فايز أبا
فايز أبا
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
إبان دراستنا الجامعية في أم القرى، طرق مسامعنا اسم الأستاذ فايز محمود أبّا، وإن لم نقبض على رسمه، كونه سبق جيلي بأعوام عِدة، وبالصعود لمولد «النموذج» في حارة المسفلة، صافحتنا من الرواشين المكيّة حكايات كُثر بكفوف تخضّبت بعطور عاطفة، واستمالت مشاعرنا لمصب دموع الوله، كان الوقتُ ظهيرةً، وستائر الغرفة تنبئك بتموجاتها الهادئة أن البيت مولعٌ بالنظافة.

لم يولد فايز خارج اسمه، ولم ينطلق من إزاحة الآخرين عن أماكنهم، فآمن مبكراً بيقين العارفين، أن الثقافة ليست لعبة، فلم ينشغل بتعلّم قوانينها، وانصرف لتلقي تعليمه بمدرسة الفلاح بمكة فكان النجاح حليفه، ودرس القرآن والمتون في حلقات المسجد الحرام، فكان حجةً في الوعي بمقاصد الشرع، وأساليب ومهارات فصاحة العرب.


ذات مساءٍ إذاعي، كان صوته الشجي، يفيض بتراجيديا الافتتان بنصوص وشخص عبدالعزيز مشري، عبر تسجيل لأمسية قصصية، كان بطلها الفخم الراحل محمد سعد فيضي، وبانتهاء الأمسية الصوتية كانت غُرفتي في السكن الجامعي بمكة، مزدحمةً بالحقول، والسماء قريبةٌ جداً.

صافحتنا زاويته في صحيفة البلاد (من يعلّق الجرس) بأدب، فتلقيتها بقناعات تلميذ، يتهجى الوعي، ويتقبّل بصدر رحب هجاء رموز الصحوة، المحذّرين والمنفّرين والمكفرين أيقونات الحداثة، والكتابة تكشف جانباً واحداً من شخصية كاتبها، فباعدت الأقدار فرصة التلاقي، ليُتاح إثر انتظار عقدٍ من الزمان، وإذا بي في حضرة العملاق الأنيق، في مقهىً قاهري.. استعدنا عديد ذكريات، وفتحنا حقائب المراحل، وكلما قُلتُ كلاماً عن صدقه في الكتابة والحياة، وإنه والقاص فهد الخليوي، يعيشان ويكتبان، بوجه واحد، ومحبة صادقة، ومصالحة عميقة وجذرية مع الذات، يصيح برغم أنف الجلطة (وحّدوه) فيتضاحك المثقفون المحيطون بسهرتنا المصطفاة، وعندما استأذنته، وأبديت الرغبة في النوم، أصرّ الأنيق في كل التفاصيل، على الخروج معي للشارع، وإيقاف سيارة أجرة، والتفاوض على مبلغ التوصيل، ودفعه مقدماً.

لم يكتب (أبو سعد) إلا وهو واثق بامتلاك أدوات وشروط الكتابة، ولم يخط حرفاً، إلا بانتهائه من رأب الصدوع الداخلية، فقدّم لنا (أنا) غير منفصمة، ومتخلّصة من كُل العُقد، والأزمات، لإيمانه أن الثقافة صيغ علاجية، ولن يُقدّم الصيغ العلاجية مريض بالتورّم، وإذا كان لكل من اسمه نصيب، فإن فايز فاز بقلوب كل عارفيه وقرائه، ولن أدّعي أن لي نصيب الأسد، من مساحة في روح حادي تنوير المتن، المُنحاز بفطرته السويّة لمتاعب الهامش.