-A +A
د. بدر بن هديان * benhadyan@
حدثني أحد الأصدقاء العاملين في الصليب الأحمر الياباني أن حكومة طوكيو أرسلت ذات مرة، فريقا طبيا إلى إحدى القرى الأفريقية البدائية للمساعدة بالعلاج لتقليل حالات وفيات الأمهات، وواجه الفريق مشكلة كبرى إذ لم تأت أم واحدة إلى العيادة للكشف أو لطلب العلاج أو للولادة، لأن الناس هناك كانوا يفضلون المعالجة الروحية في القرية على الذهاب إلى هناك، فلجأ الفريق إلى المعالجة الروحية والطقوس التقليدية، كما يمارسها الأهالي في قريتهم. فازداد الإقبال على العيادة، وازدادت حالات الولادة فيها، في ظل بركة المعالجة الروحية.

تذكرت هذه القصة، وأنا أقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي ما أشيع أخيرا من أن وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة أقر جملة من التعديلات على اللائحة التنفيذية لنظام الرعاية الصحية النفسية، بمقتضاها، سيتم السماح بإجراء جلسات الرقية الشرعية داخل منشآت الصحة النفسية.


وبينت في دراسات سابقة أن العلاج الديني يعتبر من بين العوائق التي تمنع الفرد المصاب أو المعرض للإصابة بأمراض نفسية من أن يحصل على خدمات الصحة النفسية، وتطرقت إلى دراسات سابقة كشفت أن أكثر من 50% من الأفراد في السعودية يفضلون الحصول على مشورة معالج ديني لأمراض نفسية مختلفة، إضافة إلى أن غالبية الأشخاص الذين يستشيرون المعالجين الدينيين يعانون من الاكتئاب والقلق.

ولكن إذا افترضنا صحة هذه الشائعة وإقرار التعديلات وتفعيلها، فإن سؤالا قد يتبادر إلى الأذهان حول ما إذا كنا أناسا رجعيين حتى نتخذ هذا الإجراء؟

الجواب أننا لسنا كذلك، بل إن قرارا كهذا يجعلنا في مقدمة الدول التي انتبهت إلى أهمية العلاج البديل أو التكميلي، وسمحت به. فالعلاج الروحي أو الديني موجود في أغلب الديانات السماوية أو حتى الوضعية، تطبقه وتعترف بعض الدول المتقدمة وتعتبره من أنظمة العلاج البديل. وبناء على ذلك أعتقد أنه سيساعد على تقنين دور الرقاة الشرعيين ويجعل مهنتهم مهنة تستوجب الحصول على شهادة علمية ورخصة لمزاولتها، وفق معايير دقيقة تضبطها وزارة الصحة، فيساعد ذلك على التقليل من الدجل، والجشع، والتحرش. دون أن ننسى أيضا، إمكانية استحداث تطبيقات وبرمجيات إلكترونية تسمح للفرد بالتأكد من مدى مطابقة الراقي للشروط والمعايير الحكومية المفروضة، فضلا عن معرفة حقوقه ومسؤولياته.

والخلاصة، أنه لا يجب علينا أن نتجاهل لماذا يذهب الناس إلى الرقاة.. إنه الأمل والشعور بالانتماء والطمأنينة والوجدانية التي لا يوفرها العلاج النفسي الصحي. وحتى وإن كان الخبر لا يتعدى حدود الشائعة، فإنه يمثل فرصة لمزيد البحث والتفكير في فوائد دمج الرقية الشرعية مع الرعاية الصحية النفسية، عسانا نحقق ما حققته التجربة اليابانية في تلك القرية الأفريقية.

* باحث في مجال الصحة النفسية الإلكترونية