غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
-A +A
علي فايع (أبها) alma3e@
لا يكتسب كتاب «الأستاذ محمد بن إبراهيم بارزيق.. حياته من وثائقه» لمؤلفه محمد عيسى الراقدي -الصادر حديثاً في 240 صفحة من القطع الكبير- مكانته وقيمته الأدبية والثقافية من كونه يتتبع حياة أديب وتربوي فقط، بل يكتسب المكانة أيضاً من كونه يوثّق بشكل عام للحياة الاجتماعية والثقافية والإنسانية في رجال ألمع بشكل خاص، ومنطقة عسير بشكل عام، إذ تُبْرز الوثائق وعددها (83) وثيقة التي اعتمد عليها الراقدي في كتابه العديد من المظاهر الاجتماعية والتربوية والثقافية والتاريخية التي مرّت بها المنطقة في العقود الماضية.

الكتاب، كما يقول مؤلفه، اعتمد على وثائق وأوراق ومراسلات كانت مجموعة ومحفوظة في أربعة ملفات كبيرة تقدّر أعدادها بالمئات، لذلك اتجه المؤلف إلى تصنيفها وترتيبها وإعادة كتابتها تسهيلاً للقارئ، واختار منها ما يبرز جوانب متعددة ومشرفة في شخصية الأستاذ ويعكس جانباً مهماً من صور وأشكال وأنماط الحياة في ذلك الوقت، كما حرص المؤلف على إنجاز هذا العمل وتقديمه في هذا العام 1443هـ ليكون مناسباً لحلول ذكرى مضيّ ستين عاماً على وفاة الأستاذ محمد بن إبراهيم بارزيق في شهر جمادى الآخرة عام 1383هـ.


الكتاب أبرز العديد من جوانب حياة الأديب والتربوي محمد بن إبراهيم بارزيق (ثاني مدير لمدرسة البتيلة الابتدائية) بعد الأستاذ عبدالله محمد قاسم التي افتتحت في عام 1372هـ.

بدأ الأستاذ عمله مديراً في ابتدائية البتيلة في رجال ألمع عام 1376هـ ومع هذا التاريخ بدأ نشاطه التربوي والأدبي، إذ أبرزت الوثائق في هذا الكتاب حرصه على التواصل مع أهالي الطلاب وتشجيعهم على إرسال أبنائهم إلى المدرسة، إضافة إلى الوثائق التي أبرزت حرصه على توفير الوسائل التعليمية للمدرسة من خلال رسائل بعثها لأصدقائه في أبها وجيزان والرياض لمساعدته في تأمين تلك الاحتياجات.

كما اهتمّ الكتاب بإبراز جوانب التفاعل مع المجتمع من خلال الرسائل المتبادلة مع أولياء أمور الطلاب في توجيه أبنائهم إلى المدرسة، وتشديد أولياء أمور الطلاب على المدرسة بضبط هؤلاء الأبناء بعد أن غادروا بيوت آبائهم، كما أبرزت الوثائق الثقة التي كان يغرسها الأستاذ في نفوس الطلاب، ومنها الطلب الذي تقدّم به رؤساء الفصول في عام 1378هـ يطلبون فيه عطلة يوما قبل العيد ليتمكنوا فيه من تغسيل ملابسهم وتنظيفها، وتبرز الرسائل المتبادلة في هذا الشأن إشراك هيئة التدريس في المدرسة في اتخاذ القرار بتوجيه رسالة منه إليهم لإبداء رأيهم في هذا الطلب.

كما أبرزت الوثائق في هذا الكتاب العلاقة الحميمة التي كانت تجمع الأستاذ بالمعلمين المتعاقدين من غير السعوديين، إذ لم تقتصر على المعلمين فقط، بل وصلت إلى آبائهم في مختلف بلدان العالم العربي، إضافة إلى علاقته الوطيدة بالمجتمع المحلّي، وإبراز الوثائق لجوانب أخرى من الشراكة المجتمعيّة في العديد من الموضوعات التي تخصّ المجتمع المحلّي، ويمكننا الاستشهاد على ذلك بالخطاب الذي وجهه الأستاذ في 25/‏ 7/‏ 1381هـ إلى نائب قرية البتيلة يطلب منه الحضور مع اللجنة المكونة من الإمارة والمحكمة والشرطة لتقدير الأجرة اللازمة للغرف التي أحدثت بالمدرسة ليتم بعد ذلك الرفع بالقرار المتخذ لفضيلة مدير التعليم في أبها.

وفي الجانب الثقافي أبرز الكتاب متابعة «الأستاذ محمد بن إبراهيم بارزيق» للصحف المحلية. إذ كان من الرواد الذين تواصلوا مع صحيفة اليمامة الأسبوعية بالاشتراك فيها 1379هـ، إضافة إلى علاقته الوطيدة بصفحة عسير في جريدة «عكاظ» 1382هـ وطلب المحرّرين يحيى بن إبراهيم الألمعي وسليمان بن علي الحفظي منه مشاركته لهما في الكتابة في هذه الصفحة وإبرازها، وكذلك المراسلات التي كان يبعثها إلى صحيفة البلاد، وكان له اهتمام بالشعر، فقد كان يقرضه، كما كان رحمه الله حريصاً على التواصل الثقافي والمعرفي مع الأدباء والمثقفين.

الكتاب بشكل عام أبرز جوانب مهمّة في حياة الأستاذ، كاهتمامه بالتوثيق، واحتفاظه بكلّ هذا الثراء المعرفي، إضافة إلى أنّ هذه الوثائق كانت صورة ناطقة للمجتمع الذي مثلته، وكان فيها الأستاذ قريباً من الناس، معيناً لهم، ومعنياً بهم، وقد أجاد المؤلف الراقدي في تقديم هذا العمل بالوثائق التي لا تقبل تشكيكاً أو تأويلاً.