بيروت تبدو مدمرة في ظل التهديدات الداخلية والخارجية
بيروت تبدو مدمرة في ظل التهديدات الداخلية والخارجية
-A +A
عبدالله الغضوي (إسطنبول) GhadawiAbdullah@
صيف العام 1982 حاصر الجيش الإسرائيلي بيروت التي كانت ترزح تحت الحرب الأهلية، وبينما يتقاتل اللبنانيون في ما بينهم دخل بقيادة إرييل شارون ليطبق على العاصمة اللبنانية الحصار الشديد.. ولعل الماضي ما زال يأخذ شكل الحاضر، إذ إن هذا الحصار لم ينته بل تبدلت الأسماء فقط.

فإذا كان مطلع الثمانينات شهدت بيروت حصارا من جيش محتل، فهي اليوم ترزح أيضا تحت الحصار والاحتلال على يد مليشيا «حزب الله»، ولا يزال الحصار مستمرا برا وبحرا وجوا وروحا، إذ تموت بيروت كل يوم ألف ميتة تحت الوصاية المفروضة عليها.


تقول المصالح السياسية والاقتصادية اللبنانية إنها في أمس الحاجة إلى المحيط العربي والخليجي على وجه التحديد الذي يعتبر من أبرز الدول المانحة اقتصاديا للبنان، وتضيف أن مصلحة لبنان الحالية ألا يكون في محور سوى المحور العربي، إلا أن ممارسات «حزب الله» وغيره من الأحزاب الأخرى تبين أن لبنان لم يعد الدولة التي نعرفها، وأن مسؤوليها لم يعودوا قادرين على تمثيلها حتى على أعلى المستويات، إذ إن تصريح «القرداحي» بمعناه الضمني أن لبنان لم يعد الدولة المنضبطة، ولم يعد البلد الذي يمكن التعويل عليه في البيت العربي، ما دام الوزراء يتحدثون بهذا الاستهتار بالمصالح اللبنانية.

لم تكن إساءة الوزير الطائش إلا الشعرة التي قصمت ظهر البعير وهو ليس إلا جزءا من الحالة العامة في لبنان، وبكل تأكيد يدرك الطيف الواسع من اللبنانيين أن هذه الإساءة ليست فقط ضد دول الخليج، بل في الوقت ذاته ضد تاريخ لبنان العربي والسياسي، وإساءة إلى الدولة اللبنانية أيضا والحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، الذي جاء بحكومة إنقاذ بعد تعثر التشكيل على مدار نحو عام.

كانت الإساءة الأكبر في تصريحات قرداحي غير المسؤولة والحاقدة ضد مصالح الدولة اللبنانية، وليس ضد دول الخليج ففي النهاية لبنان هو الذي يترنح، ومثل هذا الوزير لا يصح أن يكون في حكومة لبنانية قادرة على إعادة التوازن في العلاقات العربية، وقد يكرر هذه المواقف مع دول أخرى، وهذا ليس مستبعدا ما دامت الضوابط والمسؤولية تجاه الدولة اللبنانية غير متوفرة لدى هذا الوزير.

نعم لبنان ليس بخير الآن؛ فهو مخترق من الأسفل إلى الأعلى، هو منقسم ضد العرب، ومنقسم ضد نفسه، ومنقسم على الصغيرة قبل الكبيرة، وتعكس تصريحات قرداحي هذا الانقسام حتى الآن، إذ إن فريقا لبنانيا سياسيا بدأ يتحدث بطريقة العنتريات «المليشياوية» دفاعا عن قرداحي، لكن الهدف ليس الدفاع عن الوزير المستهتر بقدر ما هو محاولة لتجسيد الإساءة ضد الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية والإمارات، الدولتان اللتان دفعتا الدم على الأراضي اليمنية من أجل إنقاذ الشعب وتعزيز التماسك العربي.

لم يعد لبنان قادرا على التنفس في المحيط العربي ولا المحيط الدولي، وتحولت سمعته إلى مثال على الفشل السياسي، بعد أن تكررت العقوبات على العديد من الشخصيات السياسية المرتبطة بتمويل عمليات إرهابية وغسل أموال.

هذا الحصار يتكرر مرة أخرى على العاصمة بيروت لكنه حصار من نوع جديد، يحتاج إلى تغيير الطبيعة السياسية اللبنانية القائمة على «البلطجة» والارتهان للخارج، وبعد أن تتخلص بيروت من حصار «حزب الله» يمكن أن نقول إن لبنان عاد للعرب ولنفسه قبل كل شيء.