-A +A
صالح زمانان
مرحباً أيّها البيت الرَّحب البديع، أيّها العالم. نحن هنا، نحن العرب، الذين قدّتنا الشمس من أقسى مُخيّلاتها الأزليّة، فظلّت تتذكرنا كلما خَرِب مزاجها، وتُوقع بنا الشدائد والأسطورة، دون مناحيك كلها. نحن الذين في جهتك المسكوكة بالآلام والحروب، المُتخمة بتاريخ الفقد والأحزان، منذ قتالات الآلهة العتيقة، وحتى تلك الحُمرة القانية في قميص «آلان»، ذلك الطفل المُسجى كالأسف.

اليوم، أيّها المحبوب، جهة العناء الموشومة تلك، ما عادت تُرى، وها نحنُ كغيرنا، في اللا جهة. كُلّنا في ضفّتك المشتركة، قبيلة الإنسان بأسرِها، نُعاني الهلع والجفول، وبأرياقٍ يابسةٍ نرفع رايات البقاء، في أرض الضباب المسقوفة بالخفافيش حيناً، وفي بيداء الغُبار التي تُحلّق فوقها النسور حيناً آخر.


غاب عنّا التعالي والتنمّر والتنابز كلمحٍ بالبصر يا عالَمنا الجميل، لن تصدّق الأمر لو لم يكن فيك. فرغم ما صنعنا من خراب، ومن كلّ أسباب الخجل والعار، إلا أننا نوشك أن نغنّي معاً، نعم، كُلّنا عِيالك اليوم، نراقب بعضنا كأُسرةٍ في أيام الحرب، ونسأل العائدين المُقنّعين عن الذين لم يتمكّنوا من العودة للبيت.

آه.. أولئك الذين قُطف أوكسجين حدائقك وغاباتك من رئاتهم، فصاروا أرقاماً في قوائم اليوم التالي. أولئك الذين ننام كل ليلة ونحن نتخيّل أسماءهم وهي تسري من نوافذ الأعراق واللغات، وتصعد للقمر.

بلى أيّها المحبوب، ننام كل ليلة، فلا تتركُنا أحلام الحتوف، وفي كل مرّة نقفز من أسرّتنا في فراغ الفزع، لنحدّق في صدور أطفالنا والأحباب، بأنفاسٍ مكتومة نتأكد من نَفَسهم. نتأكد من أنّ الريح لم تفتح لهم نافذة في منازل القمر.