سعيد بن مصلح السريحي
سعيد بن مصلح السريحي




غلاف آخر مؤلفاته.
غلاف آخر مؤلفاته.




السريحي طالبا جامعيا، فمدرسا في التعليم العام، فمتحدثا في برنامج من الصفر.
السريحي طالبا جامعيا، فمدرسا في التعليم العام، فمتحدثا في برنامج من الصفر.




السريحي في سن الطفولة مع والده مصلح بن سعيد السريحي.
السريحي في سن الطفولة مع والده مصلح بن سعيد السريحي.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني abu_taymour@
من يحاول الكتابة عن الأكاديمي والأديب والناقد والشاعر والعالم اللغوي السعودي سعيد السريحي يصاب بالدوار، فسيرته حافلة بالمعاناة والمتناقضات، وحياته مليئة بالتحديات والصراعات، وأعماله الإبداعية تثير التساؤلات، وخطابه مباشر يخلو من المداهنات والمجاملات، وآراؤه حاسمة كحد السيف. هذا، باختصار شديد، هو الرجل الذي حارب على جبهات عدة حتى وقف على قدميه كواحد من جيل رواد الأدب وأقطاب الصحافة والثقافة الكبار في المملكة العربية السعودية وكأحد رموز الحداثة في العالم العربي، وكمبدع فانتازي نجح في الإبحار وسط عوالم متلاطمة، فقدم ما لم يقدمه الآخرون من نصوص وسرديات متميزة ومناهضة للأشكال التقليدية المعتادة.

ويكفي المرء، لكي يكتشف تميز السريحي في المزج بين العام والخاص والماضي والحاضر وتقديم وجبة دسمة من الحكايات والتعليقات والرؤى والتأملات، أن يطلع على كتابه الموسوم «الحياة خارج الأقواس، سيرة غير ذاتية للمدعو سعيد» (صدر في عام 1987م عن نادي جازان الأدبي)، وهو كتاب جمع فيه أجناساً أدبية متنوعة في سرد شائق وبديع، وأهداه إلى «ذكراهم جميعاً، أولئك الذين يسكنونني»، مضيفا: «هذه الأوراقُ كُتِبَتْ في زمَنٍ قد يجيءُ وقد لا يجيءُ».


حول هذا الكتاب كتب الناقد والروائي السعودي الدكتور سعود الصاعدي في جريدة عكاظ (30/‏10/‏2020): «يروي سعيد السريحي حكاية ذات تشظٍّ في أكثر من ذات. بدأت من الجد الثامن أو السابع إلى أن انتهت إليه وهو يحدّق في السقف يتأمل خيوط عنكبوت امتد نسيجها إلى نهاية سيرته التي وقفت عالقة أخيرا في سقف الغرفة»، قبل أن يضيف: «لم أقرأ سيرة شيخوخة بهذا الألق والشجن من قبل، ولم أذق طعم الكلام كما ذقته في هذه السيرة الذاتية التي تختلف في طريقتها وطريقها عن الطرق السالكة. حكى سعيد سيرته عبر زمن التذكّر لا عبر خط الزمن الخارجي، وهذا أتاح للسيرة أن تكون زمناً داخلياً له أكثر من مستوى وأكثر من مسار. فتارة هو مسار قافلة الأجداد، وتارة أخرى مسار الذات داخل هذا الزمن الوجداني العميق».

حياة خارج الأقواس

نعم الكتاب هو فعلا «حياة خارج الأقواس»، لكنه أيضاً مرآة لحياة داخل أقواس الذات تنعكس فيها الأحداث والصور والعلاقات والآمال وتقلبات الزمن الغائرة في الوجدان. نقرأ مثلاً النص التالي: «بتّ أراهم، أولئك الذين يحيطون بي من أبنائي وأحفادي، امتداداً لي، مراياي التي أرى فيها نفسي حين يتحدّثون، وأراني، كلما فتحت عيني ورأيتهم يستديرون حولي، أستدير حول نفسي، لم أعد أميّز أسماءهم ولا أستبين ملامحهم. وجهي وحده كان يملأ المكان، وصوتي وحده يمزّق الصمت، والجدران كلُّها أصبحت مرايا وأنا أتقّلب في الأعمار».

أما السفير السعودي في أبوظبي الأستاذ تركي بن عبدالله الدخيل فقد لفت النظر إلى عمل آخر من أعمال السريحي الجميلة هو روايته الموسومة «الرويس»، التي تعد أقرب إلى التأريخ الاجتماعي للمكان والزمان والمجتمع منها إلى الرواية. ولعل أحد تجليات ذلك، النص التالي: «انتهينا إلى أن نكون بدوا في عيون الحضر، وحضرا في عيون البدو، ولم نكن نعرف من نحن.. حضر بدو.. بدو حضر، ثم لا ننتمي إلى أي من ذلك كله كأنما الرويس وأهله محطة عبرها التاريخ ونسينا فيها حين ارتحل».

كتب السفير الدخيل عن أديبنا تحت عنوان «الأكاديمي الذي حرمه التشدد من الدكتوراه» في صحيفة الاتحاد الظبيانية (5/‏9/‏2019) فقال: «حين ألف السريحي، روايته (الرويس)، حمّلها كل ذكريات العمر، حتى لكأنك تراه يمشي في أزقة الحي، يستنطق حكايا السنين، عابراً إلى الأمس، حيث البداوة الحائرة، أمام حضارة لم تفطم بعد، فقال في افتتاح الرواية (سقطنا بين مرحلتين، سقطنا بين بداوة تموت، وحضارة لم تولد بعد، بين بداوة لم نعد نعرفها، وحضارة لم تعترف بنا، هكذا نحن أبناء الرويس، آباؤنا أولئك الذين فروا من جدب القرى ووحشة الصحارى وبؤس السواحل، لم يجدوا في قلب المدينة متسعاً لهم فاستوطنوا الهامش، دنو المحتاج إليها والمرتاب فيها، لا تغنيهم ولا يستغنون عنها، بينهم وبينها سور له باب، وبينهم وبين قراهم أرضٍ يباب، عاشوا على هامش مدينة لم يعرفوها وهامش قرية لم تعد تعرفهم)».

بدوي منذ الصغر

ومن آيات الحياة البدوية والتقاليد الصارمة التي كابدها صاحبنا، ما ذكره بنفسه للإعلامي مفيد النويصر مقدم برنامج «من الصفر» بقناة MBC، حيث قال إن خاله -بحضور أبيه- قام بغمس يده في النار وهو في سن السادسة لأنه لم يقدم القهوة العربية للضيوف بالطريقة الصحيحة؛ أي إمساك دلة القهوة باليد اليسرى وتقديم الفنجان للضيف باليد اليمنى. وربما أن هذه الحادثة الأليمة، وهو في سن الطفولة، هي التي غرست فيه الصلابة وقوة الصبر والتحمل التي لعبت -لاحقاً- دوراً في صموده وقدرته على مواجهة الصعاب والتحديات الكثيرة من تلك التي اعترت مسيرته.

في عام 1953م، وتحديدا بحي الرويس في جدة، ولد سعيد مصلح سعيد السريحي الحربي الذي وصفه الكاتب عبده الأسمري في صحيفة الجزيرة (19/‏8/‏2019) بـصاحب «وجه حنطي ممتلئ مع تقاسيم مألوفة وشارب اعتراه المشيب وأناقة تعتمر البياض وملامح تتشابه مع أصول قبيلته العريقة وعينان تشعان بالتبصر والإنصات معاً مع كاريزما تتوارد منها سمات (التهذيب) وصفات (الرقي) ولغة جهورية تحفها المفردات اللغوية العميقة والانفرادات الكلامية المتعمقة في مراسم (المناسبات) مع لهجة جداوية عتيقة مكتظة بالحنين ومشبعة بالألفة». ولد لأب من قبيلة السرحة من بني سالم من حرب، وهي من القبائل المعروفة في المملكة العربية السعودية التي خرجت منها شخصيات بارزة تولت مناصب عسكرية وقضائية وإدارية رفيعة في الدولة في الماضي والحاضر، علما أنهم يتركزون في ينبع النخل، ويسكن بعضهم جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، بينما يسكن البعض الآخر القصيم ومحافظة بدر. أما والدته فقد كانت ربة بيت أمية لا يشغلها سوى الدعاء لولدها بالتوفيق والسداد، لكنها كانت صاحبة شغف بالعلم ما جعلها تهتم بتعليمه، فيما كانت جدته الضريرة التي عاشت قرنا من الزمان فقدت فيه أبناءها العشرة، قنوعة مبتسمة على الدوام تجد متعة في إعارة حفيدها ما تختزنه من حكايات وخيالات.

ابن الرويس

ولأن البيئة التي ينشأ بها المرء ويصول ويجول فيها لا بد أن تترك بصماتها عليه، فقد كانت لنشأة السريحي في حي الرويس بعروس البحر الأحمر، حيث أصوات الباعة البسطاء الكادحين تمتزج بأهازيج بحارة الميناء، وحيث روائح البخور المنبعثة من البيوت الجداوية العريقة تتعانق مع نسائم البحر الرطبة، وحيث أحاديث وحكايات المجالس المسائية تداعب مخيلة الصغار وتفجر تساؤلاتهم، تأثير عليه لجهة الانفتاح المبكر على تجارب وحكايات ومنصات وأخبار جعلته مجتمعة في مقدمة الباحثين عن الحقيقة، المتسائلين عن المستقبل، المنجذبين للعلم والتعلم، المتحلين بروح التسامح والإيثار والاجتهاد والجرأة ومناقب الكرم والجود والاعتماد على النفس.

وهكذا نجده متطلعا بثبات وإقدام لإكمال تعليمه رغم كل العوائق، فيتم مراحل تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بنجاح في جدة ثم يتبعها بإكمال تعليمه الجامعي في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، ثم ينضم إلى كلية اللغة العربية بالجامعة ذاتها لإكمال تعليمه العالي، ليتخرج حاملا درجة الماجستير عن أطروحة بعنوان «شعر أبي تمام بين النقد القديم ورؤية النقد الجديد»؛ وهي أطروحة ركز فيها صاحبها على لغة أبي تمام ورؤيته الشعرية وأفكاره وتجاربه الإنسانية في أفقها الزمني الواسع.

بعد نيله درجة الماجستير عمل لمدة سنتين معلماً في التعليم العام وثماني عشرة سنة محاضراً بجامعة أم القرى. لكنه في هذه الأثناء، وبدافع شغفه اللامحدود بالعلم، أعد أطروحة لنيل الدكتوراه من جامعته تحت عنوان «التجديد في اللغة الشعرية عند المحدثين في العصر العباسي»، غير أن جامعة أم القرى -طبقا لرسالة موجهة له بتاريخ 5/‏6/‏1989م وموقعة من عميد كلية اللغة العربية- قررت عدم إجازة الأطروحة «لما اشتملت عليه من أفكار لا تتفق وتعاليم الدين»، وطالبت صاحبها بالتوبة والرجوع عن الأفكار والعبارات والمنهج الذي سار عليه مع إعطائه فرصة لاختيار موضوع آخر، علما أن قرار الجامعة أثار جدلا واسعا بين فريق مؤيد رأى أن أطروحة الرجل فيها نواقص علمية ومنهجية وآخر معارض رأى أن السريحي كان ضحية لخصوم تربصوا به بسبب أفكاره الحداثية والتنويرية.

حياة زاخرة بالعصامية

الذين كتبوا عنه توقفوا عند محطتين مهمتين من محطات حياته الكثيرة الزاخرة بالعصامية، أولها أنه كان يقرأ كثيرا منذ المرحلة الإعدادية، حيث لم يكن طفلا منعما أو مرفها أو منجذبا لممارسة اللعب مع الصغار، فكان يجد متعته في قراءة أمهات المؤلفات التراثية، وكلما قرأ ازداد يقينا بجهله، وبالتالي اجتهد في البحث عن قراءات أخرى وأخرى، وصولا إلى المرحلة الثانوية التي قرأ فيها لكبار الكتاب العرب. ولعل ذلك الولع المبكر بالكتاب هو الذي حوله لاحقا من قارئ إلى مؤلف للكتاب، حيث راح يصدر مؤلفات أدبية ونقدية وثقافية ومعرفية متنوعة بلغة جديدة وفكر متوهج حديث وأناقة لفظية ولباقة نقدية بعيدا عن القوالب الجامدة والأفكار المعلبة، ما أثار ضده الجماعات المحافظة. ليس هذا فحسب وإنما راح أيضا يحاضر عن الشعر الحر ويدافع عنه وهو لم يزل طالبا في سنته الجامعية الثانية، ما تسبب في جدل بينه وبين بعض زملائه، قسم يؤيد وآخر يعارض. ومن آيات اهتمامه بالتأليف، رفده المكتبة السعودية والعربية بمجموعة إصدارات اشتملت -علاوة على ما ذكرناه آنفا- على الكتب التالية: «شعر أبي تمام بين النقد القديم ورؤية النقد الجديد»، «حركة اللغة الشعرية»، «غواية الاسم؛ سيرة القهوة وخطاب التحريم»، «تقليب الحطب على النار»، «العشق والجنون: دولة العقل وسلطان الهوى في الثقافة العربية». وهناك أيضاً كتابه الموسوم «عتبات التهجي، قراءة أولى في تجربة الثبيتي الشعرية»، الذي تحدث فيه عن رفيق دربه ومعاركه، الشاعر محمد بن عواض الثبيتي العتيبي الملقب بـ«سيد البيد»، وهو من قال عنه السريحي في تغريدة: «انتظرناه ألف عام، وعلى الأجيال القادمة أن تنتظر ألفا أخرى ليأتي الزمن بمثله»، وكذلك كتابه «حجاب العادة، أركيولوجيا الكرم من الخطاب إلى التجربة» الصادر عن المركز الثقافي العربي في بيروت عام 1996، الذي حاور فيه خطاب الثقافة الذي يغلف الحاجات الإنسانية، مستجليا المضمر في نسيج هذا الخطاب وما يمارسه من احتماء بالقيم والمثل.

أصداء الصحافة

أما المحطة الثانية، فقد كان ولعه بالصحافة منذ سنوات صباه المبكرة، حينما كان يجمع قصاصات الصحف وأعداد المجلات، بل أصدر وهو على مقاعد الثانوية صحيفة «أصداء» الطلابية، التي أعاد إصدارها حينما صار طالبا جامعيا في قسم اللغة العربية. وقد تطرق الناقد الدكتور عالي سرحان القرشي إلى هذه الجزئية في مقال كتبه عن السريحي بجريدة الوطن السعودية (2/‏4/‏2021) فقال ما مفاده أن صاحبنا شحذ همم زملائه لإصدار صحيفة حائطية باسم «أصداء»، فاقتسموا المهمة، واحد يكتب الافتتاحية وآخر يرسم الكاريكاتير وهكذا، بينما الأساتذة يوجهون بالملاحظات والنقد، مضيفا: «ولا شك أن لذلك أثره في تهيئتنا للكتابة فيما بعد». والملاحظ أن صاحبنا لم يجد ملاذا يهرب به بعد سنوات العمل الأكاديمي المرهقة سوى الصحافة، حيث انضم إلى صحيفة «عكاظ» التي أمضى في أروقتها 28 عاما كتب خلالها زاوية صحفية ثابتة، وأشرف على القسم الثقافي، والشؤون المحلية، والشؤون الدولية، والأقسام التنفيذية، كما عمل مساعداً لرئيس تحرير، ثم نائبا مكلفاً لرئيس التحرير.

ألق فكري وثقافي متقد

بهذا الألق الفكري والثقافي وتلك المواقف الجريئة وذلك الوجع والجرح المضمر بداخله، غزا السريحي ساحات الثقافة في الداخل والخارج، مشاركا بأوراق عمل في جمعيات الثقافة والفنون السعودية على امتداد الوطن وفي مؤتمرات وندوات علمية عديدة في العواصم العربية والأوروبية، وحاضرا كمحكم في المهرجانات والجوائز الأدبية (مثلا شارك في تحكيم جوائز بلند الحيدري والطيب صالح ومحمد حسن عواد ومحمد عواض الثبيتي).

والسريحي، الذي إذا تحدث أفصح وإذا كتب خربش بقلمه وجه الواقع وإذا صمت تطاولت عليه الألسن، اختاره الزمن راوياً عابراً للمدن والصحارى والموانئ، وكاتبا يتكئ على الرواة والحكائين وخيالاتهم وتوظيفاتهم للغة.. هو بطبعه وبأحمال حياته الثقيلة من الكتاب غير المستسلمين للمسلمات والبديهيات، فتجده ينقب ويفكك ويشرّح بمباضعه الجراحية الخاصة، ما جعله شخصية إشكالية لا ترضى بالسائد والمألوف. في هذا السياق، يتذكر زميله د.عالي سرحان القرشي (مصدر سابق) أن أستاذ علم العروض والقافية في جامعتهم د.محمد هاشم عبدالدايم كلفه بعملية البحث عن معنى كلمة العروض، فلم يستكن إلا بعد أن قدم بحثا مختلفا غير مسبوق أثار دهشة واستحسان الجميع. كما روى القرشي كيف أن السريحي كان مدرسة لزملائه يجمعهم عنده في بيته لقراءة الكتب من مكتبته العامرة بالمؤلفات، والتداول في النصوص الشعرية وتحليلها وتبادل الرأي حولها وفق ما زرعه فيهم أستاذ الجيل الراحل الدكتور لطفي عبدالبديع من طرائق جديدة لجهة دراسة النص بالاعتماد على المنهج الأستطيقي والإبستمولوجي، وكيف أن صاحبنا حينما صار عضوا في مجلس إدارة نادي جدة الأدبي زمن مديره الأستاذ عبدالفتاح أبومدين ساهم كثيرا في إخراج النادي من حالته التقليدية الساكنة، وحوله -بمساعدة زملائه وأصدقائه ومعارفه- إلى بؤرة نشاط للمنتدين المحليين والعرب وملتقى للتنوير والنقد الحديث، ومنبعا لمطبوعات تراثية وشعرية وتراجمية مثرية مثل مجلات: «جذور»، «عبقر»، و«نوافذ».

وحتى حينما أقدم على إعداد أطروحته لنيل درجة الماجستير، فإنه تعمد أن يركب الصعب غير المألوف والدارج، دون خشية من وعورة المسلك، فاختار أن يكتب عن أبي تمام بكل ما هو معروف عنه من إشكالات وما هو مثار حوله من خلافات. فهذا الشاعر العباسي يعتبره الكثيرون متمردا على عمود الشعر العربي ومبتكرا للاستعارات الجديدة المنعوتة بالمتكلفة. كما أنه حينما أراد أن يدون العلاقة المتجذرة بينه وبين أستاذه لطفي عبدالبديع، قام بذلك من خلال مؤلف لطيف، لكنه عسر الهضم، بعنوان «تحرير المجاز؛ هامش على جهود لطفي عبدالبديع اللغوية»، تعرض فيه السريحي إلى الإشكالات التي انتزعت اللغة من سياقها وفاعليتها ونشاطها الإنساني إلى الدوران في دوائر مضنية، محولة إياها إلى «لغة تقوم خارج اللغة، مرتبطة بمقاصد واضعها وليس بمقصد من يتحدث بها» حسب قوله.

ونختتم بما قاله الرجل في محاضرة له بأدبي جازان في 30 ديسمبر 2014 حول العلاقة بين الهوية والدين وأزمتها في السعودية من أن الهوية تتكون من عدة عناصر هي العرق والدين والعادات والتقاليد، وأن المواطنة هي الحاضنة الكبرى القابلة للتعدد، مؤكدا على أن القبيلة كمؤسسة لا تشكل خطرا على الوطن إلا حين تتناقض مع مفهوم المواطنة، فتصبح أكبر خطر يهدد الوحدة الوطنية، ومشيرا إلى أن القبيلة وحدة اجتماعية لتحقيق التكامل مع الوحدات الأخرى.