جندية أمريكية تشاهد بعض المقتنيات الأفغانية.
جندية أمريكية تشاهد بعض المقتنيات الأفغانية.
-A +A
فهيم الحامد (الرياض) Falhamid2@
كثيرة هي الملفات التي ستكون على طاولة الرئيس الأمريكي بايدن في السياسة الخارجية، إلا أن قرار مراجعة اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الذي يهدف أساسا إلى إخراج جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بعد الخسائر التي لحقت بها خلال الحرب التي استمرت سنوات، طرح عدة تساءلات حول كيفية تعاطي إدارة بايدن مع ملف أفغانستان الذي لا يرتبط بهذا البلد الذي دمره الإرهاب فحسب، بل مع الباكستان والهند وحتى في المجمل في جنوب آسيا، في سياق استقطاب جيو- إستراتيجي إقليمي عالمي؛ كون بايدن عندما كان نائباً للرئيس السابق أوباما كان يريد التركيز على الجهود الدولية للإرهاب العابر للدول؛ مثل القاعدة التي ترغب بالهجوم على أمريكا والأهداف الغربية وعدم التورط في حرب طويلة مع «طالبان». وفي النهاية لم تنتصر رؤية بايدن داخل البيت الأبيض. وبعد وصوله إلى الحكم قام أوباما بإصدار أمر لنشر 20 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان ودفعة أخرى من 30 ألف جندي مما زاد عدد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 100 ألف جندي. وكان بمثابة جهد آخر من ناحية المال والضحايا ولم ينجح في هزيمة طالبان. وعندما قال وزير الخارجية في إدارة بايدن أنتوني بلينكين خلال جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ «نريد إنهاء ما يسمى الحرب الأبدية واعتزام إدارة الرئيس بايدن مراجعة اتفاق سلام مع حركة طالبان؛ كانت إدارة الرئيس السابق ترمب قد أبرمته العام الماضي؛ قد يعيد ملف السلام في أفغانستان إلى مرحلة مهمة ولكنها خطيرة في نفس الوقت ولها طبيعة المجازفة، كون الإدارة الجديدة تريد التأكد من وفاء حركة طالبان بالتزاماتها، التي تضمنت الحدّ من العنف، وقطْع العلاقات مع من وصفتهم بالإرهابيين، وهذا ما أكده جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن لمسؤولين أفغان لتأكيد نيّة المراجعة.وكانت إدارة الرئيس السابق ترمب أعلنت في 15 يناير خفض عديد الجيش الأمريكي في أفغانستان إلى 2500، وهو أدنى مستوى منذ 2001.

ويعود الوجود الأمريكي الراهن في أفغانستان إلى عام الى حقبة الاحتلال السوفييتي لافغانستان وتعزز بشكل كبير في 2001 مع اجتياح عسكري استهدف الإطاحة بحركة طالبان من الحكم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة. ونصّ الاتفاق المبرم في فبراير 2020 في الدوحة على سحْب الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) كل القوات من أفغانستان في غضون 14 شهراً شريطة وفاء حركة طالبان بالتزاماتها.


وتضمنت التزامات طالبان عدم السماح لتنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتطرفة بتنفيذ عمليات في المناطق التي تسيطر عليها الحركة، فضلا عن المضيّ قدما في محادثات سلام وطنية. وأوقفت طالبان هجماتها على قوات التحالف الدولي التزاما منها بما نص عليه الاتفاق التاريخي، لكنها لم توقف هجماتها على الحكومة الأفغانية.

وتشترط طالبان لكي تبدأ مفاوضات مع الحكومة الأفغانية أن تطلق الأخيرة سراح الآلاف من عناصر الحركة التي تعتقلهم في عملية تبادل للأسرى. ورغم أن وزير الدفاع لويد أوستن، أعلن خلال جلسة بمجلس الشيوخ لمناقشة ترشيحه، عن رغبته بإنهاء النزاع في أفغانستان بتسوية سياسية وأن واشنطن «تريد أن ترى أفغانستان بلا خطر في المستقبل»، مع ضرورة التركيز على محاربة الإرهاب؛ إلا أن هذه التصريحات لم تعط أي مؤشرات حول طبيعة تموضع إدارة بايدن في أفغانستان التي يصفها مراقبون أمريكيون بأنها «عش الدبابير»، مؤكدين أن ملف أفغانستان مرتبط بالباكستان والهند ومنطقة آسيا إجمالا، وتتوقع باكستان بعض التسهيلات مثلاً على مستوى المساعدات المادية التي علّقها الرئيس السابق ترمب، وقد تستأنف إدارة بايدن جزءاً من التمويل لمكافأة باكستان على دعمها لأفغانستان ولمتابعة الجهود الدبلوماسية القائمة، وتتوقع إسلام أباد أن تحصد على إشادة من إدارة بايدن بسبب تعاونها في عملية السلام الأفغانية، وقد تحاول باكستان إبقاء تلك العملية في طليعة جهود تعاونها مع الولايات المتحدة خلال عهد بايدن، لكي تستطيع الاقتراب من الديمقراطيين.. أما الهند فهي تتابع مواقف إدارة بايدن ليس فقط مع أفغانستان؛ بل العلاقة المستقبلية بين واشنطن وإسلام أباد وطبيعة التفكير الديمقراطي حيال استمرار الشراكة الهندية الأمريكية التي وصلت لأوجها بين مودي وترمب.. ويجمع المراقبون على أن بايدن سيعمل على تجنب استمرار الحرب في أفغانستان، ومواصلة تنفيذ اتفاق السلام بتعديلات محددة، كون استمرار الحرب وإرسال الجنود لن يجدي نفعاً، خاصة أن طالبان ما زالت قوية على الأرض. فهل يُراجع.. أم يُلغى اتفاق السلام مع طالبان..