-A +A
زياد عوض
ماذا أريد من نفسي؟ هل هذه هي الحياة التي أريدها؟ هل هذا الخطو يمثلني؟ ما هي وجهتي؟ هل أريد أن أصل لها أصلًا؟ تساؤل واحد حين حفرته بيديّ العاريتين تفجرت منه تساؤلات لا حصر لها، أم أنها سالت من أصابعي؟ لست أدري. وهذا حطب التساؤل: أن لا تدري.

خلال أيامي الماضية عبرت بي تساؤلات لا حصر لها، بعد أن أتممت عامي الواحد والثلاثين، سقط التساؤل فجأة في وعيي مثل حيوان نافق وتورطت، لم أعرف وقتها ماذا أفعل، ليست هذه المرة الأولى التي يزورني فيها هذا الحيوان، ولكنه كان على قيد الحياة في السابق، يعبر البال ببطء غالبا وينصرف، أحيانا يقف على الخاطر لأيام وأحيانا يركض بسرعة خارج إدراكي، كان ميتا هذه المرة وله رائحة لاذعة، أدركت حين شممتها لأول مرة مدى خطورتها، لأنها ذكرتني مباشرة بكل هزائمي.


عرفت لاحقا أن هذا الحيوان النافق في داخلي له اسم: أزمة منتصف العمر، هكذا يسمى، وعرفت أيضا أن رائحته دارجة في الثلاثينات ويمكن اعتبارها الإيحاء الحقيقي لها، لدي تصور قديم منذ المراهقة أقول فيه عن الحياة بأنها أزمة، العمر كله أزمة، ولكنه كان تصورا فقط، لم أدرك واقع هذا التصور وقتها، ومثل كل الوجهات التي يمشي إليها الإنسان في حياته، لا يشعر بالقرب ولا حقيقة الرحلة إلا بعد المنتصف، وهذا سبب شائع لاستقالة كثير من الناس من مشاويرهم، لقد أدركوا معنى الرحلة عند المنتصف واختفى دافع المجهول اللذيذ الذي كان يغذي الخطوات بالرغبة، لم أدرك واقع تصوري إلا قريبا، بعد عام كامل في رائحة الثلاثينات، بعد عام كامل في المنتصف شعرت بواقع الأزمة، ويجب أن أقول الآن إنني كنت خائفاً ومأخوذاً بحيرتي، لم أكن أعرف من أنا وماذا أريد، وكأنني استيقظت في الخامس عشر من أكتوبر في جسد شخص آخر غيري.

تخليت عن رغبتي في الانتصار بمعركة الحياة منذ زمن، أتوقع أنني تخليت عنها في منتصف العشرينيات، لكي أكون دقيقا لقد تخليت عن مفهوم المعركة كليا، لا أريد أن أكون جنديا في قصتي، أريد أن أكون سائحا، لطالما فُتنت بهذه الكلمة وتخيلت في كل مرة أنطقها فيها رجلا يدس يديه في جيوب البنطلون ويمشي، لا يريد أن يصافح أحدا، لا يريد أن يصل، ولا يلوح بيديه مودعا أحدا، يريد أن يمشي فقط ويدرب خطواته على أية وجهة يقترحها الطريق، ولكي أكون دقيقا أيضا هذا كان انتصاري الحقيقي في هذه الحياة، حين أدركت أن مفهوم الهزيمة فخ، والرغبة الدائمة في الانتصار زنزانة، كان انتصاري العظيم والأخير أنني أفرجت عن نفسي.

هكذا قضيت أيامي الأخيرة، سائحاً في أيامي، أترك التساؤلات تأخذني من مكان إلى آخر، أعرف الآن بعد أن عدت متخففاً من نزهة تساؤلاتي أن الإجابات نهاية، وأن الخطو استفهام، لا يهمني أن أجد إجاباتي الآن، أريد أن أتساءل أكثر، أريد أن أجرب أكثر، لأن الحياة بشكل ما تساؤل، والتجربة الجديدة دائما هي بحث عن الإجابة، لا تقلق من تساؤلاتك ولا من عدم قدرتك على إيجاد إجابات كافية لها، ما دمت تتساءل إذا أنت حي، وهذا يكفي.