-A +A
طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@
إذا كان الفساد من أخطر المظاهر السلبية في الدول، وأكثرها فتكاً بالأمن والسلم المجتمعي؛ فإن تبعات عدم وجود هيئات لمكافحة الفساد من أهم بذور الضعف والانحلال في النظم الإدارية.. وفي المقابل فإن هذه الهيئات وبوجود عناصر الدعم لها من نظم رسمية وصحافة وإعلام ومجتمع محلي؛ تشكل محطات للوثوب والرقي والريادة، وتماسك وقوة للمجتمع والنظم، والنتيجة إنسان يبني الوطن ونظم راشدة مسؤولة تضمن حقوقه.

ومن أساسيات الحوكمة الرشيدة؛ ترسيخ النزاهة والحيادية والموضوعية والشفافية، وتلك هي الأهمية لإنشاء «هيئة الرقابة ومكافحة الفساد» (نزاهة)، التي تعمل على إيجاد آليات لتفعيل منظمة القيم والقواعد السلوكية، وتهدف إلى حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهرة وأساليبه، وهناك 20 اختصاصاً لتحقيق ذلك لا يمكن طرحها في عجالة، يمكن جمعها في التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري وإحالتها إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق، ومتابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد مع الجهات المختصة، وإعداد الضوابط للإدلاء بإقرارات الذمة المالية وأداء القسم الوظيفي للعاملين في الدولة.


ولأن مكافحة الفساد أولوية قصوى للقيادة؛ فإنها مضت بعزم وحزم في مكافحة الفساد لتنسجم مع "رؤية 2030"، التي جعلت "الشفافية" و"النزاهة" و"مكافحة الفساد" من مرتكزاتها الرئيسة، وتشهد المملكة حالياً خارطة طريق لمكافحة الفساد التي تشكل مرتكزاً أساسياً في "رؤية 2030".

وثمة نتائج متقدمة أحرزتها السعودية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد (CPI)، وتقدمها بين مجموعة دول G20 الاقتصادية، إذ يأتي مؤشرات قلة الفساد في المملكة لحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان للقضاء على الفساد المالي والإداري، وترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة والإصلاح الاقتصادي كان لها بالغ الأثر على مؤشرات القياس العالمية.

من ذلك كله وغيره؛ لا يمكن التسامح مع الفساد، ومن الواجب على مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التعاون للإسهام في نشر الوعي نشر الوعي بمفهوم الفساد وبيان أخطاره وآثاره، والتأكيد على أهمية حماية النزاهة وتعزيز الرقابة الذاتية.

وعلى هذا؛ فإن الاستراتيجية الوطنية لحماية النزهة ومكافحة الفساد تعتمد على عدة مرتكزات وتعتمد على تشخيص مشكلة الفساد، وقيام الأجهزة الحكومية المعنية بحماية النزاهة وممارسة اختصاصاتها وتطبيق الأنظمة.

وعندما باشرت «نزاهة» وفق بياناها اليوم (الاثنين)، 105 قضايا جنائية الفترة الماضية، فإنها تريد التأكيد على تطبيق الأنظمة بحق كل من يمس المال العام بشكل غير مشروع أو يخل بواجباته الوظيفية المقررة نظاماً، ولن تتهاون في ضبط ومعالجة جرائم الفساد المالي والإداري مهما قلت تكلفتها أو كبرت ولا تسقط بالتقادم، وستمضي في تتبع ممارسات الفساد والكشف عنها وتقديم من يثبت تورطه إلى القضاء، وستنفذ اختصاصاتها المقررة نظاماً بكل حزم، وستستمر في حماية المال العام ومحاسبة من يستغل وظيفته لتعطيل مشاريع التنمية أو الأنشطة الاستثمارية، أو الإضرار بالمصلحة العامة بأي صورة كانت.

وانطلاقاً من مبدأ الشفافية، فإن «نزاهة» ستعرض على الرأي قضايا الفساد التي تنتهي من بحثها، ولذلك تحث المواطنين والمقيمين والمتورطين على سرعة تقديم ما لديهم من معلومات عبر القنوات المتاحة، وستمضي في تتبع ممارسات الفساد والكشف عنها وتقديم من يثبت تورطه إلى القضاء.

ومع ذلك، فإن الفرصة ما زالت للراشي والوسيط عند مبادرتهما للإبلاغ عن جريمة الرشوة قبل اكتشافها بإسقاط العقوبة الأصلية، وكلٌ مسؤول في الإبلاغ عن أية ممارسات فساد مالي أو إداري.