مخاطر كبيرة خلال أزمة كورونا من انتشار المتسولين فترة رفع المنع.(تصوير: عمرو سلام)
مخاطر كبيرة خلال أزمة كورونا من انتشار المتسولين فترة رفع المنع.(تصوير: عمرو سلام)




سوزان المشهدي
سوزان المشهدي




بندر العمودي
بندر العمودي




إحسان طيب
إحسان طيب




صالح سرحان
صالح سرحان
-A +A
عدنان الشبراوي (جدة)Adnanshabrawi@
بعد غيبة.. عادت صور ومشاهد الأطفال المتسولين إلى السطح، وبدأت إشارات المرور تستقبل روادها الصغار مجددا، سواء بالتسول التقليدي أو الخفي أو السلبي ببيع العلكة والعطور الرخيصة ومناشف المطابخ ولعب الأطفال، والمتتبع الراصد للشوارع يرى المشهد بشكل ملحوظ خصوصا مع أزمة كورونا، ومع ساعات السماح بالتجول، ما يثير أسئلة أمام المتابعين حول هؤلاء الصغار؛ من يقف خلفهم؟ هل يشكلون خطرا على الصحة العامة بنقل الأمراض وعدوى كورونا المستجد أو انتقال العدوى إليهم من السيارات العابرة؟ ما خارطة طريق هذا الملف الذي بات يشكل قلقا للأهالي ويدق جرس الإنذار؟

في المقابل تتولى أجهزة الأمن القبض على المتسولين، صغارهم وكبارهم، ويتم تطبيق النظام بحقهم، وترحيل الأجنبي إلى دولته ومنعه من العودة.


وعلى أرض الواقع،أيضا، يغدق كثير من المواطنين والمقيمين على هؤلاء المتسولين مبالغ لا حصر لها، إذ لا يقتصر التسول على الكبار بل بات الأطفال في الشوارع علامة فارقة، ونشطت الظاهرة بشكل ملحوظ منذ أسابيع، وتشهد الطرق والأسواق ومداخل الأحياء صورا جديدة من تسول الأطفال «المستجد»!

أخصائية تسأل: هل هم مختطفون ؟

الأخصائية الاجتماعية سوزان المشهدي، قالت إن ظاهرة التسول خطيرة، إذ تظهر للعامة كأنها بسبب الفقر والحاجة، لكنها تنطوي على عدة دلالات تستوجب التصدي لها بحرفية شديدة، لأنها قد تحمل مآسي حقيقية داخل كل قصة طفل، فقد يكون الطفل مختطفا من عصابات استولت عليه وأدخلته إلى النشاط العصابي، تحت الضرب والتهديد والتجويع في محاولة لاستغلال المشاعر التي تتدفق من الأشخاص عندما يطلبهم طفل جائع ثمن فطيرة. فالموضوع يحتاج لخطة مجتمعية وأماكن تربوية وآمنة لاستقبال وتجميع هؤلاء الأطفال مع متخصصين في التحقيقات الأمنية لعمل سجل وبصمة، وإشراك أخصائيين أصحاب خبرة في التعامل مع الأطفال لأخذ المعلومات منهم بصورة احترافية وإرجاعهم إلى عائلاتهم، لو كانت آمنة وصالحة لاستلامهم، أو إلى دولهم لو كانوا مختطفين وانتشالهم من هذا المستنقع.

مخالفة صريحة لنظام حماية الطفل

المحامي بندر العمودي، قال إن استغلال الأطفال في التسول جريمة تهدد المجتمع والأمن وتنتهك حقوق الطفل، وعصابات الاتجار بالبشر تستغل الصغار بأبشع الطرق، وهذه جريمة يعاقب عليها النظام وتدخل في مفهوم جرائم الاتجار بالبشر، ونص نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص على أنه (يحظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك التسول)، و(يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة، أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بهما معا)، كما يعد المسلك مخالفة لنظام حماية الطفل، ويعتبر جريمة خصوصا أن الضحايا يتعرضون للتهديد بالإيذاء حال رفضهم لتعليمات من يتولون تشغيلهم من عصابات تنتهك حقوقهم، ويتعرضون للإيذاء بدنيا ونفسيا والإصابة بعاهات دائمة، فضلا عن تعرضهم إلى الخضوع والتهديد والعيش في أماكن سيئة تضر صحتهم، ولا يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية والتعليم، ويبدو عليهم الخوف، ويتصرفون بطريقة لا تتفق مع السلوك النمطي للأطفال، لذا فإن استغلال الأطفال في التسول سلوك محظور ومجرم بنص النظام.

«طيب» يروي قصص التسول من دفاتر 40 عاما

الخبير الاجتماعي مدير عام فرع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في منطقة مكة سابقا إحسان صالح طيب، عايش ملف التسول على مدى 40 عاما، خلال عمله في كافة قطاعات الوزارة، فيقول: قبل 40 عاما كانت مجموعة الأطفال المتسولين تأتي في مواسم الحج والعمرة، بعضهم يصل مشوها عمدا من عصابات تتولى قطع أجزاء من أطرافهم لاستدرار عطف الناس. وكانت مكاتب التسول تقبض عليهم وتحقق معهم. وفي فترة سابقة تم استدعاء المسؤولين من ممثليات دولهم، والآن عاد التسول بشكل آخر، وترجع أسبابه لوجود اضطرابات وحروب في بعض دول آسيا وأفريقيا.

واسترجع طيب ما حدث في إحدى السنوات، حين أمر الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، أمير منطقة مكة المكرمة سابقا، بإيجاد مركز متخصص لمعالجة أوضاع الأطفال المتسولين من الأفغان، الذين كانوا يشكلون ظاهرة من خلال التسول المستتر أو الخفي عبر البيع في الإشارات، وحاليا نشاهد متسولين بشكل واضح عند الإشارات خصوصا في المواسم والأعياد، وازدهر الأمر في أيام جائحة كورونا.

وروى طيب قصصا لأطفال تم الاعتداء عليهم قبل وصولهم إلى المملكة، بغرض سرقة أعضائهم، مثل الكلى، في أعمال إجرامية تحدث في دولهم، مستشهدا بوقائع عايشها بينت أن تسول الأطفال في كثير من الأحيان يعود إلى عمل عصابي منظم، تديره شبكات لجمع الأموال من خلال استغلال الأطفال الصغار. وتتولى أجهزة الأمن حاليا القبض على المتسولين، والملاحظ تجرؤ المتسولين على نشاطهم جهارا نهارا بلا تردد.

ونبه طيب إلى أن خطورتهم مزدوجة، تتمثل في احتمالية نقلهم لمرض كورونا من خلال بيعهم لألعاب الأطفال عند الإشارات مثل البالونات التي تنفخ منهم أو احتمال نقل الأمراض إليهم.

وحول المقترح لعلاج مشكلة وتنامي التسول، شدد طيب على أهمية تفعيل دور القنصليات باستلام رعاياها وإعادتهم لدولهم مع ذويهم، ضمن الاحترازات التي تتولاها السلطات المختصة، إضافة إلى التركيز على الجهد الجماعي لحل المشكلة، وإطلاق حملة فعالة ومستمرة للتوعية الاجتماعية.

مشغل الصغار يدربهم على مهارات كسب التعاطف

درجت الحملات الأمنية، التي تنفذها السلطات المختصة من وقت لآخر، على ضبط عصابات تسول، وتشير التحقيقات اللاحقة إلى أن الأطفال يتم الزج بهم والاتجار بهم من منتفعين عقب وصولهم من دول تعيش حروبا أو فقرا أو اضطرابات مقابل مبالغ شهرية زهيدة.

وطبقا لوقائع عمل المتسولين، رواها لـ«عكاظ» مسؤول سابق في مكافحة التسول، فإن المتنفع قائد عصابة التسول يبحث عن صفات محددة في الأطفال، ويدربهم على طرق الاستجداء وكسب العطف ممن لديهم مهارات في كسب التعاطف، وفي رواية لمسؤول سابق بمكافحة التسول في جدة، قال إن حملة تفتيش عايشها قبل سنوات أسفرت عن القبض على عدد من المتسولين بجنوب جدة، نصفهم أطفال، وكشفت الفرقة القابضة وقتها في أول منزل محاولة أحدهم التمويه بأنه والد الأطفال، الذين اعترفوا لاحقا بأن الرجل الكبير لم يكن سوى قائد العصابة. وروى المسؤول عن متسول في الثالثة عشرة من عمره، قال عقب القبض عليه، إنه مصاب في يده ووجهه بحروق، وقدم من بلده بمعرفة والده بعد أن أقنعوه أنهم سيجدون له عملا في المملكة، وعند الوصول طلبوا من الأطفال العمل في التسول قرب الإشارات والمساجد والأسواق، إذ يتم توزيعهم للعمل في المناسبات ورمضان والأعياد.

حقوق الإنسان: بامتياز.. جريمة اتجار بالبشر

مدير فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في جدة صالح سرحان الغامدي، يرى ضرورة رصد ظاهرة تسول الأطفال، والجمعية تؤكد خطورة الأمر ومخالفته للنظام وانتهاكه لحقوق الطفولة من عصابات منظمة، تهدف لحصد أموال من خلال الاتجار بالبشر، وهي الجريمة التي يعاقب عليها النظام. وبالنسبة للتسول، للأسف فإن الطفل لا يستفيد مما يقوم به، كل الذي يتحصل عليه يذهب لأناس آخرين ممن أتوا به من خارج المملكة.

وشدد الغامدي على أن المتسولين الأصليين لا يظهرون للعلن، بل يتخفون خلف عصابات وجهات مشبوهة، واسترجع ذاكرته وقال: عملت فترة مديرا لمكافحة التسول في جدة، وتم رصد عصابات للتسول‏، وأؤكد أنهم عصابات لدرجة أن مواقع التسول محددة بينهم، وقد يبيعون مواقعهم لبعض. وأضاف الغامدي: النظرة للطفل المتسول من ناحيتنا كحقوق الإنسان أنه ضحية مستغلة أبشع استغلال، ونطمح إلى الحد من هؤلاء، وبكل أسف نعبر عن قلقنا لمصير الطفل الذي يظل في الشمس لساعات، معرضا نفسه والآخرين للخطر لاسيما في ظل أزمة كورونا. نحن لا نقبل هذا ونصنفه بأنه جريمة اتجار بالبشر. وعمليا نتابع عن كثب حتى نصل إلى من يقوم بتشغيلهم ومن يقوم بالمتاجرة بهم. جهاز الأمن يكافح التسول وفق النظام ونحن معه نعول على وعي المجتمع بعدم التجاوب معهم، لكي لا يسود لديهم شعور بنجاح هذه المهنة، والطفل بلا شك ليست مهنته التسول ولا مكانه الشوارع، نحن مع رعاية الأطفال ونحث ممثليات الدول، التي يكون رعاياها من المقبوض عليهم، أن تكون لديهم برامج مناسبة لهم. والطفل له حق في حياة كريمة ورعاية اجتماعية وتعليمية بين أهله وفي بلده ومجتمعه.

ما الذي يدفعهم للاستمرار.. دراسة تجيب

كشفت دراسة عن التسول أجراها الدكتور عبدالله اليوسف من جامعة الإمام محمد بن سعود، أن غالبية المتسولين ينحدرون من أسر تتميز بكثرة عدد أفرادها، ويعيشون في بيوت شعبية صغيرة. وبينت الدراسة أن غالبية الأطفال المتسولين يكون آباؤهم وأمهاتهم أميين، والعدد الأكبر منهم لم يحصلوا على التعليم، ويقضي غالبيتهم أكثر من 5 ساعات خارج المنزل ما ينعكس في المستقبل سلبا عليهم. وطبقا للدراسة، يتراوح الدخل اليومي للأطفال المتسولين بين 30 إلى 70 ريالا وأحيانا أكثر من ذلك، ما يدر على الغالبية العظمى منهم مبالغ تدفعهم للاستمرار في نشاط التسول.