بالرغم من تنكّر بعض أهلها لها، وميلهم إلى لغات أجنبيّة لتنبئ عن مدنيّة من يتحدث بها، مما يعد مؤشر استلاب وانهزام لدى البعض، كون لغة الضاد تعتز بحملها لواء القرآن، وتتشرف بأنه مرجعيتها، إذ يتحدث بها اليوم نحو نصف مليار لسان، فيما يقرأ بها كتاب الله غالب المسلمين الذين يقتربون من ملياري مسلم، إذ وسعته كما قال حافظ إبراهيم:
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ.ويتفق مفكرو العالم على أن اللغة العربية ركن من أركان هويّة الإنسان، ومُقوّم اعتزاز بالتكوين المادي، والإرث غير المادي، وستظل تقاوم التنكر بفتنة أساليبها البلاغية، بدءاً من علم المعاني، وأحوال تركيب الكلام، من الإيجاز والإطناب، والتقديم والتأخير، والإيراد والحذف، والخطاب والالتفات، وعلم البيان بما يتضمن من تشبيه واستعارة، وكناية ومجاز، وتمثيل، وعلم البديع بجناسه وسجعه، وطباقه، ومقابلته، إضافة إلى التكرار والتلفيف والقصص.
وتحلّ اليوم مناسبة اليوم العالمي للغة العربية، الذي اعتمدته منظمة اليونسكو، بجهود حثيثة من مندوب المملكة الدائم في المنظمة الأممية، الدكتور زياد الدريس، وكان تأسيس احتفالية اليوم العالمي للغة العربية، في أكتوبر 2012، بمبادرة الدريس بصفته نائب رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو، إذ تبنى وزملاء عرب، وضع مسودة قرار يدعو إلى الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، وقُدم مشروع القرار إلى المجلس التنفيذي باسم المملكة، والمغرب (رئيس المجموعة العربية حينذاك)، وتم اعتماد القرار المقدم بالإجماع، وأقرّ المجلس التنفيذي لليونسكو في دورته 190 في تكريس يوم الـ18 من ديسمبر يوماً عالمياً للغة العربية، وجاء اختيار 18 ديسمبر؛ لأنه اليوم الذي أقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 اعتبار اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية لها، ولكافة المنظمات الدولية المنضوية تحتها.
نقل العلوم وتعزيز الوعي
وتهدف مناسبة اليوم العالمي للغة العربية، إلى تكريس الاعتداد بلغتنا، وتعزيز الوعي بأهمية تدريسها ودراستها، وتشجيع سكان الكرة الأرضية على استعمالها في مختلف المجالات الثقافية والعلمية؛ لما لها من دور في فهم مقاصد ديننا الحنيف، والتواصل بين الشعوب.
وتعد اللغة العربية من أقدم اللغات السامية، وأوسعها انتشاراً في العالم، ولها طويل باع في الحضارة الإنسانية، إذ أسهمت في نقل العلوم والمعارف إلى الحضارات الأخرى، ومنها نُقلت علوم الفلسفة، والرياضيات، والفلك، والكيمياء، والطب، التي ازدهرت في مطلع العصور الإسلامية إلى أوروبا، وأفادت منها في نهضتها، وكانت سابقة لترجمة النصوص اليونانية القديمة إلى العربية، ما حافظ على التراث العلمي القديم، وجسّر المسافات، ووضّح المسالك للأجيال. واللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل جزء من الذاكرة الجماعية للعالمين العربي والإسلامي.
وتواصل لغة الضاد حضورها في ظل تحديات العصر الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وتعدد اللهجات في الوطن الواحد، ما يحمّل التعليم مسؤولية التأصيل اللغوي منذ يفاعة طلاب وطالبات المراحل الأوليّة، ليسهموا في نشر ثقافة جزيرة العرب، ويلفتوا الانتباه إلى الإرث الحضاري الذي قام عليه وبه إنسان المكان.