-A +A
طلال صالح بنان
لأكثر من سبعة عقود نعمَ العالم بسلام كوني، لم تشهد البشرية له مثيلاً، منذ بدء الأنظمة الدولية الحديثة، نهاية القرن الخامس عشر. عاش العالم سلاما كونيا، شهدت البشرية بفضله نمواً اقتصادياً.. وتقدماً تكنولوجياً.. واختراقات علمية، أوصلت الإنسان إلى الأطراف المعتمة من النظام الشمسي. مع ذلك لا يمكن الزعم: أن نظام الأمم المتحدة كان وراء عدم نشوب حرب كونية ثالثة.

في حقيقة الأمر: سلوك الدول على مسرح السياسة الدولية لم يخرج عن نهجه الصراعي التقليدي، في بيئة دولية شبه فوضوية. حتى مع مظاهر التعاون التي تطورت في بيئات حكمتها (تاريخيا) سلوكيات الصراع، لم تكن مظاهر التعاون تلك تعكس رغبة حقيقية للسلام، بقدر ما تعكس خضوعا لآلية ردع استراتيجي متبادل قاهر.


بسبب امتلاك القوى العظمى، لأسلحة دمار شامل، تغلبت غريزة البقاء عند الإنسان على ميله الفطري للصراع. طوال فترة الحرب الباردة، وحتى الآن، لم تجرؤ أية قوة عظمى على تبني عقيدة الضربة النووية الأولى وتضمن، في نفس الوقت، عدم قدرة العدو على الرد بضربة نووية ثانية.

إلا أن توازن الردع النووي، لا يستند فقط على تخلي القوى النووية عن عقيدة الضربة النووية الأولى. يظل هناك احتمال لنشوب حرب نووية كونية، إذا ما تطورت ظروف استراتيجية غير مستقرة. إذا ما شعر أحد أطراف معادلة الردع النووي أن خصمه، فقد السيطرة على ترسانته النووية، لأي سبب من الأسباب، يمكن أن يدفعه إلى تجربة الخيار النووي، طالما أن هدف الهيمنة الكونية، لا مجرد البقاء، هو المحرك الرئيس لدى القوى العظمى لتطوير ترساناتها النووية.

من المحتمل جدا، أن يكون من أخطر تداعيات فايروس كورونا، إحداث خلل، في منظومة الردع الاستراتيجي الكوني. الأسبوع الماضي أعلن عن اكتشاف إصابات بفايوروس كرونا، بين طاقم حاملة الطائرات النووية الأمريكية (تيودور روزفلت) في المحيط الهادي، أخرجتها مؤقتا من الخدمة. ماذا لو تكرر الأمر في صوامع إطلاق الصواريخ البالستية النووية عابرة القارات في البر الأمريكي، أو في أوروبا.. وكذا في أسطول الغواصات الاستراتيجية النووية الأمريكية.

ليس من شك في أن حادث حاملة الطائرات روزفلت.. واحتمال تكراره في قطع ومواقع ترسانة الولايات المتحدة النووية، حول العالم... مع احتمال وقوع مثل هذه الحوادث في ترسانة خصوم الولايات المتحدة التقليديين (روسيا والصين) من شأنه أن يحدث خللا خطيرا في منظومة الردع الاستراتيجي الكونية، يدفع العالم إلى ظروف استراتيجية غير مستقرة تؤذن بحرب كونية، لا تبقي ولا تذر.

عندما تفقد آلية الردع الاستراتيجي عقلانية الاحتكام بقواعد حركتها، يتحرر أطراف معادلة التوازن الاستراتيجي من عقدة خوف المجازفة بتجربة الخيار النووي. هذا، قد يكون، الخطر الاستراتيجي المهلك لفايروس كورونا، الذي لم يحسب حسابه، في معادلة توازن الرعب النووي.