاوة دهر طويل وما استقبلت المكروهات بمثل الصبر، قال تعالى (إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب)، مبيناً أن من أسباب دوام الزواج تقويم الزوج ما أعوج من أخلاق المرأة بما أباحه الشرع وأذن فيه، قال تعالى (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)، مؤكداً أن على القضاة الإصلاح بين الزوجين فيما يرفع إليهم من القضايا حتى يتم الاتفاق وينتهي الطلاق.

وقال إن حق المرأة على الزوج عشرتها بالمعروف وسكنها الذي يصلح لمثلها والنفقة والكسوة وبذل الخير وكف الأذى والضرر عنها، وقد يكون السبب في الطلاق من المرأة لبذاءة لسانها وسوء خلقها وجهلها فعليها أن تقوم أخلاقها وتطيع زوجها وتبذل جهدها في تربية أولادها التربية الصحيحة.

وذكر فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، أن الطلاق صار جارياً على ألسنة بعض الشباب من دون مراعاة ولا اعتبار لأحد وقد يقع بتكراره في أزمنة متباعدة أو تكراره في مجلس واحد ثم يتلمس الفتاوى وقد يحتال وقد تغلق عليه الطرق ويندم ندامة لا تنفعه، قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) ومن أتقى الله في طلاقه على الوجه الشرعي جعل الله له مخرجاً، ومن عظم عقد الزوجية ولم يستخف به بارك الله له في زواجه ونال عاقبة حسنة، داعياً الله أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ويقوي عزائم المستضعفين وينصرهم بنصره ويتقبل شهداءهم ويشفي مرضاهم ويحفظهم في أهليهم وأموالهم وذرياتهم.