حرب بلا هوادة
حرب بلا هوادة




أحمد عبدالمنعم
أحمد عبدالمنعم




عادل الغامدي
عادل الغامدي
-A +A
عدنان الشبراوي (جدة)Adnanshabrawi@
في مشهد واقعي شهدته «عكاظ»، قبل سنوات، أقرب للقصص البوليسية، مَثُل متهمان يتحدثان اللغة العربية بركاكة في قضية مخدرات أمام قاضي المحكمة. كان أحدهما يتألم ويصرخ من مغص في بطنه وطلب من القاضي السماح له بالذهاب إلى دورة المياه، فاستجاب القاضي لطلبه وسمح له الذهاب، فعاد بعد أن تأخر قليلاً ثم كرر بعد قليل طلب الذهاب مجدداً إلى دورة المياه، وفطن -آنذاك- القاضي أن في الأمر سراً فأمر بتفريق المتهمين الاثنين عن بعضهما، وأخضعهما للتحقيق ليكتشف أن المتهم الذي ذهب إلى دورة المياه كان في مهمة إخراج أداة محشوة بالمخدرات ليعيد إخراجها في دورة المياه، ودون وقتها القاضي محضراً بالواقعة، وأبلغ جهة الاختصاص عنها، في حين نقل المتهمان للمستشفى لإنقاذهما من السموم التي دخلت أحشاءهما.

هذا المشهد، يشير إلى أن حرب ترويج المخدرات حرب قذرة يستخدم فيها الجناة كل الطرق والأساليب لتدمير الشباب وإصابتهم في مقتل بُغية تحقيق أهداف قذرة.


تتغير وتتبدل المعطيات في شواهد عدة، وينتحر مروجو المخدرات مقابل إدخال السموم، فتارة يدسونها في أصناف البضاعة المستوردة من الخارج، وتارة يستخدمون التقنية ويسعون لترويج السموم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتارة يستخدمون النساء والأطفال، فضلاً عن أساليب لا تعد ولا تحصى في دسِّ المخدرات بأنواعها وأصنافها، ويقابل ذلك جهود كبيرة من مؤسسات وأجهزة الدولة؛ سواء رجال الأمن من رجال مكافحة المخدرات مروراً، على سبيل المثال لا الحص،ر برجال الشرطة والدوريات الأمنية وحرس الحدود والبحث الجنائي وأمن الطرق وغيرها من القطاعات الجهات المشاركة وهيئة الجمارك وليس انتهاء بالدوائر المختصة بالنيابة العامة، كلها جهات تتكامل وتتكاتف لحماية الوطن من شر هذه السموم.

ملاحقة مُدمِّري الشباب

ثمة رجال أمن في الميدان يحملون نعوشهم على أكتافهم، وهم يتحدون الصعب من أجل وطن آمن، مهماتهم في البحث والتحري وملاحقة هؤلاء القتلة الذين يخططون لتدمير الشباب والشابات ويعيثون في الأرض فساداً.

وتفتح «عكاظ» ملف تهريب وترويج وتعاطي وحيازة وتصنيع المخدرات من خلال وقائع وقصص تستذكرها تعكس بسالة رجال الأمن ورجال الجمارك في كافة المواقع وقدرتهم التصدي لهذه السموم.

قبل أيام غرد حساب وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف «ضربة تتلوها ضربات، لن ينجو منها مروجو ومهربو المخدرات، ومن يستهدفون أمننا ووطننا»، وهو ما يؤكده الواقع وتسجله النجاحات المتتالية ميدانياً.

تغريدة بلغات مختلفة

الحساب الرسمي للمديرية العامة لمكافحة المخدرات في منصة (تويتر)، قالت في تغريدة لها في وسم الحرب على المخدرات، ووسم بلغ عنهم (لأمن وطنك وسلامة أسرتك ومجتمعك بلغ عن مهربي ومروجي المخدرات)، وغرد الحساب باللغة البنغالية والفلبينية والسواحلية ولغة البشتو والأوردية، فضلاً عن اللغة الإنجليزية في سلسلة تغريدات أكدت فيها أن مهربي وموزعي المخدرات يستهدفون شباب الأمة بسمومهم، وشددت المديرية العامة لمكافحة المخدرات على أن يكون الجميع داعماً لجهود الأجهزة الأمنية من خلال الإبلاغ عنها.

قصص وروايات وشواهد لا تنتهي من قصص الإجرام وطرق التهريب المبتكرة، كلها تؤكد أن الحرب على المخدرات حرب لا هوادة فيها، وسينتصر الوطن دوماً بأجهزته ومؤسساته ورجاله المخلصين ومن يسكنون أرضه بحثاً عن لقمة العيش الكريمة.

في الخشب والرمان.. وأماكن حساسة

تتنوع أصناف ومسميات وأشكال المخدرات، وتشترك في أنها كلها تؤدي إلى النتيجة؛ وهي تدمير العقل وتلف خلايا ألمخ والسكتة الدماغية وفقدان الارتباط بالواقع وارتكاب جرائم بشعة والنهاية المأساوية. وذكرت المديرية العامة لمكافحة المخدرات، أن أضرار مادة الميثامفيتامين (الشبو) خطيرة فهي ترفع حرارة الجسم، ومن ثم التشنجات والموت، وتقود للهياج والعنف، والانفصال عن الواقع، وارتكاب أبشع الجرائم، إضافة إلى سرعة في دقات القلب، وارتفاع في ضغط الدم مع القلق والارتباك، وتلف في الأوعية الصغيرة في الدماغ وانتهاء بالسكتة القلبية. وتعكس المشاهد المتتابعة التي ترصدها الجهات المختصة في حالات القبض على المروجين والمهربين حملة الاستهداف القاتلة التي يتعرض لها الوطن للنيل من الشباب والشابات بآفة المخدرات التي تصيب الإنسان في مقتل.

تصدٍ وإطاحة متواصلة

كشفت تقارير إعلامية أنواعاً متعددة وطرقاً مبتكرة لتهريب السموم يحاول المجرمون ابتكارها والتذاكي على الجهات الرقابية، يقابلها تصدٍ باسل وعيون يقظة للجهات المختصة؛ ممثلةً في إدارة مكافحة المخدرات وحرس الحدود ورجال الجمارك ورجال الأمن كافة ومشاركة كافة الجهات ذات العلاقة.

ودلت تقارير الضبط عن استخدام المروجين لعبوات حليب الأطفال والفواكه والمعلبات الغذائية وحشوها بالمخدرات لتمريرها، كما يتم حشوها أحياناً بالأسماك والمركبات الغذائية والفواكه وشحنات الحديد والخشب والألمنيوم وألعاب الأطفال وطفايات الحريق، فضلاً عن استخدام بعض المهربين أحشائهم من خلال وضع مسحوق المخدارت في مغلف نايلون وابتلاعه، ومن ثم إخراجه من الأمعاء مع الفضلات عقب عبوره الحدود؛ وهو أسلوب يعد في قمة المخاطرة؛ كون خروج المسحوق من المغلف يعني وفاة الشخص، فضلاً عن عصابات تستغل منصات التواصل الاجتماعي لبيع سمومها وتتعدد الطرق وتتجدد، لكنها تظل محل الصد والإحباط المتواصل.

متعاطي شبو يعرض زوجته

روى الباحث المتخصص في قضايا الإدمان وصاحب مؤلفات وبحوث علمية في مجال المكافحة الأخصائي الاجتماعي الدكتور عادل علي الغامدي، فصولاً من قصص التائبين، وقال لـ«عكاظ» إن المخدرات تدمر حياة متعاطيها، إذ يصل المدمن درجة الجنون بسبب الإدمان على تعاطي الهيروين والكبتاجون والكوكايين وغيرها التي تتلف خلايا ألمخ. ولفت إلى أن تقارير كشفت أن تعاطي المخدرات يؤدي إلى العجز الجنسي، فضلاً عن أمراض عضوية متعددة وأمراض نفسية، وروى لـ«عكاظ» قصصاً ولدت من رحم الإدمان وفصولاً من المآسي والضياع وحالات التشرد، فضلاً عن حالات عقوق الوالدين والتعدي عليهما بسبب المخدرات. وروى عن أحد المدمنين تعاطيه المخدرات التي استنزفت كل شيء، وجعلته يسرق أمه وزوجته؛ لتأمين جرعة قاتلة.

كما روى الغامدي، قصة مدمن آخر تابع قصته بسبب تعاطيه وما انتهى به من تدمير شامل؛ التي بدأت «بجرعة» مجانية لتتطور إلى مدمن محترف باع كل ما يملك، وسرق ذهب زوجته ووالدته؛ ليوفر لنفسه قيمة المخدر، فضاعت أسرته وذهبت إلى المجهول.

ونقل الدكتور الغامدي قصة مدمن آخر ترك زوجته وأطفاله، وعق والديه بسبب تعاطيه وإدمانه للمخدرات حتى تحول إلى هيكل عظمي، فضلاً عن تورطه في ضرب والدته؛ ما تسبب في نزيفها انتهاء بإصابته بحالات هلوسة وانفصام عقلي سلوكي.

واختصر قصة مدمن في الخمسين من عمره، قضى نصف عمره مدمناً على مدى 25 عاماً عاشها متبلد الإحساس، ومن أصعب المواقف أن والده مات، ولحقه بعدها بأشهر والدته، ولم يشعر أو يدرك فقدهما إلا بعد أن فاق من إدمانه بعد 25 عاماً.

ومن قصص المؤلف مدمن حاول نحر زوجته؛ نتيجة شكه في خيانتها له في ظل شكوكه بسبب إدمانه، وروى قصة أخرى لمدمن الشبو كان يحاول عرض زوجته على مروجين لانتهاك عرضها مقابل جرعة.

سقوط تجار السموم

في ضربات لرجال مكافحة المخدرات أعلن في الأيام القليلة الماضية في حساب المديرية العامة لمكافحة المخدرات إحباط محاولة تهريب 5.280.000 قرص مخدر من مادة الإمفيتامين في جدة بالتنسيق مع هيئة الجمارك، وقبض على مقيم بجدة لترويجه 10.1 كيلو غرام من مادة الشبو المخدر، كما قبض على شخص في الشرقية لترويجه مواد مخدرة وقبض على أربعة في عسير لترويجهم الحشيش وقبض على شخص بالقصيم يروج مواد مخدرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما قبض على شخص في تبوك لترويجه 13721 قرصا من مادة الإمفيتامين المخدر. وفي عملية أمنية مشتركة أحبطت السلطات محاولة تهريب 428.8 كيلوغرام من الحشيش المخدر و128 قرصا من الإمفيتامين المخدر في جزيرة فرسان وأطاحت بـ 6 متهمين، وقبضت مكافحة المخدرات على شخص بالجوف لترويجه الحشيش. كما قبضت على 5 أشخاص لترويجهم مادة الإمفيتامين المخدر في منطقة الحدود الشمالية، وجرى القبض في جدة على 4 مقيمين باكستانيين لترويجهم 20 كيلوغراما من الشبو المخدر، وتم القبض في نجران على مخالفين لنظام أمن الحدود من الجنسية الإثيوبية لترويجهم الحشيش المخدر، والقبض في الرياض على مقيم باكستاني يروج الشبو المخدر والهيروين. وفي الباحة جرى القبض على إثيوبي مخالف لأمن الحدود يروج مادة الحشيش المخدر، كما تم القبض في تبوك على 3 مواطنين لترويجهم مادة الحشيش والإمفيتامين المخدر، وجرى القبض في حائل على مواطن لترويجه عبر التواصل الاجتماعي مادة الحشيش والإمفيتامين المخدر، وضبط بحوزته أسلحة نارية، وقبض على مواطنين اثنين في منطقة الرياض بحوزتهم 50 ألف قرص من مادرة والإمفيتامين المخدر، وقبضت مكافحة المخدرات على 4 مقيمين بمنطقة الرياض، لترويجهم 7.165 كيلوغرام من مادة الميثامفيتامين المخدر الشبو، وجرى أخيرا دهم خلية ترويج مخدرات وضبط أكثر من 12 مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر مخبأة باحترافية داخل ألواح زجاجية، وحالات مماثلة في حائل وتبوك والمدينة وحائل وجازان والكثير من المحافظات، كل هذه الوقائع تثبت أن الوطن مستهدف من شماله لجنوبه لشرقه وغربه.

عجز جنسي

قال استشاري طب الأسرة الدكتور أحمد عبدالمنعم السلاموني، إن إدمان المخدرات هو رغبة قهرية للاستمرار في تعاطي المادة المخدرة أو الحصول عليها بأية وسيلة، مع الميل إلى زيادة الجرعة المتعاطاة؛ ما يسبب اعتماداً نفسياً وجسمياً وتأثيراً ضاراً في الفرد والمجتمع قد يؤدي إلى الوفاة أو العجز. وأوضح أن تعاطي المخدرات؛ مثل الهيروين والكوكايين والشبو وغيرها من السموم، يسبب زيادة العصبية والعنف، وينتج عنه خلل عقلي وعجز جنسي، كما يفقد الشخص الاتصال بالواقع ويتعرَّض لهلوسات سمعية وفقدان السيطرة على حركة الجسم، كما يمكن أن يتسبب تعاطي جرعة كبيرة في الوفاة؛ بسبب السكتة القلبية أو تعطل الجهاز التنفسي، ما قد يدفع المدمن إلى الانتحار.

وكشف السلاموني عن آثار مضاعفات إدمان المخدرات؛ منها مضاعفات نفسية مثل التغيُّر في الشخصية، والتدني في الأداء الوظيفي والمعرفي، وأعراض ذهنية مثل: الشعور باللامبالاة، وفقدان الحكم الصحيح على الأشياء، وإصابة جهاز المناعة؛ مثل الإصابة بالأمراض الجنسية، والأمراض الفايروسية كالتهاب الكبد الفايروسي، والاضطرابات الهرمونية؛ مثل العقم والتأثير في عملية الإخصاب، والهلوسات السمعية والتفكك الأسري ومشكلات الطلاق، فضلاً عن انتشار الجرائم للحصول على المال أو المقاومة.