أسامة شبكشي
أسامة شبكشي
-A +A
طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@
في واحد من الأحياء الأربعة لجُدَّة القديمة «حارة المظلوم»؛ ازدانت دار «علي شبكشي» بميلاد حفيده «أسامة» عند العام الثالث للأربعينات الميلادية.. ومن أسرة زاخرة بالرموز الأدبية والعلمية؛ خرج أمهر الأطباء والأكاديميين، وأَرِيب الوزراء والسفراء.. ومع «لزمته» الشهيرة «العبد الفقير إلى الله»؛ حكايات إنسان جمع المتباينات، ترف «العيش» وشظفه، رغد «الكدح» ومشاقه، غربة «الحياة» واغترابها، وما بينها من ليونة وصرامة، وجدية ورصانة، ووقار ونزاهة، وصفة البكاء السريع.. إنه الطبيب البروفيسور أسامة شبكشي.

ومن أدْوَاء استوطنت جسده النحيل طفلاً وكهلاً، ومشاهد مَرَضِيَّة رأتها عيناه؛ تَقَاطَعَ ناشئاً مع «الطب» وانبهر بطواقم «الجيش الأبيض».. ففي صِغَرِه؛ اعتصر الألم معدته، وشوى «الكي» أطرافه، وتعرَّض للغرق.. وفي شبابه؛ فقدت أذنه اليسرى «السمع».. وفي شيخوخته؛ عاش مشاكل «المريء»، وتألم عنقه بسقوطه أثناء صلاة الجمعة فثقل لسانه.


لما أخذ جِدّ «الكفاح» من أبيه «عبدالمجيد شبكشي»، وسِرّ «النضال» من أمه «عزة لنجاوي»؛ عاش سردية إنفاذ حلمهما بارتداء معطف الطبيب.. وعندما أراد مُبَارَحَة «الطب» في ألمانيا؛ وقف عَوَز المال حائلاً فباع والده ساعته الثمينة.. ومن تسلُّحٍ بالمثابرة والمصابرة؛ عانق العلم والعمل معاً، طالباً جامعياً صباحاً، وسائقاً وبائعاً مساءً.

وبين مقولتي والده «دبِّر حالك» قبيل سفره لألمانيا لدراسة الطب، و«بيّض الله وجهك» بعد عودته حاملاً إِجَازَتي «الدكتوراه في الطب والفلسفة»؛ أقسم مع المقولة الأولى أن يعود طبيباً أو جثماناً بصندوق خشبي، والثانية اعتبرها أعظم مكافأة حصدها في حياته.. مراحل تعلَّم فيها التغلَّب على قسوة الحياة ومرارتها.

عندما أزمع ويمَّم، وعزم وتمَّم؛ تولَّع بمدرجات التدريس أكاديمياً، وافتتن بالطب إكلينيكياً، واستهواه «الجهاز الهضمي» باحثاً.. ومن الجامعة أستاذاً وعميداً ومديراً؛ توجَّه إلى مناصبه العليا، «الصحة» وزيراً، و«الديوان الملكي» مستشاراً، و«ألمانيا» سفيراً.. ومن عشق لرائحة الأدوية والمحاليل؛ عاد من مناصبه لعيادته ومرضاه، معطياً درساً حقيقياً لمهنة ممارس «التطبيب».

أما «الخلطة السرية» لرفيقة دربه قريبته وزوجته «هيفاء اليافي»؛ فجمعت بينهما شراكة رأسمالها الحب والتضحية.. ولما أمَّنَت لأسرتها الجو الأسري السامي؛ سكنت قلبه بـ«همسات غير مسموعة».. وداخل عائلة فطرتها المثاليات؛ أضافت له ابنته «مايا» لقب «جَدّو»، وذرف دمعاً غزيراً بفقد ابنه العشريني طالب الطب «عبدالمجيد» بحادث سير مُفْجِع.