الامير خالد الفيصل وبجانبه آل زلفة في افتتاح مركزه الثقافي في عسير.
الامير خالد الفيصل وبجانبه آل زلفة في افتتاح مركزه الثقافي في عسير.
آل زلفة (يسار) مع أخيه ثابت بالخبر في الستينات.
آل زلفة (يسار) مع أخيه ثابت بالخبر في الستينات.




آل زلفة (الثاني من اليسار) مع زملاء الدراسة في كنساس سنة 1977.
آل زلفة (الثاني من اليسار) مع زملاء الدراسة في كنساس سنة 1977.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني - أستاذ العلاقات الدولية في مملكة البحرين abu_taymour@
يُعرّف نفسه في صفحته على «تويتر» بعبارة «عضو مجلس الشورى سابقا ومؤيد كبير لحرية المرأة». ما يلفت النظر هنا هو الشطر الثاني من التعريف المتعلق بالمرأة، فهذا الشطر وحده يكشف مدى امتلاكه الجرأة والاستعداد للمكاشفة ومواجهة القوى الاجتماعية والدينية الممانعة لحقوق المرأة وحريتها في المجتمع السعودي. لذا حق له أن يُوصف بـ«قاسم أمين» السعودية تشبيها له بذلك الكاتب والأديب والمصلح الاجتماعي المصري الذي عاش ما بين عامي 1863 و1908 وآمن بأن تربية النساء هي أساس كل شيء، وأنها هي المؤدية إلى إقامة مجتمع صالح يخرّج أجيالا صالحة من البنين والبنات، وبالتالي حمل بشجاعة لواء حرية المرأة.

كذلك هو صاحبنا الشوري السعودي، الذي سخر الأعوام الثمانية التي قضاها عضوا في مجلس الشورى السعودي من 1998 إلى 2009 للدفاع بثبات وجرأة عن حرية المرأة السعودية، مطالبا بنيلها حقوقها على قدم المساواة مع شقيقها الرجل باعتبارها مواطنة أولا وقبل كل شيء، ومعلنا على رؤوس الأشهاد أن المرأة يجب أن تعيش بشكل طبيعي في مجتمع يجب أن يكون طبيعيا «لأن عزل المرأة عن مجتمعها يؤدي إلى مخاطر اجتماعية ونفسية واقتصادية»، ومتحملا في سبيل ذلك حملات التشهير والقدح والذم.


على أن هذه الشخصية السعودية، التي اقتنعت بخوض المعارك من أجل ما تؤمن به دون هوادة، وفي مواجهة شخصيات كبيرة ونافذة، لم تكن فقط مجرد عضو كأي عضو آخر في مجلس الشورى السعودي، وإنما كان قبل ذلك كاتبا وأكاديميا ومؤرخا ومحاورا بارعا وصاحب مؤلفات وعاشقا للتراث والثقافة الشعبية وحاملا لتجربة واقعية ثرية في دروب الحياة.

متيم بالخبر



التقيته مؤخرا على هامش الدورة الـ26 لمهرجان الأيام للكتاب بالمنامة فرأيته يشتري الجزءين الأول والثاني من كتابي الموسوم «النخب في الخليج العربي»، فتأكد لي ما قرأته عنه حول غرامه بالسير الذاتية. علاوة على ذلك وجدته مهتما باقتناء آخر إصداراتي (كتاب «الخُبر.. الله يا وطر مضى»)، فتساءلت حينها عن السر، فإذا بي أكتشف لأول مرة أن صاحبنا متيم مثلي بمدينة الخُبر لأنه قضى جزءا من حياته المبكرة في أحضانها.

وفي هذا السياق كتب لي قائلا: «قرأتُ كتابكم الجميل عن الخُبر طوال فترة الانتظار في المطار، وأثناء الرحلة إلى الرياض، مستمتعا بكل حرف كتبته وكل صورة أوردتها لأنها تعني لي الشىء الكثير. فهي تروي جانبا مهما من تاريخ حياتي في تلك المدينة الساحرة التي عشتُ فيها أجمل سنوات شبابي المبكر. في مكتباتها اقتنيت أول كتب قرأتها. في استوديوهاتها التقطتُ أول صوري. في مطارها كانت أولى إطلالاتي على العالم. في مطاعمها أكلت أول طبق خليجي. في مدرستها المتوسطة أكملت تعليم المرحلة الإعدادية. في معهدها الثقافي تعلمتُ أول درس في اللغة الإنجليزية. على أرضها خفق قلبي بأول نبضة حب. ماذا عساني أقول وأقول عن الخبر، ففيها ومنها كانت أول انطلاقة لي مع الحياة ورسم خطوط لمستقبل ما كان له أن يُرسم إلا في الخبر. ولكن مما يبدو وكما هو واضح أنني لن أكون ندا أو منافسا لك في حب الخبر. وما قدمته لتلك الدرة من عمل توثيقي هو أجمل ما قرأت لتاريخ مدينة، فأنا عاشق لتاريخ المدن وذاكرة المدن».

الحديث هنا عن الدكتور محمد بن عبدالله بن سعيد آل زلفة الرفيدي القحطاني، المولود سنة 1944 بقرية «المراغة» في محافظة «أحد رفيدة» بمنطقة عسير بجنوب السعودية، لأسرة قحطانية الأصل والنسب، توفي ربها المزارع الميسور (بمقاييس ذلك الزمن) حينما كان صاحبنا طفلا صغيرا، فتولت رعايته ورعاية أشقائه والدته الجسورة وأخواله، بينما تولى عملية الوصاية عليهم وعلى أملاكهم من البساتين والمزارع أحد الأشراف الموثوقين (الشريف علي أبوحيدر)، وذلك طبقا لما أخبرنا به آل زلفة في مقابلة مع قناة الصحراء سنة 2012.

أوائل المتعلمين



في تلك المقابلة حدثنا الرجل أيضا عن دراسته الابتدائية فقال إنه كان ضمن أوائل من التحق بالتعليم من أطفال قريته وهو في سن السابعة، وأن العملية تمت عنوة وكانت محفوفة بالمخاطر والإرهاق البدني بسبب اضطراره للاستيقاظ قبل طلوع شمس كل صباح للوصول، عبر الطرق الجبلية الوعرة، إلى مدرسة كانت تقع على بعد 3 كلم من منزله، وأنه مقت الدراسة بسبب ما كان يمارس فيها من عقاب بدني شديد لأتفه الأسباب إلى درجة أنه قرر ذات مرة أن يترك قريته ويذهب بعيدا باتجاه الطائف، حيث غاب هناك وانقطع عن الدراسة لأسابيع ولم يعد إلى مدرسته في المراغة إلا بعد تعهدات بعدم إيذائه بدنيا.

ومن الذكريات الأولى التي أتى على روايتها ما كان يمارسه المعلمون بحق الطلبة من زجر ومنع للسؤال والحوار وحق النقاش، الأمر الذي جعله يدافع مبكرا عن حق الإنسان في التفكير الحر المستقل. كذلك تطرق إلى حادثة إنزال عقوبة شديدة بحق أحد أصدقائه من قبل والده بسبب إهماله حراسة البهائم، وهو ما زرع في وجدان وضمير صاحبنا كراهية شديدة لكل أنواع ودرجات الظلم والقسوة والتعسف وإهدار الكرامات.

6 مراحل



من المصادر المتنوعة التي اطلعت عليها، يمكن تقسيم حياة آل زلفة إلى ست مراحل كان لكل منها دور في صقل شخصيته الآسرة وإكسابها أبعادا متميزة.

البداية كانت من قرية «المراغة»، حيث ولد هو وأبوه وأجداده، وحيث ترعرع ونشأ وسط بيئة خضراء تحف بها الجبال والوديان. غادر القرية فتى غرا بالكاد يخطو نحو السادسة عشرة، على إثر إنهائه مرحلة دراسته الابتدائية سنة 1959، التي أعقبها بالدراسة لمدة ثلاثة أشهر فقط في المدرسة المتوسطة الوحيدة آنذاك في أبها على بعد 50 كلم من قريته.

لم تعجبه حياة الغربة في أبها، فقرر إنْ كان لا بد من الاغتراب والابتعاد عن الأهل فليكن في العاصمة الرياض. وهكذا حلّ في الرياض في وقت كان العام الدراسي قد شارف على الانتصاف، وهو ما حال دون قبوله في أي من مدارس الرياض المتوسطة. لكنه، في نهاية المطاف وبعد إلحاح، تمّ قبوله في «مدرسة الأبناء المتوسطة» التابعة للجيش طالبا مستمعا.

كاره الواسطة



كان سبب مغادرته مسقط رأسه هو نفس الأسباب التي دفعت غيره للنزوح إلى مناطق المملكة الأخرى، ألا وهي بناء الذات والبحث عن مستقبل معيشي أفضل. وقتها لم يكن قد سافر خارج منطقة عسير، ولم يكن قد قرأ كتابا خارج المقررات المدرسية سوى كتاب «رياض الصالحين»، ولم يكن قد تعرف على الجرايد المختلفة عن الكتاب شكلا وحجما وورقا ومحتوى. بل لم يكن قد تذوق أية مرطبات غازية من تلك التي كان يرى دعاياتها منشورة في صحيفة البلاد السعودية. وبطبيعة الحال كانت تنقصه المادة لتحقيق طموحاته في مواصلة تعليمه، فراح يطرق الأبواب بحثا عن وظيفة تمنحه دخلا ثابتا يستقوي به على أعباء الحياة ويغنيه عن طلب المال من أهله في عسير. وهكذا راح يطرق العديد من الأبواب في القطاعين العام والخاص، لكن طلباته رُفضت بسبب صغر سنه. وحينما توفق في الحصول على عمل ككاتب في الكراجات الملكية الملحقة بقصر الناصرية سرعان ما سُحبت منه الوظيفة لإعطائها غيره بسبب الواسطة والمحسوبية اللتين نشأ الرجل مذاك على كراهيتهما. وقتها جرب العمل في مصلحة البريد، ومعمل الكندا دراي، كما حاول الالتحاق بالمعهد الصحي ليغدو ممرضا، لكنه تعثر. حينما أدرك أخوه «ثابت» الأكبر سنا ظروف صاحبنا البائسة وأحواله الصعبة قرر أن يخصص له ريالا واحدا مستقطعا من راتبه الشخصي كمصروف يومي. وهكذا رتب الرجل أموره على تقسيم الريال إلى أربعة أقسام: ربع ريال للتاكسي، وربع ريال لشراء كتاب أو مجلة قديمة من أرصفة شارع البطحاء، وربع ريال لشرب الشاي في أحد المقاهي الشعبية، وربع ريال لوجبتي الفطور والعشاء دون غداء. واستمرت أحواله على هذه الصورة إلى أن عثر على وظيفة في إدارة الجوازات، غير أن الوظيفة لم تكن في الرياض وإنما في «النعيرية» بالمنطقة الشرقية.يقرر الفتى اليافع الطموح أن يشد رحاله صوب المنطقة الشرقية التي لم يكن يعرف بها أحدا، (رغم تحذيرات معارفه من عمل يشبه الذهاب إلى المجهول) عله ينجح في ما فشل فيه بالرياض. وبالفعل كانت المنطقة الشرقية أحن عليه، ليس لجهة منحه عملا ودخلا ثابتين، وإنما أيضا لجهة تعزيز حصيلته الدراسية ومخزونه الثقافي والمعرفي العام. ففيها دبّر له مدير الجوازات الشيخ إبراهيم المطلق عملا مسائيا بجوازات مطار الظهران الدولي براتب شهري لم يتجاوز 450 ريالا بدلا من العمل في النعيرية التي لم تكن تضم آنذاك أي مدارس تمكنه من إنهاء تعليمه المتوسط، وفي الشرقية أكمل مرحلة الدراسة المتوسطة بمدينة الخبر ونال شهادتها، وفي الخبر أيضا تعلم اللغة الإنجليزية من خلال الانتظام ليلا بمعهد الثقافة العربي بمساعدة من زميله في العمل المرحوم «حسن الحليبة»، وفيها، وللمرة الأولى في حياته رأى الكورنيش وبحر الخليج ولحظات الغروب الرومانسية، وعقد صداقة مع دواسر الخبر من خلال «راشد محمد بن ناصر الدوسري»، وتناول السمك في مطعم بحريني، واستمع إلى إذاعتي البحرين والكويت، وقرأ بنهم مجلة قافلة الزيت الشهرية الصادرة عن شركة أرامكو، وشاهد البرامج الترفيهية والتثقيفية والتوعوية العربية والأجنبية التي كانت تبثها محطة تلفزيون الظهران، وارتاد دور السينما في الأحياء السكنية المخصصة لعمال أرامكو من الطبقة المتوسطة، وتعرف على مباهج العصر ومظاهر التمدن والانفتاح الاجتماعي، وقرأ روايات العشق والغرام لإحسان عبدالقدوس وغيره، واطلع على المجلات والصحف السياسية المصرية واللبنانية، وغير ذلك من الأمور التي شكلت في مجموعها المصادر الأولى لتكوينه الثقافي.

إكمال الدراسة



المرحلة الرابعة من حياته، بدأت بعودته من المنطقة الشرقية إلى الرياض عام 1966 لإكمال دراسته الثانوية والعمل بجدية وإصرار من أجل مستقبل لطالما حلم به. ففي هذه المرحلة نال من مدرسة اليمامة شهادة التوجيهية التي أهلته لدخول كلية الآداب بجامعة الملك سعود التي التحق بها عام 1969 وتخرج منها عام 1973، وفيها أيضا تزوج وهو على أعتاب دخول الجامعة، فأسس بذلك أسرته الصغيرة، حيث سكن مع شريكة حياته في بيت صغير، وتقاسما ظروف سنوات الكد والكدح الصعبة. وحينما بلغ السنة الجامعية النهائية، فضلت زوجته الحامل أن تعود إلى قريتها في عسير كي يتفرغ هو كليا للدراسة من أجل أن يحقق معدلا يؤهله للعمل معيداً كي يحصل لاحقا على ابتعاث خارجي لإكمال دراساته العليا، خصوصا أن الجامعة كانت مهتمة آنذاك بتكوين كوادر جامعية وطنية للتدريس. مضت الأمور كما كان مخططا له. إذ تخرج من كليته حاملا درجة البكالوريوس في التاريخ الحديث، وصادف أن وضعت زوجته طفلتهما الأولى في ليلة نجاحه فأطلقت عليها اسم «نجاح»، والتحق ببرنامج التدريب الصيفي لشركة أرامكو موظف علاقات عامة في الظهران أولا ثم في رأس تنورة، بعد ذلك تمّ تعيينه معيدا في جامعة الملك سعود.

الابتعاث.. من تركيا إلى أمريكا



بابتعاثه إلى الولايات المتحدة لإكمال تعليمه العالي، بدأ المنعطف الأهم والرحلة العلمية والمعرفية الأغزر في حياته. ففي أواخر عام 1974 كان قد أعد العدة للسفر إلى الولايات المتحدة للحصول على درجة الماجستير في التاريخ الحديث، لكن وزير المعارف آنذاك الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ اقترح أن يذهب آل زلفة المتخصص في التاريخ الحديث مع زميله عبدالله الدريس المتخصص في التاريخ الإسلامي إلى تركيا، للبحث في الأرشيف العثماني الخاص بتاريخ الجزيرة العربية، خصوصا أن العلاقات التركية ــ السعودية آنذاك كانت قد استعادت حرارتها.

استطاع آل زلفة أن يقنع الوزير بإرجاء رحلته إلى تركيا، وأن يذهب إلى الولايات المتحدة مع وعد منه بأن تكون أطروحته في التاريخ السعودي الحديث، وأن يركز على الشق المتعلق منه بتركيا العثمانية. وبالفعل سافر الرجل للدراسة في جامعة كنساس الأمريكية التي منحته درجة الماجستير عام 1979 عن أطروحة بعنوان «تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مقاومة منطقة عسير للحكم المصري والعثماني». والحقيقة أن أطروحة كهذه تطلبت منه السفر شخصيا إلى إسطنبول والقاهرة للبحث في الأرشيفات العثمانية والمصرية عن تاريخ بلاده الحديث، قابلا بذلك التحدي المتمثل في قلة وضعف مصادر البحث. وبما أنه كان عازما على مواصلة دراسته في التخصص ذاته من أجل نيل درجة الدكتوراه، فقد أمضى العام الذي سبق التحاقه بجامعة كامبردج البريطانية في جمع المادة العلمية اللازمة من أرشيفات ووثائق وخرائط ومؤلفات مصرية وعثمانية وفرنسية وبريطانية وأمريكية عديدة ونادرة.

في عام 1987 كان قد حصل على درجة الدكتوراه من كامبردج العريقة عن أطروحة بعنوان «علاقة الدولة العثمانية بالجزيرة العربية 1840 ــ 1872»، وبدأ يستعد للعودة إلى وطنه، ليعمل في جامعته أستاذا مساعدا ثم أستاذا مشاركا في قسم التاريخ بكلية الآداب، وليبدأ فصلا جديدا من حياته الحافلة بالتحديات.

الأكاديمي المنشغل بالتأليف



وخلال سنوات عمله في جامعة الملك سعود لم يكتفِ الرجل بالتدريس وتخريج جيل جديد من المنشغلين بالتاريخ الوطني، وإنما انشغل أيضا بتأليف الكتب في مجالات تجاوزت تخصصه في التاريخ إلى القضايا الاجتماعية والتربوية والتراجمية، ومنها كتاب بعنوان «سيرة حياة» تناول فيه المرحلة الأولى المبكرة من حياته بما فيها طبيعة حياة القرية وظروف المعيشة.

ومن الكتب الأخرى للرجل كتاب بعنوان «لماذا المرأة؟» بين فيه أسباب تصديه لقضايا المرأة السعودية ودفاعه المحموم عن حقوقها ورفضه تهميشها، وكتاب آخر رصد فيه الآراء المؤيدة والمعارضة لقيادة المرأة للسيارة في السعودية وما دار حول الموضوع من جدل، وكتاب بعنوان «المنطقة الجنوبية في قلب عبدالله» وثق فيه زيارات خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز لعدد من مدن جنوب المملكة، وكتاب بعنوان «أيام في جيزان»، وكتاب «حوارات مع آل زلفة في التاريخ والسياسة والمجتمع»، وكتاب «محاضرات في التاريخ المعاصر للمملكة العربية السعودية»، وغيرها.

تاريخ عسير



من جهة أخرى، رفد آل زلفة المكتبتين السعودية والعربية بالعديد من المؤلفات الخاصة بتاريخ عسير، مهد آبائه وأجداده، فسد بذلك فراغا كبيرا، وأسس لنهج جديد لا يرى غظاظة في التأريخ للمناطق والقبائل طالما أن الهدف هو توضيح مساهمات كل منطقة وكل قبيلة في بناء الكيان الوطني الموحد الجامع دون بخس حقوق الآخرين أو التقليل من أدوارهم أو التعالي عليهم، ومن هذه المؤلفات: «عسير .. تاريخها السياسي والإقتصادي والعسكري في عهد الملك عبدالعزيز »، «إمارة أبوعريش وعلاقتها العثمانية في القرن 19»، «رحلة في بلاد العرب ــ الحملة المصرية على عسير» (ترجمة)، «ذاكرة الأمة ــ ملامح عن العمارة التقليدية في منطقة عسير».

المنزل الأول



ومن آيات تعلق آل زلفة بمسقط رأسه أنه قرر في عام 1990 أن يبني بيته الأول في قريته بمحافظة أحد رفيدة بعسير، وأن يقيم بها مكتبته الحاضنة لكتبه الموزعة ما بين الجامعة وسكنه القديم، وحقق حلمه بافتتاح «مركز آل زلفة الثقافي والحضاري» في عام 2008، الذي ألحق به متحفا لمقتنياته الشخصية ودور ضيافة للباحثين.

في عام 1998 كان آل زلفة على موعد مع منعطف جديد ومختلف في حياته. ففي تلك السنة وقع الإختيار عليه ضمن آخرين ليكون عضوا في مجلس الشورى السعودي، وبهذه الصفة راح يقود العديد من المبادرات والمقترحات الجريئة لتغيير الواقع الإجتماعي، ولا سيما واقع المرأة السعودية، فجوبه بالعديد من الحملات الظالمة التي اتهمته بشتى الاتهامات. غير أنه كان على الدوام متفائلا ومؤمنا بأن ما يدعو له من تغيير قادم لا محالة. وقد صدقت توقعاته بدءا من تعيين 30 إمرأة في مجلس الشورى في يناير 2013 في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وانتهاء بجملة القرارات التاريخية التي أتخذت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مثل قرار السماح للسعوديات بقيادة المركبات، والسماح لهن بالسفر دون محرم، وحرية حضورهن مباريات كرة القدم، وغيرها من القرارات التي لا شك أن آل زلفة سعيد بها اليوم لأنها حققت ما سعى إليه وتبناه.